أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد شحيمط - نداء سقراط















المزيد.....

نداء سقراط


احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)


الحوار المتمدن-العدد: 7326 - 2022 / 7 / 31 - 19:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سقراط الفيلسوف الأثيني المحب للفضيلة والحكمة، فيلسوف بوجه حاد وملامح قاسية ولسان لاذع كما تصفه بعض الأقلام الخاصة بالفلاسفة وتاريخهم، يمكن اعتباره منعطفا في تاريخ الفلسفة، ومن كبار الفلاسفة الذين رسخوا فكرة التفلسف وتوليد الحقيقة، سؤاله الفلسفي متعدد، وأهدافه النبيلة والمعلنة مكشوفة للكل، منها محاربة الفكر السفسطائي ومغالطات التفكير القائم على مصداقية الإنسان باعتباره محورا للحقيقة ومقياسا للمعرفة، غاية الفيلسوف تحرير الذهن من التقاليد والجهل المستبطن في أعماق الإنسان، صورة جديدة للفيلسوف الجوال العاشق للسؤال والحقيقة، يشبه نفسه بالذبابة الخشنة التي تضايق الجواد النبيل، يسأل ولا يجيب الجواب القطعي، بذلك أدرك سقراط قيمة التوحيد بين الفضيلة والمعرفة، وقيمة الغوص في الذات بحثا عن الحقيقة. فالجهل يتولد عن النسيان وعدم الإنصات للمعلم أو المرشد، هذا المعلم من طينة سقراط وطريقته المعروفة في توليد المعرفة بناء على السؤال والتهكم وفحص المعرفة بالنقد والحوار حتى تنتهي نحو بناء الإنسان، فلا يتم البناء إلا بالعلم والمعرفة والأخلاق، بحيث يمكن اعتبار نظرية سقراط بناء مكون من المعرفة، والسبيل هنا يتعلق بالإدراك العقلي، والعناية بالتعريفات، والمستوى الآخر يتعلق بالأخلاق، وترسيخ المبدأ القويم في العقول من خلال العمل على إذكاء روح التفلسف، وغرس الحكمة في الشباب. فالعمل الأخلاقي لا يمكن فصله عن المعرفة ، والأصل في الشر والرذيلة يعود بالأساس للجهل، فلا تأتي المعرفة إلا من الداخل، قاعدتها العودة للذات في عملية نوعية من الطبيعة والمادة نحو النفس والفكر الخالص، لكن سقراط في نهجه السديد كان يتصنع الجهل ويقدم نفسه بتواضع للناس، خطة الفيلسوف وأهدافه البعيدة، محاولة تكوين جيل من الشباب يفكر بطريقة سليمة، وبدون مغالطات، يكون الفكر هنا نابعا من الذات ومن الماهيات، تفكير أصيل يتجاوز كل التقاليد، وكل ما ترسخ من أفكار نفعية كانت تميل أشد الميل نحو الجدال، وإعداد الشباب للمناصب السياسية، لعل محاكمة سقراط أمام القضاة أظهرت للقارئ المتمرس حقيقة الاتهام الذي كان بالفعل من قبل شاعر وخطيب وسياسي، لكن في عمق الأسباب، كان الأمر أشبه بادعاء عام وقضية ممزوجة بين ما هو سياسي واجتماعي، سخرية سقراط من أطوار المحاكمة صورها أفلاطون بإخراج بارع وحوار شرس بين سقراط والقضاة . لم يعد سقراط يُحتمل من قبل الديمقراطيين ولا من قبل الارستقراطيين، تجرع سما ورفض الهروب والفرار من المدينة، وامن بالقوانين رغم الحكم عليه بالإعدام وشرب سم الشوكران، انتهت حياته الجسدية وبقيت فلسفته خالدة وممتدة في المذاهب الفلسفية . نداء سقراط موجه لكل إنسان عاقل ومفكر للعودة قليلا نحو الذات، خطوة في تلمس المعرفة وإدراك الحقيقة، الذات عالم كبير يختزن كل الحقائق القابعة في النفس، لذلك كان التعبير الأفلاطوني صريحا في القول أن المعرفة تذكر والجهل نسيان . أسباب النسيان واضحة عندما ينغمس الإنسان في المحسوسات ولا يقوى على الخروج من الكهف والارتقاء في سلم المعرفة .

غاية الفيلسوف من الحوار إقامة قواعد جديدة للتفكير الذي يبدأ من قاعدة شهيرة أو حكمة كتبت على معبد"دلفي" مفادها دعوة الإنسان للعودة إلى ذاته . فالمعرفة لن تقوم إلا على مبدأ العودة لمعرفة الذات، تلك المعرفة الموجودة في النفوس والقابعة في الأعماق، وليست كل المعارف متعلقة بالخارج، فعندما سئل سقراط عن فلسفة الحكماء السبعة قال بالفعل أنها فلسفة حسنة، ميزتها العناية بالطبيعة دون نقل المعرفة اتجاه الإنسان، فجاءت فلسفته للعودة نحو الذات، عودة مشمولة بالسؤال الفلسفي عن الماهيات والفضائل المثبتة في النفس، هناك فرق كبير بين التعليم السقراطي والتعليم السفسطائي، فرق كبير في الفكر والأسلوب، نمطين من الأفكار والمعارف، وما يجمع بينهما التفكير والتساؤل عن الإنسان بدل الطبيعة، يعني نقل المعرفة من الطبيعة الجامدة نحو الطبيعة الإنسانية، هذا الكائن الإنساني منبع الأفكار والنظريات. فالحقيقة ليست في الواقع الخارجي المادي، ولا تعني الحقيقة أنها مستقلة ومتعالية، لكن في التجريد والتعريفات تكمن الحقائق الخالدة عملا بالمبدأ الذي وضعه أفلاطون في أسطورة الكهف، يعني الربط المتين بين المعرفة والفضيلة، وعملا بالفكرة التي تقول "أنا أعرف شيئا واحدا وهو أنني لا اعرف" ، سقراط أحكم الناس، حكمة اعترفت بها كاهنة معبد "دلفي"، إنه الفيلسوف الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، دخلت معه الفلسفة إلى البيوت، وبدأت تخيف بعض الخصوم والأعداء، الذين اعتبروا التعليم السقراطي خطرا عليهم وعلى النظام السياسي والاجتماعي. لم يكن سقراط سوى فيلسوف داهية في الحوار والجدال، يكثر من طرح الأسئلة دون أجوبة محددة، يستفز الخصوم في الساحة العمومية، بل كذلك أثناء المحاكمة، عندما تمادى سقراط وتحدى القضاة دون توكيل أحد للدفاع عنه مما أثار اندهاشهم من أقواله وجرأته لأنه أدرك أن المحاكمة باطلة ولو كانت مبنية على صيغة قانونية، فالقانون الأسمى يصاغ بالإنصاف ومن الطبيعة الإنسانية الصانعة للخير، أما الذين قدموا في حقه هذا الاتهام لا يعرفون مدى إيمان سقراط بعدالة قضيته، ولا يعرفون شجاعة الفيلسوف أمام الموت لإيمانه بخلود النفس، هو رجل تجاوز السبعين من عمره، يدرك بالتمام أن قضيته تتجاوز حكم القضاء نحو اعتبارها قضية ادعاء عام ، ولو كانت أثينا منصفة في حق رجالها لكان سقراط الحكيم خارج المحكمة ينعم بالحرية .

يصور الفيلسوف أفلاطون جرأة سقراط وقدرته في مجاراة النقاش والإنصات للخصوم مع تفنيد منطق أفكارهم الذي ينطوي على مغالطات، ونتائج قائمة على مقدمات غير دقيقة، وإذا كان البعض يعتبر أقوال سقراط نفسها أقوال أفلاطون وفلسفته مغلفة بالحوار ومنسوبة إلى شخصية سقراط، هذا الأمر استلزم من الباحثين والمهتمين بالفلسفة وتاريخها أن ينقسموا في مواقفهم بين وجود فلسفة واحدة ومتداخلة بين المعلم وتلميذه، وبين قائل أن شخصية سقراط وهمية ولا وجود لها، ويقاس هذا الموقف ذلك بغياب الكتابة ودهاء أفلاطون، ونقول لعلها الصداقة المتينة بين أفلاطون وسقراط وخوفه على الفلسفة من الضياع وبالتالي يضيع إرث المعلم وتعاليمه في قول الحقيقة ومخاطبة الإنسان في عقله، وضد العداء السافر من خصوم الفيلسوف راح أفلاطون يدون ويكتب عن كل المشكلات، ويروي من مركز المدينة فسيفساء المجتمع اليوناني وأطيافه، يصور حياة الأثينيين ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، قراءة أخرى تعتبر هذه اللحظة دليل على التناغم والانسجام، ودليل آخر على بداية تشكيل فكر جديد يهتم بالإنسان والفضيلة، سقراط الحكيم الذي ظل يمشي في الأماكن العمومية، يلح عل الناس بالأسئلة، لا يكف عن استفزاز المحاور ويرغمه في النهاية أن يقر بقصوره المعرفي، الطريقة السقراطية التي تشكل أساس المحاورات الأفلاطونية، فالحلقة السقراطية لا تشير إلى وجود محاور اسمه أفلاطون، فغالبا ما تقدم الشخصيات على أنها من مجالات مختلفة، رجال سياسة وفنانون وسفسطائيون، المدون هنا هو أفلاطون، شاهد عيان على طبيعة النقاش، الذي أعاد صياغة الأفكار من جديد في قالب فلسفي مفعم بالسؤال والجواب، والحوار الذي لا ينتهي، ويكون في غالب الأوقات مفتوحا أو يهزم الكل أمام حجة سقراط ومنهجه في الاستمالة .

لا يمكن فهم الفضيلة وإدراك الماهيات دون معرفة وعلم، الفضيلة مرادفة للحكمة، والشر يصدر عن الجهل والقصور المعرفي، فلا بديل عن ذلك إلا بالعودة للذات، المعرفة تذكر والجهل نسيان، في عالم السقوط والانغماس، في عالم المحسوسات تغيب الحقيقة، هكذا قدم سقراط نفسه للناس على أساس الحكيم الذي يريد تحرير الناس من التقاليد والأفكار الجاهزة، يدرك سقراط مرة أخرى حاجة الناس للفلسفة التي تعنى بالأخلاق والمعرفة، لا يمكن تفسير الأشياء وفق أهواء الناس، وما يبتغيه التفكير المضاد من جعل الحقيقة نسبية قابلة للقياس من قبل الفرد. فالصوت أو النداء الداخلي الخاصة بسقراط هو نوع من الحدس واليقين الذي يحرك التفكير والمنطق مما جعل سقراط لا يصغي إلا لذاته، وينصت للآخر حتى يفحص منطلقات الأقوال والمواقف ثم يلتف على الأجوبة ويخلق منها أسئلة جديدة، ويترك الخصم في حيرة من أمره عن الجواب اليقيني إلا أن السؤال السقراطي ظل منفتحا وغير مسيج باليقين المطلق. ينتهي الحوار بدون أجوبة قطعية، وتنطوي المحاورة على مجالات متنوعة تشمل العدالة والأخلاق والنفس والحب، وسائر الفضائل، نداء سقراط موجه نحو الذات والآخر، نداء من أجل المعرفة والحقيقة، أن تعمل الفلسفة على نقل المعرفة من الوجود المادي إلى الوجود الإنساني . أفلاطون كان دو العشرين سنة عندما التقى سقراط ، فلا نتفق مع أولئك الذين يعتبرون شخصية سقراط وهمية وحضوره في المحاورات هو حضور مفتعل حتى يقوم أفلاطون بتمرير أفكاره وأقواله، تهمة لا تصمد أمام الدراسات والأبحاث، وأمام المذاهب الفلسفية التي تأثرت بسقراط وأفكاره في الأخلاق وطريقته في التفلسف، ومنهجه التوليدي . الفيلسوف الذي لم يكتب أي شيئ، معلم بدون أجر . بقي مبدأه صامدا " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك". هذا المبدأ القويم يمثل جوهر الفلسفة السقراطية، وطريقته في توليد الحقيقة هي بالأساس بناء الإنسان في بعده المعرفي والأخلاقي معا، أما أفلاطون فقد كان حريصا على نقل شخصية سقراط وفنه في الحوار والنقاش، وظل ناقما على السياسة والديمقراطية، وأفكاره عرفت تدرجا واختلافا عن معلمه سقراط، وخوفا على الفلسفة وإيمانا بالتفلسف عاد أفلاطون بخيبة أمل من حلم إقامة الجمهورية المثالية وتحقيق صورة الملك الفيلسوف في تجربته مع حاكم صقلية، واعتقد أن الأسباب متعددة جعلت أفلاطون ينقل الفلسفة من الساحات العمومية ومن طابع التعلم على طريقة سقراط إلى ربط الفلسفة بالأكاديمية .



#احمد_شحيمط (هاشتاغ)       Ahmed_Chhimat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجابري وقضية حقوق الإنسان
- الخوف من الاخر
- مسار التاريخ بدون نهاية حتمية
- الفيلسوف وعالم السياسة
- الجابري وقضية الديمقراطية
- الفلسفة والتجربة الدينية
- الانتخابات الأمريكية والخوف من المجهول
- البرغماتية فلسفة في المنفعة
- هيجل والعالم الشرقي : تأملات فلسفية في الوعي والحرية
- النوع الاجتماعي ومشكلة العلاقة بين الانوثة والذكورة
- الشخصية في الرواية العربية
- دون كيشوت والحروب الخاسرة
- فكرة الحرية في زمن التفاهة
- هل الحرب العالمية الثالثة قادمة ؟
- الاعلام العربي وأوهام الموضوعية
- لبنان يصنع الحدث
- لا أمل في الخلود بفضل الثراء
- الانسان في الفلسفة الوجودية
- هل يعود المكبوت التاريخي من جديد ؟
- في مفهوم السلطة


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد شحيمط - نداء سقراط