أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد شحيمط - هيجل والعالم الشرقي : تأملات فلسفية في الوعي والحرية















المزيد.....

هيجل والعالم الشرقي : تأملات فلسفية في الوعي والحرية


احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)


الحوار المتمدن-العدد: 6753 - 2020 / 12 / 6 - 04:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يهدأ الفكر الغربي في إقامة التضاد والتقابل بين ذاته والآخر، مرآة تنعكس عليها تطلعات الغرب كوريث للحضارة اليونانية والرومانية، يقدم الغرب نفسه رائدا في العقلانية، كيان ينعم بالحرية، وشرق مضاد ثقافيا وفكريا، نتاج لانتقال الروح كثقافة وحضارة من الشرق نحو الغرب، واكتمال التطور من خلال تلك الوحدة التامة بين الذاتي والموضوعي، بين المجرد والمحسوس، انتقال الحضارة في تأملات هيجل من الشرق نحو الغرب، وبالذات من مصر نحو اليونان، عندما ودعت الروح الطبيعة في سمو الفكر عند الفراعنة، الذين اعتبروا النفس البشرية خالدة، ومنحوا قيمة عليا للفرد، وقدرة الذات على البقاء في إطار التصور الذاتي ، ما يريده هيجل بالذات ملامسة التدرج في مسار التاريخ والعقلانية حتى الإعلان عن النهاية، دورة الحضارة من البداية نحو الاكتمال دون العودة من جديد للشرق، ملامح القيم العقلانية، ومسار العقل والإرادة الكلية، حيث تعني وحدة الإرادة الذاتية والعامة التي تنتهي للتعيين في الواقع وبناء الإنسان، فالتناقض الذي ينتج حقائق مثيرة في تطور الإنسان والفكر، جدل الإنسان وذاته، وجدل الإنسان والطبيعة، وهذا التقابل بين الحضارة و"البربرية"، بين العقل كمقياس في النمو والإبداع، والاستبداد كظاهرة في السلطة والتسلط، عوالم الحرية الثلاث، يعني انتقال الروح وسمو الفكر المحدد بالغايات القصوى التي لا يدركها الإنسان ، التاريخ عرض للروح، العقل يحكم التاريخ، وجوهر الروح الحرية ، وعندما يتأمل هيجل في أهداف الحرية وغايات التاريخ، يدرك هذا الانتقال من العالم الشرقي نحو العالم اليوناني والروماني، وأخيرا العالم الجرماني ، روح الحضارة والتاريخ بدأت في الشرق والحضارات الشرقية، وينصب تحليل هيجل على الشرق القديم والشخصية الشرقية، من الصين والهند وبلاد الفارس ومصر ، قراءة في التاريخ العام بنكهة فلسفية، دون التغلغل في تحليل الاقتصادي والسياسي، سوى ما يتعلق بالتركيبة السكانية والجوانب النفسية والعقلية، يقابل هيجل تجليات الروح التي لازالت حبيسة في الفكر بدون ملامح واضحة، الوعي في حالة تخمر والذات في سبات بعيدا عن الوعي الذاتي كثمرة أولى لانتقال الروح نحو الطبيعة، والتعين كفكر موضوعي، فكر شيد الأنظمة والمؤسسات، وأرقى الأشكال التنظيمية الدولة، بوصفها نظام عقلاني مبني على الحرية والمواطنة، وتحرير الناس من الخوف والترهيب.

لا تتجسد معالم الروح إلا في إطار الوحدة والتناقض بين الذاتي والموضوعي، ولا تكشف عن نفسها إلا في سياق الوعي، آسيا البعيد واسيا القريبة، الأولى تضم الصين والهند، وهما ينتميان إلى الجنس الأسيوي الأصيل، أي الجنس المغولي، والثانية الشعوب الأسيوية الغربية القوقازية أي العرق الأوروبي، شخصية الصيني نتاج للهيمنة الذكورية، والعقلية البطريركية، الإمبراطور في الأسرة، والإمبراطور على رأس الدولة، الطاعة العمياء، وعلاقة الحاكم بالرعية أشبه بالعلاقة بين السيد والعبيد، لا يتبلور هنا استقلالية الشخص بذاته، ولا يتبلور الوعي الذاتي كدافع عن الحرية والتحرر، عبودية الحاكم، والخنوع للسلطة الأبوية يعطي مؤشرا دالا على الطغيان السياسي، والاستفراد بالقرار، عبودية الشرق يعني انعدام الوعي الفردي، والمفاهيم الفلسفية التي سادت في فلسفة الوعي والتفكير الفلسفي إجمالا، غير نابعة من الذات، ومن الفعل الأخلاقي الحر، أو كما يسود عند كانط من الإرادة الحرة والمستقلة، المشرعة للفعل والواجب بعيدا عن سلطة الإكراه الخارجي، المشرع هنا هو الأب القائد، فالشرقيون بطبيعتهم "عبيد"، والفكرة ليست جديدة في تأملات الفكر الغربي، بل نجدها كذلك عند أرسطو في التقابل الواضح بين الحضارة اليونانية والبرابرة أي الشعوب الأخرى، بين الإنسان اليوناني والآخر المختلف، بعض الناس بطبيعتهم سادة، والبعض الآخر بطبيعتهم عبيد، رسالة أرسطو للاسكندر الأكبر معاملة الجندي اليوناني كقائد، ومعاملة الشرقيين معاملة السيد لعبيده، الشرقي لم يوجد إلا للتسخير، وجر عربة الحاكم، نصيب الشرقي من الحرية منعدما، والحاكم الذي نعتقد أنه حر ليس كذلك، بل طاغية ينقاد للغرائز والميولات الفردية، ليس في حاجة للقرار المشترك، والحرية النسبية تجلت في العالم اليوناني بانقسام المجتمع، بين السادة والعبيد، أما الحرية الفعلية، فظهرت جليا في العالم الجرماني، عند بعض الشعوب، من بينهم الألمان، والشعوب الاسكندنافية، والهولنديون، والانجليز ، الحرية تعميم، لا تمنح ولا تعطى لفرد دون غيره، الإنسان روح، سعيه الدائم نحو التحرر من نير الطغيان السياسي، وقيود التقاليد والاسترقاق .

شخصية الصيني والهندي لا تعبر في صميمها عن الحرية، والفكر لصيق بالهيمنة الخاصة بالكبار، التبلد البائس للهند، وغياب الاستقلالية في الفعل والقرار، والتقاليد الضاربة في التاريخ عند الصينيون، قيود في ميلاد الوعي الذاتي والحرية الفردية، لا مكان لحرية المرأة، التقاليد والعادات هي السائدة، الحرية مفروضة من الخارج، مواجهة هذه التقاليد يعرض الأفراد للعقوبات الزجرية، الأخلاق يجب أن تكون نابعة من الذات، والفعل الأخلاقي ذاتي مرتبط بمفاهيم، كالاختيار والمسؤولية والذاتية، والقانون والالتزام، أما نظرة الإنسان الهندي للعالم، فهي نظرة مفعمة بالخيال، ويتحول المتناهي إلى تقديس وتبجيل، أوصاف ومواصفات ثابتة في تحليل الشخصية الهندية، من الطمع والجشع والخداع والشهوانية ، وحياة الهنود كلها خرافة، والمجتمع الهندي نتاج للتنوع الطبقي، من الكهنة أو "البراهما"، وطبقة المحاربين، وأصحاب المهن والحرف، وطبقة الخدم، لا توجد مساواة، وتنعدم المواطنة والعدالة الاجتماعية، وبذلك ظلت الهند على حالها ، عرضة للغزوات، والصراع على الهوية، دون أن تخرج عن حدودها، أما بلاد فارس حسب هيجل، فقد عرفت تحولات جمة، قامت بدورها في التاريخ، ثم تهاوت واختفت، ويقف هيجل كثيرا عند الأديان خصوصا الزرادشتية، في مبادئها العامة، ذلك التقابل المثير بين الخير والشر، وبين النور والظلام، ويعتبر أن زرادشت ينتمي إلى عالم الوعي ، كل ما في العالم من خير وشر، الشمس تشرق على الكل، كما تضم فارس سهول دجلة والفرات، ووادي النيل، مصر الجسر الذي عبرت منه الروح من الشرق نحو العالم اليوناني ، الأمم الجديدة ستعرف نمطا جديدا من التفكير، الذي يتحول كذلك من الطبيعة بمبادئها العامة والوجود بما هو مادي، نحو الوجود العيني والموضوعي .

لم تعد الروح مكبوتة تعبر عن نفسها في شكل صور محسوسة، بل الروح في عودتها نحو عالمها خلقت لذاتها متنفسا جديدا من التأملات في غايات الإنسان والحرية ، تلك الميزة التي ساهمت في إيقاظ شعوب كانت مستعدا للتحرر من الطغيان، الحرية ممارسة وليس تنظير، والفلسفة التي عبرت عن العالم اليوناني، أثرت بشكل كبير في العالم الروماني، التناقض مولد للتطور، الحرية صيرورة التاريخ ، والحقيقة تعني الوحدة بين الجزئي والكلي، ويكشف التاريخ عن مسار الروح وتدرجها، الجدل في محاولة إظهار الطبيعة الروحية للعالم، عقلانية هيجل التي تعتبر ثمرة العقل في تطويع الطبيعة، وثمرة الفكرة التي تبلورت معالمها من الذات نحو الموضوعات الخارجية، انعكاس للوحدة الشاملة، وذلك التطابق بين العقل والواقع ، تحققت أسمى القيم الروحية والأخلاقية والمادية، بفضل مسار الروح، والتناقض بين العقل والطبيعة، وبين الأنا والآخر، والحرية والضرورة، أصبح الفكر حرا من أجل ذاته، تحولات الأفكار من عالم الطبيعة نحو الموضوعات الخارجية، حقق الإنسان ما كان يطمح إليه العقل في إشاعة الفكر والحرية في وحدة مركبة، والعالم الشرقي الذي أدخله هيجل في حالة من الجمود والركود، من الروح الخارجية عن الصين، والشكل البدائي للروح عند الهنود، وفي قدرة المصريون على إخراج الروح من المكبوت للتعبير عن المحسوس، كانت البداية هناك تم التقط الغرب نسمات الفكر، ثم تحققت معالمه في كل المجالات بفعل قوة العقل والإرادة الحرة .

بقي الفكر يراوح ذاته في العالم اليوناني حتى اكتملت الروح في العالم الجرماني باكتمال المطلق الذي حل في كل المجالات، يعني تحققت الصورة الراقية للعقلانية الغربية، قطعت الروح أشواطا في التجلي والتعين، مسار ومخاض في ولادة الحداثة الغربية، وميلاد الحضارة، وامتثال الإنسان لروح الشعب، جدلية السيد والعبد عند هيجل بمثابة صراع وجودي انتهى للصلح، وميلاد علاقة إنسانية يطبعها السيادة المشتركة على الخيرات من خلال الإبقاء على ما يملكه السيد من قدرة وسلطة ونفوذ، وما يملكه العبد من خبرة وكفاءة، جدلية الأنا والآخر، وجدلية الصراع بين وعيين متناقضين، وكل الأشياء تبدأ بالتناقض، وتنتهي للوحدة والتكامل، الثورة الفرنسية جاءت بالآمال المعهودة في تحرير الذات من الاستبداد، هلل هيجل لهذه الثورة، وما حملته من الأحلام والأمل في إقامة الفكرة على ما يريده العقل، وما تصبو إليه الروح والفكر، وما تحمله من مضمون إنساني، وقيم عقلانية، تعني إرادة الإنسان في التحرر من الخوف، والاستبداد السياسي، والتصلب الفكري، تاريخ الحضارة ممزوج من ثقافة الشعوب وجغرافيتها، هنا يمكن العثور على رواسب من فلسفة مونتيسكيو عن المناخ والتضاريس، وعقلية الشرق الذي تهيمن عليها العقائد الدينية، وما نلمسه من كتابات أرسطو عن العقلية اليونانية، وعقلية الشرق في سياق الصراع التاريخي بين اليونان والفرس، ظلت نظرية الطغيان الشرقي والاستبداد حاضرة في الفكر السياسي الغربي، وفي أفكار العامة من الناس، ترسخت تأملات هيجل في الفكر الاستشراقي الخاص بالقرن الثامن عشر والتاسع عشر، وحسب تعبير المفكر العربي طيب تيزيني، ساهم هيجل في تأسيس ما يسمى "الاستشراق الحديث"، بقي الفيلسوف وفيا للنزعة المركزية الغربية وللقيم المسيحية، للتعميم والهيمنة، وفكرة إمام عبد الفتاح إمام مترجم بعض كتب هيجل للعربية،أن التاريخ عند هيجل ينتهي في الحاضر لا في المستقبل، نوع من التحيز للدولة البروسية وللشعوب الجرمانية، وما نراه الآن أن الحضارة كما قال مالك بن نبي في عودة من جديد للشرق في إطار دورة كاملة، تشرق الشمس من جديد على الشرق، وهناك دلائل قوية في صعود الصين، وعودة الروح من جديد للشرق، دورة الحضارة تكتمل عند الإلمام بالفكرة الدينية أو عودة قوية لروح الثقافة، وإعادة تصويبها نحو أفق آخر، يولد إنسان بفكر متحرر ونزوع قوي نحو التقدم، وهذا الأمر ينسف كثيرا نظرية نهاية التاريخ وتفوق الحضارة الغربية، وحتمية البقاء للحضارة الغربية بقيمها المادية والعقلانية .



#احمد_شحيمط (هاشتاغ)       Ahmed_Chhimat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النوع الاجتماعي ومشكلة العلاقة بين الانوثة والذكورة
- الشخصية في الرواية العربية
- دون كيشوت والحروب الخاسرة
- فكرة الحرية في زمن التفاهة
- هل الحرب العالمية الثالثة قادمة ؟
- الاعلام العربي وأوهام الموضوعية
- لبنان يصنع الحدث
- لا أمل في الخلود بفضل الثراء
- الانسان في الفلسفة الوجودية
- هل يعود المكبوت التاريخي من جديد ؟
- في مفهوم السلطة
- نوال السعداوي ضد شهريار
- في التفلسف والعودة للذات
- الاقتراب من العلوم الانسانية
- الانا والاخر في الرواية العربية
- الانوثة والذكورة في عالم السرديات العربية
- اسئلة الراهن وتحديات المستقبل


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد شحيمط - هيجل والعالم الشرقي : تأملات فلسفية في الوعي والحرية