أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل كوننار - يا أيها الإنسان المعاصر، يها الإنسان الشيء.. ما أتعسك؟!














المزيد.....

يا أيها الإنسان المعاصر، يها الإنسان الشيء.. ما أتعسك؟!


عادل كوننار

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 19:34
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في مؤلفه البديع "العاقل، تاريخ مختصر للنوع البشري" الذي يسرد فيه يوفال نوح هاراري بأسلوب فريد تاريخ نشوء و تطور الإنسان عبر ٱلاف السنين وصولا إلى عصرنا الحالي، يتوصل الكاتب في نهاية الكتاب إلى خاتمة صغيرة لكنها كبيرة في الدلالة و المغزى، و هي باختصار تساؤل طرحه بعد أن وقف على ما حققه الإنسان، بعد أن تمكن عبر هذا التراكم التاريخي الهائل، من إحكام سيطرته على محيطه، و زيادة الإنتاج الغذائي، و بناء المدن و خلق شبكات تجارة واسعة، و السؤال هو : هل تمكن هذا الإنسان من تقليل كمية المعاناة في العالم؟ فكان الجواب للأسف هو لا، فعلى الرغم من الأشياء المدهشة التي استطاع البشر إنجازها، إلا أنهم لا يزالون غير متأكدين من أهدافهم، و لا يزالون غير راضين عن أنفسهم أكثر من أي وقت مضى.. فلماذا إذن حكم على الإنسان برغم كل النجاح الحضاري الذي أحرزه، بهذا الفشل الوجودي؟!

الواقع أن النهضة العلمية التي تحققت في العصر الحديث، قد أدت إلى انتشار حالة من التبشير، بأن التراكم المعرفي العلمي و التقدم التكنولوجي و التنظيم التكنوقراطي الدقيق سيجعل الإنسان قادرا على التحكم في ذاته و في واقعه تماما، و أن يتوصل إلى حلول لمشاكله كافة، و مما زاد في انتعاش هذه الرؤية الخلاصية التي تكَشف زيفها فيما بعد، سيطرة النظام الرأسمالي، ذي الفلسفة المادية كإيديولوجيا حاكمة للعالم، هذا و تتمثل أخطر سمات هذه الإيديولوجيا في ترسيخ رؤية متمركزة حول الطبيعة/المادة بدلا عن الرؤية المتمركزة حول الإنسان، باعتباره كائنا مركبا متعدد الأبعاد، صاحب وعي تاريخي و منظومات قيمية، لا يمكنه العيش دون هدف أو غاية، يعيش داخل العالم الطبيعي لكن متميزا عنه و متجاوزا له، بينما الرؤية الأولى ترد الإنسان إلى الطبيعة ذات الحتمية الأحادية البعد و اللا غائية، فالإنسان لا يشغل هنا أي مكانة خاصة، الطبيعة لا تميز بين الإنسان و القرد، فثمة قانون طبيعي واحد صارم يسري على كل الكائنات و لا يمكن لأي منها تجاوزه، و من نتائج هذه الرؤية، إنسان لا يتحرك سوى في إطار المرجعية المادية، كائن خاضع لحتميات الطبيعة/السوق و عليه التوافق معها و طاعتها، إنسان ذو بعد واحد، ينتج و يستهلك، و يدخل في علاقات تعاقدية بسيطة مجردة برانية، لا في علاقات تراحمية مركبة، إننا نصبح و الحالة هاته، أمام مواطن حديث مُدَجن إلى درجة من التشيؤ، بلغ معها قمة التجريد، عبر فقدان الذات و تحييدها و الاستسلام أمام عالم الأشياء، إنه الإنسان الشيء، الذي يُسكت أي مشاعر إنسانية و أخلاقية، و يركز جل اهتمامه لا على المضمون الأخلاقي لفعل ما، و إنما على كيفية الأداء و ما يعتقد أنه سيراكمه من منفعة و لذة، دون أن يعي أنه ضحية عملية إغواء و إيهام، بأن ما يرغب فيه و يركض خلفه هو قرار حر نابع من داخله، بينما هو في الحقيقة، سلوك نابع عن عملية تدجين و توجيه لخدمة النظام و تنفيذ أغراضه.
فمع تصاعد نفوذ مؤسسات النظام/الدولة البرانية و الجوانية، زادت مقدرتها على توجيه الأفراد و إرشادهم، فإن كانت المؤسسات البرانية متمثلة في المخابرات و البوليس تقوم بتوجيه الفرد بغلظة من الخارج، فإن المؤسسات الجوانية متمثلة في المؤسسات التربوية و الإعلام بكل أنواعه، تقوم بترشيده من الداخل بشكل لا يشعر هو به حتى يصل به الأمر إلى تَمثُّل، ثم استبطان رؤية الدولة، فينظر إلى الواقع من خلال ذلك الترشيد دون حاجة إلى قمع خارجي، و ينظر إلى نفسه باعتباره جزءا من ٱلة كبرى، فتصبح مهمته في ما يعبر عن إذعان أداتي، هي التكيف البرجماتي مع دوران الٱلة، إنها أعلى درجات التجريد التي تجعل القيمة الأخلاقية شيئا مستبعدا، لا علاقة له بفعل الإنسان المباشر، فالمسؤولية تصير هنا فنية تكنوقراطية و ليست مسؤولية أخلاقية.
لقد انطلقت عملية تفكيك الإنسان الى عناصره المادية لاستخدامها كوسيلة أداتية على أكمل وجه، مع انطلاق التجربة الاستعمارية الغربية بشقيها الاستيطاني و الامبريالي، حيث تم تحويل العالم بأسره، من خلال نظام عالمي جديد، إلى مادة استعمالية في خدمة دول الغرب، و المفارقة العجيبة أن هذه المقاربة الامبريالية الشاملة، لم تفرق في نهاية الأمر بين شعوب ٱسيا و إفريقيا بل و حتى شعوب العالم الغربي نفسه، فالجميع مادة بشرية بمقياس وحيد، سقفه مادي و دوافعه مادية و أهدافه مادية كذلك.
و في المحصلة ينتج عن كل ذلك أفراد مجبرين على أن يشغلوا أماكن محددة و مقررة، و أن يقوموا بأدوار مرسومة لهم مسبقا، في بيئة ٱلية همها الأكبر هو الفعالية الاقتصادية، لكن على حساب الحرية الفردية و بما يحول المجتمع إلى قفص حديدي، يعيش داخله إنسان استهلاكي تعيس، يحدد أهدافه كل يوم، و يغير قيمه بعد أدنى إشعار يأتيه من وسائل الاستلاب و التوجيه الرسمية.
و الحقيقة أنه لن يتم التحرر و الخلاص من هذا المأزق الوجودي سوى باسترجاع مفهوم الطبيعة البشرية ككيان مركب لا يمكن أن يرد للنظام الطبيعي/المادي، و لا أن يسوى مع الأشياء الطبيعية، حينها فقط سيتم استرجاع القيم الإنسانية و الأخلاقية، بما يعيد الاعتبار لحس الإنسان الخلقي، و حسه الجمالي، و قلقه و تساؤله عن الأسئلة النهائية الكبرى، و هي كلها أحاسيس لا يمكن بحال تفسيرها على أساس مادي يختزل الإنسان في بعد وحيد دون سواه من باقي الأبعاد.



#عادل_كوننار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذواتنا المغتربة
- الإنسان، بين المثالية و الواقعية
- التحديث بين الغائية و بين الكيفية
- في التضامن، في اللا تضامن و في ما يمكن أن يكون بينهما
- في الحب و في بعض من ملابساته
- الإنسان بين حب البقاء و الرغبة في التميز
- الواقع و المثال، أية علاقة؟
- رمضان بين العادة و العبادة


المزيد.....




- إيرباص تكتشف مشكلة جديدة في طائرات الركاب A320 الأكثر مبيعًا ...
- صانعا محتوى مصريان يثيران جدلاً بشأن سلامة بعض المنتجات الغذ ...
- البابا لاون يزور لبنان ويصلي في ضريح مار شربل
- ترامب يوجه إنذاراً نهائياً لمادورو: غادر البلاد الآن واترك ا ...
- الباحثة الإسرائيلية المُفرج عنها في العراق تثير الجدل.. ما ع ...
- -جيش بلا وجوه-.. إسرائيل تكشف كواليس -التحرك الخفي- لقواتها ...
- خلاف على ملكية وحق رعاية كلب تصل إلى القضاء الألماني
- معهد -سيبري-: شركات الأسلحة تجني أرباحًا طائلة من حرب أوكران ...
- الإنكارُ الغربيُّ لوجودِنا كشعوبٍ وأمّةٍ.
- فنزويلا: مكالمة بين ترامب ومادورو وغارات أمريكية مثيرة للجدل ...


المزيد.....

- كتاب : العولمة وآثارها على الوضع الدولي والعربي / غازي الصوراني
- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل كوننار - يا أيها الإنسان المعاصر، يها الإنسان الشيء.. ما أتعسك؟!