الواقع و المثال، أية علاقة؟

عادل كوننار

الحوار المتمدن-العدد: 4875 - 2015 / 7 / 23 - 14:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

من بين أكبر أسباب تردي مجتمعاتنا العربية اليوم و تخلفها، هو تلك الحالة التي نعيشها من مفارقة الواقع للمثال، و المسافة الشاسعة التي تفصل بين الاثنين، فبعكس الحضارة الغربية التي تعيش في سعي دؤوب للانتقال من واقع أقل تقدما إلى واقع أكثر تقدما، دون تقيد بمثال طوباوي، بل بالامتثال لواقع معاش و الانطلاق منه في مسار تصحيحي مستشرف للمستقبل ، تجدنا نحن على العكس من ذلك في ارتباط وجودي بالمثال الأعلى مما يجعلنا محكومين على الدوام بالسقوط من مثال الخير إلى واقع الشر، ﻷ-;-ننا ننطلق من مثال متعال في حين أن المطلوب هو التعامل مع واقع يلزم تجاوزه، و في ظل هدا المسار النكوصي يصير متعدرا علينا إدانة الواقع المنحط، دون إحالته إلى المثال الذي يفترض أن يكون فوق كل نقد، مما يدخلنا في دائرة مفرغة من محاولة الاستكانة لعصر ذهبي ولى، محاولة تبقى على الدوام عقيمة، لكونها لا تراعي شروط تغير الزمان و المكان.
و ما يزيد هده الحالة تكريسا بشكل عميق هو تلك النظرة الحالمة التي نمتلها عن ذاك المجتمع الديني الفاضل الموعود، الذي لقنونا مظاهره بشكل مجرد منذ الصغر، غافلين أو متغافلين عن تلك الحقيقة الغائبة في كون هدا المجتمع لم يتحقق قط سوى في الفترة التي قضاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة المنورة، و التي بمجرد التحاق سيد الخلق بالرفيق الأعلى اندثرت، ليحل محلها الصراع البشري حول السلطة بكل تفاصيله، ليفعل نزاع السياسة و المصالح فعله في الجميع.
و هكدا يتبين أن ذاك الجيل من الصحابة الذي كان الأقرب إلى النبي الكريم و السير على نهجه قد وجد صعوبة بالغة وفق ما استجد عليهم حينئذ من ظروف جديدة تعاملوا معها وفق اجتهاداتهم الخاصة، فيما نحن و في عصرنا الحديث و بعد مرور قرون من الزمن ما نزال غير قادرين على مقاربة ظروف زماننا بنظرتنا الخاصة، التي يفترض أن تكون أوسع بكثير مما هو حاصل.
و حيث أننا لم نبلغ بعد ذاك المستوى من الحداثة الفكرية، فإن واقعنا يبقى يرنو إلى المثال الأعلى الذي تحقق ذات ماض بعيد، في مفارقة تامة لواقع دنيئ، هو في حاجة ماسة إلى مقاربة تجديدية، تتناسب مع شروط الحاضر و تتجاوز الذات حتى يمكننا السير نحو الأمام لا الخلف.

#عادل_كوننار (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات