أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل كوننار - ذواتنا المغتربة














المزيد.....

ذواتنا المغتربة


عادل كوننار

الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 17:16
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يعيش الإنسان في اعتقاد دائم بأن أفكاره صحيحة و على أنها نتاج لنشاطه و فعاليته الفكرية، في حين هي ليست في واقع الأمر سوى نتيجة لتأثره بقوى موضوعية تفعل فعلها في الخفاء، و تعبر هذه القوى الموضوعية عن حاجيات بيولوجية، سيكولوجية و اجتماعية تؤثر في وعي الفرد إلى درجة التوجيه بحيث يكون ما يراه الفرد معقولا و مطابقا للواقع تعبيرا عن قوالب يسير عليها الجميع في شكل آراء و معتقدات و عواطف لا فكاك منها للإحساس بالثقة و الاطمئنان حين يقتنع المرء بأن الأفكار الموحاة إليه هي الحقيقة.

الإنسان المغترب هو إنسان أسقط وظائف الإحساس و التفكير العائدة له على موضوع خارج ذاته حتى أضحى لا يستشعر أي إحساس بذاته و لا بهويته...و يشمل الاغتراب ميادين عدة منها ما هو اقتصادي عبر عنه ماركس بالاغتراب في العمل حين يودع العامل حياته في الشيء بما لا يجعلها بعد ملكا له، فيفقد موضوعه و ماهيته، أي أن عمل الإنسان يصير بالنسبة له قوة غريبة مضادة تستعبده بدل أن يسيطر هو عليها، و بهذا لا يعرف إنسان السلعة هذا إلا طريقة واحدة للاتصال بالعالم الخارجي و هي أن يمتلكه و يستهلكه فيتضاءل من ثم وجوده و يزداد اغترابه..

و هنالك أيضا الاغتراب النفسي الذي عبر عنه فرويد بظاهرة الإسقاط الملاحظة في ميدان التحليل النفسي، و التي تتجسد في إسقاط المريض لمشاعر الحب و الخوف الكره على شخص المحلل النفسي، هنا الشخص العصابي يتحول إلى شخص مغترب يبحث عن منفذ يسقط عليه هواجسه، و قد نجد صورة من هذا الشكل للاغتراب لدى عدد من المحبين الذين يعيشون حالة مما يسمى بالحب الكبير الزائف، حين يتبادل رجل و امرأة الحب ثم لسبب ما تنقطع الصلة بينهما، فتصبح الحياة فجأة فاقدة للمعنى في نظر هذا الشخص، الذي يشعر و كأنه لن يكون بإمكانه أن يعرف الحب مرة أخرى و أن أي امرأة سواها لن تحدث فيه ردة الفعل نفسها، كل هذه الأحاسيس مجتمعة غالبا ما تعبر عن اغتراب هذا الشخص الذي يسقط على تلك الفتاة تحرقه إلى الحب و هو يحس بأنه قد عرفه و عاشه بوصالها، فيما هو لم يحي سوى في الوهم بأنه أحب، فكلما أسقط شوقه إلى الحب و السعادة على هذه الفتاة كلما ازداد فقرا و كلما اشتد احساسه بالفراغ لما صار منفصلا عنها.

و لئن كان الأمر هكذا على مستوى الفرد فهو بالمثل على مستوى المجتمع، هذا الأخير يمكن أن يعيش حالة من الاغتراب الاجتماعي أو ما عبر عنه إريش فروم بالطبع الاجتماعي، الذي يخضع لنظام يصنع سلوكات الأفراد و قرارتهم التي يتصرفون بحسبها كما يراد لهم أن يتصرفوا فتكون بذلك وظيفة الطبع الاجتماعي هي أن يشكل الطاقة الإنسانية في مجتمع معين و يوجهه، من هنا يتم تأطير "الواقع" و تشكيله بحيث لا نستطيع أن نصل إلى العالم الواقعي إلا من خلال وجهة نظر معينة، تتشكل من تصورات مسبقة تأخذ شكل مسلمات، تتحول بدورها إلى موقف معين، و بالتالي فليس هنالك طريق مباشر للواقع، أي أن الوقائع ليست هي الظواهر نفسها، بل الظواهر تحت منظور معين.

عندما صار العالم أكثر انفتاحا بداية من عصر النهضة، إلى أن أضحى معولما كقرية واحدة، فإنه قد أصبح في الوقت نفسه مهددا للإنسان عبر إحداث تغيرات اجتماعية و اقتصادية على مستوى الفرد، و لئن كسب الإنسان في ظل هذا النظام الجديد حرية جديدة عن طريق الدور الفعال و المستقل الذي كان عليه أن يلعبه، فإنه بالمقابل قد فقد تلك الروابط التي اعتادت أن تمنحه الأمان و الشعور بالانتماء داخل حيز ضيق و مغلق، و كنتيجة لذلك أخذ الجواب عن معنى الحياة يتباعد، ملقيا بالإنسان في حالة من الاغتراب المدعم بالشك و الوحدة و القلق، و إزاء هذا الاغتراب أضحى المرء أمام أحد اختيارين، إما أن يبتلعه الشعور بالعدمية، و إما أن يؤسس لدوافع سيكولوجية جديدة لبناء أشكال جديدة للعقائد الدينية بشكل يتلاءم مع التراكم المهول للإنتاج، غير أن هذه الأبنية بدورها لم تسلم من الاغتراب، حين تحول التدين المعاصر في زمن الجري وراء الاستهلاك إلى شكل من أشكال المادية حولت الله إلى صنم، لا كما عبده آباؤنا و إنما إلى معبود من كلمات و عبارات و طقوس، أصبح معها الإيمان آليا و بدون تفكير و لا عمق.

لا يستطيع المرء أن يكون إنسانيا ما لم يخرج من دائرته الحسية المغلقة، كطفل يخرج من رحم أمه لمعانقة الوجود، يبقى الإنسان حبيس عادات القبيلة معتبرا ما هو منفصل عنها غريبا في تعبير عن اغترابه هو عن نفسه، على أنه حين يعرف نفسه كل المعرفة فإنه آنذاك سيدرك أنه لا يختلف عن أي شخص آخر، و بأنه هو الطفل و الآثم و القديس و الآمل و اليائس و الإنسان الذي يحزن و يفرح، و سيكتشف أن ما هو مختلف ليس إلا أنماط التفكير و العادات و الظاهر، على أن الجوهر الإنساني واحد و لن يتأتى للإنسان أن يعي هذه الحقيقة بشكل كامل، سوى من خلال فهم نفسه على نحو أفضل حتى يمكنه تسخير قواه لخير الإنسانية، بدلا من أن يظل خادما للأشياء في محاولاته اليائسة لستر عجزه.



#عادل_كوننار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان، بين المثالية و الواقعية
- التحديث بين الغائية و بين الكيفية
- في التضامن، في اللا تضامن و في ما يمكن أن يكون بينهما
- في الحب و في بعض من ملابساته
- الإنسان بين حب البقاء و الرغبة في التميز
- الواقع و المثال، أية علاقة؟
- رمضان بين العادة و العبادة


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل كوننار - ذواتنا المغتربة