يشكل النظام السياسي في سورية منذ مايزيد على أربعة عقود نموذجاً متكاملاً واضحاً لجوهر النمط البورجوازي الشرق اوسطي المتسم بالذبذبة والتردد والتلون واللامبدئية المستعد دوماً للتراجع
مائة وثمانون درجة ْ والتقدم عندما ينتفي السبب ، الرافع لاكثر الشعارات راديكالية وقومية والممارس لأشد الخطوات يمينية وشوفينية في الوقت ذاته ، المتغني بالمساواة والديموقراطية الشعبية والمنتهج على ارض الواقع أقسى انواع الدكتاتورية وسلطة الحزب الواحد والطائفة الواحدة . وبعباره يدعي الشئ ويمارس نقيضه .
هذا النمط كما هو معروف يختلف عن طبيعة الأنظمة البورجوازية التاريخية التي تنشأ عبر عملية اقتصادية اجتماعية ثقافية مكتملة الحلقات ومدروسة بعيدة عن القفزات وحرق المراحل ولم تغتصب السلطة بواسطة الانقلابات العسكرية بل اكتسبتها عبر صناديق الاقتراع وارادة الشعوب وهي في ادارتها للحكم لاتحتاج الى – جيوش – الأجهزة الأمنية والمخابرات وارقى انواع الأسلحة الخاصة بتفريق التظاهرات السلمية وقمع الجماهير . وفي الوقت ذاته تدير دفة السياستين الداخلية والخارجية حسب ما تراه وتقرره المؤسسات الديموقراطية المعبرة عن ارادة الشعوب بكل وضوح وشفافية على ضوء مصالح الوطن العليا وبمعزل عن المنافع الأستئثارية الضيقة للطوائف والقوميات والأحزاب والفئات وهي بذلك تتخذ المواقف السلمية الثابته والمدروسة والمعرضه للنقاشات وحتى الطعن والاعتراض من القوى السياسية داخل الحكم وخارجه وبشكل خاص من المعارضه الوطنية .
تظهر ملامح النمط البورجوازي الشرق أوسطي بوضوح شديد على مسيرة العلاقات التي أقامته حكومات بلادنا مع الجارة تركيا في العقود الأخيره . ذلك البلد الذي تحكمة الطغمة العسكرية منذ انبثاق الجمهورية الكمالية قبل اكثر من سبعة عقود علانية أو من وراء الستار ، والمنضوية تحت لواء حلف – الناتو – وما قبلها من الاحلاف والتجمعات العسكرية والأقتصادية والمنظومات الدفاعية الأقليمية لمواجهة شعوب وبلدان المنطقة في سعيها للتحرر والأستقلال والتنمية ومن بينها الشعب السوري الذي فجع منذ ثلاثينات القرن الماضي باقتطاع لواء الأسكندرون واجزاء من الأراضي السورية على طول الحدود المشتركة ومن بينها اجزاء من المناطق الكردية .
ففي حين تتشدق حكومات بلادنا في ظل النظام السياسي القائم وعبر بعض الكتب المدرسية التاريخية والجغرافية بالتمسك باللواء السليب والمناطق الاخرى بدأت تزيل حتى تلك الشعارات في الأعوام الأخيرة وفي حين كانت تمتلئ ادبيات الحزب الحاكم بالنعوت والمصطلحات في وصف الحكومات التركية اقلها – الرجعية – والعميله للامبريالية –والمغتصبة – والمتحالفة مع اسرائيل والصهيونية – نرى ان هذا الخطاب بدأ بالتراجع والاختفاء في وقت لم يتغير النهج السياسي لحكومات تركيا قيد انملة ، ولم تتزحزح قناعات الطغمة العسكرية التركية ومجلس الأمن القومي الحاكم – فعليا – حول قضايا الخلاف – سابقاً – ابداً . وهذا ان دل على شئ فانه يدل على ان – التلون – حصل في الطرف السوري وان – التغيير – نحو الأسوأ طبعاً قدتم في – خندقنا - ، وان شعارات التحرير ومواجهة الأمبريالية والصهيونية وتخليص اللواء واعادة حقوق سورية اصبحت من الماضي بشكل عملي رغم أن تلك الشعارات مازالت مرفوعة على جدران القيادتين القطرية والقومية وتنطق بها من على شاشات التلفزة وعبر الأثير فقط لاغير . نقول ذلك لان الكف عن طرح تلك الشعارات – ولوانها مرفوعه للاستهلاك – لم يتم عبر عملية ديموقراطية في سورية ومن خلال ارادة الشعب السوري ولم يجر ذلك كما ذكرنا في خضم التحولات الوطنية الديموقراطية المطلوبة بالحاح في هذا المرحلة بالذات ومن ضمنها احتمالات اجراء التغيير الشامل في مجمل الخطاب السياسي السائد واعادة النظر – ومن منطلق مصالح الشعب السوري – في مختلف جوانب السياسة الخارجية ومن ضمنها العلاقات مع دول الجوار وبينها تركيا .
رحلة السيد رئيس الحكومة السورية – مصطفى محمد ميرو – الحالية الى – تركيا – ليست عادية بل هي تتويج لتكتيك قديم طال ما اتبعه النظام السياسي منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد على حساب استراتيجية سورية تاريخية ثابته منذ عهد الأستقلال ، والتكتيك ينطلق كما هو معروف من مفهوم صيانة النظام والحفاظ على تماسكه مهما كلف ذلك من تنازلات – استراتيجية – حتى لوكانت على حساب الثوابت القومية والوطنية " وهذا المفهوم يشكل احد دعائم النمط البورجوازي الشرق اوسطى " قس على ذلك كافة اشكال التعامل والمواقف السياسيه مع ومن منظمة التحرير الفلسطينية الى درجة تصفية قواها عسكرياً ومواجهتها في لبنان ، والتدخل العسكري والسياسي في لبنان لصالح اليمين الفاشي غالباً وقوى اليسار تارة والمستمر حتى الآن والأدارة المتناقضة للعلاقات السورية مع بعض فصائل المعارضة العراقية – قبل تحرير العراق – ونظام صدام حسين المقبور والصلات السرية مع ايتام النظام السابق الآن مع تقديم المعلومات الاستخبارية لوكالة المخابرات الأمريكية ، والعمل على خلق بؤر ومجموعات موالية ذات الصبغة – الطائفية – في العراق لاستغلالها كما حصل في لبنان ومن ثم مقايضتها بمصالح خاصة بالنظام اذا لزم الأمر .
العنوان الكردي للزياره :
قبل أن يحط الرحال في انقره بيومين اختار السيد – ميرو – صحيفة – الصباح – ( التي تعبر عادة عن الأوساط العسكرية والأمنية التركية ) ليبعث عبرها برسالة الى من يعنيه الأمر مفادها : " ان تركيا وسوريا وايران بالأضافة الى الدول الأخرى تحتاج الى العمل معاً بشكل اكبر لاننا لوبقينا لوحدنا فسيصبح من السهل تكرار ما حدث في العراق " و " أن العالم كله على علم بالسياسة الأمريكية الرامية لاقامة نظام جديد في الشرق الأوسط " و " أننا يجب ان نعزز الروابط فيما بيننا من اجل مقاومة جهود الولايات المتحدة لاعادة تشكيل الشرق الأوسط " وقد فسرت الصحيفة ذاتها اقوال السيد – ميرو – بالقول
: ( ان الدول الثلاث تخشى من اية خطوة باتجاه اقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد شمال العراق قد تثير الاضطرابات في اوساط الاقليات الكردية فيها ) هذه التفسيرات التي رشحت الأوساط المطلعه أن تكون صحيحة وان الوضع الكردي في العراق والمنطقة كان من احد البنود الرئيسية على جدول اعمال الوفدين وبناء على الاقتراح السوري .
ليست هذه المرة الأولى التي تبادر فيها الأوساط الحاكمة في بلادنا بتقديم المقترحات والمخططات للانظمة التي تحكم البلدان المقسمة لكردستان حول معالجة القضية الكردية بالطرق العسكرية والأمنية أو عبر الأستيعاب السياسي وخنق أية حركة كردية وطنية تحررية في المهد وضرب القوى الكردية ببعضها كما حصل سابقاً بواسطة حصان النظام السوري المفضل – ث ك ك – واندفاعه نحو الاقتتال الكردي – الكردي في كردستان العراق باشراف مباشر من الاوساط الحاكمة في دمشق وطهران وانقره . ذلك الاقتتال الذي انتقلت دفته من – ث ك ك – الى – اوك – وبالعكس والذي كان تتويجاً للقاءات الثلاثية التي بدأت منذ عام 1992 ولم تتوقف حتى الآن وكان قد حصل اللقاء الأول بناء على اقتراح وزير الخارجية السوري – فاروق الشرع – وليس من شك بأن طرد أو تسليم – عبدالله اوجلان – من دمشق للنظام التركي كان من نتائج اللقاءات الثلاثية والأتفاقيات الأمنية الثنائية والثلاثية والتي تطورت الى اعلى درجاتها في اتفاقية – اضنه – الأمنية بين النظامين السوري والتركي والمخصصه لتصعيد المواجهة مع الحركة القومية الكردية ليس في البلدين فحسب بل على صعيد المنطقه برمتها .
الآن وفي هذه المرحلة وبعد تحرير العراق واسقاط الدكتاتورية والافاق المشجعه لمستقبل الشعب العراقي نحو الديموقراطية والسلم الأهلي واقامة النظام الوطني الديموقراطي الفدرالي التعددي يحقق فيه شعوب العراق طموحاته واهدافه ، ويقرر في ظله الشعب الكردي مصيره حسب ارادته وخياره دون ضغط أو اكراه ، واحتمالات انتقال – عدوى – التغيير والاصلاح والدمقرطه الى دول الجوار والتحركات الشعبية الصاعده في تلك الدول تشير الى توقعات حدوث مفاجآت سارة لازالة الدكتاتوريات والأنظمة الشوففينية والأتيان ببدائل شعبية ديموقراطية منتخبه .
نقول في ظل هذه الأجواء الحبلى بالآمال والطموحات المشروعه يحمل السيد – ميرو – ناقوس الخطر – ( خطر حدوث تغييرات ديموقراطية وخطر حصول الكرد على حقوقهم الشرعية ) ويلهث باتجاه نظام دكتاتوري آخر معروف بعدائه الشديد لكل ماهو كردي مستنجدا به لاقامة تحالف – المذعورين – بضم نظام القهرو الاستبداد والتخلف في طهران ، والبحث عن – شراكة عنصرية – في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة حقائق التاريخ والجغرافيا ومنطق العصر وارادة الشعوب في المصالحة واحقاق الحق والأعتراف المتبادل وترسيخ علاقات التآخي والصداقة والعيش المشترك والسلم المجتمعي على قاعدة الاعتراف المتبادل بالحقوق والاتحاد الاختياري والتعايش بوئام . نعم انها ارادة الشر من اجل أن لاينعم الشعب العراقي البطل بحريته التي استعادها بعد تقديم الملايين من الضحايا والعشرات من المقابر الجماعيه خير دليل على مانقول . ومن اجل أن لاتنجح التجربة العراقية التي حملت طريقة جديدة
تجلت في تقديم الدعم الخارجي من جانب الحلفاء كااحد اوجه مبدأ التدخل الانساني لصالح الشعوب وان لاتشكل حل القضية الكردية في العراق على اساس مبدأ تقرير مصير كسابقه نموذجية سلمية عادله يحتذى بها في المنطقة .
في جميع الأحوال يقوم السيد – ميرو – بتنفيذ ما يملى عليه من مصدر القرار في النظام السيلسي وهو الرجل المناسب لتنفيذ هذه المهمة – غير المشرفه – خاصة وان سجله لايخلو من التعصب القومي والممارسات العنصرية تجاه الشعب الكردي في سورية منذ كان محافظا للجزيرة – الحسكة – ذات الثقل الكردي حيث قام بواجبه – العنصري – على اكمل وجه في مجال التهجير واسقاط الجنسية عن ابناء الكرد وحرمانهم من حقوق المواطنه وعمليات التعريب . كما أنه وخلال الفترة القصيره التي عمل فيها محافظاً لحلب اصدر قرارات عنصرية باغلاق سبع محلات كانت تبيع اشرطة تتضمن الأغاني الكردية وفي عهده – الميمون – بعد ان اصبح رئيساً للحكومة تصاعدت عمليات اعتقالات وملاحقات ضد المناضلين الكرد في المناطق الكردية وفي حلب والعاصمة دمشق التي قامت فيها مظاهرة الأطفال الكرد السلمية أمام مكتب – اليونيسيف - .