:
قصة الحضور العسكري التركي في الاراضي العراقية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية تبدأ منذ بداية تسعينات القرن المنصرم كتعبير عسكري عن السياسة الكردية للجمهورية التركية الكماليه المتسمة حتى الآن بالتشدد والشوفينية والقمع والالغاء . ليس حيال اكرادها فحسب بل تجاه كل ماهو كردي وخاصة في كردستان العراق التي حقق ابناؤها بفضل تضحياتهم منذ اكثر من قرن من تحقيق جمله من المكاسب والانجازات ابتداءً من تحقيق الحكم الذاتي في الحادي عشر من آذار لعام 1970 كثمرة من ثمار ثورة ايلول القوميه التحرريه بقيادة البارزاني الخالد وانتهاء باعلان الفدراليه وتشكيل الحكومة الاقليمية والتأسيس لتجربة ديموقراطيه ناجزة خلال اكثر من عقد بقليل .
شكلت اللقاءات الثلاثية بين العواصم الثلاث ( انقره - دمشق - طهران ) وبمبادرة تركيه منذ عام 1992 والتي جرت بتناغم وتنسيق مع الاتفاقات الامنية المبرمه بينها حلفاً معادياً للشعب الكردي شبيها باحلاف واتفاقيات سعداباد وبغداد والمعاهده المركزيه ولكن باطار آخر وصورة اخرى واساليب متطوره . حتى الهدف المعلن ركز على حجج من قبيل - ملئ الفراغ الامني في شمال العراق - بعد انسحاب الاداره المركزيه ، ومواجهة ارهاب ب ك ك - وغير ذلك من الذرائع الملتويه التي تخفي الاهداف الحقيقية .
على الصعيد العملي شهدت الاراضي العراقية المجاوره للحدود مع تركيا عشرات الاختراقات والتدخلات والهجمات الجويه والبريه من جانب الجيش التركي الذي بدأ يستبيح سيادة العراق وحرمة المدن و البلدات والقرى اتبداءً من - زاخو - ومروراً بـ - دهوك - وانتهاء بـ - بامرني - الى درجة التمركز الدائم في بعض المواقع - حسب المصادر المطلعه هناك ما يقارب الخمسة آلاف عسكري تركي في الاراضي العراقية وفي منطقه كردستان بالذات - .
بعد ان أقدمت قوات التحالف على اعتقال واستجواب احدى عشر عنصراً من القوات الخاصة والذي عرف بحادث - السليمانية - الذي فسرته وزارة الخارجيه الامريكيه بقضية اشتباه في قيامهم بأنشطه مثيره للاضطراب واشتراكهم في مخطط ارهابي لمحاولة اغتيال السيد محافظ كركوك المنتخب باشراف الادارة المدنيه للتحالف ، يطرح تساؤل بالحاح شديد وهو اي سند شرعي قانوني يستند اليه الوجود العسكري التركي في كردستان العراق ؟ للاجابة على ذلك من المفيد استعراض الحقائق والتطورات التالية :
أولاً : جميع الاختراقات العسكرية لحرمة الاراضي العراقية جاء برغبة الطرف الفاعل وانطلاقاً من مبرراته السياسيه الداخلية ودواعيه الخاصة بالشعار الفضفاض - الامن القومي . حتى باتت هذه
الذريعه الاساس الوحيد تقريباً بعد انتفاء أو تراجع العامل الاسلامي بقيام الحكومه الجديده في ابقاء الطغمة العسكرية في موقع مصدر قرار السياسه التركيه والتحكم بمصير شعوب تركيا على حساب
المجتمع المدني والديموقراطية والحريه والتقدم وهذه الحقيقة تطرح بكل وضوح مسألة كون التدخلات العسكريه كحاجة موضوعيه وضروريه وملحة لبقاء العسكر التركي في قمة سلطه القرار .
ثانياً : قدوم القوات التركية للفصل بين قوات الحزبين الكرديين المتقاتلين قبل اعوام كان بناءًَ على رغبة - اضطرارية - من حزبين سياسيين ومنذ سنوات لم بعد هناك اقتتال وليس هناك من مبرر لبقاء القوات التركية ، في هذه الحاله يجب الاعتراف بأن طلب الحزبين لجلب القوات التركيه حينذاك لايعبر عن وضع قانوني مشروع لامحلياً ولا اقليمياً لذلك لم يستند التدخل العسكري التركي حينذاك كجيش دولة مستقله عضو بهيئة الامم المتحده وملتزمة ببنود القانون الدولي وسياده الدول على أي مسوغ قانوني شرعي . والآن فان السلطه التشريعية المنتخبه في كردستان - المجلس الوطني - والذي يتمثل فيه مندوبو الحزبين تطالب علنا وبالاجماع بوجوب الانسحاب العسكري التركي وعلى الفور .
ثالثاً : هناك حالات وتجارب مماثلة من حيث مبدأ التدخل العسكري حصلت وتحصل بين الحين والآخر في بعض بلدان العالم والشرق الاوسط وهي باغلبيتها تختلف كلياً عن الحالة التركية وسوابقها ان كان ماحصل منها في قبرص وادى الى تقسيم الجزيره الآمنة او ما يحصل الآن في كردستان . الحالات الآخرى حصلت اما بطلب رسمي من حكومات أو شعوب بدواعي الانقاذ والتدخل الانساني ووقف الحروب الاهليه وعمليات الاباده ، والطرد الجماعي ، أو عبر توصيات وطلبات جماعيه من مؤسسات اقليمية شرعيه أو استجابة لنداءات الامم المتحده .
في الحالة التركية حصل التدخل العسكري بهدف الاساءة الى شعوب وقوميات اخرى ، وتقسيم بلدان
( قبرص ) ، واثارة العنصرية والاحقاد القوميه ، ( تركمان العراق ) واتباع الوسائل الارهابية وعمليات الاغتيالات ( حادث السليمانيه ) .
رابعاً : تشكل الحاله التركية في التدخل العسكري وفي الوضع الكردي المشخص ظاهرة فريدة من نوعها ففي حين يمارس هذا الجيش عملياً قهر واذلال شعب كردستان تركيا ويحكمه بالقوانين العرفية الاستثنائية والصلاحيات الخاصه الطارئه محولا كردستان تركيا الى ثكنه عسكريه ومنطقه يجوز فيها كل شئ - وكل من يمر عبر بوابة ابراهيم الخليل نحو ديار بكر مروراً بسلوبي وجزيره ، ونصيبين سيعلم على الفور الظاهر والمدفون في الشوفينية التركيه وصلاحيات جنودها في الامعان العنصرى بالتعامل مع الكرد لافرق من اي جزء يكون - بل يقوم بدور المستعمر بجميع مواصفاته واكثر . نفس هذا الجيش بمراتبه واصنافه واجهزته يكرر احتلاله للكرد في جزء آخر من كردستان وهو نوع جديد مزدوج من المفارقه أن يحصل في ظل العولمة والنظام العالمي الجديد وبداية القرن الحادي والعشرين فهل تحولت كردستان الى بلد المفارقات .
خامساً : اذا كان الوجود العسكري التركي في كردستان العراق يشكل احتلالاً بامتياز ويفتقر الى اية شرعيه محليه واقليميه ودولية فما هو موقف المحتل الشرعي بقرار الامم المتحده والوصي على العراق
الانتقالي والمقصود قوات التحالف وقوتها الرئيسيه الولايات المتحده الامريكيه ، اليس هو المؤتمن على سلامة ووحدة الاراضي العراقية وسيادة الوطن والشعب والكيان . ثم أين دور الامم المتحده وممثلها في بغداد اليس من صلب واجباتهم ومهامهم الحفاظ على وحدة وسياده البلد كما ينص عليه قرار انتدابهم لمهام البناء السياسى والاقتصادي والاجتماعي للشعب العراقي والدولة العراقية . ثم اين الصوت العربي والمزايدات الكلاميه حول صيانة وحدة العراق التي نسمعها ليل نهار .
واخيراً اين صوت الشعب العراقي بجميع قومياته وطوائفه وفئاته السياسيه الا يستأهل احتلال جزء من الوطن ولو احتجاجاً او تظاهرة سلميه أو رفع مذكرة ؟ .