أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - قراءة أولية في أوضاع التجمعات المدنية والسياسية في سوريا















المزيد.....


قراءة أولية في أوضاع التجمعات المدنية والسياسية في سوريا


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 02:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة أولية في أوضاع التجمعات السياسية والمدنية في سورية
معتز حيسو11/ 2025
شكل إسقاط السلطة الأسدية بالنسبة للسوريين عموماً والسياسيين المعارضين والمثقفين بشكل خاص مدخلاً للتفاؤل. لكن سرعان ما تراجع التفاؤل وتقلص الأمل. ويعود ذلك لأسباب متعددة: العوامل الخارجية، بنية السلطة الجديدة، بنية الأحزاب السياسية الأيديولوجية، دور المجتمع( القاعدة الشعبية)، إشكالية المثقف.
العامل الخارجي:
بات معلوماً بأن وصول السلطة الجديدة للحكم كان من بوابة ترتيبات دولية مرتبطة بلحظة اختلال موازين القوى الدولية والإقليمية( اختلال النظام الدولي والإقليمي). وعلى أساس ذلك رأى كثير من السوريين أن ثمة دور مؤثر لغير دولة في مستقبل سوريا السياسي (عوامل فوق وطنية). وذلك ليس بجديد إذ أن كثير من القوى السياسية راهنت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية على تأثير العامل الخارجي (ديمقراطياً). فوقع السوريون ضحية قمع السلطة الأسدية وتناقض دولي غربي وإقليمي غير ديمقراطي اشتغلت في سياقه غير دولة على تمكين مصالحها ونفوذها. أكثر من ذلك فإن تلك الدول استثمرت في الصراع السوري، واشتغلت على إفشال( ثورة الحرية والكرامة) التي طالب المشاركون الأوائل فيها بالديمقراطية وكرامة السوريون لإقامة دولة وطنية تعددية ديمقراطية مدنية تؤسس للمواطنة المتساوية. وكان لذلك أسباب متعددة متداخلة ومتناقضة، من أهمها إفشال أي مشروع ديمقراطي وطني، كونه لا ينسجم مع مصالح أطراف دولية وإقليمية.
إن ما يحصل في سوريا يدلل على أن مصالح ونفوذ غير دولة يصعب تحقيقها ببقاء سوريا موحدة جغرافياً ومجتمعياً، وأن يكون السوريون أصحاب سيادة حرة ومستقلة. ونشير في هذا السياق أن تراكب وتداخل وتخارج مصالح غير دولة في سوريا وعليها، يجري العمل على تجاوزه في سياق يفضي إلى تقاسم النفوذ بين اللاعبين الدوليين على الأرض السورية بنفس الوقت الذي يتم فيه العمل على توضيب الملف السوري السياسي والأمني والاقتصادي والجيوساسي والمجتمعي بما يتناسب مع مصالح تلك الدول بغض النظر عن آراء السوريين غير القادرين حتى هذه اللحظة على امتلاك قرارهم. بناءً على ذلك نرى بأن مستقبل السوريين مازال يكتنفه الغموض وكثير من المعيقات التي تحول دون بناء دولة سورية ذات سيادة يكون فيها السوريون متساوون على أساس مبدأ المواطنة المتساوية. نشير هنا إلى أهمية تملّك السوريون قرارهم السيادي لبناء دولتهم التي يطمحون إليها.
بنية السلطة الجديدة:
بعد مرور عام على إسقاط السلطة الأسدية، يمكننا القول بأن بنية السلطة الجديدة وآليات اشتغالها السياسية والأمنية، يؤسس إلى تكريس وتمكين بنية أيديولوجية أحادية مغلقة على ذاتها. ويدلل على ذلك تعيين شخصيات ذات منبت أيديولوجي واحد، في مراكز صناعة القرار بمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية والمدنية. في سياق ذلك يتم استبعاد أصحاب الكفاءات والتخصصات عن المشاركة في إدارة شؤون الدولة. ويتقاطع ذلك مع ظهور إشكاليات متعددة تعكس بنية السلطة وتركيبتها. وقد تجلى ذلك في آليات تعامل السلطة مع أحداث الساحل السوري، السويداء( الجنوب السوري)، شمال شرق سورية ... . لقد بات واضحاً أن آليات التعامل مع تلك الملفات وغيرها سيكون له تداعيات سيئة على مستقبل سورية السياسي والمجتمعي، أولها نشوء مظلوميات جديدة يمكن أن تساهم في تجدد دورة العنف والانتقام. لذلك نرى أنه من الضرورة بمكان التأكيد على أن مصدر شرعية السلطة الجديدة يجب أن يكون المواطن السوري، وفي سياق لا يتعارض مع اشتغالها على تمكين شرعيتها السياسية على المستويين الدولي والإقليمي. بمعنى آخر تشكل المشروعية الشعبية الوطنية ـ المواطنة للسلطة السياسية مصدر قوة واستقرار يمكن الاعتماد عليها لبناء تحالفات دولية تعبّر عن الاحتياجات الوطنية، وتضمن استقرار وصلابة مواقفها على المستوى الدولي. وعليه فإن المدخل الرئيس لبناء الدولة السورية وترميم تناقضات المجتمع السوري الناجمة عن ممارسات السلطة يتحدد بـ: التخلي عن الأيديولوجيا الأحادية كأداة للسيطرة، إشراك السوريين في بناء الدولة والمجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، الإثنية، الدينية والعرقية، بناء جيش وطني سوري يقطع مع العقلية الفصائلية، تجريم التحريض الطائفي، القطع مع عقلية الجماعة وتمكين عقلانية الدولة. إرساء أسس التعددية والديمقراطية، العدالة المجتمعية، مبدأ المواطنة المتساوية، إطلاق الحريات العامة وحرية العمل السياسي والمدني، فصل السلطات، بناء دولة القانون والمؤسسات، فصل الدين عن السياسة..... الخ. ونؤكد في السياق ذاته إن عقل الجماعة الأيديولوجي الأحادي المتطرف والمتكور على ذاته، لا يمكن أن يبني دولة بمقاييس إنسانية وحضارية. وبشكل أدق هو ضد نموذج الدولة التعددية الديمقراطية وفق المعايير الحضارية الراهنة.
الهيئات السياسية والمدنية:
لم تستطع الأحزاب السياسية والهيئات المدنية حتى اللحظة من تجاوز تناقضاتها واشكالياتها الذاتية وأيضاً البينية، ويتجلى ذلك في عجزها عن مواكبة التطور والتغيرات المستجدة. وذلك لأسباب تتعلق ببنيتها الأيديولوجية وتركيبتها السياسية. واستمرت تلك الإشكالية مع التشكيلات التي تأسست بعد إسقاط السلطة الأسدية. ويتجلى ذلك في بنية وتركيبة المثقف وأشكال تجلّيات وعيه وآليات تفكيره وأدوات اشتغاله، وجلها يرتبط بالموروث الثقافي والسياسي المغلق على الذات المتضخمة. هذا في وقت تفترض اللحظة الراهنة آليات عمل وأشكال تفكير مختلفة عما كان سائداً في ظل الحقبة الأسدية. فالواقع الجديد يفترض إنضاج أشكال من التفكير جديدة تقطع مع الأيديولوجيا وتؤسس لفكر وطني حر ومستقل، وأيضاً تقطع مع كل ما هو دون وطني من أشكال الوعي والتفكير وآليات العمل التي من خلالها يمكن بلورة هوية سورية وطنية جامعة في سياق تجاوز وعي المكونات والانتماءات والهويات دون وطنية الإثنية منها والطائفية والعشائرية والمناطقية.
لقد بات واضحاً أن القوى السياسية والمدنية إضافة إلى كونها لم تستطع حتى اللحظة تجاوز تناقضاتها البنيوية الذاتية. فإنها تعاني من إشكاليات وتناقضات في شكل علاقاتها البينية، ما أدى إلى عدم تحقيق أهدافها، وأيضاً تعثّرها في إنشاء تحالفات سياسية مرحلية وإستراتيجية. نشير هنا إلى طبيعة السلطة الأسدية الأمنية التي جففت منابع العمل السياسي تحديداً، والمدني بشكل عام. وقد شكلت الانقسامات ضمن الأحزاب السياسية لأسباب سياسية يتعلق بعضها بالموقف من النظام المخلوع، وأخرى شخصية مؤدلجة، أحد أهم تلك الإشكاليات. وتجلى ذلك في انقسام القوى السياسية بين أحزاب مرخصة اشتغلت تحت راية السلطة البائدة( الجبهة الوطنية التقدمية) وأخرى رفضت الانضمام للجبهة المذكورة. علماً أن أحزاب الجبهة لم تكن على سوية واحدة في علاقتها البينية من جهة، ومع السلطة البائدة من جهة أخرى. ويعود ذلك إلى التباين في المواقف السياسية والأيديولوجية، وتضخم الأنا الذاتية الشخصية والسياسية. بالمقابل فإن تشكيلات القوى المعارضة للنظام من خارج الجبهة، كانت متباينة في مواقفها من السلطة ومن أحزاب الجبهة. ويعود ذلك بجانب منه إلى الموقف السياسي العام، وأيضاً إلى الأيديولوجيا الحاكمة للسياسية. ونشير في السياق ذاته إلى التقاطع الأيديولوجي بين أحزاب سياسية داخل وخارج الجبهة. لكن الموقف من السلطة السياسية، وتضخم الأنا الذاتية المرضي والعطالة السياسية كان له الدور الأبرز في طبيعة العلاقة السياسية بين الكتل السياسية. وتعمقت جملة الخلافات والتباينات وأيضاً التناقضات السياسية الداخلية/ الذاتية، والبينية بعد انطلاق الثورة السورية.
يشكل ما ذكرناه آنفاً مدخلاً لقراءة واقع القوى السياسية بعد إسقاط السلطة الأسدية سواء القديمة منها أو التي تشكلت بعد إسقاط السلطة ب 8/ 12/ 2024/.
شكل إسقاط السلطة الأسدية وإصدار السلطة الجديدة قراراً بحل الأحزاب السياسية نقطة تحول في الحياة السياسية السورية. فالأحزاب الجبهوية أصبحت رسمياً خارج المعادلة السياسية. علماً أن جميعها لم يكن لها دور يذكر قبل إسقاط السلطة الأسدية ويتعلق ذلك بقبولها ميثاق العمل السياسي(للجبهة الوطنية التقدمية) ما ساهم في دخولها مرحلة موات سريري وعطالة سياسية. وانحسر دورها آنذاك في تمكين سيطرة السلطة البائدة، يضاف لذلك تموضعها في حقل الدفاع عن السلطة الأسدية، وذلك على قاعدة تحالفها مع حزب البعث القائم على منطلق الولاء والطاعة والتبعية، وأيضاً ارتباطها المباشر وغير المباشر بالأجهزة الأمنية التي تغولت على المجتمع السوري وقواه السياسية كافة. وكانت أحزاب الجبهة تبرر موقفها الداعم للسلطة البائدة إستناداً كما يزعمون إلى (الموقف الوطني لسلطة البعث، ودعمه للمقاومة والعداء لإسرائيل وأمريكا). ما أدى إلى اتساع الهوة بينها وبين المجتمع وقواه السياسية المعارضة، وانقطاع التواصل وصولاً إلى القطيعة السياسية والتناقض الجبهي بعد انطلاق الثورة السورية نتيجة دعم أحزاب الجبهة للسلطة الأسدية في حربها ضد الثورة السورية، والسوريين الداعمين للثورة. مع ذلك لم يحاول زعماء تلك الأحزاب حتى اللحظة الاعتذار من السوريين، أو القيام بعملية نقد ذاتي لمواقفهم السياسية السابقة. أكثر من ذلك فإنهم ما زالوا يدِّعون صحة مواقفهم.
من جانب آخر طفت على سطح الحياة السياسية هيئات مدنية، وأطر سياسية بعضها يحاول إقامة تحالفات سياسية واسعة الطيف، وأخرى تحاول الجمع بين العمل السياسي والمدني. وكان واضحاً إن معظم تلك التشكيلات تحاول إقامة قطع سياسي مع الأيديولوجيات السائدة، أو ما تبقى من آثارها.
وبخلاف طبيعة علاقة القوى المعارضة التي تأسست على قاعدة إسقاط السلطة الأسدية، أو رفض التشاركية السياسية معها باستثناء(أحزاب الجبهة). نلحظ حالياً أن تشكيل التجمعات السياسية والمدنية يتم على قاعدة تمسك السوريون بحقهم في المشاركة السياسية والمدنية في بناء الدولة السورية الجديدة، فكان شعار الرقابة والتشاركية في بناء الدولة من أساسيات توجهها. وبالرغم من قناعة بعض السياسيين وقوى سياسية تم تأسيسها بعد إسقاط السلطة الأسدية، بأن من يقود مرحلة بناء الدولة السورية في اللحظة الراهنة يعتمد رؤية سياسية من منظور إسلام سياسي أحادي، فإنهم راهنوا على الحراك الشعبي، وعلى فاعليتهم السياسية والمدنية في إحداث تغيير سياسي وطني يتزامن مع تأكيدات دولية تدعوا إلى دعم بناء سورية مستقرة يسودها دستور يستند إلى عقد اجتماعي يحفظ أمن السوريين ووحدة الجغرافيا السورية ويفتح المناخ العام على بناء دولة تعددية ديمقراطية يسودها مبدأ المواطنة المتساوية.
إن تقارب أهداف ورؤى القوى السياسية والمدنية، كان يبشّر بإمكانية تمكين التواصل والتنسيق لتأسيس آليات عمل مشترك. لكن ذلك لم يتحقق، وذهبت أوضاع تلك القوى إلى مآلات مختلفة عنوانها العريض مزيداً من الانقسامات الداخلية، تفاقم أشكال التباين التي وصلت لحد التناقض في بعض اللحظات. ويعود ذلك لأسباب تتعلق بأزمة متوارثة تمثلت في تضخم الأنا الفردية الشخصية، وأخرى تتعلق بالموقف السياسي من السلطة الجديدة نتيجة أدائها السياسي على أكثر من صعيد: مؤتمر الحوار الوطني، الوثيقة الدستورية، تشكيل الحكومة من لون واحد، تحكم رجال دين في مفاصل صناعة القرار، آلية تشكيل المجلس التشريعي، صلاحيات رئيس الجمهورية شبه المطلقة، تهميش الكفاءات الوطنية وتعيين أشخاص في مناصب قيادية لا يتمتعون بالحد الأدنى من الكفاءة، آليات وأشكال التعامل مع أحداث الساحل، السويداء، شمال شرق سوريا. وتقاطع ذلك مع حصول تجاوزات وارتكبات بحق المدنيين أدى إلى ارتفاع منسوب المظلومية، واضطراب السلم الأهلي، البطء في إنجاز ملف العدالة الانتقالية إضافة إلى عدم الشفافية، عدم وضع رؤية إستراتيجية يتم على أساسها تحقيق العدالة الاجتماعية، توظيف الانتماءات دون وطنية سياسياً، انسحاب الدولة من دورها الاجتماعي في سياق تحرير الاقتصاد من منظور التبعية للخارج، وهذا يهدد كما هو معلوم العدالة الاجتماعية، وينذر بانهيار الأمن الغذائي. وأيضاً يساهم بارتفاع مستوى الخوف والتقوقع على الذات الأقلوية نتيجة ارتفاع منسوب التحريض الطائفي واقترانه باستمرار الانتهاكات الإنسانية بحق الأقليات. ومن الممكن أن يكون تداخل العامل الخارجي مع عوامل داخلية متعددة من أسباب تفاقم التناقض بين مكونات الشعب السوري، ما ينذر بتقسيم سوريا والسوريين على أساس ديني/ مذهبي ،اثني/ عرقي.... . وفي أفضل الأحول تمكين أحد نماذج اللامركزية أو الفيدرالية. ونشير في هذا السياق إلى أن فرض اللامركزية السياسية، أو الحكم الذاتي أو الفيدرالي كأمر واقع يرتبط بتردي العلاقة بين مكونات الشعب السوري، سيكون مدخلاً إلى نشوء صراعات طويلة الأمد يتم توظيفها لتمكين مصالح دول ضالعة في الملف السوري. ويتجلى ذلك كما هو واضح على قاعدة تناقض وتداخل المصالح الدولية والإقليمية.
بالعودة إلى بحث أوضاع التشكيلات المدنية والسياسية الجديدة أكدنا على أن ثمة توافقات عديدة تجمع فيما بينها: مبدأ المواطنة المتساوية، سيادة القانون، بناء دولة وطنية ذات سيادة على كامل الجغرافيا السورية، العدالة الانتقالية والاجتماعية، المساواة أمام القانون وفي القانون، تشكيل جيش وطني موحد ومستقل لا يتدخل بالسياسة وغير تابع للخارج أو مرتهن له، استقلال القضاء .... مع ذلك ما زلنا نلحظ عجز تلك التشكيلات عن تأسيس عمل سياسي تشاركي يؤسس إلى نشوء تحالفات وطنية عريضة. كذلك فإن العطالة السياسية وتضخم الأنا الفردية السياسية/ الشخصية، يساهم في تقويض العلاقة التشاركية، وزيادة حدة التناقض. وجميعها أسباب تؤسس لحالة من العداء السياسي والشخصي المؤدلج. ويعتبر ذلك بوابة لتوسيع وتعميق التباين والتذرر، وتراجع إمكانية العمل المشترك لتأسيس رؤية وطنية عامة وشاملة تساهم في نهوض سوريا والسوريين على قاعدة التفاعل المتبادل. يتقاطع مع ما سبق الإشارة إليه محدودية تأثير تلك القوى والهيئات في المجتمع، وبالتالي عدم القدرة على جذب السوريين أو تأطيرهم سياسياً ومدنياً، وبشكل خاص الشباب الذين يتمحورن حول ذاتهم ضمن أطر خاصة بهم. عزوف كثير من السوريين بشكل خاص الشباب عن المشاركة السياسية والمدنية نتيجة اضطراب الوضع الراهن، وآليات عمل التجمعات الموجودة، وانقساماتها المتكررة. وجميعها أسباب عمقت العطالة السياسية. علماً أن تقاطع تلك التشكيلات على كثير من القضايا الوطنية الأساسية من المفترض أن يخفف من حدة خلافاتها الذاتية والبينية.
إن ارتفاع منسوب التخوف الشعبي من سياسات السلطة الجديدة نتيجة تكرار حصول تجاوزات تهدد الأمان المجتمعي وتنذر بتفجره. لم يمنع من انحياز بعض التشكيلات السياسية والمدنية للسلطة الجديدة، واتهام كل من ينتقد أداءها أياً كان مستوى وشكل وهدف النقد بأنه (فلول وطائفي وشبيح)... . متناسين أنهم كانوا جميعاً معارضين للسلطة البائدة وأنهم تعرضوا للقمع والقهر والاعتقال، وإن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم. وأنهم بعد إسقاط السلطة الأسدية اجتمعوا على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية على فكرة المشاركة في بناء دولة المواطنة المتساوية والتشاركية والانفتاح على الأخر ومد جسور التواصل وإطلاق الحريات السياسية وصون الحريات العامة.
من جهتنا نرى إن المهمة الأساسية الآن تتركز على تأسيس مشتركات تساهم في بناء برنامج مشروع وطني منفتح على الجميع يؤسس إلى تحالف وطني عريض يجمع السوريين لإنجاز القضايا المركزية بعيداً عن الأيديولوجيا أياً كان شكلها كونها كانت وما زالت أحد الأسباب الرئيسية في إفشال كثير من المشاريع السياسية التشاركية/ التحالفات. وعليه نرى أنه من الأهمية بمكان تبني فكر نقدي حر يضع القضايا السورية على بساط النقد والدراسة الموضوعية المنهجية للتوافق على آليات تمكن السوريين من حقهم في بناء دولة المواطنة المتساوية في سياق تجاوز إشكاليات وتناقضات هويات ما دون وطنية، بناء هوية وطينة جامعة، بناء اقتصاد وطني يحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، ضمان وحدة الجغرافيا السورية، ووحدة السوريين وسيادتهم. إن تحقيق ما ذكرناه آنفاً يحتاج إلى بناء مواطن حر، كرامته مصانة، ورأيه مسموع ومؤثر.
القاعدة الشعبية:
من البداهة بمكان أن أي فعل أو حراك السياسي أو مدني سيكون تأثيره محدود إذا لم يستند إلى قاعدة شعبية واسعة مؤثرة ووازنة. ونشير هنا إلى أن من أسباب انحسار تأثير القوى السياسية في المرحلة الماضية هو عدم تأثيرها في القاع المجتمعي. فكانت منفصلة عن الواقع الشعبي ولم يستطع أي منها تحويل السوريين المضطهدين إلى حامل مادي لمشروعها السياسي. فكان القمع المركّب بحق تلك القوى وصولاً إلى تجفيف منابع الفعل السياسي أحد أبرز ممارسات السلطة الساقطة لتأبيد سيطرتها في سياق تغييب المجتمع عن السياسية، وتمكين الفصل بين القوى السياسية والمجتمع. ومن المهم الإشارة هنا إلى تأثير الهيمنة الأمنية والعسكرية الكارثي على الدولة والمجتمع وعلى الحياة السياسية. ويمكننا الإشارة إلى أن السلطة البائدة حوّلت العاملين بالدولة إلى رهائن للقمة عيشهم وأمنهم فكانوا مجبرين على العمل في مؤسساتها للحفاظ على وجودهم البيولوجي.أما الآن، فإن مساحة العمل المدني والممارسة السياسية ما زلت متاحة. ولا يعود ذلك إلى أن ذلك مسموحاً به، فالسلطة الجديدة أصدرت قراراً بحل الأحزاب السياسية كافة. وهي تراقب وتتابع نشاط الهيئات المدنية والسياسية. صحيحاً أنها لم تستخدم حتى الآن القوة العارية لمنع نشاط التجمعات السياسية، لكنها بالمقابل لم تصدر قانوناً ينظم النشاط السياسي. وهذا يستدعي تمكين العمل السياسي والمدني وإقامة تحالفات سياسية وطنية، والتشبيك بين الهيئات المدنية لتشكيل حالة من التوازن السياسي يمكن من خلالها وعلى أساسها المساهمة في بناء الدولة. ويتطلب تحقيق ذلك تجذير التواصل مع كافة الشرائح والفئات المجتمعية وتمكينها من المشاركة الواسعة والفاعلة على قاعدة برنامج وطني يعبّر عن السوريين ويجمع شملهم، ويكون دافعاً لهم للمشاركة في عملية بناء الدولة والمجتمع إنطلاقاً من تكريس قيم المواطنة المتساوية.
المثقف السوري وإشكالية بناء سوريا:
إن بحث أوضاع المثقف العضوي/ الحزبي يرتبط بنقاش واقع الأحزاب السياسية والمستوى المعرفي والوعي السائد، إضافة إلى الأوضاع السياسية والأمنية العامة. أما فيما يتعلق بالمثقف بشكل عام، المثقف غير المنتمي بشكل خاص، فإن عدم خضوعه لأطر سياسية وأيديولوجيات حزبية، يمكّنه من امتلاك مجال أوسع من حرية الحركة والتفكير، وهذا يجعله أكثر قدرة على معالجة الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الثقافية والمجتمعية بشكل أكثر موضوعية وحيادية. ويندرج في إطار المثقف (اللامنتمي) المستقلين الذين كانوا يمارسون نشاطهم في الأحزاب السياسية. ولا يعني عدم الانتماء السياسي للمثقف بأنه يقطع مع الأيديولوجيا بشكل كامل. لكنه مع ذلك يمكن أن يتملك أدوات تحليل منهجية متسقة تمكِّنه من تقديم دراسات أكثر عقلانية وموضوعية. فهو بذلك أقرب إلى الباحث الأكاديمي في تناوله إشكاليات المجتمع، وقضايا الدولة ونظام الحكم. ويمكن وصفه بالعين المراقبة والمتابعة والدارسة لمختلف التحولات. ونشير هنا لأهمية وضرورة القراءات النقدية والتحليلية ذات البعد المنهجي.
في السياق ذاته نلحظ كيفية تحّول شكل العلاقة وطبيعتها بين أصدقاء الأمس ممن كانوا يعارضون السلطة الأسدية إلى علاقة باتت أقرب إلى الحالة العدائية إنطلاقاً من الموقف من السلطة الراهنة. لقد بات واضحاً أن من يقف في خندق السلطة الجديدة لا يتقبل أي نقد لأدائها ويوظفون في سياق الدفاع عنها وعن سياساتها عقلاً تبريرياً، وتخوينياً بحق من يخالفهم الرأي في سياسات السلطة. ويتقاطع ذلك مع افتقارهم لأدوات التواصل مع المجتمع، مما يضاعف من عزلتهم وتراجع تأثيرهم.
أما فيما يخص إشكالية المثقف والسياسي معاً في اللحظة السورية الراهنة. فإننا نلحظ انزياحاً كبيراً يصل لدرجة القطع المعرفي مع المنظومات المعرفية والثقافية السائدة سابقاً. لقد بات واضحاً أن شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين من مشارب أيديولوجية مختلفة، أصبحوا من مؤيدي السلطة الجديدة، ومدافعين عنها. علماً أن شكل تفكيرهم وأداءهم السياسي والثقافي يناقض ميول وتجليات الإسلام السياسي. نتساءل هنا كيف يمكن لمثقف كان يدافع عن الثورة السورية/ ثورة الحرية والكرامة، ويمكن أن يكون قد تبوء موقع المنظر لها، أن يتحول إلى مقلب آخر يناقض منهجيته في التحليل المعرفي والثقافي.. . تساؤل آخر يتعلق بانتقال المثقف من موقع المدافع عن دور الدولة الاجتماعي والسياسات الاقتصادية القائمة على تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية... . إلى موقع المدافع عن تحرير الاقتصاد، وهو يعلم بدقة ماهية هذا النموذج، ويدرك مخاطره وأثاره السلبية على المجتمع والدولة. وبشكل خاص في سورية التي عانت وما تزال من أزمة عامة شاملة ومركبة امتدت عشرات السنين.
أما بخصوص وحدة المجتمع السوري فإن شريحة من المثقفين والسياسيين يروجون لفكرة إعادة المجتمع السوري إلى مكوناته الأولية(عشائر، إثنيات، طوائف..) ويبررونها ويدافعون عنها وعن من يطرحها. إن قبول شريحة من المثقفين مع فئات من المجتمع السوري فكرة إعادة بناء المجتمع والدولة على قاعدة المكونات ما قبل وطنية يعتبر بمثابة نتيجة للممارسات السلطة السياسية البائدة. لكن تصاعد خطاب الكراهية والتحريض الطائفي بعد إسقاط السلطة الأسدية، وتقاطعه مع أحداث الساحل ومحافظة السويداء، يضع السوريون أمام منعطف خطير ينذر بتقسيم الجغرافيا السورية والمجتمع السوري، تمكين وجود عسكري لغير دولة، احتلال أراض جديدة من قبل إسرائيل و… .
إن القبول بتحويل الطوائف إلى طائفية سياسية سيكون مدخلاً لتفكيك المجتمع السوري وإدخاله في طور التناقض والصراع على أسس طائفية. ويساهم في تفاقم تلك الإشكالية تبرير قمع الأقليات واستئصالها كونها حسب زعم البعض ساندت السلطة البائدة. وهؤلاء يعلمون بأن السلطة الأسدية استخدمت الأقليات لتأمين سيطرتها، وادّعت حمايتهم من (التغوّل الإسلامي المتطرف) في وقت كانت تمارس بحقهم القهر والقمع والاضطهاد والإذلال... . علماً أن مسألة الموالاة للسلطة البائدة، أو دعمها كان عابراً للطوائف، وله أسباب متداخلة ومتراكبة تحتاج لبحث مطوّل.
نشير أخيراً أن جملة القضايا التي عرضناها، وقضايا أخرى كثيرة تدفعنا لتأكيد على أهمية تمسك المثقف العضوي، والمثقف غير المنتمي، والسوريين عموماً بهوية وطنية جامعة يتم بلورتها على قاعدة برنامج وطني يوحد السوريين من أجل: مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، بناء دولة المواطنة المتساوية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية. دولة تتمتع بالسيادة والاستقرار ووحدة الأرض والمجتمع، يسودها نظام سياسي يمثل السوريين ويحقق لهم الأمن والآمان والعدالة والعيش الكريم ( الكرامة والحرية). بخلاف ذلك فإننا نحن السوريون جميعاً ذاهبون إلى نهايتنا كدولة ومجتمع.



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخصوص إشكالية إعادة إنتاج الذات
- مدخل إلى خطاب المظلومية
- بخصوص ثقافة العنف
- عود على بدء سؤال الهوية من جديد
- عود على بدء سؤال الهوية من جديد
- مقدمات أولية للحوار عن إشكاليات الأيديولوجيات الكبرى
- قراءة أولية في وثيقة الإعلان الدستوري
- بخصوص الوطنية والمواطنة
- قراءة في مستقبل الاقتصاد السوري
- المدخل إلى التعايش المجتمعي
- من تحديات العمل السياسي والمدني في اللحظة الراهنة
- معاً نبني سوريا حرة موحدة ديمقراطياً
- الدولة هوية
- عن إشكاليات إعادة إنتاج الذات العربية
- عن إشكالية إعادة تصنيع العقل البشري عولمياً
- سوسيولوجيا الهشاشة والفقر: سوريا أنموذجاً
- المثقفون الرُّحّل
- المثقفون الرُحّل
- الدستور وقضايا التغيير في سوريا
- مَن أنتم؟ هل كان القذافي محقا؟


المزيد.....




- إيداع الصحافي الجزائري سعد بوعقبة الحبس الإحتياطي بعد شكوى م ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيين اثنين بعد استسلامهما وفق م ...
- -سيناريوهات- يستعرض جهود واشنطن لإحلال السلام بين موسكو وكيي ...
- مصر: توقيع مشروع تجاري فندقي في القاهرة الجديدة.. وخبراء يعل ...
- إحباط بين جماهير ليفربول بعد سلسلة هزائم، وتساؤلات حول مستقب ...
- فيديو يظهر مقتل فلسطينيين في وضعية الاستسلام على ما يبدو وال ...
- غزة مباشر.. غارات في القطاع وإعدامات بالضفة
- شاهد.. جيش الاحتلال يعدم شابين من جنين بعد استسلامهما
- إدارة ترامب تعلن إعادة النظر في بطاقات -غرين كارد- الممنوحة ...
- دول أوروبية تدين تصاعد عنف المستوطنين ضدّ الفلسطينيين في الض ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - قراءة أولية في أوضاع التجمعات المدنية والسياسية في سوريا