فارس آل سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 10:01
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعد الامن السيبراني اليوم احد تحديات الوجود الانساني في منتصف عقد تاريخي تقف فيه الانسانية على مفترق طرق وتتسارع فيه وتيرة التغيير الحاسم، حيث الاستقطاب العالمي مصحوبا بتفكك التحالفات القديمة، و تحديات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة ، فضلا عن الحرب الهجينة ، وصعود نخب سياسية شعبوية على شكل فقاعات غير منتجه فكريا سرعان ما تخبو (بريطانيا، فرنسا، المانيا وغيرها)، فضلا عن توقعات البحث والتغيير التكنولوجي المتسارع وهما عاملان يعيدان تشكيل عالمنا بشكل اسرع مما ندركه.
كما يواجه العالم اسئلة غير مسبوقة، مدفوعة بالتقدم العلمي وسباق تكنولوجي محموم. ومع تسارع وسيلة التحول نشهد ازمة عالمية في الثقة. فوفقا لمؤشر ايدلمان للثقة، انخفضت الثقة العالمية في المؤسسات داخل الاقتصادات المتقدمة الى 49% وهي ادنى نسبة منذ بدء العمل بالمؤشر. هذا يستوجب اعادة فحص النماذج التنموية العالمية، ويبرز الحاجة الى تصميم مستقبل افضل واكثر مقاومة للبقاء لديمومة البشرية. ويمكن حصر التحديات في المحاور التالية:
اولا- المحور الجيوسياسي:
يشهد العالم اليوم حالة من تفكك التحالفات التقليدية واشتداد الاستقطاب بين القوى الكبرى، الامر الذي أدى إلى زعزعة التوازنات التي حكمت العلاقات الدولية لعقود. تتجلى مظاهر هذا التحول في الحروب الهجينة التي تمزج بين القوة العسكرية الصلبة والهجمات السيبرانية، مهددةً الأمن العالمي الرقمي، ومؤثرة بشكل مباشر على الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول.
وقد ناقش الاجتماع السنوي للأمن السيبراني في دبي في منتصف شهر تشرين الاول / اكتوبر الماضي هذه التحولات وأثرها على أمن المعلومات، مؤكدًا أن الصراعات الحديثة لم تعد تقتصر على الميدان العسكري، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي حيث أصبحت الهجمات الإلكترونية سلاحًا استراتيجيا في النزاعات الجيوسياسية.
إن هذا الواقع يفرض على الدول إعادة تعريف تحالفاتها بما يتناسب مع مصالحها الأمنية والاقتصادية، والبحث عن صيغ جديدة للتعاون الدولي، خاصة في ظل غياب الثقة العالمية في المؤسسات وتراجعها إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
ثانيا- المحور التكنولوجي:
لم تعد التكنولوجيا مجرد اداة نستخدمها بل اصبحت نظام نعيشه يحدد كيف نعمل ونتاجر وندير ونتواصل. يعمل الذكاء الاصطناعي والاتمته والاجهزة المتصلة على تحويل كل جانب من جوانب الاقتصاد العالمي الى سباق مع الزمن.
يمثل الاقتصاد الرقمي بالفعل 15% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي بحوالي 16 ترليون دولار. ومن المتوقع ان يتضاعف بحلول 2030. ما يقود الاقتصاد العالمي الان هو التجارة الرقمية والخدمات. و يتنبأ المنتدى الاقتصادي العالمي بان تكون التقنيات الجديدة هي الدافع و محرك النمو في العقود القادمة بعد ما كانت التجارة والسلع المصنعة هي الدافع للنمو خلال العقود الثلاثة الماضية.
مع تزايد دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي نشهد ايضا زيادة في التوترات ومن المتوقع ان تصل التكلفة العالمية للتهديدات السيبرانية الى حوالي 20 ترليون دولار سنويا في العام 2030 مما يبرز ان المرونة والثقة والبنية التحتية الرقمية الآمنه اصبحت اعمده اساسية للازدهار المستقبلي. لا سيما و ان سرعة التحديات المستقبلية اليوم تتجاوز قدرة النظم الحالية والنماذج الاقتصادية والسياسية على الاستجابة والتكيف مع التغيرات المناخية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية.
ثالثا- المحور الاجتماعي والإنساني:
يُعد الذكاء الاصطناعي أبرز ملامح الموجة الرقمية الجديدة، إذ من المتوقع أن يسهم بما يقارب 7 تريليونات دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030. إلا أن السؤال الجوهري المطروح هو: هل سيكون الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان أم ضده؟
تتزايد المخاوف من أن يؤدي التوسع غير المنضبط في استخدام هذه التقنيات إلى تهديد فرص العمل والخصوصية، في ظل تصاعد كلفة التهديدات السيبرانية التي يُتوقع أن تصل إلى 20 تريليون دولار سنويًا بحلول العقد المقبل.
بالمقابل، فإن التحول الرقمي يشكل فرصة لإعادة صياغة أنماط العمل والمعرفة، إذ بات الاقتصاد الرقمي يمثل 15% من الناتج العالمي، ومن المتوقع أن يتضاعف خلال العقد القادم، لتصبح التجارة الرقمية والخدمات المحرك الرئيسي للنمو العالمي بدلاً من السلع التقليدية.
غير أن فقاعات التكنولوجيا مثل فقاعة الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة تذكّرنا بأن التطور التقني، رغم ما يحمله من وعود، يظل عرضة للمخاطر إن لم تتم ادارته بوعي وتخطيط.
فكما أفرزت فقاعة "الدوت كوم" شركات عملاقة مثل "غوغل" و"فيسبوك"، فإن فقاعة الذكاء الاصطناعي الحالية قد تلد نماذج جديدة من الابتكار، لكنها أيضًا قد تطيح باستثمارات ضخمة غير مدروسة.
في خضم هذا التحول التكنولوجي والجيوسياسي، تبرز الأجيال الجديدة كفاعل رئيسي في تشكيل المستقبل. هذه الأجيال، التي وُلدت في عالم رقمي مشبع بالذكاء الاصطناعي، تختلف جذريًا في أولوياتها العقلية والقيمية عن الأجيال السابقة. فأكثر من 70% من شباب العالم يعتبرون المسؤولية المناخية والعدالة الاجتماعية من أولوياتهم، إلى جانب التعاطف الإنساني والمشاركة في صنع القرار. ومن هنا، لا يمكن تصميم المستقبل من دون إشراك الشباب في صياغة السياسات والاستراتيجيات الوطنية والدولية. كما أن العدالة الانتقالية تبرز كشرط ضروري لترسيخ الثقة الاجتماعية وإعادة بناء الهوية الإنسانية في عالم مضطرب.
رابعا- المحور الاستشرافي:
إن العالم يقف على مفترق طرق تاريخي يتطلب إعادة تعريف مفهوم المرونة الإنسانية، لتصبح المرونة ليس مجرد قدرة على العودة إلى الحالة السابقة بعد الأزمات، بل استعداد دائم للتكيف والتجدد أمام التغيرات المتسارعة. اذ تتصاعد وتيرة و تعقيد التحديات المستقبلية باستمرار لذا نواجه اليوم حقائق لا يمكن تجاهلها. و على سبيل المثال من المتوقع ان تتجاوز خسائر الفيضانات السنوية في الاصول والبنى التحتية الحضرية 700 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الى ان التوترات التجارية قد تكلف العالم 7% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي على المدى المتوسط والبعيد.
هذه الأزمات لا يمكن مواجهتها بالأدوات التقليدية، بل تتطلب استراتيجيات استباقية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتطوير نماذج مرونة مستقبلية. لذلك يجب ان نتعامل مع الازمات بشكل مختلف. اذ اصبحت القدرة على الصمود لا تتعلق فقط بالعودة الى حالة الاستقرار التي سبقت الصدمات. لان العودة لحالة الاستقرار السابقة تعني ان القطار قد فاتنا. يتغير العالم اليوم ليس بخطوات بل بقفزات و من لا يجيد القفز سيكون في اخر الطابور.
سبق و ان اظهر الاقتصاد العالمي مرونة رائعة مع الاخذ في الاعتبار كل الاضطرابات الجيوسياسية التي حدثت في السابق، وبقي النمو الاقتصادي لعقود من الزمن تقريبا 4%، اما الان فان النمو العالمي عند اقل من 3%. وهو ليس قويا بما فيه الكفاية لتوفير فرص العمل للجميع، كما ان الاقتصاد العالمي بحاجة للعودة الى حيث كان النمو اعلى ليحقق توازن واستقرار جيوسياسي - اقتصادي.
كما يواجه العالم اليوم حالة من عدم اليقين فضلا عن ارتفاع الدين العام والتجارة غير المستقرة بما يضيفان من ثقل الى هذه التحديات. لذلك تحتاج دول العالم لتنظيم امورها من خلال التركيز على تغيير السياسات المحلية، وضرورة الاسراع بالاصلاحات.
وفي ظل احالة الانقسام العالمية، يبقى الحوارالدولي الركيزة الأساسية لبناء الثقة وكسر الجمود.
خاتمة:
إن التحديات التي تواجه العالم اليوم من تفكك التحالفات وتفاقم الأزمات السيبرانية إلى الفجوات الاجتماعية و المالية وفوضى التكنولوجيا، تفرض على الإنسانية وقفة تأمل ومسؤولية مشتركة لإعادة بناء الثقة والحوكمة الرشيدة.
ولعل العراق، بموقعه وثرواته، مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يستعيد دوره الفاعل في المنظومة الدولية عبر رؤية اقتصادية واستراتيجية واضحة، تعيد إليه مكانته وتمنحه القدرة على الإسهام في صياغة مستقبل أكثر عدالة واستدامة وإنسانية.
إن غياب الرؤية الاقتصادية والسياسية الشاملة، وعدم إدراك النخب الحاكمة لحجم التحديات الإقليمية والدولية، يهدد بفقدان العراق مكانته الاقتصادية رغم ثرائه بالموارد. فبلد يُعد تاسع أغنى دولة في العالم من حيث الموارد الطبيعية ، لا يزال يعاني من ضعف الإدارة والحوكمة وغياب التخطيط الاستراتيجي، وهو ما ينذر بتأخره في سباق الأمم نحو التنمية.
يقف العراق على مفترق طرق مابين ان يختفي من الخارطة الاقتصادية الدولية و ما يرافق ذلك من تغييرات جيوسياسية ، وما بين ان يرتقي ويتبوأ مكانة مرموقه بين الدول الرصينة اقتصاديا.
نحن على ابواب انتخابات عامة ولم اجد سياسيا واحدا او كتلة سياسية او حزب طرح برنامجا اقتصاديا رصينا وشاملا و برؤية استراتيجية ، وهذا يعني ان الجهل بالتحديات المحيطة مطبق ،وهناك عدم ادراك بالبيئة المحيطة اقليميا ودوليا. بمعنى ان العراق سيخسر على الاقل 4 سنوات اخرى في عالم تشكل فيه الدقيقة فارقا ماليا وجيوسياسيا ، بل ووجوديا.
اتمنى على من سيتبوأ منصب رئيس الوزراء القادم ان يعلم ان عليه مواجهة تحديا يدخله التاريخ من اوسع ابوابه وهو اعادة العراق الى سكة الامان و الوجود. اما اذا كان تفكيره منحسرا بالتمتع بمزايا المنصب وسطوة الحكم لمدة 4 سنوات، فاقرأ على العراق السلام.
---------
#فارس_آل_سلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟