أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - فارس آل سلمان - الثورة الصناعية الرابعة ... و تحديات الوجود















المزيد.....


الثورة الصناعية الرابعة ... و تحديات الوجود


فارس آل سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5442 - 2017 / 2 / 24 - 15:08
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الثورة الصناعية الرابعة ... و تحديات الوجود
* فارس آل سلمان
تواجه الدول النامية تحد جديد يتمثل بالابتكار التقني المتسارع و الذي يساهم في زيادة سعة الفجوة بين العالم الصناعي و الدول النامية . ومن الجدير بالذكر ان الكثير من الدول النامية لم تنجح لحد الان في استيعاب الثورة الصناعية الثالثة و التي انطلقت في منتصف التسعينات من القرن الماضي ، وتجسدت تلك الثورة بتصنيع وانتشار تقنية المعلومات وهيمنة الشبكة العنكبوتية .
ورغم ان الكثير يعجبون بالابتكار التقني الجديد الا ان البعض ينزعجون من التغيير و آخرون يشعرون بخوف من المجهول. ألا اننا شئنا ام ابينا فان التغيير اصبح امر واقع يتوجب علينا كافراد و حكومة ان نتكيف معه ونساير ايجابيات هذا التغيير او الابتكار التقني بما يضمن عدم اتساع الفجوة التقنية بيننا و بين العالم الصناعي ، او نكون اكثر طموحا بسيعنا لتقليص حجم الفجوة التقنية قدر الامكان .
نحن اليوم على اعتاب ثورة صناعية رابعة ، وهي عبارة عن التقدم الذي تم إحرازه في تصنيع الإنسان الآلي ، وربط الأشياء مع بعضها البعض عن طريق الشبكة العنكبوتية ، والبيانات الكبيرة ، وتقنية الهاتف النقال ، والطباعة ثلاثية الأبعاد . بمعنى اخر ان كرسي قاعة الاجتماعات سيحتوي على ذاكرة رقمية فيها اسماء من يجلسون عليه ، و عند كل استخدام سيغير من اوضاعه حسب الشخص الذي يستخدمة ، و ان سرير الفحص في المستشفى سيرتبط بمجموعة اجهزة تقوم بقياس الفعاليات الحيوية للمريض ، و يتم استنطاقه طبيا من خلال حاسوب صوتي للتعرف على وصفه لنوع الالم الذي يعانيه ،و بالتالي يقوم الحاسوب بتشخيص المرض و تحديد الدواء . بمعنى آخر انتهى دور الطبيب في الفحص السريري و تشخيص العله ووصف الدواء . ليس هذا وحسب و انما جميع هذه الاشياء سترتبط بعضها مع البعض الاخر و ستقوم باداء واجبات تنسيقية فيما بينها ودون تدخل البشر .
وعلى سبيل المثال ستنتشر سيارات التاكسي الذاتية القيادة ، وهي تتعامل مع الزبون وكانها وحدة خاصة به ، لكنها بذات الوقت ملزمة بالتنسيق مع السيارات الاخرى (وحدات آلية او غير آلية آخرى) لتجنب الاصطدام ، او تجنب الحيوانات الشاردة على الطريق او المشاة غير المنضبطين .
ان التقنيات الجديدة يمكن لها ان تعزز الانتاجية العالمية ، و ان تشكل فرصا واعدة للمستثمرين لتحقيق ارباح مشابهه لما قدمته الثورات الصناعية السابقة ، لان اصحاب هذه التقنيات في مراحل مبكرة من الثورة سيطلبون اسعارا عالية لتقنياتهم ، لان العرض قليل وقد تكون السلعة احتكارية.
وهذا التحدي يضعنا اليوم امام عصر جديد من التقنية و الاستثمار الامر الذي سيفرض نمط و اسلوب معيشة جديد يتطلب علوم و مهارات بمستوى اعلى من العلوم الاساسية .
فضلا عن ان الوسائل الجديدة لإنتاج الأشياء ستقتل الصناعات والوظائف القديمة قبل أن تظهر الفوائد الكاملة لنمط الإنتاج الجديد . ففي مثال السيارة الذاتية القيادة اعلاه ، لك ان تتخيل كم سائق سيارة اجرة سيفقد عمله على مستوى مدينة ، ثم على مستوى دولة ، ثم على مستوى قارة ، ثم على مستوى العالم اجمع .
يصف البروفيسور كلاوس شواب رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي هذه الثورة بان التكنولوجيا فيها لن تكتفي بتغيير ما حول البشر فحسب، بل «تغيّر أيضاً المعنى الحقيقي للإنسان»، و يضيف بأن «الثورة الصناعية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، مغايرة لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل، فهي سريعة وعميقة وشديدة الاتساع، تضرب في كل القطاعات تقريباً، على عكس الثورات الصناعية الماضية، فثمة بحر رقمي عالي الأمواج، وطباعة ثلاثية الأبعاد، وذكاء اصطناعي، وروبوتات ذكية، وحرس حدود آليون، باستطاعتهم قنص من يحاول تجاوز التخوم، وسيارات ذاتية القيادة، وكمبيوترات شديدة البراعة، باستطاعتها أن تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات».
ان الثورة الصناعية الرابعة ستكون سريعة بخلاف ما سبقها من ثورات: «ويكفي للدلالة على سرعة الثورة الصناعية الرابعة، أن مغزل النسيج (السمة المميزة للثورة الصناعية الأولى) استغرق تقريباً 120 عاماً لينتشر خارج قارة أوروبا. على النقيض من ذلك، فقد تغلغلت الإنترنت في جميع أنحاء العالم في أقل من عقد من الزمان» .
و ستحدث تغييرات مخيفة ومفزعة للبعض، فسائق التاكسي العجوز في شوارع عاصمة دولة نامية، يجد ذاته في منافسة أمام تطبيقات ذكية تتيح للشخص أن يطلب سيارة حديثة بلمسة لشاشة هاتفه، لتاتي السيارة ذاتية القيادة لتقله . و هذه الثورة ستغيّرت طبيعة العمل، و سيكون هناك عمال مستقلون يؤدون مهام محددة، بعيداً عن التزامات التوظيف وحقوق العمال وغيرها من الاشتراطات، كما الحال في شركة «أوبر» لتأجير السيارات، أو حتى العمل بموقع أو تطبيق ما.
ويعتقد كل من جون مايكل ثويت وأدريان وولدريج في كتابهما "الثورة الرابعة: هي السباق العالمي لإعادة اختراع الدولة"، و أن التطورات العلمية والتكنولوجية التي يسميانها "الثورة الصناعية الرابعة"، تفرض على العالم أن يعيد النظر في طبيعة ودور وعلاقات الحكومات والمجتمع والأسواق والأفراد؛ وأن الدولة الحديثة التي صاحبت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر تتعرض للتهديد وربما للزوال، أو بعبارة أصح: تغير في طبيعتها ودورها.
و يشير كل من روستون ن وولتر في كتابهما "أفول السيادة: كيف تحول ثورة المعلومات عالمنا" الى ان مفهوم السيادة سيتغير نتيجة للتغيرات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي ستنجم عن هذه الثورة .
و اكد تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم للعام 2016، وتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2015 الى حقيقة ملحة و هي: "إذا لم تنفّذ الدول إصلاحا جذريا، فإن الديمقراطية مهددة"،
ففي العالم الصناعي في الثمانينيات ، تضخمت الدولة الى حد التورم، وهذا ما دفع غورباتشوف الى ان يحاول اصلاح بنية دولة الاتحاد السوفياتي ، لكن اللجام افلت من يده لتلتقطه جهات آخرى . وفي بريطانيا بذل المحافظون (بقيادة مارغريت ثاتشر) جهودا لخفض الإنفاق العام ، لكن عادت الدولة الى التضخم من جديد من خلال زيادة إنفاقها في الرعاية الصحية والاجتماعية ، وتمت عملية اعادة النظر في السياسات الضريبية لصالح الطبقات الوسطى، لكن هذه السياسات كانت تشكل انحيازا واضحا للأغنياء وللشركات الكبرى ، مما انتج مشاكل اقتصادية و اجتماعية جمة.
ان تجربة العالم المتقدم في التعمق في سياسات العولمة ، افرز انعداما للعدالة الاجتماعية ، و كان معدل فقد الوظائف اعلى من معدل خلق فرص وظيفية جديدة لان الفرص الجديدة وان كانت اكثر عددا من الفرص الدائمية ، لكنها عبارة عن عقود محددة الزمن، و غير دائمية ، و محدودة الاجر و بدون ضمان تقاعدي ، وهذا بدوره رفع المعدل العام للبطالة .
وخير مثال على ذلك ما تعانيه اليوم ايطاليا و اسبانيا و حتى فرنسا ، وما خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي الا نتيجة حتمية لهذه السياسات . في حين نجد ان الدول الاسكندنافية و المانيا استطاعت تطبيق نظرية اقتصادية ضبطت بموجبها الانفاق العام مع تفعيل الرعاية الاجتماعية و توفير الخدمات الاساسية .
و اليوم يبرز حجم الكارثة في مديونية دول الاتحاد الاوربي الجنوبية المتمثلة بايطاليا و اسبانيا و اليونان و البرتغال ، وما رافقه من انعكاسات على الروابط الاجتماعية في هذه البلدان ، و امتدت الازمة الى فرنسا لنجد ان اليسار الفرنسي انتهج سياسات لم تجروء احزاب اليمين على اتخاذها، و انعكس ذلك بصورة واضحة على القطاع الزراعي الفرنسي ، و بدا الفلاح الفرنسي يعاني من شضف العيش و ارتد ذلك من خلال تظاهرات المزارعين التي هزت المدن الفرنسية ، لتعقبها تظاهرات نقابات العمال و الطلبه ضد الحكومة الاشتراكية .
واليوم يعاني الفلاح السويسري من حالة تحد للوجود ، ورغم تكتم السلطات ، الا ان حالات الانتحار نتيجة الضغوط الاقتصادية و انعدام الامل ، قد وصلت الى 8 حالات في كانتون فود لوحده.
اما في بريطانيا فان المواطنين الانكليز تركوا الوطن الى ما وراء البحار ، للبحث عن فرص عمل و حياة افضل ، و اصبح من يدير البلد المهاجرون او اولادهم ، و هذا انعكس على التركيبة السكانية و التي دقت ناقوس الخطر لدى اليمين في بريطانيا ، بوصول مسلم من اصل باكستاني الى منصب عمدة لندن . و قبلها في عام 2009 تولى منصب وزير النقل والمواصلات، وأصبح أول مسلم ينضم لمجلس الوزراء.
فهل انتهى عصر دولة الرفاه في اوربا و اميريكا ؟ هل هذا يعني ان الحكومات المتعاقبة و احزابها فشلت في انتهاج سياسات تنموية صحيحة؟. من المسؤول ؟ هل هو المواطن الذي انتخب ممثلي هذه الاحزاب التي شكلت الحكومات ؟. ام انها مسؤولية الحكومات و الاحزاب التي شكلتها ؟.
اصبح من الواجب اليوم ان نتبنى أنظمة اقتصادية اجتماعية جديدة مبنية على مشاركة المواطن و الحكومة و المجتمع المدني والشركات (المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص) ، كي تنتج تنمية اقتصادية و اجتماعية مستدامة . يجب ان نفكر كيف يمكن ان نخلق توازن بين النمو الديمغرافي و تناقص الثروات و الموارد الطبيعية . كيف يجب ان نتبنى سياسة تقشف ذكية وبذات الوقت نحافظ على مستوى جيد من الرعاة الاجتماعية و الخدمات الاساسية و نمو اقتصادي .
ان الاداء اللحكومي على مستوى العالم المتقدم ، يعاني من الاعياء و انحلال القيم الاخلاقية ، فضلا عن تفشي الاحتيال و الفساد المالي و الاداري ، فما بالك بما يحدث في الدول النامية .
هذا الانهيار الاقتصادي في اوربا و اميريكا قابله نمو اقتصادي مضطرد في الصين خلال التسعينات و مطلع الالفية الجديدة . وهذا ما جعل الصين تدافع عن العولمة في قمة دافوس 2017 وهذا يعد خير دليل على ان الاقتصاد هو المحرك للسياسة و ليس العقيدة الايديولجية . لقد بحثت قمة دافوس 2017 جميع التحديات اعلاه وهي بلا شك تحديات مرعبة .
و بالعودة الى الصين فهي ايضا تضررت من الانكماش و الركود الاقتصادي العالمي و اصبحت بدورها مهددة بالركود الاقتصادي وهذا اجبرها على مراجعة استراتيجيتها ، و بخلاف ذلك ستواجه أزمة كبرى تشبه أزمة الاتحاد السوفيتي السابق في اواخر ايامه . ومن هنا تحركت الصين لتخلق سوقا داخليا لتعويض انخفاض طلبيات السوق الخارجي ، و بذلك تحافظ على ديمومة الوظائف و على ديمومة دوران عجلة الانتاج و حركة الاسواق ، وهذا بدوره سيساهم في التنمية الاجتماعية و تحقيق الرفاه لمواطنيها.
قامت ألمانيا باطلاق مفهوم الثورة الصناعية الرابعة و تمتاز هذه الثورة، بأتمتة الصناعة، وتقليص عدد العمال فيها، بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق، بشرط وجود قدرات علمية يمكن توظيفها في امتلاك بنية تقنية ورقمية متطورة، ورغم ايجابيات هذه الثورة الا ان المجتمعات ستعاني منها بما في ذلك الدول المتقدمة .
وتمتاز الثورة الصناعية الرابعة بالسرعة ( سرعة تطورها بمعدل نمو اسي بدلا من معدل نمو الخطي) ، و بالنطاق ، ففي العصر الرقمي، تحتاج الشركات إلى عدد قليل من الموظفين وحجم صغير من المواد الخام لإنتاج منتجات ذات فوائد كبيرة. وبالنسبة إلى الشركات الرقمية، تنخفض تكاليف التخزين والنقل وإعادة إنتاج منتجاتها إلى صفر. وتتطور بعض الشركات القائمة على التكنولوجيا بدون رأس مال كبير مثل انستغرام و واتس أب وغيرهما . و بنظم التأثير، فقد تم تبادل الفوائد بين تكنولوجيا التصنيع الرقمي وتكنولوجيا البيولوجيا، وزاد استخدام المصممين والمهندسين المعماريين للتصميم الرقمي وعلوم المواد الحديثة وعلم الأحياء الصناعية في ابتكار وإنتاج المنتجات الحديثة
ايجابيات الثورة الصناعية الرابعة:
أن الثورة الصناعية الرابعة يفترض بها ان تحقق معدلات عالية من التنمية ، من خلال تخفيضها لتكاليف الإنتاج، ونتيجة لذلك ستتوفر خدمات ووسائل نقل واتصال ، تجمع بين الكفاءة العالية ورخص الثمن ، فضلا عن توفير رعاية صحية أفضل ، كما أنها تختصر الكثير من الوقت في عملية التطور، وتعميم منجزاتها على العالم . غير أنها تفرض في الوقت عينه تحديات غير مسبوقة على المجتمعات البشرية . فهي تشترط إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، وستشمل بالضرورة هيكلة اجتماعية وسياسية ، لأن تحقيق أهداف هذه الثورة يتطلب بنية اقتصادية واجتماعية وسياسية متطورة .
وسيرافق ذلك تغييرات جذرية ، اذ ستربط المدن الكبيرة خدماتها ومرافقها العامة والطرق بالانترنت، ما يساعد على الرقابة وتوفير الطاقة وتسهيل حركة النقل. وقد سخرت سنغافورة وبرشلونة هذه العلوم في خدماتها العامة لاسيما في مجالات ركن السيارات والإنارة وجمع القمامة. وأكد 64 في المائة من المستطلعه آرائهم أنه قبل 2025 ستظهر في العالم مدينة تضم أكثر من 50 ألف نسمة تكون خالية إشارات المرور.
ستوفر الثورة الصناعية الرابعة تقنيات متميزة مثل:
أ - التقنيات المادية
وتتميز عن التقنيات الأخرى بسهولة الشعور بها كونها ملموسة، مثل السيارات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات المتطورة .
ب- التقنيات الرقمية
وهي تقنيات تعمل على خلق مقاربة جديدة جذرية ستحدث ثورة في الطريقة التي يتعامل بها الأفراد والشركات وتتلخص بانها "إنترنت الأشياء"، التي يمكن تعريفها بالعلاقة بين أشياء منتجات ، خدمات، أماكن ... والناس ، من خلال التقنيات المتصلة والمنصات . ويمثل نموذج "شركة أوبر" القوة الخطيرة لتلك المنصات التكنولوجية حيث تتضاعف منصات هذه الأعمال بسرعة لتعرض من التسوق والأعمال المنزلية إلى خدمات ركن السيارات . ومن الأمثلة على الذكاء التقني أن منصات إلكترونية تدير رؤوس أموال ضخمة وتتحكم بها دون أن تمتلك ولو جزءا بسيطا منها، حيث إن "أوبر" أكبر شركة سيارات أجرة في العالم لا تمتلك أي سيارة وموقع "علي بابا" أهم موقع بيع للتجزئة لا يملك مصانع ، في حين ان أكبر موفر لخدمات الإسكان لا يمتلك أي عقارات .
ج- التتقنيات البايولوجية
يعد علم الوراثة عاملاً مهماً في الشفاء من أكثر الأمراض خطورة، مثل أمراض القلب والسرطان، و ستساهم هذه الثورة بتطور البحث العلمي لتوفير علاجات للامراض المستعصية .
سلبيات الثورة الصناعية الرابعة:
ستنتشر البطالة على نطاق واسع نتيجة اتمتة الصناعة، و تشير التقديرات ان فرص العمل ستتقلص إلى 50%، وستشمل الفئات الوسطى والدنيا من الأيدي العاملة، اي الوظائف التي لا تحتاج إلى خبرات علمية وتقنية عالية. وقد حذرت منظمة العمل الدولية في تقريرها السنوي ، من ارتفاع معدلات البطالة عالمياً في العام 2016، بسبب ضعف أداء الاقتصاد العالمي . وذكرت المنظمة في تقريرها أنه من المتوقع أن ترتفع معدلات الباحثين عن عمل عالمياً بحوالي 2.3 مليون في عام 2016 ، و تضاف الى الرقم الاجمالي والذي بلغ حوالي 197 مليون باحث عن عمل في عام 2015 ، و يتوقع اضافة 1.1 مليون كزيادة في عام 2017 . وحذّرت المنظمة من تراجع أوضاع الطبقات المتوسطة في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية ، حيث يمكن أن يؤدي ذلك اضطرابات اجتماعية وسياسية واسعة، بسبب اتساع حالة الفقر، وتدهور الأوضاع المعيشية في البلدان المذكورة.
كما ان الثورة الصناعية الرابعة ستؤدي ايضا الى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في العملية الإنتاجية ، وستهيمن الشركات الكبرى العابرة للقارات . وقالت وزيرة التعليم والبحوث الألمانية ، البروفسور يوهانا فانكا، أن هناك مخاطر من الاعتماد على الشركات الكبرى ، لأن القوة الاقتصادية لألمانيا مازالت مستمدة من قوة اقتصاد الشركات المتوسطة والصغيرة، وأكدت البروفسور فانكا على ضرورة أن يعطى هذان القطاعان الحيويان اهتماماً كافياً، علماً بأن ألمانيا تعد رائدة البلدان الغربية في مجال الأتمته الصناعية.

كما ستتاثر سلبا الاسواق الناشئة ، اذ اعرب الخبراء عن قلقهم من تاثير هذه الثورة على الأسواق الناشئة ، وعلى رأسها الصين وغيرها من الدول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ، فضلا عن الأسواق الناشئة في منطقة جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وكذلك دول منطقة الشرق الاوسط مثل مصر.
وستتجلى التاثيرات السلبية في عدم المساواة ، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب انكشاف الأدوات الحديثة . وشهدت الصين على سبيل المثال انخفاضا ملحوظا في معدل مساهمة الأيدي العاملة في إجمالي الناتج المحلي، نظرا للجوء العديد من الشركات والمصانع الى استخدام التكنولوجيا الحديثة بدلا من العمال . وهنا يكون واجب الحكومات ومجتمعات الأعمال ضمان استعادة الناس لفرص العمل وخلق فرص عمل جديدة. كما يجب على الحكومات أن تضمن تقاسم منافع التكنولوجيا الجديدة محليا ودوليا .
ستؤثر الثورة الصناعية الرابعة على الاعمال من خلال التاثيرعلى توقعات العملاء، وعلى تحسين المنتج، وعلى الابتكار التعاوني، وعلى الأشكال التنظيمية . فرغم ان التقنيات الجديدة تزيد من متانة و مرونة الاصول ، لكنها تغيّر البيانات والتحليلات ، من خلال تغيير الطريقة التي يتم من خلالها الحفاظ على هذه الأصول . وفي ذات الوقت ، يحتاج عالم خبرات العملاء والخدمات القائم على البيانات، وتقييم الأصول من خلال التحليلات، إلى أشكال جديدة من التعاون، تماشيا مع السرعة التي تسير فيها الابتكارات والانهيارات. و ادى ظهور المنصات العالمية وغيرها من نماذج الأعمال الجديدة، الى نشوء تحدي يستوجب إعادة النظر بالمواهب والثقافات وطرق التنظيم .
كما ان عملية التحول القاسي من استخدام الرقمنة البسيطة (الثورة الصناعية الثالثة) إلى الابتكار الذي يقوم على أساس مزيج من التقنيات (الثورة الصناعية الرابعة) ستجبر الشركات إلى إعادة النظر في طرق تسيير الاعمال ، وهذا يعني ان كبار رجال الأعمال ، وكبار المدراء التنفيذيين سيكونون امام خيارين : اما فهم البيئة المتغيرة، والسعي المستمر للابتكار، او الخروج من السوق .
ستؤثر الثورة الصناعية الرابعة على الاشخاص ، ستغير ما نقوم به وما نحن عليه، وستؤثر على هويتنا وكل الأمور المرتبطة بها، حيث سيتغير شعورنا بالخصوصية، وبمفاهيم الملكية، أنماط الاستهلاك، الوقت الذي نكرسه للعمل والترفيه، كيفية تطوير عملنا، تنمية مهاراتنا، لقاءاتنا مع الآخرين، تعزيزعلاقاتنا، فضلًا عن أن هذه الثورة ستغير من صحتنا فالتطورات التي تحدث في مجال التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، والتي تعيد تعريف معنى الإنسانية عن طريق إطالة معدلات الحياة، الصحة، الإدراك، والقدرات، ستجبرنا على إعادة تعريف حدودنا الأدبية والأخلاقية
ستؤثر الثورة الصناعية الرابعة على الحكومات ، في عالم اليوم تداخلت العوالم المادية والرقمية والبيولوجية بشكل أكبر، وهذه التقنيات والمناهج الجديدة ستمكن المواطنين بشكل متزايد من التفاعل مع الحكومات ، والتعبير عن آرائهم وتنسيق جهودهم ، وحتى الالتفاف على مراقبة السلطات العامة، وفي ذات الوقت، ستتمكن الحكومات من امتلاك قوى تكنولوجية جديدة تساعدها على زيادة سيطرتها على افراد الشعب ، وذلك من خلال أنظمة المراقبة المنتشرة والقدرة على التحكم في البنية التحتية الرقمية . و ستواجه الحكومات ضغوطاً متزايدة لتغيير نهجها الحالي فيما يخص إشراك الجمهور ورسم السياسات، وذلك لأن دورها المركزي في إدارة السياسة سيضمحل نظراً لوجود مصادر جديدة من المنافسة وإعادة توزيع السلطات و الصلاحيات . إن قدرة الأنظمة الحكومية والسلطات العامة على التكيف هي ما سيحدد احتمالية بقائها، فإذا سيطرت على التغييرات التخريبية، وإخضعت هياكلها إلى مستويات الشفافية والكفاءة التي تمكنها من الحفاظ على قدرتها التنافسية، فإنها ستستمر، أما إذا كانت غير قادرة على التطور، فإنها ستواجه مشاكل متزايدة تهدد بقائها و بقاء بلدانها .

يعتقد البروفيسور كلاوس شواب ان التكنولوجيا والتغييرات التي سترافقها مهما بلغت ستبقى تحت سيطرة البشر . لكننا نختلف معه في الراي ، اذ انه تناسى بان التكنولوجيا الحاكمة ستكون تحت سيطرة نخبة من البشر و ليس كل البشر ، بمعنى آخر ان مليارات البشر هم مستخدمون لهذه التكنولوجيا لكن سر المعرفة سيكون بيد حفنة من البشر . و بذلك ستتمكن النخبة من ان تتحكم بالاخرين و هذه طريقة جديدة للاستعباد و الهيمنة. فهل ستكون الثورة الصناعية الرابعة بداية عصر الهيمنة او الاستعمار الصناعي و التقني ؟
و يضيف كلاوس شواب بانها ستكون مسؤولية الجميع في توجيه تطور التكنولوجيا من خلال القرارات التي نتخذها بشكل يومي سواء كنا مواطنين، اومستهلكين، اومستثمرين. وبالتالي يجب علينا استغلال الفرصة والقوة لدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يعكس الأهداف والقيم المشتركة . وللقيام بذلك، علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول تاثير التكنولوجيا على حياتنا ، وكيف تعيد صياغة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. ان الوقت القادم سيكون مليئا بالفرص والمخاطر .

وفي حديثه عن الثورة الصناعية الرابعة والعرب يقول الدكتور حسن مصبح من جامعة السوربون
إن تحديات عصر المعلومات، تكمن في الاعتراف بأن التنمية أصبحت بصيغة الجمع، حيث لم يعد الأمر يقتصر على التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والبشرية، بل أصبح يشمل أيضا أداة هذه التنمية التي أصبحت التنمية الرقمية أحد عناصرها الأساسية . وما يهم في هذا الباب ، هو التركيز على عدة مؤشرات نراها كفيلة بتحديد مفهـوم الفجوة الرقمية في العالم العـربي وأبـرزهـا ما يتعلق بالجانب التقني الذي يشمل مؤشرات موضوعية تتمثل في غياب الحد الأدنى من البنيات التحتية (عدد الهواتف، عدد أجهزة الكومبيوتر، نسبة مستعملي الإنترنت بالنسبة لإجمالي السكان، عدد مواقع الإنترنت باللغة العربية…)، أما الثاني فيشمل مضمون هذه الفجوة (النفاذ إلى مصادر المعلومات.. استيعاب… تحصيل.... توظيف… توليد المعرفة) .
نستنتج اننا في مفترق طرق سيحدد مصير البشرية ، فاما ان يكون هناك حراك عالمي حكومي و شعبي في تعبئة الجهود للسيطرة على النتائج السلبية المتوقعة ، و التنبوء بحجمها ووضع الخطط لتلافيها او لتخفيف حدتها ، و الضغط على صناع القرار المحاصرين بالتفكير النمطي التقليدي ، مما يجعلهم غير قادرين على التفكير بشكل استراتيجي حول قوى التغير والابتكار التي تعيد تشكيل مستقبلنا .
* رئيس منتدى بغداد الاقتصادي



#فارس_آل_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنافسية.....و دور الحكومات
- الحوكمة ... الطريق لتحقيق النجاح
- ترامب ... الهيمنة و الحرب الاميركية المنسية
- البعد الاقتصادي و الامن الوطني
- تاريخ العراق يعيد نفسه
- افكار حول تحديد هوية الاقتصاد العراقي


المزيد.....




- فيديو خاص: تعرف على أرض الذهب الأسود في إيران
- -نحن بحاجة إلى معجزة-: الاقتصادان الإسرائيلي والفلسطيني متضر ...
- بركان في القارة القطبية الجنوبية -ينفث الذهب-!
- هل ستؤدي زيارة رئيسي لإكمال مشروع نقل الغاز إلى باكستان؟
- بوتين يحدد أولويات السلطات في التعامل مع أضرار الفيضانات
- مستقبل التكنولوجيا المالية في منطقة المشرق العربي
- بعد تجارب 40 سنة.. نجاح زراعة البن لأول مرة في مصر
- كندا تسمح لـ-إيرباص- بشراء التيتانيوم الروسي
- -أرامكو- السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة
- مشروع ضخم جديد بين مصر والسعودية


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - فارس آل سلمان - الثورة الصناعية الرابعة ... و تحديات الوجود