أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مرتضى جاسم ناصر - حين يوقض الشعر الذاكرة














المزيد.....

حين يوقض الشعر الذاكرة


مرتضى جاسم ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 23:13
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


وأنا في دوامي في عيادة الدكتورة رشا البعّاج، جالس على الكرسي في باب العيادة. في تلك اللحظة خرج من العيادة رجلٌ كبير في السن، شيبةٌ مباركة من مواليد الخمسينات، حيّاني بأدبٍ ولطف، ثم أشعل سيجارته وجلس إلى جواري. كنتُ أستمع إلى قصائد الراحل موفق محمد، وتوقفت عند قصيدة يقول فيها:

«في المقبرة ناديت: يا ولدي… فلم أسمع جوابَه،
وأنا لا أعرف حرفاً من صمت الموتى.
في المرّة الثانية صرختُ بكلّ ما أوتيتُ من قوّة:
يا ولداه… ويا كبداه… ويا مولاه…
فتزحزح قبرٌ يلهث بلسان الأفعى:
عودوا إلى قراكم، وابحثوا عن أولادكم
في بطون الكلاب السائبة…»

وفجأة لفتَ سمعي صوت بكاء مكتوم. التفتُّ، فإذا بالشيبة الذي بجانبي يمسح دموعه بحرقة. أغلقتُ الفيديو فوراً وشعرتُ بالخجل… أحسستُ أنّي كنت السبب في إيقاظ جرحه.

بعد قليل حاولت تغيير الموضوع ، فقلت له:
ــ “جئتَ على أيّ دكتور ,عمّي؟”
قال:
ــ “على دكتور سرمد الحمّامي…
(واحد من أفضل دكاترة الصدرية في بغداد )

ثم طلب منّي أن أعيد تشغيل الفيديو. تردّدت، لكنه قال بصوتٍ مكسور:
ــ “إمس… حلمت بولدي… فلذة كبدي.”

سألته بهدوء:
ــ “وينه هسه؟”
فخفض رأسه وقال:
ــ “استُشهِد.”

قلت له:
ــ “اين ؟” ومتى ؟

تنفّس بعمق، وكأنّ الكلام يجرح صدره:
ــ “كان من الشباب المؤمنين… من المحافظين على صلاتهم، حتى صلاة الليل ما كان يتركها. وكان بالليل يقرأ دعاء وزيارة عاشوراء، بصوته الحلو… وكان يلتقي برفاقه المخلصين من مجاهدي فيلق بدر. كانوا يتحركون بالعمارة، ويهربون للهور حتى يخططون لعملياتهم. ما كان يخبر أحد، ولا يسمح نعرف شي.”

وأكمل:
ــ “بأواخر سنة 1995، اكتشفوا أمره. أخذوه من جامعته… وأخذونا كلّنا للمعتقل، وما ندري شنو التهمة.”

سألته:
ــ “وشفته بالمعتقل؟”
هزّ رأسه ودمعة علقت في زاوية عينه:
ــ “إي… مرّة وحدة بس. جسمه أزرق من الضرب… ما يكدر يوقف. طلب منّي أسامحه… ويبرّي ذمّته. قلت له: أسامحك بس خبرني شنو تهمتك؟”

قال ولده:
ــ “عملت ويّا المجاهدين… اغتلنا فلان، ونفّذنا عملية ضد فلان حزبي…”
وصار يعدد… وكل كلمة كانت تسقط من فمه مثل حجر على صدر أبوه.

يقول الرجل:
ــ “بعد كم شهر خلّونا نطلع… إلا ولدي علي. بقى. وبعد فترة إجوا بجثته المرمية بلرصاص … حتى ان جزء من اعضاءة مقطّعة ومفقودة .”

سكت قليلاً، ثم أضاف وهو ينظر إلى الأرض:
ــ “قبل ما ينزلون الجثمان، طالبونا بثمن الرصاص… وقالوا يمنع تقيمون عزاء أو مراسيم.”

هنا توقّف العمّ، وكأنّ آخر ما تبقّى من روحه خرج مع كلمته الأخيرة. ظلّ ينظر للأرض… وأنا بقيتُ عاجزاً عن الكلام

ولم أعرف ماذا أقول له. كلّ الكلمات بدت صغيرة أمام وجعه. مددتُ يدي وربّتُّ على كتفه، لا لأواسيه، بل لأستند إليه… كأنّ الحزن الذي في صدره أكبر من أن يحمله رجل واحد.
نهض بعد قليل، ودخَل على الدكتور، وبقي صدى بكائه عالقاً في أذني… وصوت الراحل موفق محمد يرنّ في قلبي:
«يا ولداه… ويا كبداه…»

وأدركتُ يومها أن في هذا البلد آباءً يبكون أبناءً…
وأبناءً لم يعد لهم صوت إلا في الأحلام






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعد اخير بين الروح والقلب
- يوم جامعي وانكسار صامت
- حين رحلت زهرتي.. من الخيال
- عن الاشتياق


المزيد.....




- فيديو مُنتشر لـ-رجل يحمل زوجته المريضة في الحرم المكي-.. ما ...
- هل يوقف القضاء الأميركي ترحيل أكثر من 6 آلاف سوري؟
- صحيفة روسية: ما أسرار التقارب الأخير بين طاجيكستان وأفغانستا ...
- السلطات البرازيلية تحتجز بولسونارو تجنبا لفراره
- مسيرة حاشدة في تونس ترفع شعار -ضد الظلم-
- قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على غزة
- قائد جيش اللبناني: خطة جنوب الليطاني تسير وفق الجدول الزمني ...
- مباحثات مصرية سعودية حول الأوضاع في السودان وغزة ولبنان
- رئيس الإمارات وملك البحرين يشهدان تمرين -ربدان - شويمان-
- استقالة نائبة جمهورية بعد أزمة علنية مع ترامب


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مرتضى جاسم ناصر - حين يوقض الشعر الذاكرة