أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رشيد غويلب - على اليسار ألا يتهرب من ماضيه.. عشرة أسباب لذاكرة حيّة للتجربة النضالية















المزيد.....


على اليسار ألا يتهرب من ماضيه.. عشرة أسباب لذاكرة حيّة للتجربة النضالية


رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 03:03
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مرّ حزب اليسار الألماني حتى الآن بثلاثة مراحل تأسيسية، كل مرحلة منها كانت بمثابة قطيعة مع الماضي، ولكن لم تمثل أي منها خاتمة نهائية. تأسس الحزب عام ١٩٨٩ باسم "حزب الاشتراكية الديمقراطية" كخلف للحزب الاشتراكي الألماني الموحد الذي قاد التجربة الاشتراكية في جمهورية المانيا الديمقراطية السابقة، ثم اندمج في عام 2007، مع البديل الانتخابي "العمل والعدالة الاجتماعية"، الذي انشق من الحزب الديمقراطي الاجتماعي على خلفية سياسات الليبرالية الجديدة التي تبناها المستشار الالماني غيهرد شرودر وحمل، منذ ذلك الحين اسمه الحالي "حزب اليسار". ومع انشقاق الجناح "اليساري المحافظ "(تحالف سارا فاكنكنشت"، بدأت عملية إعادة تأسيس ثالثة منذ نهاية عام ٢٠٢٣: أكثر من نصف أعضائه الحاليين (أكثر من 112 ألف)، لم يمضِ على انضمامهم سوى بضعة أشهر. وبفضل هذه النهضة، أصبح حزب اليسار، أكثر الأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني شبابا، لكنه يبقى من أقدمها. تمتد جذور الحزب إلى بدايات الحركة العمالية المنظمة في القرن التاسع عشر، وهو أصل يشترك فيه مع الديمقراطية الاجتماعية والنقابات العمالية.

1 - لا يمكن لليسار التخلي عن تاريخه
يشمل إرث حزب اليسار الألماني الحماسة التنظيمية لأوغست بيبل، والحزب اللينيني من طراز جديد والخطاب الثوري لروزا لوكسمبورغ، بالإضافة إلى سيادة الستالينية خلال تجربة اشتراكية الدولة. حتى أعضاء اليسار الجدد المولودين بعد عام ١٩٨٩ - وكذلك اليساريون في النقابات العمالية والحركات الاجتماعية الذين لا علاقة لهم بالحزب الذي يحمل الاسم نفسه - اضطروا منذ زمن طويل إلى تبرير موقفهم من الاشتراكية الفعلية في صفحات المقالات والنقاشات العامة. لا يمكن لليساريين التهرب من تاريخهم، لذا عليهم أن يتبنوه بوعي.

2 – ستالين وتحول 1989
إذا لم يسرد اليساريون تاريخهم بأنفسهم، فسيرويه خصومهم. ووفقا لمنطقهم، جميع اليساريين ستالينيون. الستالينية ظلٌّ مُحبط يُلقي بظلاله على فكرة الاشتراكية. ولمواجهة ذلك، من المفيد معرفة بعض المعلومات عن كيفية اضطهاد ستالين وتصفية الكثير من ثوار أكتوبر ١٩١٧، وإلغاء ما تبقى من السوفييتات، والعديد من القوانين التقدمية، التي اقرت في سنوات الثورة الأولى والتي تشكل اليوم مطالب وأهداف الحركة النسوية الأوربية، وإعلانه الثورة العالمية. ستالين ونظامه ليسا ورثة شرعيين للمثل الاشتراكية.

تغيير عام 1989، شمل الحزب الاشتراكي الألماني الموحد المتعثر. ففي المؤتمر التأسيسي لـ "الحزب الاشتراكي الألماني الموحد / حزب الاشتراكية الديمقراطية"، بعد حين حذف الجزء الأول من اسم الحزب، واحتفظ بجزئه الثاني، أقسم مايكل شومان على جميع الراغبين في تجديد الجذري للحزب: " القطيعة النهائية مع الستالينية كنظام!". وهكذا، اقر الحزب إدانة جرائم الستالينية، وكذلك أن "إزالة آثار الستالينية" في جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي كانت ما تزال قائمة.

3 - هل كان هتلر شيوعيا، أم ماذا؟
الفاشيون الجدد يقوم خطابهم الشعبوي، على سرقة السياسة الاجتماعية لليسار، والتزييف المتعمد للتاريخ، وفي هذا السياق تأتي السخرية الفجة أن "هتلر كان شيوعيا"، التي أطلقتها الرئيسة المشاركة لحزب البديل من أجل المانيا اليس فايدل وقياديون آخرون في الحزب.

ويؤكد تقرير "الإذاعة الألمانية"، بشكل صحيح، أن هتلر اضطهد الشيوعيين والديمقراطيين الاجتماعيين على قدم المساواة، ولم ينتهك الملكية الخاصة. وعندما صدرت مثل هذه الأكاذيب المشوهة للتاريخ من صفوف حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، لم تكن هناك توضيحات مماثلة. وحتى يومنا هذا، تُعزز المدارس الألمانية والمواقع التذكارية وتقارير والمخابرات الألمانية رؤية عالمية، قائمة على المساواة بين المتطرفين اليساريين واليمينيين، باعتبارهما تهديدًا للديمقراطية. ويضع حزب البديل من أجل ألمانيا نفسه بوقاحة في الوسط، لأن الوسط لا يمكن أن يكون فاشيًا.

لكن من يعرف التاريخ الألماني الحديث، يعرف جيدا، أنه في 1933، ساعد حزبٌ مثل حزب الوسط الكاثوليكي، الذي يضم اسمه الرسمي مفردة "وسط"، هتلر على ضمان الأغلبية لقانون التمكين. وصوّت حزب الشعب الوطني الألماني وحزب الشعب البافاري، سلف الحزب الاجتماعي المسيحي، الجناح الأكثر رجعية، في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم حاليا في المانيا، لصالح إعادة هيكلة الدولة التي أقرها هتلر عام 1933. وكان ليبراليو الحزب الديمقراطي الألماني قد غيّروا مواقفهم قبل ثلاث سنوات، حيث انضم جناحهم اليميني إلى طائفة معادية للسامية لتشكيل حزب الدولة الألماني. وصوّتوا هم أيضاً لصالح قانون التمكين. لقد انحصرت المعارضة البرلمانية بالحزب الديمقراطي الاجتماعي؛ لأن الشيوعيين كانوا الهدف الأول للنازيين، أخرجوا من البرلمان وزج بهم في معسكرات الاعتقال النازية. ومن هنا لا يمكن الاعتماد على "الوسط". لا بشأن بتدقيق الحقائق التاريخية، في مواجهة اليمين المتطرف، ولا بالتهديد الذي يمثله اقتراب حزب البديل من أجل المانيا من الحصول على الأغلبية.

4 – كيفية الدفاع عن الديمقراطية
يمكن إلغاء الديمقراطية بقانون، لكن تحقيقها يتطلب ثورة. مازالت متاريس ثورة نوفمبر وثورات عام ١٨٤٨ تُثير جدلاً في الذاكرة الألمانية الرسمية. لقد احتاج اعتبار مجالس "ثورة نوفمبر" 1918 صحوة ديمقراطية قرنا كاملا، ليتحقق في عام ٢٠١٨. أما مصير حرب الفلاحين عام ١٥٢٥، فلا يزال مجهولاً، على الرغم من مرور 500 عام على اندلاعها. لطالما حالت عبادة مارتن لوثر دون تقييم الثورة الألمانية الأولى، علما أن لوثر أراد إحراق المعابد اليهودية وقتل الفلاحين المتمردين على النبلاء. ما زالت السياسة السائدة في المانيا تستاء من الثورات، وإن حدثت قبل 500 عام.

من يريد الدفاع عن الديمقراطية عليه أن يدافع عن الثورة. لكن الثورات ليست حوارات مدنية، بل تشتعل بفعل الحرمان السياسي والاستغلال الاقتصادي. من يريد الديمقراطية لا يمكنه الصمت على عدم المساواة. في ألمانيا اليوم، يمتلك أغنى مائة مواطن ثلث إجمالي الثروة. الدفاع عن الديمقراطية كما هي موقف محافظ، لا يعبأ الأكثرية المتضررة، ولا يغير من الوضع الراهن. من يريد الدفاع عن الديمقراطية عليه أن يتذكر فلاحي عام ١٥٢٥ أو البحارة الحمر عام ١٩١٨: وعدم استبعاد مطالباتهم بالمساواة بالملكية والحسابات المصرفية.

5 - دكتاتورية التربية
من جمهورية أفلاطون إلى يوتوبيا توماس مور عام ١٥١٦، ساد تقليد طويل من التربية الديكتاتورية، حيث أصبحت المساواة قسرية - وكان من أشهر شخصياتها مواطن غاضب يُدعى روبسبير. لقد تغلغل تقليد المساواة بواسطة الإكراه في الثورات البرجوازية، التي كانت نادرًا سلمية. واللافت للنظر في ظهور الماركسية في منتصف القرن التاسع عشر هو قطيعتها مع التربية الديكتاتورية. ففي أطروحاته حول فيورباخ، بشر ماركس الشاب بأن "المربي نفسه يجب أن يُثقَّف". ومنذ ثورة ١٨٤٨، مرورًا بالأممية الأولى، ووصولًا إلى الخدمات الاستشارية الأخيرة التي قدمها انجلس للحزب الديمقراطي الاجتماعي في تسعينيات القرن التاسع عشر، ناضل كلاهما من أجل بناء ديمقراطي للأحزاب والنقابات العمالية. وفي هذا، اختلفا مع معاصريهم مثل فرديناند لاسال، الذي قاد منظمته كقائد ملكي. وكانت روزا لوكسمبورغ أيضًا مهتمة دائمًا بتمكين الجماهير ذاتيًا على المستوى الديمقراطي، وانتقدت بشدة تحول لينين إلى ما أسمته اليعاقبة الجدد.

وعندما حظر البلاشفة الكتل داخل الحزب في عام ١٩٢١، ومنعوا الأحزاب الاشتراكية المتنافسة، انزلقت الماركسية أيضًا إلى تربية ديكتاتورية. وهذا ما استغله ستالين لبناء دكتاتوريته الشخصية. ينبغي على من يستحضر اليعاقبة اليوم أن يضع في اعتباره هذه التحولات: اليسارية ليست يوتوبيا جاهزة يجب تطبيقها بعزم. إنها عملية اكتشاف تحدد فيها المبادئ السياسية والخبرة التاريخية الاتجاه، وليس النتيجة.

6 - التفكيك وحده لا يكفي
لقد استخدم العديد من اليساريين الحقائق التاريخية بعد عام 1989 بشكل أساسي لغرض التفكيك. تم تفكيك أنظمة النوع الاجتماعي، والأساطير القومية، والبناءات العنصرية، والقوالب الطبيعية من جميع الأنواع بكل سرور. لقد كان ذلك بمثابة عمل تحرري، لأننا لسنا بحاجة إلى معظمه، أي شخص ما يزال يصف الآسيويين بـ "الصُفر" اليوم، كما فعل بريشت بسذاجة في "أغنيته التضامنية" في عام 1947، لم يستمع لرصاصة التحذير. والصور النمطية الجندرية التي سادت بين خمسينيات القرن التاسع عشر وخمسينيات القرن العشرين، والتي يزعجنا بها اليمين المتطرف اليوم، تُعدّ أيضًا حالة للهدم الشامل. ولكن أين يتوقف الهدم؟ إذا لم تبنِ شيئًا، فلن ينمو على أكوام الأنقاض سوى الشجيرات الصغيرة. إن هدم السلطة ليس بالضرورة تحرريًا. المطلوب بناء شيء جديد. على اليساريين أن يبنوا التاريخ. عليهم أن يفكروا السرديات التي يوظفونها للنضال من أجل الفوز بقلوب وعقول الناس.

7 - الطبقة كبوصلة
إحدى المعايير التي صمدت بوجه التفكيك بشكل مدهش هي الطبقة. حتى الليبراليون اضطروا إلى دمجها ضمن مجموعة الهويات الجديرة بالحماية، ونشر الوعي بها. رحّب كثيرون من اليساريين بهذا، وأدركوا أنه غير كافٍ. فالطبقة ليست مجرد تحيز، بل هي بنية اقتصادية، تمامًا كما أن النظام الأبوي لا يقتصر على الذهنية، بل هو تقسيم غير متكافئ للعمل بين الجنسين. والعنصرية أيضًا لن تُجدي نفعًا إن لم تُشرّعن الاستغلال وعدم المساواة، بدءًا من تجارة الرقيق وصولًا إلى أسواق العمل المجزأة المعاصرة.

يُبين تاريخ الرأسمالية أن الصراعات الطبقية جمعت باستمرار نساءً ورجالًا مختلفين من ثقافات ومذاهب وألوان بشرة متنوعة. لقد قادت روزا لوكسمبورغ، اليهودية البولندية، البروليتاريا الألمانية، وأسس مانابيندرا ناث روي، المناهض للاستعمار البنغالي، الحزب الشيوعي المكسيكي. وبالطبع، لم تكن كل صراعات الطبقات تسير بهذه الروعة.

لم يكن غريبا أن يتحرر البعض على حساب الآخرين: اتحاد يضم مئات الآلاف، مثل اتحاد المهندسين البريطانيين المتحدين، رفض انضمام النساء إلى صفوفه طيلة قرابة القرن، ولم يقبل فرعه في جنوب أفريقيا السود في صفوفه. ومع ذلك، ففي ظل هذا التضامن المحدود بين العمال المهرة تحديدًا، أصبحت الطبقة قوة تحررية: فبعد إضرابات وثورات الحرب العالمية الأولى، تزايدت أعداد الأعضاء المقاومين المطالبين بنقابة للجميع. ومنذ عام ١٩٤٤، اجتاح اتحاد المهندسين البريطانيين المتحدين عمالا نشطاء، وألغى فرعه في جنوب أفريقيا لاحقًا. الطبقة توحد. إنها سردية يسارية ضد "من هم في القمة" - خطاب ديمقراطي جذري يتجاوز الحدود الوطنية أو المؤامرات أو ثقافة مهيمنة.

8 - نظموا صفوفكم!
لكن الطبقة "في ذاتها" لا تُحرك شيئًا، بل يجب الشعور بها. أدرك كان كارل ماركس مبكرا، وسعى طول حياته مع صديقه انجلس، لتفعيل وتحريك الطبقة. أسس ماركس الشاب "عصبة الشيوعيين"، والأممية الأولى في منتصف عمره، ثم أسس الشيخ انجلس الأممية الثانية عام ١٨٨٩. منظمات العمال قائمة منذ مئتي عام. أبرز هذه المنظمات هي الأحزاب والنقابات والتعاونيات، المعروفة أيضًا باسم "ركائز الحركة العمالية الثلاث". توقف بعض هذه الأطر التنظيمية ولا يزال بعضها الآخر قائمًا، وبعضها يقف الآن على الجانب الآخر.

تُناضل الآن تعاونيات الإسكان التي أسسها العمال والموظفون ضد تحديد سقف أعلى للإيجار. فعندما لا تكون هناك حركة سياسية وراء مثل هذه المنظمات، يصبح الحال بهذه الصورة. وبالتالي يجب استعادة المنظمات الحية وتجديدها. يجب أن تُثبت جدواها مجددا مع كل جيل. نحن بحاجة إلى هذه المنظمات لأن الصراع الطبقي مشروع جيلي. يُعلّمنا التاريخ أن التنظيم يتطلب أيضًا قوة صمود. عندما أُجبر بسمارك على منح التأمين الصحي للعمال المتمردين في ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان هؤلاء العمال في ألمانيا قد خاضوا خمسين عامًا من النضال. هزموا وانتصروا في الإضرابات، وأشعلوا ثورة، وواجهوا موجات من الملاحقة القضائية والحظر، وأسسوا منظمات جديدة. لقد حظر بسمارك جميع منظمات العمال عام ١٨٧٨. لكنها شهدت سقوطه عام ١٨٩٠ وأصبحت فيما بعد حركة جماهيرية.

الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحزب اليسار الالماني، والنقابات العمالية، يمثلون استمرارية مباشرة للمنظمات التي تأسست آنذاك. الديمقراطي الاجتماعي وضع هذه الفكرة، منذ زمن طويل جانبا، بإمكان حزب اليسار، إذا أراد، أن يستعيد زمام المبادرة. إن تجارب وتقاليد الديمقراطية الاجتماعية في القرن التاسع عشر ما تزال كامنة، إلا أن هذه الفترة كانت الأكثر إبداعًا وإثارةً وصراعًا، حيث كانت الاشتراكية تُعيد اكتشاف نفسها باستمرار. كثيرًا ما يُنظر إلى تاريخ التنظيمات باستياء - وهو أمرٌ مُحق، عندما ينزلق هذا التاريخ إلى قومية تنظيمية تُغفل جوهره. يجب إعادة اكتشافه كذاكرة للنضالات الاجتماعية تُبين لنا كيف يُنظم الناس أنفسهم ولماذا، آنذاك والآن.

9 - تذكر الصراعات - تذكر النجاحات
غالبًا ما تُفسّر دولة الرفاه بمصطلحاتٍ وظيفية، كوسيلةٍ لاسترضاء الطبقة الحاكمة، أو تُعتبر تعبيرًا عن شراكةٍ اجتماعيةٍ فعّالةٍ ينبغي احترامها من أجل السلام الاجتماعي. لا مكان في أيٍّ من السرديتين للصراعات بين الطبقات أو للنجاحات.

في ألمانيا، هناك ميل لتنحية المعارك الطبقية جانبا، ربما لأنها كانت شديدة القسوة: قمع ثورة نوفمبر عام 1918، وسحق الحركة العمالية عام ١٩٣٣، وتقسيم البلاد، والاستبداد الذي رافق التجربة الاشتراكية السابقة. إن المعارك الطبقية الألمانية في القرن العشرين تروي قصة عنف. وقد احتفى اليساريون أحيانًا بهذا العنف. منذ عشرينيات القرن الماضي، اختزلت ثقافة الحزب الشيوعي في المانيا (1919 – 1956) الصراع الطبقي في تمرد عسكري، ولهذا السبب تبدو محاولات إعادة اكتشافه غير واقعية اليوم. الحراب، والمتاريس، وأغاني الجنود المُحوَّلة إلى أغاني العمال، والكثير من الرجولة البطولية، لا علاقة لها بحياتنا اليومية. تبدو الدعوات إلى "السلام الاجتماعي" أو "التماسك المجتمعي " أكثر جاذبية، فحل المشكلات ليس حلاً لصراع المصالح، بل هو بالأحرى البحث عن توافق بين "الشركاء الاجتماعيين".

لكن هذه الروايات عن السلام تُجرّد العمال من أسلحتهم. لم ينس خصومهم قط أن النضالات مستمرة، حتى وإن كانت محصورة في البرلمانات والمؤسسات. لذا، نحن بحاجة إلى ذاكرة متجددة للصراعات الطبقية؛ ذاكرة لا تنكر العنف التاريخي ولا تُبالغ فيه؛ ذاكرة لا تُنكر الصلة بين الرأسمالية والفاشية؛ ذاكرة تتذكر أيضًا الإصلاحات كإنجازات، دون أن تنسى أن كل إصلاح منها، في إطار الرأسمالية لا يمكن أن يكون إلا محدود النتائج، بما في ذلك " القضاء على الفقر".

10 – التقاليد كرافعة للمستقبل
يستحق التاريخ أن يُحتفى به. يجب أن يكون جزءًا من الحياة اليومية وأن يُلهم الأطفال أيضًا. لطالما كانت هناك حاجة إلى تقاليد حية، ويتجلى ذلك في الاهتمام المتزايد بذاكرة الحركة العمالية الألمانية. يمتد التقويم من ذكرى استشهاد روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت-في منتصف كانون الثاني 1919، إلى اليوم العالمي للمرأة في 8 اذار، وحتى الأول من أيار. جميع هذه الأيام مثيرة للجدل. فبينما يجمع إحياء ذكرى اغتيال كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ في برلين اليساريين من جميع الأطياف، على الرغم من التمايز بالاستذكار بين "المعتدلين" والتشددين". وفي 8 اذار، تُحدث التحالفات النسوية تغييرًا جذريًا، وفي الأول من أيار، تُركز مسيرات النقابات العمالية مرة أخرى على النضالات العمالية. لكن لا ينبغي تجاهل التوق إلى المتعة، فكل من حاول إقناع طفل في الخامسة من عمره بالذهاب إلى تظاهرة مملة سيعرف ما القصد. التاريخ يستحق الاحتفال، محاضرة تصل إلى الأذن، ولكن عندما تفوح رائحة الأطعمة وتعزف جوقة مزمار القربة أغنية "الزفاف الأحمر"، فإنها تأسر جميع الحواس.

علينا أن نغني التاريخ ونرقصه. بدلًا من تنظيم معظم تجمعاتنا كمحاضرات على شكل نصوص مقروءة تصاحبها موسيقى وأغان عبر مكبرات الصوت، وبالتالي ما يسمع هو الأصوات العالية. علينا أن نتدرب على الغناء مجددًا، ونكتشف أي الأغاني القديمة ما تزال صالحة، أو نبتكر أغاني جديدة.

التعلم وتمكين الذات
إن رواية جديدة لتاريخ صراعات طبقية قديمة مهمةٌ لا تستطيع الجامعات القيام بها. فهي لا تتحدث لغة العاملين ولا تُشاركهم أولوياتهم. والتاريخ يثقل في الغالب كاهل الحركات الاجتماعية، فهي تحيي التاريخ في لحظات غير متوقعة تماما. على سبيل المثال، بفضل حركة الدفاع عن المستأجرين، يُمكننا اليوم الحديث مجددًا عن ملكية عامة. لكن الحركات الاجتماعية تُحشد لحملات وموجات قصيرة الأمد. نادرًا ما تمتلك مؤسسات، ومعدل تبدل النشطاء مرتفع، وبالتالي تكون ذاكرتها قصيرة.

يحتاج التاريخ إلى منظمات أكثر رسوخًا في بنيتها. يحتاج إلى موارد مؤسسية، ومناضلون يرغبون في معرفة سبب تضافر جهودهم. عندما كانت بون لا تزال عاصمة المانيا الغربية، كانت ندوات التاريخ في نقابة البريد تُعدّ مكافأة: كان يُسمح للذي أكمل دراسة قانون المفاوضة الجماعية (مفاوضات بين النقابات وارباب العمل بشأن الأجور ومصالح العاملين) بدراسة تاريخ الحركة العمالية. يمكن للتاريخ أن يُنشئ التزامًا تنظيميًا، إذا مكّن الناس من إيجاد معنى لنضالاتهم والتأمل في نتائجها. ويتطلب ً تثقيفا لا يُسلّط الضوء على المناسبات السنوية أو يُفرط به في دائرة مُشتتة من المتابعين. وكذلك تثقيفًا ذاتيًا مستمرًا بين من يوحدون جهودهم لتحقيق هدف مشترك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن مقالة بقلم رالف فروغه، مؤرخ وناشط بارز في حركة الدفاع عن المستأجرين، نشرت في موقع مجلة "جاكوبين" الألماني في 1 أيار 2025.



#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتدى الأوروبي: في سبيل السلام والسياسات الاجتماعية والديم ...
- الشيوعيون يعلنون ولاية كيرالا الهندية خالية من الفقر المدقع
- زهران ممداني يهزم اليمين في حزبَيْ مؤسسة السلطة الامريكية
- في عالم يغزوه اليمين.. يساريةٌ رئيسةً لجمهورية إيرلندا
- مؤتمر الشيوعي النمساوي الـ 39: مواجهة التضخم والنضال من أجل ...
- أفريقيا في القرن الحادي والعشرين: سلاسل جديدة، جراح قديمة
- الملايين يحتجون ضد ترامب في جميع الولايات الأمريكية
- تزايد انتشار القواعد العسكرية الامريكية في العالم
- منح ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام أفقد مفردة {السلا ...
- بيرو.. إقالة رئيسة الانقلاب والرئيس الجديد يحاول احتواء الحر ...
- تأملات: هل يستطيع الماركسيون إنجاز مهمة تغيير العالم؟
- في الزمن الفلسطيني.. أحرار العالم ينهضون من أجل غزة
- الرئيس الفرنسي يقترب من نهايته.. أنصاره يطالبون بانتخابات مب ...
- في الجمعية العامة.. أمريكا اللاتينية تدعو إلى السلام وتدين ا ...
- اكثر من مئة ألف في شوارع برلين يطالبون بإيقاف حرب إبادة الشع ...
- استمرار تساقط رموز اليمين.. الحكم على الرئيس الفرنسي الأسبق ...
- ترامب وحكومات الفاشيين الجدد الأوربية يوصمون مناهضة الفاشية ...
- بتُهم دعم الإبادة الجماعية.. محامون يقاضون الحكومتين الألمان ...
- اسطورة التقشف اختراع أيديولوجي ضد الطبقة العاملة
- القضية الفلسطينية والأزمة الفرنسية تُهيمنان على أجواء مهرجان ...


المزيد.....




- -لا أريد سماع ذلك-.. لحظة طريفة بين ترامب والصحفيين عند سؤال ...
- -زايد ما مات دام أبو خالد حي-.. تركي آل الشيخ ينشر صورة من ل ...
- بن سلمان يزور ترامب في البيت الأبيض: قضايا ساخنة على المحك! ...
- اليابان تدعو مواطنيها في الصين للحذر وسط تصاعد التوتر مع بكي ...
- ترامب يتوعد -عصابات- الكاريبي ومادورو مستعد للقائه
- مستوطنون إسرائيليون يحرقون مركبات ومنازل فلسطينية في قرية با ...
- حادث غامض بخط أنابيب غاز في منطقة أومسك الروسية
- القصبة.. قلب الجزائر العاصمة ومتحفها العابر للأزمنة
- ميرا غنيم.. فتاة فلسطينية ترسم القدس وتفوز بجائزة عربية
- النواب الأميركي يصوت اليوم على الإفراج عن ملفات إبستين وترام ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رشيد غويلب - على اليسار ألا يتهرب من ماضيه.. عشرة أسباب لذاكرة حيّة للتجربة النضالية