محسن صابط الجيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 23:55
المحور:
الادب والفن
هنا ولدت:
في أقصى سكون الريف الواسطي، تمتدّ كيلو 41 التسمية جاءت بحكم بعدها عن مركز الكوت، هي همسة في فضاءٍ مفتوح، بقعةٌ يعرفها أهل الأرض أكثر مما تعرفها الخرائط. هناك حيثُ تنحني السنابل تحت هبوب الريح الدائم المفتوح على آخر الدنيا، هناك تتعانقُ خطوط الخضرة والارض ولون التراب مع زرقة السماء، تبدو البرية وكأنها تحفظ ذاكرة طويلة من خطى المزارعين وأحلامهم.
النهارات في تلك المنطقة تبدأ ببطء، ضوء الشمس يتسلّل على استحياء عبر ضباب الفجر، يلامس جدران البيوت الطينية، ويستقر فوق حظائر المواشي الضاجة بأصواتها كرسالة دفء جديدة. أمّا المساءات، فتغرق في هدوء لا يقطعه إلا نباح كلب بعيد أو صوت محراث وفرس تعود متأخرة من صمت الحقول.
في كيلو 41 تتجاور وتتباعد البيوت كما تتجاور القلوب وتبتعد كطرق العشاق ، بسيطةٌ في شكلها، شاسعةٌ في معناها. تُشاهد الأطفال يركضون في عفوية الطرقات الملتوية يعفرهم التراب وتعتليهم بهجة المكان، النساء منشغلات في الكدح وبصوت الماء في السواقي وبالحب السري، بينما يقف الرجال عند أطراف الأرض، يقرأون مزاج السماء قبل أن يزرعوا أو يحصدوا.
ومن بعيد، يمر الطريق الترابي القادم من المدن مثل شريط ضوئي يفصل الأرض عن الأفق، يحمل عابريه بين مزارع خضراء وجداول صغيرة تنحدر، ثم تعود لتخفي نفسها بين الحقول. كل شيء هناك يتحرك ببطء عذب، كأنه يعرف أنّ الزمن في الريف لا يُقاس بالساعات، بل بنضج كما الحبّة إلى شجرة وكما عودة الطيور إلى أعشاشها. هناك تتنفّس التربة رائحة المطر القديم، كأنها تحفظه في ذاكرتها كي لا يضيع معنى الخصب..!
هكذا هي كيلو 41: قطعة من الريف تحيا على نبض الأرض، وتبقى شاهدة على بساطة الحياة وعمقها الرهيب، هنا بدأت رحلتي …!
يتبع ….
#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟