أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - قراءة نقدية للدكتور صالح الطائي لقصيدتي (في انتظار القطار الأخير)















المزيد.....

قراءة نقدية للدكتور صالح الطائي لقصيدتي (في انتظار القطار الأخير)


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 02:11
المحور: الادب والفن
    


تفكيك نقدي لقصيدة "في انتظار القطار الأخير"
للشاعر العراقي المغترب عبد الستارنورعلي

الدكتور صالح الطائي

يبدو الشاعر العراقي المغترب عبد الستار نورعلي؛ وقد بلغ الثالثة والثمانين من عمره، وكأنه أراد أن يعبر في قصيدته "انتظار القطار الأخير " عن معنى رمزي يمثل شعور الإنسان الذي يتقدم في السن باقتراب نهاية العمر، فمن يبلغ الثالثة والثمانين يشعر وكأنه يقترب من محطة الرحيل، متفكرا فيما بعد الرحيل، وكيف ستكون آخر مغامرة وآخر رحلة يقوم بها مرغما دون أي خيار آخر، وهي رحلة لا تشبه أي من تلك الرحلات التي اختارها طوعا من قبل.

حالة قد لا يشعر بها من هو في مقتبل العمر، إذ لا يشعر بثقل هذه اللحظة ورهبتها إلا من ينتظرها، والانتظار صعبٌ، فالذي يعيش ثمانية عقود يفكر في هذه اللحظة مليا متأملا في رحلته إلى المجهول، وهي رحلةٌ لم يعد أحد منها من قبل ليحدثنا عن عالمها الأثيري المبهم.

هذا العماء وعدم معرفة الإنسان أين سيتجه مصيره يخلق عادة تقاطعات وأبعادا فكرية، منها:
البعُد الصوفي متمثلا في الزهد في الدنيا وانتظار اللقاء.
والبُعد الفلسفي متمثلا في زمنٌ متقدم وتأمل في الذات والوجود.
والبُعد الوجودي متمثلا في المعنى والوجود والفناء والخوف من الصحو أو اليقظة التي تكشف المعنى .

القصيدة إذن يمكن أن تُقرأ كمرسى لرؤية إنسان متأمل "هاد ئ ورصين"، يبحث عن معنى، وأصعب ما في الحياة هو البحث عن المعنى. !
بدأ الشاعر قصيدته بقول :
إني أنا الْهاد ئُ والرَّصين
والْباحثُ عنْ زاويةٍ ساكنةٍ،
لا تقتضي وسادةً مليئةً
وأقف هنا عند قوله: "والْباحثُ عنْ زاويةٍ ساكنةٍ "، فهو حضور واضح لحالة المكان الصوفي )الزاوية( التي تُسَّمى أيضا "الربط" أو "الخَوانق"، وهي أماكن يتخذها الصوفية للعبادة والعزلة الروحية، وقد نشأت في العالم الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري تقريبا، وكانت مراكز للتربية الصوفية والسلوك الروحي. فهي المكان الذي يجتمع فيه الصوفية للذكر والعبادة والتأمل، ويقيم فيه الشيخ والمريدون "الأتباع"، وهي تؤدي وظيفة المدرسة الروحية؛ فهي تُخرِّج المريدين و تُعلِّمهم الأدب الصوفي والسلوك. وتُعدُّ بمثابة محرابٍ للصفاء وملاذٍ من صخب الدنيا، يجتمع فيه من أراد الله لا السلطان .

والشاعر بذلك أراد توضيح حالة الزهد التي يعيشها، فـ "زاوية ساكنة" ترمز لمكان تأمليٍّ، يعتبر مخر جا من مطاردة الدنيا وضغوطها. فالزهد في التصوف ليس فقط رفض المتاع، بقدر كونه الرغبة في القرب من الذات والحقيقة. وفي هذا السياق وضع الشاعر نفسه خارج لعبة السلطة:
بالسَّيفِ والْخناجرِ،
والشَّوكِ والْحناجرِ،
أرصفةِ الشَّوارع
فهي كلّها رموزٌ للصراع والافتراس، أراد الابتعاد عنها ليلجأ إلى زاويةً ساكنة .
وهذا الموقف يتقاطع مع روح التصوف الإسلامي الذي ترى فيه حركة الذات نحو المحراب الداخلي أو سلطان الباطن، وليس سلطان الخارج.

وإذا عدنا إلى العنوان: "في انتظار القطار الأخير" سنجد أن المحطة الأخيرة في عمر الشاعر تمثل لحظة التحول أو العبور تشبهًا بالتصوف. ففي التصوف، هناك فكرة "الموت قبل الموت" أو "المراقبة" التي تستعد لها الذات، وهي ليست موتا ماديا فقط، وإنما هي موت للأنانيات والعالم والهوى. والشاعر بهذا المعنى لا ينتظر القطار كمجرد نهاية بيولوجية، وإنما كوسيلة حركة للعبور إلى زاوية ساكنة، ربما اللقاء أو الفناء أو الوحدة، أو الوعي بجوهر الوجود . وهذا ما يدفعنا لاستدعاء مفهوم "الفناء" عند المتصوفة، أو "تذوب الذات في الحق"، أو "فناء المحب في المحبوب".

أما المنطلق "الهادئ والرصين" فهو يشير إلى حالة أكثر من مجرد التقدم في العمر، بمعنى أنه يشير إلى حالة تراكم روحاني وتجربة تأملية، هي التي جعلت الشاعر يقف في طرف الانتظار، مع يقين أو ربما شكّ، أو في الأقل تأمل في ما بعد، وهو الآخر بعدٌ صوفي .

فضلاً عن ذلك تحتوي القصيدة على رموز لافتة:
ورأسِ ذاكَ الْمُبصِرِ الْعتيدِ،
داخلَ ذاكَ النَّفقِ الْبعيدِ ،
صاحبُتُ شارعَ الْكفاح والرَّشيدِ ،
فرموز مثل: "شارع الكفاح "، "النفق البعيد"، "رأس ذلك المبصر العتيد"، كأن الشاعر أراد من خلالها أن يرمز إلى أشياء أخرى، فمن خلال هذا ، شارع الكفاح الذي يقع في وسط بغداد القديمة، وكان مسرحا للتظاهرات، إلى الحياة الدنيا، أراد ان يرمز إلى الكفاح والصراع. وربما رمز في " النفق البعيد" إلى مرحلة العبور أو الظلمة التي تسبق النور، أو الوعي الذي ينتقل من الظاهر إلى الباطن. أما "الرأس المبصر العتيدِ "فيمكن أن يرمز إلى الحكمة والرؤية الصوفية، أو ربما المعلّم الداخلي . وهذه الرموز تتوافق مع خطاب الصوفية الذي ينتقل من الحياة الفعلية إلى الحياة الباطنية، ومن الماضي إلى الحاضر، ومن الحيازة إلى الفناء. والشاعر في هذا الإطار لا يتحدث عن عمره المتقدم، وإنما يتحدث عن موقف وجودي من الزمن والوعي، وهو موقفُ صفاء وتأهب .

كما انضوت القصيدة على بعد تأملي فلسفي وجودي، فهو حين يردِّد :
سكرْتُ دهراً، وصحوْتُ أدهرا
ونمْتُ عصراً، ويقظْتُ أعصرا
تجد هنا حضور الزمن بشكل قو ي "دهر"" أدهر" "عصر " "أعصرا". فالزمن ليس مجرد حين خارجي، بقدر كونه تجربة وجودية. كذلك السُكر والصحو، والنوم واليقظة. هي الأخرى رموز متضادة تلمح إلى حالة مستمرة من الوعي والنسيان، من التجربة والنسيان، من الحياة والموت الرمزي. وهذا بعد فلسفي، ففي الفلسفة الوجودية نجد أن الزمن والوجود والثبات والمصير موضوعات مركزية. مثلا: إن واجه الإنسان العدم أو تحسس محدوديته الزمنية، فإنه يدرك وجوده بطريقة مختلفة

وفي هذا المنحى يصبح انتظار القطار الأخير انتظارا زمنيا ووجوديا، وليس فقط
إشارة إلى انتهاء العمر، فهو يشير إلى انتهاء مرحلة من مراحل وعي الذات،
والانطلاق نحو مرحلة أخرى، ربما لا نعرفها، ولكننا ندركها بالتسليم أو التأمل .

وفي الاتجاه الوجودي نفسه تجد في قول الشاعر:
لا عيبَ، لا خوفَ منَ السُّكر ،
يكونُ فيه الرَّجلُ السَّكران أوهى. .
منْ نسيج الْعنكبوتْ ،
الْخوفُ منْ صَحوٍ يكونُ . .
الرَّجلُ الصَّاحي كبركان يثورْ .
إشارة إلى أن فكرة الصحوة والسُّكر تأتي كمفارقة، لإنَّ السكْر يجعل الرجل "أضعف من نسيج العنكبوت"، ولكن الصحوة تجعل الرجل "كبركان يثور". بمعنى أن الوعي أو اليقظة أكبر خطراً أو إثارة من النسيان. ومن الناحية الفلسفية يمكن أن نقرأ هذا كمقاومة للغفلة المريحة، وكدعوة للصحوة الأخلاقية أو الوجودية التي تتطلب مواجهة، صحوة تدفع إلى الثورة أو المطالبة بالتغيير. ففي الاتجاه الوجودي، تواجه الذات عدمها أو محدوديتها، وتصدمها الحرية والمسؤولية، فتسعى إلى موقف جديد.

من هذا المنطلق، نرى الشاعر لا ينتظر القطار الأخير بصمت ولا استسلام، وإنما ينتظره في حالة استحضار روحي وعقلي فمن كان سِكيراً ، يعيش غفلة؛ أما مَنْ يصحو، فهو على شفير ثوران، أي حركة، وربما اعتراض، وربما استرجاع. وهنا تتداخل العلاقة بين الزهد والتأمل والفعل، فتلك الحالة ليست مجرد انتظار ساكن بقدر كونها انتباهاً يَوَقظُ الروح لتتهيأ الى المسير إلى المحطة الأخيرة، وتنظر إليها على أنها ليست نهاية محض، فهي قد تكون بدايةً لنوع آخر من الوعي أو التحرر.

في النص أيضاً هناك إشارات صارخة إلى:
وما وقفْتُ في بلا ط سلطانٍ، ولا الْأبوابْ ،
أنتظر الرضى أو الْأكياسَ أو
ما يمنحُ الْحُجّابْ،
أو نظرةً منْ أعين الذ ئابْ

وهذا في واقعه رفض للمكانة الاجتماعية التقليدية، للسلطان، للانتظار البيروقراطي أو الانتظار الذي يرضي السلطان. فالشاعر هنا أعلنها صريحة أنه لم يسلك طريق الرياسة أو التمكين، ولم يجعل رضى الآخرين من النخب والسلطان والحجاب، مقياساً لذاته. هذه إصرار على الذات، على الحرية الداخلية يتقاطع بالتأكيد مع الفكر الوجودي الذي يقول بأن الإنسان يصنع ذاته بفعل اختياره.

من هنا أرى انتظار القطار الأخير ليس استسلاما للسلطة أو للبنى التي يضغط فيها الزمن، وإنما هو فعل رفض لها. أقول هذا رغم أن الشاعر نفسه أخبرني أنه أراد من خلالها الإشارة إلى تقدمه في العمر، مثلما فهمت من قوله في رسالة بعثها لي: "وقد أشرت رمزاً لتقدم عمري ( 83 عاماً) واقتراب قطار العمر من محطته الأخيرة".

وأجد في المحور الانزياحي صورة للنهاية والتحول، فالقطار الأخير في النص رمزيٌ جداً، فهو لا يرمز فقط لنهاية زمنية، وإنما يتحدث عن نهاية تجربة، وانتقال إلى مابعدها، وهذا الانتقال بحد ذاته ربما يكون لقاءً ، وربما فراغاً، وربما وحدة. في التقليد الصوفي، هناك مفهوم "المرحل" أو "الدار الآخرة"، ولكن هناك أيضاً مفهوم "البقاء مع الحق" أو "اللقاء بالمحبوب". وإذا بحثنا عن هذا البُعد في سياق حياة الشاعر، فإن تقدمه في السن يقترب من تلك المحطة، لحظة معرفة أن الزمن المحدود سيحمله إلى محطة لا يعود منها، أو ربما يعود منها متغيراً.

فمن المنظور الوجودي، ينتاب الإنسان عند الاقتراب من النهاية شعورٌ بالقلق أو الهلع الوجودي، لأنه يدرك أن وجوده ليس أبديا، وأنه سيفارق ما عرفه من علاقات ومواقع وأحباب وواقع إلى حيث العدم، أو الخلود. وفي هذه القصيدة يبدو هذا القلق مغلفا بسكينة "أنا الهادئ والرصين" إلا أن وجوده يعني أن الشاعر يعترف صراحة، وبلا تردد ،بأنه راكب هذا القطار حتما، وأن عليه أن يستعدّ لهذه اللحظة، والاستعداد هنا ليس بالتهويل، وإنما بموقف الزهد والصفاء الداخلي.

أما حيث العدم أو الخلود فالقصيدة لا تحدد ما بعد القطار، لكنها تستشعر المسافة وتصفها بالـ "نفقٌ بعيدٌ "، وهذه هي المسافة الحقيقية بين الواقع والحلم، بين الحاضر والمتوقع، بين الدال والمدلول، هي المساحة الحقيقية التي يعيشها الشاعر. ومن منظور فلسفي/صوفي هذه المساحة هي المكان الذي ت زهر فيه الحكمة، ليس من خلال النجاح في الوصول فقط، وإنما في الانتظار والتأمل أيضا .

وهذا يدلنا على حقيقة تغيب أحيانا عن بالنا، أو ربما نغيبها قسرا هربا منها، وهي كيف يستعد الإنسان ا لذي يتقدم به العمر لعصر جديد يتجاوز الزمان والمكان التقليديين ولاسيما حينما يشعر أن القطار الأخير ليس فقط القطار البيولوجي الذي يتحكم به التقدم في السن فحسب، وإنما هو القطار العابر إلى بعدٍ ما بعد مادي. وإن كانت القصيدة لم تشر صراحة لذلك، فإن هذا التأويل يفتح أمامنا أفقا بحثيا غنيا. إذ توجد في الصوفية والوجودية على حدٍ سواء مكونات وعي الذات بمحدوديتها، ومواجهة العدم أو النهاية، والحرية الداخلية، والصحوة أو التنبه إلى الحياة والموت. وبرأيي أن هذه المكونات تتجلى في هذه القصيدة بما يعني أن الشاعر واع لعمره، وواع للانتظار، وواع أيضا بأنه لم يسلك المسارات التقليدية.
وإنما من خلال التقاطع في رفض المظاهر الخارجية: السلطان، الرضا، الأكياس،
لصالح الذات الداخلية والوعي الداخلي.

وهذا يعني أننا نقف أمام حالة إنسانية تتجرد من الزينة وتتوجه إلى الجوهر، وهو ما يُقرأ صوفياً ووجودياً بأن الإنسان يعترف بأنه "موجود ويحتضر" ومن ثم ينتج موقفه من هذا الوجود .

لكن ثمة فروق مهمة تستحق التنبه لها، وهي أن الصوفية غالبا ًتنحو نحو فكرة "الفناء في الحق"، وزوال الذات الشخصية في البعد الروحي، والوصول إلى الوحدة. أما الوجودية فتركز على الفرد، وجوده، الاختيار، المساءلة، غالبا دون تأكيد صريح على "الحق المطلق " أو الوحدة المطلقة ولاسيما في التيارات الإلحادية. ومن النقد الوجودي أن بعضهم يرى في الوجودية تشكيكا في الثوابت والقيم، وانكفاء على الذات، وربما نوعا من العدمية. وفي قصيدة عبد الستار هذه يتوازى هذان الاتجاهان، حيث هناك تأمل صوفي في الإشارة إليه من خلال: الزهد، انتظار القطار، السكون. وهناك وعي وجودي من خلال صور: العمر، الصحوة، رفض السلطة، الحرية الداخلية. السؤال الذي يمكن أن نتطرق إليه هنا: هل الشاعر يطمح إلى الفناء أم إلى الحرية؟ وهل يرى القطار الأخير كتحرر من الذات أ م كبقاء أمام مسؤولية الذات ؟

وفي قراءة إنزياحية أي انتقالية زمن نهاية وبداية، ربما يكون القطار الأخير ليس
نهاية محضة، وإنما هو نقطة تحول مصيرية، وحينها يتحقق الجمع بين الصوفي من حيث الفناء/الوحدة، والوجودي من حيث المسؤولية/الاختيار. وهذا يعني أن الشاعر نجح في ربط المعنى بالمعنى.
وقد يكون هذا الربط وليد امتلاء القصيدة بالتضادا ت مثل: الهاد ئ/الثائر،
السكون/الصحوة، الشارع/النفق، السُّكر /اليقظة، الانتظار/التحرُّك. فهذا الخلق اللغوي وإن كان يؤسس لمشهد وجودي تأملي يتضح من خلاله أن الذات في حالة عطف بين عالميْن، عالم الماضي والحاضر، وعالم الدنيا وما بعدها، وعالم الغفلة واليقظة، إلا أنه يسهم في خلق الربط المطلوب لتحقيق الانتقال .
فالسُّكر هنا ليس مجرد ثمالة بالمعنى الحسي المعروف، وإنما هو ثمالة للزمن أو
للوعي. والنسيج العنكبوتي جاء كرمز هشٍّ يضاهي هشاشة الإنسان في غياب
الصحوة. الصحوة نفسها تتحول إلى ثوران، وحركة لم تكن مطروحة في السُّكْر. ومن ثم يبدو الشاعر كمن يستعد للانفجار، أو للتحول، أو للعبور الذي أراه أقرب الاحتمالات إلى واقع الشاعر نفسه.
ولذلك دلالات منها الصوت الشعري والضمير، فالضمير "أنا " نجده حاضرا بقوة: "إني أنا الهادئ … الباحث …" وهذا بحد ذاته يضع الشاعر في موقع متأمل ومعلّق بالحياة، ليس متلقياً سلطة الآخر أو الزمن، وإنما حرّ يعلم ويحدّد موقفه وفق إرادته لا وفق مطالب السلطان. هناك أيضا صيغة الخطاب: الشاعر يخاطب القارئ أو الذات، لكن أيضا يخاطب الحياة أو الزمن أو الموت ضمن ضمير متفاعل، وهذا القبض بين الذات والآخر، بين الشاعر والزمن، بين الانتظار والرحيل، أسس لتوتر شعري وجودي .

كما أن لغة النفي والرفض واضحة في القصيدة: "ولم أمسح الأكتاف… وما وقفت في بلاط سلطان …" هذا النفي يشير إلى اختيار لم يكن مَنحى زمنه أو مساره. وهذا يعزز فكرة أن الشاعر يحتشد في محطة النهاية بوعي خاص، ليس كمسافر منسحب أو مهزوم وإنما كباحث عن الحقيقة والمعنى.

بعد هذه الجولة من حقنا أن نسأل بلا توقف: ماذا تمثل المحطة الأخيرة في حياة كل منا ؟ هل هي نهاية نهائية، أم انتقال إلى بعد آخر سواء كان روحانيا، أو رقميا أو رمزيا؟ وكيف يفهم الشاعر هذا الانتقال ؟ وما علاقة الصحوة بالسُّكْر؟ ففي النص، السكْر ضعيف، والسكْر ليس مرفوضا بالضرورة، لكن مكمن الخطر في الصحوة، هي الخطورة، وهي الانفجار. فهل الصحة في الحياة هي الصحوة، أم في التوازن بين الغفلة والوعي؟
وكيف يتعاطى الشاعر مع الزمن؟ هل الزمن يسرق أم يمنح؟ وكيف يعكس تقدُّم العمر موقفا تأمليا؟ً

وقال الشاعر إنه لم يقف في بلاط سلطان، ولم ينتظر الرضا أو الحُجّاب، ولم يطلب نظرة من الذئاب، فهل يشير هذا إلى استقلال ؟ وفي الانتظار الأخير هل يصير الإنسان مسؤولا عن عبوره أو عن اختياره؟ وهل القطار الأخير يمكن أن يكون رمزاً لتحول في أشكال الوعي نحو ما بعد مادي؟ وهل الزاوية الساكنة قد تصبح "واجهة دماغ إلى دماغ" في المستقبل؟ وهي أسئلة ليس من اليسير الإجابة عنها، لكن كل الذي أستطيع قوله إن قصيد ة عبد الستار نورعلي التي تحدَّث فيها عن عمره ليست مجرد بيان شعري لعمر متقدم، وإنما هي موقف وجودي مؤثّر، يجمع بين الصوفية في الزُهد والانتظار والزاوية الساكنة، والفلسفة الوجودية في الزمن والحرية والصحوة والقلق من النهاية. إنها تمثل "انتظار القطار الأخير" كمحطة رمزية نحو التحول، نحو ما بعد العمر، وربما نحو اللقاء أو الوحدة أو التجاوز.__



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (في انتظار القطار الأخير...)
- الليل والحرف...
- ياحاديَ العشقِ...
- لمّا خَلِيَتِ الدَّار...
- قصيدةُ حبٍّ أمميَّة...
- نهاية التاريخ
- قمْ للعراق
- الفاتورة
- لا أنام
- سنية عبد عون رشو وقصة (شهيق وزفير)
- دمشق
- من شعر بيورنر تورسون
- الأبواب...
- (حيدر كرَّار): عندما تتفتّحُ البراعمُ الشعريةُ
- (حيدر كرَّار) شاعرٌ قادمٌ على حصان الشِعر الجامح
- يحيى السماويّ وقصيدة (حين أضعْتُ الطريق الى بانكستاون)
- غريبان
- الليالي الطويلة
- آب/أغسطس 2024
- الضمائر


المزيد.....




- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...
- شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه
- في مثل هذا اليوم بدأت بي بي سي بثّها الإذاعي من غرفة صغيرة ف ...
- معالم الكويت.. صروح تمزج روح الحداثة وعبق التاريخ
- أبرز إطلالات المشاهير في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ...
- أسماء جلال تتألّق بفستان طوني ورد في عرض فيلم -السلّم والثعب ...
- BBC تقدم اعتذرا لترامب بشأن تعديل خطابه في الفيلم الوثائقي
- مغني الـ-راب- الذي صار عمدة نيويورك.. كيف صنعت الموسيقى نجاح ...
- أسرة أم كلثوم تتحرك قانونيا بعد إعلان فرقة إسرائيلية إحياء ت ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - قراءة نقدية للدكتور صالح الطائي لقصيدتي (في انتظار القطار الأخير)