أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الياس رفو - الهوية الأيزيدية استعادة الذاكرة الرافدينية بين الأسطورة والتاريخ















المزيد.....

الهوية الأيزيدية استعادة الذاكرة الرافدينية بين الأسطورة والتاريخ


خالد الياس رفو

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 19:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن دراسة الهوية الأيزيدية تقودنا إلى فضاء معقد تتقاطع فيه الأسطورة بالتاريخ والذاكرة الشفوية بالتدوين الرسمي . فالبحث في الوجود الأيزيدي ليس مجرد استقصاء لوقائع مدونة في بعض كتابات الرحالة أو سجلات الملوك بل هو استحضار لتجربة إنسانية فريدة نجت من طمس متكرر ونجحت في حمل ذاكرتها عبر قرون من الإبادة والتهميش .

في الخطاب المعاصر حول الأيزيديين يبرز اتجاهان
الأول يقتصر على قراءة الهوية من خلال الوثائق المكتوبة بما تحمله من تحيزات السلطة وغلبة الرؤية الرسمية .
أما الاتجاه الثاني وهو الأقرب إلى الحقيقة التاريخية يعتمد على الذاكرة الجمعية بوصفها الوعاء الأصدق الذي حفظ هوية الأيزيديين واستمراريتهم رغم تغييبهم القسري عن السرديات السياسية والمجتمعية المهيمنة .

إن أي معالجة علمية جادة للهوية الأيزيدية لا يمكن أن تقف عند حدود الوثيقة بل يجب أن تنفتح على الموروث الديني واللغوي والأنثروبولوجي والمادي لفهم الأيزيديين ككيان حضاري متكامل لا كجماعة دينية هامشية أو أقلية منغلقة .

إيزيدخان .. هوية تاريخية لا اختراع سياسي

يعد مفهوم « أيزيدخان » من المصطلحات الأصيلة المتجذرة في الوعي الديني والروحي للأيزيديين وليس نتاجاً سياسياً معاصراً أو اصطلاحاً أيديولوجياً مستحدثاً كما يحاول البعض تصويره .
فهذا الاسم ورد في نصوص دينية وأناشيد شفوية قديمة مثل المقطع المتوارث :
« خَبري بَدَن إيزيدخاني شرفدين ميرا الديواني »
ويحمل هذا النص دلالة لغوية وتاريخية عميقة على أن الوعي بالمكان والسيادة على الأرض كان جزءاً أصيلاً من الذاكرة الأيزيدية .
كما يظهر اسم « أيزيدخان » في الغناء الفلكلوري القديم الذي خلد أحداثاً تاريخية سبقت ظهور المفاهيم القومية الحديثة بقرون طويلة مثل أغاني الملاحم التي تناولت مقاومة الفرمانات أو تلك التي رثت القرى المدمرة أو أبطال المقاومة الأيزيديين .

إن هذا المصطلح لا يعبر عن نزعة سياسية طارئة بل عن انتماء راسخ إلى الجغرافيا الرافدينية وإدراك مبكر للذات الجماعية بوصفها كياناً روحياً وثقافياً متميزاً حافظ على استمراره رغم العزلة والقمع .

محدودية التوثيق الرسمي وأهمية الذاكرة الشفوية

لا يمكن أن يفهم غياب ذكر الأيزيديين في بعض كتابات الرحالة أو كتب السلاطين والملوك او كتب الدولة الإسلامية على أنه غياب حقيقي في الواقع التاريخي .
فأغلب تلك المدونات كانت خاضعة لسلطة سياسية أو دينية هدفها تثبيت مركزية الحاكم لا تسجيل تنوع الشعوب .
إن تغييب الأيزيديين من بعض تلك النصوص يشبه تغييب السومريين الذين لم يعرف عنهم شيء حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما كشفت البعثات البريطانية آثارهم وكتاباتهم في جنوب العراق فظهر فجأة تاريخ أمة عظيمة رغم أنها لم تكن معروفة من قبل .

بالمثل فإن تغييب الأيزيديين كان انعكاساً لاحتكار السلطة لأدوات التاريخ والتدوين لا دليلاً على غيابهم .
فالمحظور في النصوص كثيراً ما يكون حاضراً في الوجدان والمسكوت عنه في الوثائق كثيراً ما يخلد في الذاكرة الشعبية .

الهوية الأيزيدية .. استعادة لا استحداث

الهوية الأيزيدية ليست وليدة العصر الحديث بل هي استعادة لهوية ظلت محظورة ومطاردة لقرون .
لقد كان التعبير العلني عن الانتماء الأيزيدي دينياً أو قومياً أو ثقافياً يعد في فترات الحكم الإسلامي والعثماني وصولاً إلى البعثي جريمة أو كفراً مما أدى إلى طمسها في الخطاب العام وغيابها عن الوعي الجمعي الرسمي .

اليوم الاعتراف بهذه الهوية لا يمثل اختراعاً جديداً بل تصحيحاً لتاريخ أُخفي قسراً واستعادة مشروعة لاسم ووجود أصيل قاوم الفناء عبر أكثر من سبعين فرماناً من الإبادة الممنهجة .
فمن حمل ذاكرة الفرمانات ونجا من مقاصل بدر الدين لؤلؤ والعثمانيين والأنظمة القومية الحديثة لا يحتاج إلى ” تأسيس هوية ” بل إلى فضاء حر ينصف ذاكرته ويعيد إليه صوته التاريخي .

الذاكرة الشفوية كمصدر أنثروبولوجي للتاريخ الأيزيدي

تمثل الذاكرة الشفوية عند الأيزيديين أرشيفاً حياً حافظ على الموروث الديني واللغوي والطقوسي في ظل ظروف قمعية منعت التدوين .
فالأناشيد الدينية ( القول والبيت ) والملاحم الروحية والحكايات الرمزية وأغاني الطقوس والمواسم مثل عيد ” جما ” وعيد ” سر سال ” تشكل منظومة معرفية متكاملة تحفظ القيم والعقيدة والتاريخ الاجتماعي .

وقد أثبتت الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة أن الشعوب التي تعرضت للإبادة أو التهجير تعتمد الذاكرة الشفوية كأداة للمقاومة الثقافية تحفظ بها وجودها خارج منظومة المعرفة الرسمية .
وهذا ما فعله الأيزيديون عبر الأجيال حين حولوا الشفاهية من وسيلة للتعبير إلى وسيلة للبقاء ومن طقس ديني إلى وسيلة لتوثيق التاريخ المنسي .

الدليل العلمي الحديث على الجذور الرافدينية للأيزيديين في السنوات الأخيرة قدمت الدراسات الجينية ( Population Genetics ) أدلة علمية قوية تؤكد الجذور العميقة للأيزيديين في بلاد الرافدين ونتائج أبحاث بين البصمة الوراثية للأيزيديين وتلك العائدة للشعوب السومرية والحورية القديمة ما يعزز فرضية الانتماء لهذا الشعب إلى حضارة ما بين النهرين .

كما أشارت دراسات في الوراثة السكانية إلى أن العزلة الجغرافية والثقافية التي عاشها الأيزيديون في جبال سنجار ( شنگال ) ومحيطها وفي شيخان ( ولاط ) ومحيطها أسهمت في الحفاظ على تكوينهم الوراثي واللغوي منذ آلاف السنين وهو ما يمنح الهوية الأيزيدية بعداً علمياً موثقاً يتقاطع مع الرواية التراثية والدينية التي تؤكد انتماءهم إلى حضارات الأرض الرافدينية الأولى .

الوجود المستمر برهان الهوية

إن استمرار الوجود الأيزيدي عبر العصور رغم أكثر من سبعين فرماناً من الإبادة ومحاولات الطمس التي تعاقبت من العصور الأموية والعباسية مرورا بالعصر الفاطمي والعثماني وصولاً إلى العصور الحديثة ، هو بحد ذاته وثيقة تاريخية حية .
فالحقيقة لا تستمد من نصوص الحكام الذين سعوا إلى محوها بل من بقاء الشعب الذي حملها في ذاكرته جيلًا بعد جيل .

لقد قاوم الأيزيديون بالأناشيد والغناء والرموز والطقوس والتقاليد والفلكلور ، حافظوا على ذواتهم في وجه كل محاولات التذويب والانصهار ليكونوا اليوم أحد أقدم الشعوب الحية التي ما زالت تحمل تراث الرافدين الروحي والإنساني في جوهره الأصيل .

أعيد وأؤكد … إن الإعتراف الأكاديمي والدولي بالهوية الأيزيدية ليس مطلباً ثقافياً فحسب ، بل ضرورة علمية وأخلاقية وإنسانية لحماية إحدى أقدم الهويات الحضارية في الشرق الأدنى .
فأي دراسة جادة للأيزيديين ينبغي أن تدرج الذاكرة الشفوية كمصدر أساسي للتاريخ وأن تنظر إليهم كامتداد حي للحضارة الرافدينية لا كأقلية نجت صدفة من الإبادة .
فالهوية الأيزيدية ليست صفحة من الماضي بل شهادة على قدرة الذاكرة على مقاومة النسيان وعلى أن الشعوب الأصيلة لا تمحى طالما ظل فيها من يتذكر ويغني ويؤمن .



#خالد_الياس_رفو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور التاريخية والهوية الرافدينية للشعب الأيزيدي
- معبد لالش النوراني روح وحضارة تتحدى الزمن
- لالش بين القداسة والصفقات
- التطرف الديني.. طاعون العصر الذي يحصد الأبرياء
- إحدى عشرة سنة من الصمت...
- جرائم متكررة بحق الأقليات ... كنيسة مار إلياس جرس إنذار للعا ...
- إزالة تمثال الراوندوزي.. أول خطوة نحو التعايش الحقيقي
- مؤتمر الحوار الإيزيدي - الإيزيدي و الاصلاح
- مصير الأيزيديين بين الاعتراف بالإبادة وخطر الترحيل
- الإبادة مستمرة ماذا فعل قادتنا؟-
- القضية الإيزيدية وموقف المؤسسات العراقية (التشريعية، التنفيذ ...
- مجلس النواب العراقي وتقسيم الغنائم
- زيارة دمشق وتناقضات العدالة
- قانون الإبادة الجماعية الإيزيدية - خطوة ضرورية لتحقيق العدال ...
- الجولاني بين ماضيه الدموي و الحاضر المنفتح ...
- سقوط حلب .. أم عودة دولة الخلافة ؟


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الياس رفو - الهوية الأيزيدية استعادة الذاكرة الرافدينية بين الأسطورة والتاريخ