أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر: من جغرافية الصراع إلى اقتصاد التعاون - نحو عقد مغاربي جديد في زمن التحولات العالمية















المزيد.....

شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر: من جغرافية الصراع إلى اقتصاد التعاون - نحو عقد مغاربي جديد في زمن التحولات العالمية


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 13:44
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تمرّ العلاقات المغربية-الجزائرية بمرحلة من الجمود العميق، إن لم تكن الأكثر توتراً منذ عقود، في ظلّ إغلاق الحدود وتعليق القنوات الدبلوماسية. غير أنّ هذا المسار، الذي تغذّيه تراكمات تاريخية وخلافات سياسية معقّدة، يبدو اليوم أشبه بسباق في قارب يتسرّب منه الماء وسط محيط جيوسياسي وجيواقتصادي غير مستقرّ وعنيف. فالعالم يعيش تحوّلات متسارعة في موازين القوى، وصعود اقتصاد الرقمنة واقتصاد المعرفة، وإعادة رسم خرائط النفوذ الطاقي والتكنولوجي، وهي تحوّلات لا تترك مجالاً للعزلة أو للصراع المستنزف. إن تجاوز الخلافات بين المغرب والجزائر لم يعد ترفاً دبلوماسياً أو نداء عاطفياً وقيمياً، بل خياراً استراتيجياً ضرورياً لضمان الأمن والاستقرار والازدهار لشعبي البلدين وللمنطقة المغاربية برمّتها.

فالاستراتيجية الواقعية لا تُنكر الخلافات، لكنها تبتكر آليات لتطويقها وإيجاد نقاط الالتقاء حفاظاً على قدرة الجسد الإقليمي على الحركة نحو المستقبل. إنه المنطق البراغماتي الذي يهدف إلى ضمان استقرار وأمن الدولتين. فالصراع الذي طبع العلاقات لعقود أصبح يحدّ من فاعلية البلدين في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في منطقة تعاني من الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والمخدرات. إنّ التعاون الأمني والاستخباراتي بينهما يمكن أن يشكّل جداراً صلباً يحمي أكثر من 1600 كيلومتر من الحدود المشتركة، وما يزيد عن 3700 كيلومتر من الحدود الجزائرية مع دول جنوب الصحراء، ويحول دون تحوّلها إلى ممرّ للفوضى والهجرة وتجارة البشر. كما أنّ كتلة مغاربية موحّدة تضمّ نحو 90 مليون نسمة ستكون ذات وزن تفاوضي مؤثر في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة "بريكس بلاس" وغيرها، قادرة على الدفاع عن مصالحها بعيداً عن محاور الاستقطاب الدولي والتبعية الاقتصادية. فالمغرب والجزائر معاً يمثلان ركيزتين أساسيتين لاستقرار شمال أفريقيا، وشراكتهما قد تكون القاطرة التي تجرّ وراءها تنمية الساحل الأفريقي وشمال القارة، وتؤسس لنموذج من التعايش الإقليمي بدل الصراع المزمن وهدر زمن التنمية، خصوصاً في فترة تاريخية حرجة تعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية العالمية.

اقتصادياً، إنّ الحدود المغلقة بين البلدين ليست مجرد حاجز جغرافي، بل جريمة اقتصادية في حق شعبيهما. فتكامل الثروات الطبيعية الجزائرية مع البنية التحتية المغربية المتطوّرة يمكن أن يخلق فضاءً إنتاجياً متقدّماً على غرار التجارب الآسيوية والأوربية الناجحة التي حوّلت الصراعات الدموية والمنافسة الاقتصادية إلى تعاون بنّاء. تمتلك الجزائر موارد طاقية ضخمة من الغاز والبترول، بينما يمتلك المغرب موانئ عالمية، وشبكات نقل ولوجستيك متقدمة، وصناعات تحويلية وزراعية تنافسية (بالإضافة إلى الفوسفاط الثروة السمكية). إنّ دمج هذه المقوّمات يمكن أن يطلق سلاسل قيمة مغاربية قادرة على التصدير والمنافسة في الأسواق العالمية، ولا سيما الأوروبية وباقي الدول الأفريقية، من الصناعات البتروكيماوية إلى التكنولوجيا الخضراء. وفي مجال الطاقة، يمكن للبلدين أن يشكّلا محوراً طاقياً جديداً يربط أوروبا بأفريقيا، يجمع بين خبرة وغنى الجزائر في الغاز ومكانة المغرب الريادية في الطاقات المتجددة. هذا التكامل يمكن أن يجعل المنطقة نموذجاً في الانتقال الطاقي المستدام، ويمنحها موقعاً تفاوضياً متقدماً في الاقتصاد العالمي القادم، القائم على الأمن الطاقي والبيئي والذكاء الاصطناعي.

أما من الناحية اللوجستية، فإنّ إعادة فتح الحدود وتحديث شبكات النقل البري والبحري والسككي سيعيد الحياة لطريق التجارة التاريخي عبر المنطقة المغاربية، ويختصر زمن وكلفة نقل البضائع بين أفريقيا وأوروبا، وكذا أمريكا اللاتينية؛ ما سيجعل المنطقة مركزاً جاذباً للاستثمارات الأجنبية الباحثة عن سوق موحّدة ومستقرة. فالمكاسب المحتملة لا تُقاس بالأرقام فحسب، بل بالتحولات البنيوية التي يمكن أن تضع الاقتصادين المغربي والجزائري على مسار النمو المشترك بدل النمو الموازي والمحدود والتنافسي، وتضمن للشعبين عدالة اجتماعية ورفاهية فردية وجماعية.

العالم اليوم لا ينتظر المتردّدين والحالمين؛ فالتغيرات المناخية والتحديات الرقمية والتحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية تجعل من العزلة أو العداء "ترفا" غير ممكن. المنطقة المغاربية مهددة بالجفاف والتصحر ونقص الموارد المائية، ما يستدعي تنسيقاً مشتركاً في إدارة المياه والزراعة المستدامة ومشروعات التكيف المناخي. وفي زمن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، فإنّ توحيد الكفاءات العلمية والتقنية بين المغرب والجزائر يمكن أن يشكّل نواة لقطاع تكنولوجي مغاربي قادر على المنافسة الإقليمية. كما أظهرت الأزمات الصحية الأخيرة، وعلى رأسها جائحة كوفيد-19، أنّ الأمن الصحي لا يتحقق في عزلة؛ فالتعاون في مجال الأدوية واللقاحات والبحث الطبي ضرورة لحماية الإنسان قبل الاقتصاد. ومع انزياح مركز الثقل العالمي نحو المحيط الهادئ وأوروبا الشرقية، فإنّ شمال أفريقيا مهدد بأن يصبح هامشاً منسياً في النظام الدولي، إلا إذا أعادت دوله إحياء التكامل الإقليمي كآلية للحفاظ على مصالحها وموقعها في الأسواق العالمية.

إنّ الخلاف حول الصحراء، رغم تعقيده التاريخي والسياسي، لا ينبغي أن يحجب الإمكانات الهائلة للدفاع عن المصالح المشتركة. فالمقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي تبنّته الأمم المتحدة كأرضية واقعية للحل، يمكن أن يتحوّل إلى جسر للتعاون بدلاً من أن يبقى حاجزاً للخصام ويجر البلدين في 50 سنة أخرى من الجمود والضياع. تحويل منطقة الصحراء من فضاء نزاع إلى فضاء استثمار وتنمية يمكن أن يجذب رؤوس الأموال العالمية ويخلق دينامية اقتصادية يستفيد منها الجميع. إنه نموذج للانتقال من منطق السيادة المنغلقة إلى منطق التنمية المشتركة في المنطقة، حيث يتحقق الأمن بالترابط لا بالعزلة.

المطلوب اليوم شجاعة سياسية استثنائية، خصوصاً من الجانب الجزائري، بعدما عبّر المغرب مراراً عن استعداده لإيجاد حلول تخدم مصالح الطرفين، إذ لا محيد عن تغليب منطق المصلحة الاستراتيجية. ويمكن للبلدين البدء بخطوات عملية صغيرة، لكن ذات رمزية كبرى، ولا سيما على مستوى النخب السياسية والمفكرين، من خلال تشجيع التبادل الثقافي والأكاديمي، وإنشاء منتديات مشتركة للمفكرين والاقتصاديين لرسم ملامح المستقبل. فالتحالف المغربي-الجزائري ليس موجهاً ضد أحد، بل هو من أجل شعبي البلدين ومن أجل حضور فاعل في عالم لا يرحم الضعيف ولا يحترم المنقسمين. إنّ اللحظة التاريخية الراهنة تضع أمام البلدين فرصة نادرة لكتابة فصل جديد في مسار المنطقة المغاربية، فصل عنوانه: من الصراع إلى التكامل، ومن الحدود المغلقة إلى الآفاق المفتوحة. فهل نملك اليوم شجاعة الإصغاء إلى نداء المستقبل؟ وهل يمكن أن نحسن استثمار مواردنا وقدراتنا فيما بيننا بدل تبديدها على من هم أبعد منا جغرافياً وثقافياً؟



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... ثقة واستثمار وتحول: من اعتراف أممي إلى تنم ...
- شذرات اقتصادية... جيل الغضب العالمي بين فشل النيوليبرالية وا ...
- شذرات اقتصادية... جيل Z وصوت المستقبل: بين أزمة الثقة ومطلب ...
- شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلي ...
- جيل Z في المغرب: بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي
- شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاج ...
- الحماية الاجتماعية في المغرب: استثمار في الإنسان ومعركة ضد ا ...
- شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة ...
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟


المزيد.....




- الخزانة الأميركية ترفع العقوبات عن الشرع وخطاب
- أزمة مالي تربك موريتانيا ومخاوف من انعكاسات أمنية واقتصادية ...
- الصين تقترب من كسر الاحتكار الأميركي في الرقائق المتقدمة
- دراسة أوروبية: هذه أسباب نجاح سوريين في تركيا
- رجل يفتح النار على عدة أشخاص ويقتلهم قبل أن يهرب إلى غابة بأ ...
- صادرات النفط الإيرانية إلى الصين تحطم الرقم القياسي
- بعد صفقة علم الروم.. هذه خريطة استثمارات قطر في مصر
- العراق يعلن خطة لزيادة إنتاجه النفطي إلى أكثر من 6 ملايين بر ...
- الصين تستأنف تصدير معادن الاستخدام المزدوج إلى أميركا
- هجرة متزايدة للكفاءات الشابة من بريطانيا


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر: من جغرافية الصراع إلى اقتصاد التعاون - نحو عقد مغاربي جديد في زمن التحولات العالمية