أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة الحربية وطموحات السلام العالمي















المزيد.....

شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة الحربية وطموحات السلام العالمي


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 13:39
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الحرب ليست مجرد صراع عسكري أو سياسي، بل هي نظام اقتصادي مكتمل الأركان، قائم على منطق الربح والسيطرة. منذ العصور القديمة، ارتبطت الحرب بالاقتصاد ارتباطًا عضويًا؛ إذ كانت الغزوات في روما القديمة مصدرًا للثروات، تُنهب الشعوب وتُباع أجسادها في أسواق العبيد. أما في الصين القديمة، فقد فهم "سون تزو" الحرب كفن لتحقيق مصلحة استراتيجية واقتصادية. ومع مرور الزمن، تطورت هذه الرؤية إلى منظومة شاملة تتحكم فيها شبكات معقدة من المصالح، وصولًا إلى النظام العالمي الراهن الذي تُسيطر عليه أوليغارشيات ودوائر نفوذ تسعى لتأبيد الحرب كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة.

لم تكن الحروب يومًا حيادية أو خاضعة فقط لضرورات سياسية. ماركس رأى فيها امتدادًا لصراع الطبقات، واعتبرها أداةً تستخدمها البرجوازية لإعادة ضبط التوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية. أما أفلاطون فكان أكثر تحذيرًا، حين نبه إلى أن الحرب قد تصبح وسيلة بيد الطغاة لتعزيز سلطتهم، وهي رؤية تزداد راهنيتها في ظل احتكار دوائر النفوذ الحديثة لمفاتيح القرار الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي والعسكري في العالم.

في القرن العشرين، بلغت الحرب ذروتها بوصفها صناعة مستقلة قائمة بذاتها، حيث أشار دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي عام 1961 إلى الخطر الكامن في التحالف بين الجيش والصناعة، واصفًا إياه بـ"المجمّع الصناعي العسكري". وقد تطور هذا التحالف اليوم ليأخذ شكلاً أكثر تعقيدًا، يجمع بين المال والصناعة والتكنولوجيا الرقمية، محركًا خيوط السياسة الدولية من خلف الستار. لم تعد الحروب تُخاض فقط من أجل السيطرة على الأرض، بل من أجل إعادة تشكيل الأسواق، والتحكّم في الموارد، وتوجيه سلاسل التوريد الاستراتيجية، حتى أصبحت الميزانيات المخصصة للصناعة والتجارة العسكرية تمثل جزءًا كبيرًا من الإنفاق العام في معظم الدول، بغض النظر عن مستوى نموها أو تطورها الاقتصادي.


الحروب المعاصرة، من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، ومن تايوان إلى كشمير، ومن إسرائيل إلى إيران، وفي انتظار ما هو قادم، لا تُخاض لأسباب إيديولوجية بحتة، بل تُحرَّك أساسًا بهدف تأمين المسالك التجارية العالمية والممرات الحيوية للطاقة والتكنولوجيا. في أوكرانيا، تدور الحرب حول موقعها الجغرافي الاستراتيجي، باعتبارها بوابة للغاز الروسي إلى أوروبا وممرًا محتملاً لخطوط التجارة الصينية نحو الغرب. أما في تايوان، فتشتد المنافسة بسبب الهيمنة على صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، التي تُعد القلب النابض لثورة الذكاء الاصطناعي العالمية. وفي كشمير، يتجاوز الصراع بين الهند وباكستان البُعد الديني، ليطال النزاع على منابع المياه والموقع الجغرافي المؤدي إلى آسيا الوسطى. وفي الخليج والبحر الأحمر، تكشف الصراعات المتواصلة عن سباق محموم على خطوط الطاقة والتجارة البحرية، ما يجعل من السيطرة الجيوستراتيجية أولوية تفوق الاعتبارات السياسية أو العقائدية التقليدية.

في قلب هذا المشهد، تتربع صناعة الأسلحة على قمة الهرم الاقتصادي للحرب. هي لا تنتظر الطلب، بل تخلقه. تُنتج السلاح لتُشعل الجبهات، وتُسوق النزاعات كفرص لتجديد العقود وتمديد النزيف. كل رصاصة تُباع تحتاج هدفًا، وكل دبابة تُصنع تحتاج ميدانًا للدم. ولأن الحروب التقليدية لا تكفي لضمان الربح، تتحول الأديان، الطوائف، القوميات، والأيديولوجيات إلى أدوات لتبرير العنف وإضفاء المشروعية عليه. إنها حرب رمزية تُدار بالدم واللغة معًا. العدو لا يُعرّف فقط كخصم عسكري، بل ككائن شيطاني يجب إبادته. وبهذا، يتحول الموت الجماعي إلى استثمار طويل الأجل، والإبادة الجماعية إلى مشهد تتقاطع فيه السياسة مع الربح.

إن المعادن النادرة، مثل "النيوديميوم" و"اللانثانوم" و"الكوبالت"، أصبحت في عالم الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة هدفًا للصراع العالمي الجديد. من الكونغو إلى أفغانستان، تُخاض حروب الظل من أجل التحكم في الموارد التي تحتاجها الشركات العملاقة لتطوير البطاريات والرقائق والمجسات وأنظمة السلاح الذكية. ولا عجب أن تكون مناطق الثروات الأكثر عرضة للحروب والانقلابات والاقتتال الأهلي أو الطائفي.

لا شيء يُترك للصدفة في هندسة هذه الصراعات؛ فكل خطوة محسوبة بدقة ضمن منظومة معقدة من المصالح. تروّج مراكز البحث المرتبطة بصنّاع القرار لنظريات الخوف و"التهديد الوجودي" بهدف تهيئة الرأي العام وتبرير التمويل والتدخل العسكري. تتحرك الشركات الكبرى كجيوش اقتصادية عابرة للحدود، بينما تُختلق ذرائع أخلاقية وإنسانية تُستخدم لتغليف الغزو والتدخل بغطاء من الشرعية. لم تعد الحرب انحرافًا عن النظام العالمي، بل أصبحت أداة مركزية تُستخدم في إدارة العولمة، وحتى ضمن آليات مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة، التي باتت في كثير من الأحيان جزءًا من معادلة التوازن لا منطقًا للسلام.

أعاد الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو النظر في مفهوم الحرب، معتبرًا أنها لم تعد مجرّد صراع عسكري تقليدي، بل تحوّلت إلى آلية مضمرة داخل أنساق السلطة الحديثة. فالحرب، في تصوره، تُمارَس عبر شبكات السلطة والمؤسسات، وتُوظَّف لإعادة إنتاج الهيمنة من خلال أدوات متنوعة تشمل الرقابة، والخطاب، وتنظيم الحياة اليومية. وبهذا المعنى، يصبح الاقتصاد الحربي جزءًا من منطق السلطة، لا كقوة صلبة فحسب، بل كوسيلة لضبط المجتمعات عبر مزيج من الوسائل الناعمة والخشنة تُبرر باسم الأمن والنظام. أي تتحول الحرب من معركة بين جيوش إلى منظومة لإعادة توزيع الثروة، حيث 1% من سكان الأرض يسيطرون على معظم ثرواته، وتُستخدم الحروب لتعميق هذه الفجوة. كلما سقطت مدينة، ارتفعت أسهم شركة، وكلما اشتعل صراع، ضُخت استثمارات جديدة في مصانع الموت.

لا يمكن فهم الحرب المعاصرة دون الربط بينها وبين نظام الديون العالمية. فالمؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا تعمل بمعزل عن منطق اقتصاد الحرب؛ بل تستخدم الحروب كفرص لفرض برامج اقتصادية مفصلة: خصخصة، تحرير، تقشف. تتحول الشعوب إلى رهائن لمعادلات اقتصادية لا تُراعي العدالة، بل ترعى الامتيازات.

إن الحديث عن "ما بعد الحرب" مضلل؛ فالحرب في زمن الأوليغارشيات والدوائر العابرة للدول لا تنتهي، بل تتخذ أشكالًا جديدة: حروب إلكترونية، اقتصادية، سيبرانية، ثقافية، غذائية. كل أزمة تُولد فرصة، كما تقول نعومي كلاين في "مذهب الصدمة"، وكل فرصة تُستثمر لصالح النخب تحت عنوان "إعادة الإعمار". إنه نمط من الرأسمالية الطفيلية، التي لا تزدهر إلا في البيئات المحطمة.

السلم لا يعني غياب الحرب، بل يعني نزع جذورها البنيوية: العدالة الاقتصادية، السيادة على الثروات، والحد من سطوة التحالفات التي تُنتج الموت الجماعي. ففي عالم يُدار من فوق، لا من خلال الشعوب، ستظل الحرب هي اللغة الخفية التي تُكتب بها المصالح، وتُشطب بها الشعوب. فهل من سبيل لتحقيق السلام العالمي؟



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …
- شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة
- شذرات اقتصادية… بناء الدولة الاجتماعية في زمن الأزمات...
- شذرات اقتصادية… أزمة الدولة أو الدولة في أزمة…
- شذرات اقتصادية... لا أصدقاء في الاقتصاد (1)


المزيد.....




- هل تعرض البرنامج النووي الإيراني لـ -هزيمة ساحقة-؟
- مصر تبيع صكوكا بمليار دولار لبيت التمويل الكويتي
- وول ستريت: ترامب قد يعلن قريبًا مرشحه لرئاسة الفيدرالي
- بنغازي تستضيف منتدى اقتصادي بين ليبيا وإيطاليا.. تفاصيل الفع ...
- سلسلة -كو-أوب- البريطانية تقاطع المنتجات الإسرائيلية بسبب حر ...
- استقرار في الإنتاج وانتظام في التجارة الخارجية الإيرانية
- إدارة الصين 31 ميناء بأميركا اللاتينية والكاريبي تشعل مخاوف ...
- إسرائيل تصنّف المركزي الإيراني -منظمة إرهابية-.. ما التأثير ...
- البنك الدولي يقر تمويلا لإعمار لبنان ودعم الكهرباء في سوريا ...
- لماذا يعد النفط مقياسا للاقتصاد العالمي وللصراعات ؟


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة الحربية وطموحات السلام العالمي