أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... جيل الغضب العالمي بين فشل النيوليبرالية واستعادة سؤال التنمية في ظل هيمنة الرأسمال على الدولة والمجتمع















المزيد.....

شذرات اقتصادية... جيل الغضب العالمي بين فشل النيوليبرالية واستعادة سؤال التنمية في ظل هيمنة الرأسمال على الدولة والمجتمع


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 16:51
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يشكّل الحراكُ الشبابي الذي اندلع في المغرب ومدغشقر ونيبال وغيرها، تعبيرًا عن موجةٍ عالميةٍ جديدة من الغضب الاجتماعي والسياسي، تقودها أجيالٌ وُلدت في ظل العولمة الرقمية، وعاشت آثار النيوليبرالية على واقعها اليومي: بطالة، وتهميش، وغياب عدالة، وتفشي فساد، وتراجعٍ في الخدمات العمومية، خاصة في مجالي التعليم والصحة، باعتبارهما من الحقوق الإنسانية الكونية ومن المداخل الأساسية لبناء دولة الحق والقانون.

هذه الحركات، التي يمكن اعتبارها امتدادًا لاحتجاجاتٍ وثوراتٍ سابقة شهدها العالم خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، ولا سيما بعد انتفاضات عام 2011، لا تعبّر عن رفضٍ عابرٍ لسياساتٍ حكوميةٍ محددة، بل عن رفضٍ أعمق لنموذجٍ اقتصاديٍ وسياسيٍ فقد شرعيته، بعدما تحوّل من وعدٍ بالازدهار إلى نظامٍ يعيد إنتاج اللامساواة ويُخضِع السياسة لمنطق السوق.

منذ الثورة الصناعية الأولى، كانت الأزمات الدورية التي عرفها النظام الرأسمالي تعبيرًا عن التناقض البنيوي الكامن فيه، بين منطق تراكم الثروة من جهة، وآليات توزيعها من جهة أخرى. فقد شكّلت الأزمة الكبرى سنة 1929 نقطةَ تحوّلٍ مفصلية، كشفت زيف فكرة "السوق الذاتية التنظيم" وأدت إلى انهياراتٍ مالية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. في تلك اللحظة، برزت النظرية الكينزية كتصحيحٍ من داخل الرأسمالية ذاتها، معتبرةً أن الدولة ينبغي أن تتدخل لإنعاش الطلب، وتحفيز الاستثمار العمومي، وتوفير فرص الشغل، وضمان الحماية الاجتماعية، في محاولةٍ لإعادة التوازن بين الاقتصاد والمجتمع، وبين السوق والسياسة.

وقد نجحت الكينزية، ولو مؤقتًا، في إرساء مرحلةٍ من "الرأسمالية المروّضة" التي اتسمت بنموٍ اقتصادي مستقر وعدالةٍ اجتماعيةٍ نسبية، فيما عُرف لاحقًا بدولة الرفاه، باعتبارها صيغةً وسطى تحقق التوازن بين الربح الاقتصادي والرفاه الجمعي والفردي. غير أن أزمة السبعينيات، وما رافقها من تضخمٍ وبطالةٍ وتراجعٍ في معدلات الربح، فتحت الباب أمام عودة القوى الرأسمالية بوجهٍ جديد تحت لافتة النيو ليبرالية، التي رفعت شعار "تحرير السوق"، ودفعت نحو الخصخصة، وتقليص أدوار الدولة، وتحرير الأسعار والعملات، والانفتاح غير المشروط على الأسواق العالمية.

لقد فرضت المؤسسات المالية الدولية هذا التوجّه الجديد على الدول النامية والفقيرة من خلال سياسات "الإصلاح الهيكلي" وبرامج جدولة الديون، الأمر الذي عمّق تبعيتها السياسية والاقتصادية والمالية، وزاد هشاشتها الاجتماعية، خاصة مع تراجع استثمارات الدولة في القطاعات الاجتماعية الحيوية وأحيانًا خوصصتها بالكامل (أو جزئيا). هذه السياسات لم تفتح أمام تلك الدول طريقًا حقيقيًا نحو السيادة أو التنمية العادلة والمستدامة، التي تجعل من الإنسان محركًا للتنمية وهدفًا لها في آنٍ واحد.

وهكذا، لم تُنتج النيوليبرالية تنميةً حقيقية بقدر ما خلقت ما يمكن تسميته بـ"النمو الاقتصادي بلا تنمية"؛ أي توسّعًا في الناتج المحلي وارتفاعًا في المؤشرات المالية يقابله تفككٌ اجتماعي، وتدهورٌ في الخدمات العامة، واتساعٌ في الفوارق الطبقية والمجالية، وتركّزٌ متزايد للثروة بيد أقليةٍ محدودة لا تتجاوز 1% من السكان، شكّلت أوليغارشيات مالية واقتصادية وتكنولوجية تتحكم في مسارات القرار الاقتصادي والسياسي، وبالتالي في السياسات العمومية.

لقد أفرزت النيوليبرالية نموذجًا سياسيًا تُختزَل فيه الدولة إلى جهازٍ إداري يخدم رأس المال بدل أن يضبطه. تحوّلت السياسة إلى امتدادٍ للاقتصاد، وأصبح القرار العمومي موجّهًا أساسًا نحو جذب الاستثمارات وتوفير "بيئة الأعمال المثالية"، ولو كان ذلك على حساب الحقوق الاجتماعية للمواطنين. ففي المغرب، مثلاً، على الرغم من أهمية البنية التحتية، فإن الموارد والمجهودات تُوجَّه نحو مشاريع ضخمة وبنى تحتية رمزية مرتبطة بصورة الدولة وجذب رؤوس الأموال، بينما تتراجع جودة الخدمات الاجتماعية الأساسية (مثل التعليم والصحة). أما في مدغشقر، فتهيمن شبكة من رجال الأعمال المقربين من السلطة على الموارد الحيوية. وفي نيبال، كان الغضب الشبابي موجّهًا ضد الفساد والمراقبة والسيطرة على الفضاء الرقمي، كرمزٍ لهيمنة السلطة على المجال العام.

هذه التوترات تعبّر في جوهرها عن تناقضٍ بين منطق رأس المال ومنطق التنمية. فبينما تُعرَّف التنمية في الفكر الاقتصادي والاجتماعي باعتبارها عمليةً شاملة لتحسين مستوى المعيشة وتعزيز المساواة والقدرات البشرية، تُختزِلُها النيوليبرالية في معدلات النمو والمؤشرات المالية. لقد أصبح الدور الأساسي للدولة - بدلًا من الحفاظ على التوازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والبيئية - أن تكون توجهات الحكومات في خدمة الاقتصاد والمال.

وهنا تظهر المفارقة الكبرى: كيف يمكن أن تتحقق التنمية في نظامٍ يُقاس نجاحه بزيادة الأرباح لا بارتقاء الإنسان؟ وكيف يمكن للمجتمعات أن تزدهر إذا تحوّلت الدولة إلى وسيطٍ بين السوق والمواطن، بدل أن تكون ضامنًا للعدالة الاجتماعية والاقتصادية؟

جيل «Z» الذي يقود اليوم موجة الاحتجاجات الجديدة يعبّر عن وعيٍ جديد بهذا الانفصام التاريخي. إنه جيل عالمي، متصلٌ رقميًا، يرى بوضوح التفاوتات التي تخفيها الخطابات الرسمية، ويقارن بين ما يُقال عن "النمو الشامل والمستدام" وما يعيشه من بطالة وتهميش وغلاء. هذا الجيل لا يثور فقط ضد الفقر، بل ضد منطقٍ اقتصادي يُفرغ الإنسان من إنسانيته ويختزله في مستهلكٍ أو عاملٍ مؤقت، وضد دولةٍ تخلت عن دورها الاجتماعي لصالح منطق الربحية المطلقة.

إن الأزمة الراهنة ليست أزمة اقتصاداتٍ محلية، بل أزمة نموذجٍ عالمي فقد قدرته على إنتاج العدالة. النيوليبرالية، بعد نصف قرن من الهيمنة، لم تخلق تنميةً مستدامة، بل عمّقت هشاشة الاقتصاد العالمي وربطت مصير المجتمعات بحركة الأسواق المالية وسلاسل الإنتاج. وهكذا تعود الأسئلة التي طرحتها الكينزية في ثلاثينيات القرن الماضي: من يملك القرار؟ هل الدولة لخدمة المجتمع أم لخدمة السوق؟ وهل يمكن للرأسمالية أن تستمر دون إعادة تعريف علاقتها بالعدالة والمساواة؟

ما يحدث في المغرب ومدغشقر ونيبال، وربما في دولٍ أخرى، ليس مجرد احتجاجٍ اجتماعي، بل عودةٌ قوية لسؤال التنمية في مواجهة فشل النيوليبرالية. إنها ليست ثورات جياع، بل ثورات وعي، تعلن سقوط وهم "النمو بلا عدالة وبلا حقوق"، وتطالب باستعادة الدولة كأداةٍ عمومية لخدمة الإنسان لا رأس المال. جيل الغضب اليوم لا يبحث فقط عن الشغل أو الخدمات، بل عن مشروعٍ مجتمعي جديد يُعيد تعريف معنى التنمية وجدوى السياسة في عالمٍ بات فيه الاقتصاد سيّد القرار، والدولة خاضعة لحسابات الأرباح، والمجتمع مهدد بفقدان توازنه الإنساني.
8 أكتوبر 2025



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... جيل Z وصوت المستقبل: بين أزمة الثقة ومطلب ...
- شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلي ...
- جيل Z في المغرب: بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي
- شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاج ...
- الحماية الاجتماعية في المغرب: استثمار في الإنسان ومعركة ضد ا ...
- شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة ...
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…


المزيد.....




- انخفاض كبير في أسعار السلع في غزة مع إعلان وقف إطلاق النار
- رقم قياسي.. احتياطي البنك المركزي التركي يتجاوز 186 مليار دو ...
- بوركينا فاسو تترأس اتحاد غرب أفريقيا الاقتصادي
- خبراء: الربط السككي بين قطر والسعودية يعزز التكامل الخليجي
- نيروبي.. من عاصمة السافانا إلى مختبر المستقبل الرقمي
- المصعبي: أسطول أدنوك للإمداد نما بنحو 130% منذ 2019
- هل انفجر سعر الذهب عبر التاريخ مثل ما يحدث اليوم؟
- منتجات تجميل طبيعية تقود شابة إثيوبية للنجاح
- كيف تعاني الشركات الأميركية من آثار الإغلاق؟
- بيبسيكو تسجل إيرادات قوية في الربع الثالث


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... جيل الغضب العالمي بين فشل النيوليبرالية واستعادة سؤال التنمية في ظل هيمنة الرأسمال على الدولة والمجتمع