أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاجتماعية ومدخل للتحرر التنموي أم أداة لتكريس الفوارق والتبعية؟ -الجزء الأول-















المزيد.....

شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاجتماعية ومدخل للتحرر التنموي أم أداة لتكريس الفوارق والتبعية؟ -الجزء الأول-


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 14:20
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تشكل الثورة الرقمية أحد التحولات الكبرى في القرن الحادي والعشرين، إذ غيّرت بعمق العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك موازين الحروب والصراعات الإقليمية والعالمية. وقد انعكس ذلك مباشرة على السياسات التعليمية وعلى البنى البيداغوجية والتعلمية. لم يعد بالإمكان التفكير في التعليم في عصر الرقمنة بالتصورات التقليدية المرتبطة بالمناخ الجيوسياسي القديم أو بالثورات الصناعية الماضية، فلكل حقبة آلياتها الخاصة للتغيير والتكيف. من هنا، يصبح من الضروري أن تطور الدولة قدرتها على الاستجابة للمستجدات والمتغيرات الاستراتيجية الكبرى، بما يمكّنها من إيجاد حلول مستدامة تعزز سيادتها وتقوي مكانتها في العلاقات الدولية، وتضمن أمنها واستقرارها الداخلي. ويظل توفير تعليم ذي جودة للجميع حجر الزاوية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأساسًا لكل تحرر اقتصادي، وضمانًا لتعزيز سيادة الدولة واستقرارها السياسي والاجتماعي.

إن توسع التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي والاتصال العالمي يعيد اليوم رسم الحدود بين المعرفة والعمل والمواطنة. وفي ظل هذا النظام الجديد، يغدو الولوج إلى المهارات الرقمية عاملًا حاسمًا للتنافسية الاقتصادية، والاندماج الاجتماعي والاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. غير أن هذا التحول، على الرغم مما يحمله من فرص غير مسبوقة، ينطوي أيضًا على مخاطر جسيمة، خاصة بالنسبة لبلدان الجنوب؛ حيث يمكن أن تؤدي الرقمنة والذكاء الاصطناعي إلى تكريس "مركز عالمي" متقدم ورقمي، في مقابل "هامش عالمي" مهمّش وتابع. وهي دينامية كان سمير أمين قد نظّر لها في تحليله لعلاقة المركز-الهامش (أمين، 1973).

وعلى المستوى الوطني، قد يقود هذا المسار إلى دينامية مزدوجة: مراكز حضرية متطورة من جهة، وهوامش قروية أو جبلية أو واحات مهمّشة من جهة أخرى. هذه الثنائية تعمّق استمرار اللامساواة الاجتماعية والتهميش الاقتصادي والإقصاء السياسي. ومن هنا ينبثق السؤال الجوهري: هل ستنجح بلدان الجنوب في كسر "اللعنة المفروضة" للفقر والتخلف واللامساواة، أم ستظل خاضعة لتداعياتها؟ وهل تملك القدرة على ضمان تنمية عادلة ومنصفة في كامل ترابها الوطني، أم أن الفوارق المجالية ستواصل تكريس هيمنتها على البنية الاجتماعية والاقتصادية؟

لقد أثبتت التجارب التاريخية أن مفتاح التنمية والتحرر من هذه «اللعنة» بالنسبة للأمم يكمن أساسًا في التعليم. فالدراسات العلمية الاقتصادية والسوسيولوجية تؤكد أن العامل البشري يمثل الأساس لكل عملية تنموية. ومن ثم، فإن التحرر الاقتصادي لبلدان الجنوب لا يمكن أن ينطلق إلا من خلال تعليم شعوبها. وقد استطاعت الصين، على سبيل المثال، أن تكرّس مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الدولي الجديد عبر جعل رأس المال البشري محورًا لاستراتيجيتها التنموية. ومع ذلك، يبقى على كل بلد أن يحدد مساره الخاص؛ غير أن أي نموذج مَهمَا كَان لن ينجح دون نظام تعليمي ذي جودة يستجيب في آن واحد للاحتياجات المحلية للإنسان والمجال، وكذا للأولويات الاستراتيجية الوطنية من أجل بناء دولة قوية وذات سيادة.

ورغم عقود من الوعود بالتنمية، ما تزال دول الجنوب تعاني من تهميش مستمر يوسع الفجوة بين الشمال والجنوب. وتخشى أن تزيد الثورة الصناعية الرابعة من تفاقم هذا الاختلال، نظرًا لسرعة التحولات التكنولوجية التي تولّد لامساواة على مختلف المستويات، وتؤدي إلى تركّز الثروات والسلطة في أيدي أوليغارشية رقمية وتكنولوجية جديدة. هذه الأوليغارشية، التي يمثلها عدد محدود من الفاعلين العالميين (مثل إيلون ماسك، جيف بيزوس، مارك زوكربيرغ، جاك ما، بوني ما)، المهيمنين على الذكاء الاصطناعي والبيانات والبنى التحتية الرقمية، تسهم في تعميق تبعية بلدان الجنوب. وفي هذا السياق، يبرز التعليم الرقمي كرافعة استراتيجية أساسية، ليس فقط لمواجهة مخاطر التهميش والظلم، بل أيضًا كوسيلة لتعزيز السيادة الوطنية ورسم مسار نحو تنمية شاملة وعادلة.

وعلى الرغم من النمو المتسارع للاتصال الرقمي في دول الجنوب وحيوية شبابها، فإن القارة ما تزال تصطدم بعوائق بنيوية مستمرة، من ضعف البنى التحتية وارتفاع التكاليف، إلى الأمية الرقمية والتفاوتات المجالية. ومن دون نموذج تنموي سيادي، قد يتحول الوعد الرقمي إلى عامل إضافي للإقصاء والتبعية والتهميش، سواء على مستوى الشعوب أو الدول. والمغرب ليس استثناءً من هذا المأزق بين وعود الرقمنة وتحدياتها، إذ يتوقف مستقبله بدرجة كبيرة على قدرته على إعادة بناء منظومته التعليمية.

ويجسد المغرب، المنخرط في دينامية التحول الرقمي (المغرب الرقمي 2030)، هذه المعادلة المعقدة بجلاء. فمن جهة، استثمر بشكل واسع في رقمنة الإدارة وتحديث نظامه التعليمي. ومن جهة أخرى، يواجه تحولات نظامية ثلاثية الأبعاد: (1) إعادة هيكلة منظومته التعليمية لمواكبة متطلبات المعرفة والابتكار المعاصرة؛ (2) صعود اقتصاد رقمي يعيد تشكيل الديناميات الإنتاجية والتنافسية وأنماط الاستهلاك؛ (3) إعادة تركيب نسيجه الاجتماعي تحت تأثير التحولات الديمغرافية ومقتضيات العدالة الاجتماعية والمجالية.

في ضوء ذلك، تُطرح الإشكالية المحورية التالية: هل يمكن أن يشكل التعليم الرقمي في المغرب (وفي دول الجنوب باستثناء الصين) رافعة استراتيجية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر الاقتصادي، أم أنه قد يؤدي على العكس إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والمجالية وتعزيز التبعية للدول المتقدمة وللأوليغارشية الرقمية والتكنولوجية العالمية؟

وإيمانًا بأن التعليم عمومًا، والتعليم الرقمي خصوصًا كتطور موضوعي للنظام الاقتصادي العالمي، يمكن أن يسهم في تقليص الفوارق التعليمية وتعزيز الإدماج الاجتماعي ودعم التحرر الاقتصادي، فإن الرهان الأساسي يظل مرتبطًا بوجود إرادة سياسية وإدراك استراتيجي بأن بناء الدولة القوية والسيادية لا يتحقق إلا عبر بناء مجتمع المعرفة بما في 1لك المعرفة الرقمية كجزء مهم من المتغيرات الاجتماعية الحالية.

أدافع، في هذا الإطار، عن أطروحة مفادها أن التعليم الرقمي ينبغي أن يُصمَّم كمشروع بنيوي يستهدف في آن واحد توسيع القدرات الفردية وتعزيز السيادة الوطنية. إن مثل هذا التصور، القائم على التحرر الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، يمثل شرطًا أساسيًا لتحويل الثورة الرقمية إلى فرصة فعلية لتحقيق تنمية شاملة وعادلة في المغرب. وهذا ما ستبرزه الأجزاء اللاحقة من هذا المقال.

مقال مترجم عن مداخلة في ندوة علمية نُظمت بمراكش – المغرب، بتاريخ 2 و3 ماي 2025 بعنوان:
"L’éducation digitale comme levier stratégique pour la justice sociale et l’émancipation économique au Maroc"
"Digital education as a strategic lever for social justice and economic emancipation in Morocco"

عائشة العلوي، أستاذة جامعية وخبيرة اقتصادية



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحماية الاجتماعية في المغرب: استثمار في الإنسان ومعركة ضد ا ...
- شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة ...
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …
- شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة
- شذرات اقتصادية… بناء الدولة الاجتماعية في زمن الأزمات...


المزيد.....




- وول ستريت جورنال: خفض الفائدة لا يخفف عبء الديون الأميركية ا ...
- رسميا.. كشف النقاب عن-بطاقة ترامب الذهبية-: التأشيرة مقابل ر ...
- الرسوم الجمركية تبطئ التجارة الألمانية مع الولايات المتحدة
- في سياق محادثات اقتصادية بين البلدين... ترامب وشي يسعيان للت ...
- سموتريتش يتوعد بخنق السلطة الفلسطينية اقتصاديا لمنع الدولة
- سموتريتش يتوعد بـ-خنق- السلطة الفلسطينية اقتصاديا لمنع الدول ...
- صفقة منتظرة بين أميركا والصين حول تيك توك قد تمهد لمواجهة أك ...
- هل تتحول تركيا إلى صين أوروبا وبديل لسلاسل التوريد؟
- عاجل: البنك المركزي السعودي يصدر قرار يعكر مزاج كل موظفين ال ...
- المركزي الألماني يتوقع نموا طفيفا للاقتصاد بالربع الثالث


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاجتماعية ومدخل للتحرر التنموي أم أداة لتكريس الفوارق والتبعية؟ -الجزء الأول-