أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... ثقة واستثمار وتحول: من اعتراف أممي إلى تنمية عادلة في الأقاليم الجنوبية المغربية















المزيد.....

شذرات اقتصادية... ثقة واستثمار وتحول: من اعتراف أممي إلى تنمية عادلة في الأقاليم الجنوبية المغربية


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 18:47
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


اتخذ المغرب قرارًا حكيمًا بالاستثمار المكثف في الأقاليم الجنوبية، وهو قرار يحمل دلالات سياسية واقتصادية واستراتيجية عميقة. وفي هذا السياق، يطرح السؤال: كيف سيعزّز قرار الأمم المتحدة الأخير، الداعم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية؟ وما هي المشاريع التنموية الكبرى التي تعزّز مستقبل الصحراء كجزء لا يتجزأ من السيادة الترابية للمغرب؟ ثم ما صلة هذا القرار بالتحولات الاقتصادية العميقة التي تعرفها المنطقة؟

لقد شكّل تصويت الأمم المتحدة لصالح المبادرة المغربية للحكم الذاتي حدثًا تاريخيًا ومنعطفًا حاسمًا في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء. فقد اعتُبر هذا التصويت اعترافًا بشرعية الرؤية المغربية القائمة على مبدأ الوحدة الترابية والتنمية المتوازنة والعادلة والمستدامة. ويأتي هذا القرار ليعزّز المكانة الدولية للمغرب، ويرسل رسالة واضحة إلى المستثمرين والشركاء الدوليين مفادها أن الاستقرار السياسي والمؤسساتي في الأقاليم الجنوبية لم يعد محلّ نقاش، بل أصبح حقيقة راسخة تدعمها الشرعية الدولية. إنه اعتراف بالحق التاريخي للمغرب في أراضيه، وبداية نهاية لمناورات طال أمدها استهدفت إضعاف المغرب سياسيًا واقتصاديًا.

إن تعزيز الثقة في مناخ الأعمال بالأقاليم الجنوبية يمر عبر وضوح الرؤية السياسية وضمان الأمن القانوني للمشاريع الاستثمارية، وهو ما تحقق اليوم بفضل الاعتراف الأممي بمسار الحكم الذاتي كحلّ واقعي ودائم. هذا التحول يُطمئن رؤوس الأموال الأجنبية والمؤسسات المالية الدولية التي كانت تتردّد في السابق بسبب المناورات والتشويش. إنه لحظة ثقة جديدة تتيح للمغرب تعزيز موقعه في المفاوضات الاقتصادية وتوسيع شراكاته الدولية. ومع استقرار الأوضاع السياسية، تصبح الأقاليم الجنوبية مجالًا مفتوحًا للاستثمار في الطاقات المتجددة، الصيد البحري، السياحة المستدامة، والخدمات اللوجستية، وهي قطاعات تحمل مستقبل الاقتصاد المغربي الأخضر.

ولا يمكن فهم هذا الزخم الجديد دون الإشارة إلى الدينامية التنموية المتواصلة التي أطلقها المغرب منذ سنوات في الجنوب، وخاصة في مدينتي الداخلة والعيون، اللتين تحولتا إلى نموذجين للتنمية المندمجة والعادلة. فمشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُعد من أكبر المشاريع البحرية في إفريقيا، يجسد رؤية استراتيجية تهدف إلى جعل المنطقة منصة لوجستية وتجارية تربط المغرب بعمقه الإفريقي والأطلسي. هذا المشروع ليس مجرد بنية تحتية، بل تجسيد فعلي لـمغربية الصحراء، حيث يترجم اندماج الأقاليم الجنوبية في الدورة الاقتصادية القارية والعالمية.

وفي الاتجاه ذاته، يشكّل الاستثمار في الطاقات المتجددة ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي في المنطقة. فالأقاليم الجنوبية تمتلك إمكانات هائلة في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما جعلها وجهة جاذبة للمشاريع الخضراء الكبرى. هذه المشاريع لا تسهم فقط في تقليص التبعية الطاقية وتعزيز السيادة المغربية، بل تفتح أيضًا آفاقًا جديدة للتصدير وللشراكات الدولية ضمن اقتصاد أخضر وأزرق متكامل، يعزز مكانة المغرب كفاعل إقليمي رائد في مجال الطاقة المستدامة.

أما مشروع الطريق السريع تزنيت–الداخلة، فهو أكثر من مجرد ممر بري؛ إنه شريان اقتصادي استراتيجي يربط شمال المملكة بجنوبها، ويُيسر حركة الأشخاص والبضائع، ويمهد لتكامل تجاري متزايد مع دول غرب إفريقيا. ومع اكتمال هذا المشروع، تكتمل صورة المغرب الموحد والمتكامل اقتصاديًا، حيث لا تُترك أي منطقة خارج مسار التنمية الشاملة. إنه طريق لبناء مغرب عادل ومستدام ومتضامن مجاليًا.

وترتبط هذه المشاريع الكبرى ارتباطًا وثيقًا بالتحولات الاقتصادية الأوسع في المنطقة، إذ يرسخ المغرب اليوم موقعه كبوابة استراتيجية نحو إفريقيا، مستفيدًا من الموقع الجغرافي للأقاليم الجنوبية كجسر بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء. كما أن التوجه نحو الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق والتحول الطاقي يجعل من هذه الأقاليم مختبرًا حقيقيًا لتجربة التنمية المستدامة القائمة على العدالة المجالية والسيادة الاقتصادية.

إن هذا المنعطف التاريخي سيفتح آفاقًا واعدة أمام شراكات دولية جديدة، خاصة مع القوى الاقتصادية الصاعدة والتكتلات الكبرى مثل "بريكس بلاس"، ولا سيما الصين وروسيا اللتين تبديان اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في إفريقيا من بوابة المغرب. ويمكن أن تواكب هذه المرحلة مشاريع نوعية في إطار الاقتصاد المستقبلي، مثل إنشاء خط القطار فائق السرعة بين أكادير والعيون والداخلة، مما سيعزز الاندماج الاقتصادي بين الشمال والجنوب، ويحوّل الصحراء إلى محور للتجارة الإفريقية -الأطلسية.

كما يمكن أن تحتضن المنطقة مشاريع كبرى في الصناعات التكنولوجية والطيران، وإنشاء محطات ضخمة لتخزين ومعالجة البيانات، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز وقربها من أوروبا وأمريكا وإفريقيا جنوب الصحراء. هذه المشاريع المستقبلية، إلى جانب تطوير المناطق الصناعية والخدمات اللوجستية، ستجعل من الأقاليم الجنوبية مركزًا جديدًا للاقتصاد الأخضر والرقمي، ومختبرًا لنموذج تنموي مستدام وعادل يعكس الرؤية المغربية الطموحة نحو اقتصاد قائم على الابتكار والسيادة التكنولوجية واقتصاد المعرفة.

من منظور سياسي واقتصادي، يمكن القول إن قرار الأمم المتحدة يشكل تحولًا من الشرعية القانونية والاعتراف التاريخي بسيادة المغرب إلى الشرعية التنموية والتحرر الاقتصادي في إفريقيا. فالتجربة المغربية في هذا النزاع المفتعل تبرهن أن الحل لا يكمن في الحرب أو الانقسام، بل فيمن يخلق التنمية ويضمن الاستقرار. والمغرب، عبر سياساته واستثماراته في الصحراء، يقدّم البرهان العملي على أن التنمية هي أقوى أشكال السيادة.

في الختام، إن تصويت الأمم المتحدة لصالح مبادرة الحكم الذاتي المغربي لم يأت من فراغ، بل جاء تتويجًا لمسار طويل من الإصلاحات والدبلوماسية التنموية التي انتهجها المغرب. إنه تأكيد على أن السيادة تُثبت بالفعل لا بالقول، وأن الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية هو الطريق الآمن لترسيخ الوحدة الوطنية. ومع تنامي المشاريع الكبرى واستقرار الأقاليم الجنوبية، يتعزز موقع المغرب كقوة اقتصادية صاعدة في إفريقيا، وكشريك موثوق للمجتمع الدولي في تحقيق الأمن والتنمية المستدامة.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنخرط الجزائر في هذا البعد الاستراتيجي للتحرر التنموي في شمال إفريقيا، وبناء قطب مغاربي–إفريقي قوي يدافع عن مصالح القارة؟ أم ستظل أسيرة رؤى ضيقة تهدر على المنطقة سنوات من النمو والازدهار؟

هنيئًا للمغرب بهذا الإنجاز التاريخي، فهو خطوة نحو تحرر تنموي إفريقي في قارة تمتلك موقعًا استراتيجيًا في التحول الاقتصادي العالمي والنظام الدولي القادم.



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... جيل الغضب العالمي بين فشل النيوليبرالية وا ...
- شذرات اقتصادية... جيل Z وصوت المستقبل: بين أزمة الثقة ومطلب ...
- شذرات اقتصادية.... الاستقرار السياسي، السيادة والتنمية: جدلي ...
- جيل Z في المغرب: بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي
- شذرات اقتصادية ... هل يكون التعليم الرقمي رافعة للعدالة الاج ...
- الحماية الاجتماعية في المغرب: استثمار في الإنسان ومعركة ضد ا ...
- شذرات اقتصادية... اقتصاد الحرب بين سطوة أوليغارشيات الصناعة ...
- شذرات اقتصادية... التنمية المحلية بأزيلال: من قلب الهامش يول ...
- الأساتذة الجامعيون: بين التضحيات الصامتة وضوضاء الفضائح
- شذرات اقتصادية... المغرب كنموذج للتنمية والتكامل في إطار تعا ...
- شذرات اقتصادية... عندما أنقذ المغرب إسبانيا من الظلام: أليس ...
- شذرات اقتصادية... نفط العصر الجديد، هل تستطيع دول الجنوب تحق ...
- شذرات اقتصادية... الحرب التجارية الأمريكية: تحولات اقتصادية ...
- شذرات اقتصادية... الرسوم الجمركية الأمريكية، التاريخ لا يعيد ...
- شذرات اقتصادية... المرأة الفلاحية في المغرب: ما بين تحديات ا ...
- التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...


المزيد.....




- الاستثمار عبر الإنترنت في مصر: ما الذي يقود الاندفاع الرقمي ...
- اليابان: لن نعيد التفاوض على حزمة الاستثمارات مع أميركا
- هل شراء الذهب من محلات الصاغة هو الخيار الأمثل؟ وما البديل ا ...
- بدء تطبيق رسوم ترامب على الشاحنات والحافلات
- فلسطين: انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية بغزة نتيجة الإبادة ال ...
- نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية.. خسائر اقتصادية كبيرة في لبنا ...
- الاستثمار عبر الإنترنت في مصر: ما الذي يقود الاندفاع الرقمي ...
- هل يملك المنتدى الاقتصادي العالمي خطة للنجاة؟
- أستراليا وكندا توقعان اتفاقا لتعزيز التعاون بمجال المعادن ال ...
- فلسطين: انهيار معظم الأنشطة الاقتصادية بغزة نتيجة الإبادة ال ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... ثقة واستثمار وتحول: من اعتراف أممي إلى تنمية عادلة في الأقاليم الجنوبية المغربية