أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ليلى كوركيس - حملَت مفتاحَها ورَحَلَت - من أوراق حرب تموز 2006 في لبنان -














المزيد.....

حملَت مفتاحَها ورَحَلَت - من أوراق حرب تموز 2006 في لبنان -


ليلى كوركيس

الحوار المتمدن-العدد: 1832 - 2007 / 2 / 20 - 13:21
المحور: سيرة ذاتية
    


كيف لهذا العالم أن يهدأ، أن يصمت ليستمع الى نبض الطبيعة والحياة؟!
كيف لأوطاننا أن تُلَملِمَ أطرافَها المرتجفة وأشلاءنا المبعثرة، لتحتضن قلوبنا وتوصد أبواب السماء والأرض بوجه جحيم الحروب؟!
كيف لنا أن نجدَ مرساة لترحالنا ما بين عودةٍ مترددة وغربة تعتصر في طياتها ألام جرح مفتوح ؟!
كيف لي أن أعلِنَ هدنتي مع الماضي وهو لا يزال يستدرج قدري الى محافل القصف والصراعات الصارخة ؟!

إكفهرَّ وجه السماء حزناً وغضباً مثلما اجتاح الألم والقلق يوميَ الرابعِ الملتهب بحمى "حرب تموز 2006" في لبنان.
كانت عيناي تلتهمان شاشة التلفاز وأذناي تلتقطان ذبذبات كل حرف يُقال في تحاليل التطورات وفي أدق التفاصيل السياسية والعسكرية التي كانت تُبَث عبر كل المحطات الأرضية والفضائية.
كم بحثتُ عن أمل بوقف إطلاق للنار، تماماً كالتي تفتش عن "إبرة" في كومة من القش.
جنوب لبنان يحترق. بُتِرت أوصال كل الجسور .. ونحن مسجونون ما بين البحر والجبل، ما بين الأرض والسماء، ما بين الخوف والأرق، ما بين البقاء والهرب، ما بين الجنون واللا جنون...
كيف نتسلق الحلم كي لا نحتضر في أوهام سلام صدقنا انه موجود؟!
من خلف ستار الحسرة والإرتياب أطلَّ وجهُها عبر الشاشة. وجه امرأةٍ مسنة هاربة من جحيم القصف الى معركة اللجوء والغربة. أطلت بسماتها الكئيبة لتنتزعني من تحاليلي السياسية البائدة ولترمني على ضفاف رؤية لماضٍ ليس ببعيد. تسمرت مقلتاي على المفتاح المتدلي على صدرها.
كانت تهتف بصوت مبحوح، مجروح ومرتجف "هو مفتاح بيتي ... أعيدوني اليه أرجوكم".
بالرغم من ارتعاشات يديها المضطربتين كانت اليمنى تقبض بشدة على المفتاح وكأنها تتلمس جدار منزلها البعيد واليد اليسرى تمسح الدمع المحتبس على هاوية رموشها المرتجفة.
بدت التفاتاتها قلقة وهي تسأل "متى سأتمكن من العودة الى بيتي؟
تنظر من حولها بحدقتين فارغتين رافضتين تأقلماً جديداً في عالمٍ جديد.
في بيتها الجنوبي المعلق على جدار جفنيها، أطلق ابنها البكر صرخته الأولى معلناً رغبته بالحياة، ولفظ رفيق دربها آخر نفس من حياته الطويلة معها.
هي مؤمنة بأن بيتها لن يُدمر ولن يحترق، هو مثل ظهرها أقوى من الحرب، فلن ينكسر ولن يُهدم.
ازدحمت الصور خلف زجاج عينيها المرتبكتين الهائمتين الحزينتين وراحت تستحضر الأمكنة، كل الأمكنة، من طفولتها حتى عجزها أمام مشيئة الهرب والرحيل مصطحبةً سنواتها الثمانين معها.
خرست كلمات الصحافي أمام إحباط العجوز وغربتها فهبط صمتٌ ثقيل على مجرى حواره معها.
سقط مشهد "المرأة العجوز" في بئرٍ من صور قديمة أرجعتني الى أحداث وتغطيات فترة الحرب العراقية-الايرانية.
تذكرتُ صورة "مفاتيح الجنة" المعلقة حول رقاب الشباب والمراهقين المسلحين الذين كانوا "مؤمنين" بضرورة المشاركة بتلك الحرب ولو ماتوا "استحقوا الجنة التي يحملون مفاتيحها أمانةً في أعناقهم".
رجع بي الزمن ايضاً الى قلق والديَّ وحسرتهما كلما اضطررنا الى مغادرة منزلنا "البيروتي" واللجوء في مناطق أكثر أمناً خلال المعارك.
كان أبي يحرص على أن يقفل الأبواب والنوافذ جيداً ويعطي المفاتيح لأمي كي تحتفظ بهم في مكان آمن.
لا زلتُ اذكر تنهدات والدتي وهي تلملم ملابسنا وأغراضنا الضرورية قبل الرحيل...
هل كان يظن والدي بأن حفظ المفتاح في مكان آمن قد يجنب منزلنا من الدمار للمرة الثانية؟ أم أنه كان يؤمن بأن الاحتفاظ بالمفتاح يرمز الى احتضان ما تبقى وما تجمع من الذكريات منذ الدمار الأول؟

اليوم وبعد مرور 17 عاماً على هجرتي أتساءل، أيكون الإيمان وسادة تغفو عليها الضمائر في دوامتها؟
كم يلزمني من الوقت كي أنتزع من رقبتي مفتاح ذلك الباب، باب المشاهد القديمة والأليمة التي تعبق في مداري كلما صعقت الأحداث وأبرقت بكوارث وانكسارات جديدة؟
إن مفتاح تلك المرأة العجوز هو ميثاق الوفاء الذي بصمت عليه إبهامات وجباه مرفوعة للبنانيين رفضوا الرحيل.
قد يكون تغريدي اليوم عكس السرب ولكني قد حفرتُ في ذاكرتي ذلك المفتاح، فعساني أفلح يوماً ما في أن أمتلك مفتاحاً مثله يغذي انتمائي "للبناني" فيخبرني من أكون ويروي لي عن أسرار ذلك الحنين الذي يسكننا كلما ابتعدت فينا المسافات وغابت مراكبنا في مجاهل الغياب.

أيلول 2006
مونتريال – كندا



#ليلى_كوركيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيسيكا
- صدقي أو لا تصدقي
- قيثارة ٌ في عين الشمس
- إنتماء
- التعددية .. في حواراتها المتمدنة
- مسيحيون .. في نعوش الديمقراطية
- من بشير الى بيار .. حكاية وطن موجوع
- بئس الخبر
- بيني وبينك
- غريبٌ .. قريبٌ جداً
- وسقَطَت يدي
- طريق العودة
- أطلالٌ عائمة
- الصمت
- ! س11 سبتمبر.. آهٌ لم توجع العالم كثيراً
- أريدُ حلاً بلا حدود
- ثلاثية شهرزاد
- الرصيف
- خذوا فَكلوا هذا هو جسد -لبنان-
- لبنان .. قلبي


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ليلى كوركيس - حملَت مفتاحَها ورَحَلَت - من أوراق حرب تموز 2006 في لبنان -