أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إلهام مانع - عن الموت بكرامة: رحلة عاطف مع الموت وصلاة جنازة عبر الزووم (1)














المزيد.....

عن الموت بكرامة: رحلة عاطف مع الموت وصلاة جنازة عبر الزووم (1)


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 15:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




كأنها تتعمّد فعل ذلك.
تلك الصورة.
تقفز من حافة شاشة كمبيوتري بين الحين والآخر، لتذكّرني.
هل تذكرينه؟
هل نسيتيه؟
وأنا أنظر إليها وأشعر بالوخزة ذاتها. ذلك الوجع الحزين ينقر في روحي، فأشيح بوجهي.
ليس الآن. لم يحن الوقت بعد.
لكنها تصرّ.
تقفز من حافة الشاشة، تحدّق فيّ بإلحاح:
"متى إذن؟"
"لا أعرف"، أردد في نفسي،
"ربما حين يكفّ الصراخ من حولنا؟"
فأنا لم أنسَ. كيف أنساه؟
لكن موته جاء في منتصف سبتمبر 2023،
وعندما أصبحت قادرة على الكتابة عمّا حدث، وقعت مجزرة السابع من أكتوبر 2023.
فحلّ الصمت.
واليوم، بعد عامين وشهرٍ تحديدًا، عدتُ إلى ملفّ عاطف: إلى المراسلات، إلى أحاديثنا عبر الزووم المسجلة، إلى صورته الأخيرة على ظهر شاحنة صغيرة، متدثّرًا ببطانية سميكة، وابتسامته تملأ وجهه، وحوله أصدقاؤه.
السيارة تقف في الخلاء، في مزرعة شاسعة وسط طبيعة سبتمبرية خلابة؛
ثم إلى مراسيم وداعه الروحية، صلاة الجنازة عليه، ولحظاته الأخيرة تحت شجرة الصفصاف...
في كولورادو، الولايات المتحدة.
وأنا معه من هنا، من برن في سويسرا، أتابعه عبر الزووم، أرتدي حلّتي الخضراء، ثم أقيم صلاة الجنازة عليه بالإنجليزية، وأخته وأصدقاؤه من حوله.
واليوم، بعد عامين وشهر،
اليوم حان وقت الحديث عن عاطف.
_______
كانت البداية رسالة عبر «المسينجر» من أستاذتي الجامعية، كنتُ طالبة ماجستير لديها في الجامعة الأمريكية في واشنطن دي سي:
“إلهام العزيزة،
آمل أن تكوني بخير وفي سلام. أعلم أن طلبي هذا غير مألوف بعض الشيء، وربما لا يكون من السهل تلبيته، لكنني رغبت رغم ذلك في مشاركته معك.
لديّ صديق في مدينة بولدر بولاية كولورادو، وله صديق مسلم اسمه عاطف يُعاني من مرض التصلّب الجانبي الضموري (ALS)، المعروف أيضًا باسم مرض لو غيريغ. هذا المرض، كما تعلمين، قاسٍ جدًا ولا علاج له. عاطف الآن في مرحلة متقدمة من المرض، وقد قرر أن يلجأ إلى الدواء الذي يتيح له، بطريقة قانونية، أن يُنهي معاناته ضمن قانون المساعدة الطبية على الموت في الولاية.
قبل أن يُقدم على هذه الخطوة، يتمنى أن يحظى بمرافقة دينية ودعم روحي من إمام، شخص يمكنه أن يدعو له ويمنحه نوعًا من الطمأنينة الداخلية، وأن يُظهر لعائلته أن قراره لا يتعارض مع روح إيمانه بالله.
لكنه يواجه صعوبة في العثور على من يقوم بذلك، إذ إن كثيرًا من الأئمة لا يؤيدون المساعدة الطبية على الموت.
صديقنا جو وعدد من الأصدقاء الآخرين يرافقونه ويدعمونه في بولدر، لكنهم لم ينجحوا في إيجاد من يُقدّم له هذا الدعم الروحي. تواصلنا مع بعض أصدقائنا من المتصوفة أيضًا، لكن دون نتيجة، كما أن عدد المسلمين في ولاية نيومكسيكو قليل جدًا.
أعلم أن هذا طلب حساس وغير مألوف، لكنني تساءلت إن كنتِ أنتِ أو أحد زملائك قد تكونون مستعدين لتقديم مرافقة دينية ودعم روحي له، ربما عبر لقاء على «زووم». فهو في وضع صعب جدًا، وكل ما يرجوه في هذه المرحلة هو راحة الروح والسكينة.
آمل ألا يبدو طلبي غريبًا، لكنني أعرف أنك قدتِ صلوات وعقدتِ زيجات ورافقتِ الناس في لحظات مهمة من حياتهم، ولهذا فكرت فورًا فيك."
______

لم أتردد.
أجبتها في اليوم نفسه، الثاني من يونيو 2023، وقلتُ إنني لا أمانع القيام بذلك، لكنني لست متأكدة من أن عائلته ستقتنع بسبب جنسي.
لم يكن ذلك عائقًا.
وعاطف طلب لقائي عبر الزووم.
______

هل فكّرتم يومًا في الموت الرحيم؟
التعبير المستخدم هو «المساعدة الطبية على الموت».
هل فكّرتنَّ يومًا في ما يعنيه؟
لدينا هنا في سويسرا برنامج يُسمّى - Exit أي «الخروج».
وهو برنامج قانوني يوفّر إمكانية المساعدة الطبية على الموت لمن يعانون أمراضًا لا علاج لها.
وهناك شروط صارمة كي يتمكّن الشخص من الحصول على هذه المساعدة، أهمها الأهلية العقلية.
وفي ولاية كولورادو، حيث كان عاطف يقيم، أُقِرّ عام 2016 قانون خيارات نهاية الحياة، الذي يتيح للمرضى المصابين بأمراض لا شفاء منها أن يطلبوا مرافقة طبية لاختيار موتٍ رحيم، ضمن شروط قانونية دقيقة.
يهدف هذا القانون إلى صون كرامة الإنسان في لحظاته الأخيرة، ومنحه الحق في أن يختار نهاية هادئة لمعاناته، دون أن يُجبر على حياةٍ باتت مجرّد امتدادٍ للألم.
يشترط القانون أن يكون المريض بالغًا، مقيمًا في كولورادو، ومصابًا بمرض مميت يتوقّع الأطباء أن يؤدي إلى وفاته خلال ستة أشهر. كما يُلزم الأطباء بالتأكد من أن القرار صُنع عن وعيٍ تامّ وإرادة حرّة، بعد إطلاع المريض على كل البدائل الممكنة.
ويُفرّق القانون بين ما يسمّيه «المساعدة الطبية على الموت»، حيث يتناول المريض بنفسه الدواء الموصوف لإنهاء حياته، وبين القتل الرحيم الذي يظل محظورًا لأن الطبيب هو من يباشره مباشرة.
كما ينصّ على أن الوفاة تُسجَّل باعتبارها نتيجة للمرض الأصلي، لا للدواء، احترامًا لفكرة أن المريض لم ينتحر، بل اختار راحة الجسد والروح بعد صراعٍ طويل مع الألم.
فالموت حتمي بسبب مرضه خلال ستة أشهر. كيف يموت؟ هو السؤال.
وأكمل الحديث في المقال القادم.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحتاج إلى الأمل
- عن 21 سبتمبر و26 سبتمبر: حين تختلط الانقلابات بالثورات
- عن العجز في زمن الحروب
- اليمن، الدولة الغائبة: عن مستقبل النظام السياسي في اليمن
- عن الحيز الثالث: هو السلام ما أعنيه
- عن السلام في اليمن
- عن الصمت في ضجيج التهليل
- عن الدولة المدنية والدولة العربية
- اضرب الولد كف علشان تربيه؟-”عن الحب في التربية
- إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية؟
- عن القانون المدني: قضية الطفل شنودة
- عن الزواج المدني: زيجات قسرية في سويسرا
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
- عندما ذهبت إلى الجنازة... الخطأ!
- عندما فكرت في رمي نفسي أمام شاحنة
- لحظة فاصلة، تجمعنا على اختلافنا وتنوعنا
- ملحدة ومثلية، وترتدي الحجاب: إنسان!
- سيدة الكرم
- سمك، لبن، تمر هندي
- أمي والمرض العقلي


المزيد.....




- مصر.. الداخلية تعلن عن التحويلات المرورية خلال حفل افتتاح ال ...
- فيديو - بن غفير يتباهى بإهانة أسرى فلسطينيين ويدعو إلى إعدام ...
- مهر صغير بحجم كلب -سبانييل- يجذب الأنظار في مركز إنقاذ للحيو ...
- السودان ـ تنديد أممي بـ-انتهاكات مروعة وإعدامات ميدانية- بال ...
- فطر برائحة الأزهار يجذب البعوض ويقضي عليه بأمان
- إسرائيل:الحريديم يحتجون ضد التجنيد الإلزامي
- فرنسا تقرر اتخاذ إجراءات -طارئة- قبل نهاية العام لتأمين محيط ...
- سكان شمال غزة يعيشون بين الركام وخطر -الخط الأصفر-
- -نحن نصلي ونخدم ونموت-.. جنود إسرائيليون غاضبون من الحريديم ...
- تركيا تدعو لاجتماع لتثبيت اتفاق غزة وتتهم نتنياهو بتخريبه


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إلهام مانع - عن الموت بكرامة: رحلة عاطف مع الموت وصلاة جنازة عبر الزووم (1)