أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إلهام مانع - عن 21 سبتمبر و26 سبتمبر: حين تختلط الانقلابات بالثورات















المزيد.....

عن 21 سبتمبر و26 سبتمبر: حين تختلط الانقلابات بالثورات


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 17:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في اليمن، ما زلنا أسرى تواريخنا.
الحركة الحوثية تحتفل بالواحد والعشرين من سبتمبر 2014، وتسميها ثورة.
والشرعية تحتفل بالسادس والعشرين من سبتمبر 1962، وتسميها ثورة.
وفي اليمن؟ في شماله وجنوبه؟ بين مؤيد ورافض، صامت وغاضب، الأغلبية غير عابئة.
لا حرب ولا سلام. ضنك في العيش. معاشات غير مدفوعة. خدمات مهترئة. وفساد. شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا.
"كفوا عنا، وابحثوا عن مخرج لنا من هذا الجحيم".
للكلمات معنى. واستخدامها يجب أن يكون دقيقًا. وما حدث في التاريخين لم يكن ثورة.
في الواحد والعشرين من سبتمبر، انقلبت الحركة الحوثية مع حلفائها الجدد، أعداء الأمس، على مسار انتقالي ديمقراطي.
كان انقلابًا.
في السادس والعشرين من سبتمبر قامت مجموعة من الضباط الأحرار، بدعم من مصر، بانقلاب عسكري. هدف هؤلاء الضباط كان إنهاء نظام إمامة رجعي أبقى اليمن الشمالي متخلفًا. أما مصر الناصرية، فكان هدفها أيديولوجيًا. كانت حينها تدعم كل انقلاب عسكري يتماهى مع أيديولوجيتها القومية، وزعزعت في تنافسها مع السعودية استقرار المنطقة بأسرها.
الكلمات إذن مهمة.
ما حدث لم يكن ثورات. كان انقلابات عسكرية.
والإصرار على تسمية الأمور بغير أسمائها هو جذر من جذور أزمتنا.
ولأني عشت هذا التاريخ في بيتنا، مع أبي وأمي، ومع نحو ثلاثين عامًا من البحث والتنقيب، أعرف أن للكلمات ثِقَلها. أعرف أن ما نُسميه "ثورة" قد يكون في الحقيقة انقلابًا عسكريًا.
لذا قررت، عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة، أن أشارككم جزءًا من مقدمة كتابي الأخير الحرب اليمنية: الربيع العربي، بناء الدولة، وعدم الاستقرار السياسي، الذي نشرته العام الماضي بالإنجليزية عن دار جامعة اكستر البريطانية الأكاديمية.
حيث كتبت عن موضعي من هذا البحث، عن خلفيتي، وعن موقفي. عن موقعٍ لا أنفصل فيه عن اليمن، وعن تواريخه، حتى وأنا بعيدة عنه:
------
"لم يكن سهلا علي كتابة هذا الكتاب.
كانت عملية مؤلمة.
جعلتني أرى كم هي عميقة جذور عدم الاستقرار في اليمن. بلدي.
أنا باحثة عربية.
يمنية–مصرية الجذور. وسويسرية الجنسية. هكذا أعرف نفسي. خليط. كسلطة مشكّلة. والأصل إنسان.
أبي من شمال اليمن. من بني حشيش شمال صنعاء من جهة أبيه. ومن صنعاء من جهة أمه. ومن يعرف البُنى القبلية هناك سيقول فوراً: بني حشيش، بكيل، من "الأبناء"، أحفاد زيجات بين يمنيات وغزاة فرس في القرن السادس. ذكّرني بذلك قيادي حوثي التقيته في القاهرة. وكان تذكيره له مغزى. ذكّرني، لأن بني حشيش وقفوا مع الإمامة في حرب الشمال الأهلية (1962–1967)، كما يقفون اليوم مع الحوثيين.
لكن أبي لم يكن يومًا منهم.
كان مختلفًا. كان قوة طبيعية. تقف منفردة. مستقلًا. ناقدًا للإمامة وللجمهورية. دبلوماسيًا. حرّ الفكر. إنسانيًا. صنفوه في صندوق زيدي–قحطاني–بكيلي. ولم يقبل. ومع ذلك كان يصر على قحطانيته.
نشأ يتيماً. فقيرًا. عمل ثلاثة أعمال وهو طفل. كي يتعلم. كان يذهب قبل الفجر إلى الجامع الكبير في صنعاء، المبنى الوحيد المضاء بالكهرباء. يدرس هناك. لأن زيت القناديل كان أغلى من أن يتحمله أهله. بهذه الصلابة صار واحدًا من "الأربعين المشهورين" الذين أرسلهم الإمام يحيى للتعلم في الخارج.
تعليمه جعل تعليمي ممكنًا.
ولولاه ما كنت.
أمي مصرية. ابنة مهاجر يمني من العدين في إب. وأم مصرية من الإسكندرية. جدي هرب من اليمن خوفًا من أن يحتجزه الإمام رهينة كما كان يفعل مع أبناء الشيوخ. استقر في المحلة الكبرى. وهناك ولدت أنا وأخي كما أمي. كبرتُ على لهجة مصرية. وعلى تقليد ديني شافعي.
عشت معظم حياتي خارج اليمن.
لكن اليمن لم يتركني. أبي جعل ذلك مستحيلًا.
كان يحمل معه صورة مثالية لليمن. لم يرها تتحقق. وكان جمهوريًا في الصميم. له أصدقاء في السلطة بعد الإمامة.
لكنه ظل ناقدًا، يقول، وهو على حق، إن الجمهورية اختُطفت على أيدي حفنة من العسكر القبليين.
وقالها مرةً للقاضي الجليل عبد الرحمن الأرياني، عندما اشتكى القاضي لأبي من شكوك الرئيس عبد الله السلال فيه و في رغبته في الرئاسة. رد عليه أبي قائلًا: "يا قاضي، والله ما يشتي (يريد) ان يكون رئيساً لليمن إلا حمار". قالها وهو يعنيها. قالها قبل أن يصبح القاضي رئيسًا بعد انقلاب نوفمبر 1967.
وكان ضد الإمامة. لكن بعض أعز أصدقائه كانوا من الهاشميين. وظل منصفًا. يضع الإمامة في سياقها التاريخي. يرفض الهستيريا التي اجتاحت البلاد ضد الهاشميين بعد 1962.
تعلمت مع الوقت أن اليمن الذي وصفه لم يوجد. كان بناءً متخيلًا. ومع البحث، مع العمل الميداني، أدركت صعوبة إعادة تشكيله.
ومع البحث قطعت حزينة الحبل السري الذي ربطني به، وبدأت أرى اليمن بعين أخرى. وأسمّي الأشياء بأسمائها.
بكلمات أخرى. ما حدث في 1962 كان انقلابًا عسكريًا. لا ثورة. فالكلمات مهمة.
وظل حكيماً حتى النهاية. عندما اندلعت "انتفاضات الشباب" في 2011 — أسميها هكذا — كان من القلة الذين قالوا إنها ستقود اليمن إلى حافة الانهيار. كان مؤمنًا بيمنه الخاص. يحبها. لكنه كان يعرف. يعرف كم هي عميقة جذور عدم الاستقرار. وكان الرحمن رحيمًا رؤوفا به. رحل أبي قبل أن يرى نبوءته تتحقق، والحرب تمزق يمنه من جديد.
هل شكّلني كل هذا؟
بالطبع.
كنت دائماً جسرًا. جسرًا.
بين الشرق والغرب.
بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل.
بين الشمال والجنوب.
وبين الأديان والتقاليد الدينية المتنوعة.
هل يجعلني هذا متحيزة؟
لا.
لدي رؤيتي بالطبع.
أؤمن بها أنا الأخرى.
ليمن يحتضن تنوعه. يمن يحمي كرامة مواطنيه. يمن يقوم على مساواة في الحقوق. يمن لا يقوم إلا بالمؤسسات.
هذه رؤيتي. نابعة من حب. من حرص. لكنها ليست ساذجة.
خبرتي في جامعة صنعاء. في السياسة. في البحث الميداني لأكثر من ثلاثين عامًا. علمتني معنى الحياة في دولة فاشلة.
وأن التغيير لن يحدث ما لم نغير أنفسنا.
لكن، إن كان لخبرتي وموضعي أثر على ما أكتبه، فهو ذلك الإصرار على الصدق. خبرتي وموضعي، تمامًا كما موقفي، يدفعاني دفعًا كي أكون صادقة. صادقة في التحليل. صادقة بمرارة في عرض جذور عدم الاستقرار.
لا أظن أن أبي كان سيحب قراءة هذا الكتاب.
لا أظن ذلك.
لكنه، كما أعرفه، كان سيبقى منصفًا.
وكان سيشيح بوجهه.
وهذا الكتاب؟
هذا الكتاب؟
تحية مني إلى رؤيته. إلى اليمن الذي أراده. ذاك الذي لم يره يومًا واقعًا."
------
واليوم، بعد أكثر من ستين عامًا، ما زال الجدل قائمًا.
كلٌّ يسمّي تاريخه ثورة.
أما أنا، فأعرف أن اليمن لا يحتاج إلى ثورات جديدة.
بل إلى دولة جديدة. إلى كيان مؤسسي جديد. يتفق عليه اليمنيون واليمنيات. بغض النظر عن شكله.
كيان يحتضن ويحترم تنوعه. ودولة تحمي كرامة مواطنيها ومواطناتها، وتوفر لهم المستقبل الآمن.
هذا هو الموقف. وهذا هو الرد.
ليس انحيازًا لهذا التاريخ أو ذاك.
لسبتمبر هذا وسبتمبر ذاك.
بل انحياز لليمن.
لليمن ولأهله.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن العجز في زمن الحروب
- اليمن، الدولة الغائبة: عن مستقبل النظام السياسي في اليمن
- عن الحيز الثالث: هو السلام ما أعنيه
- عن السلام في اليمن
- عن الصمت في ضجيج التهليل
- عن الدولة المدنية والدولة العربية
- اضرب الولد كف علشان تربيه؟-”عن الحب في التربية
- إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية؟
- عن القانون المدني: قضية الطفل شنودة
- عن الزواج المدني: زيجات قسرية في سويسرا
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
- عندما ذهبت إلى الجنازة... الخطأ!
- عندما فكرت في رمي نفسي أمام شاحنة
- لحظة فاصلة، تجمعنا على اختلافنا وتنوعنا
- ملحدة ومثلية، وترتدي الحجاب: إنسان!
- سيدة الكرم
- سمك، لبن، تمر هندي
- أمي والمرض العقلي
- من صدى الأنين
- عن رياضة المشي وانقطاع الدورة الشهرية


المزيد.....




- الناتو يشدد إجراءاته.. والدنمارك تحظر المسيّرات المدنية بسبب ...
- برشلونة يقلب الطاولة على ريال سوسييداد ويعتلي صدارة الدوري ا ...
- هل تقود العقوبات الأممية إلى مواجهة عسكرية مع إيران؟
- بعد أشهر من المفاوضات.. طالبان تُفرج عن أمريكي بوساطة قطرية ...
- إسرائيل تعلن شروطها لتوفير ممر آمن والسماح بخروج قادة حماس
- هل ستجبر إسرائيل لبنان على نزع سلاح حزب الله بالقوة؟
- لماذا تراهن إسرائيل على الوقت في صراعها مع حزب الله؟
- الحرب على غزة مباشر.. أحزمة نارية على القطاع وتفاؤل أميركي ب ...
- تركي الفيصل: هجوم قطر -ناقوس- لدول الخليج.. وعلى ترامب -تصحي ...
- وزير الخارجية السوري: الغارات الإسرائيلية على البلاد جعلت ال ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إلهام مانع - عن 21 سبتمبر و26 سبتمبر: حين تختلط الانقلابات بالثورات