أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - عندما ذهبت إلى الجنازة... الخطأ!














المزيد.....

عندما ذهبت إلى الجنازة... الخطأ!


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 7549 - 2023 / 3 / 13 - 00:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



حسناً!
هي قصة محرجة.
طريفة. لكنها محرجة.
وكلما تذكرتها اجدني ابتسم، رغم إنحناء رأسي الخجل.
صديق لي. أخ لي. مصري مسيحي الديانة.
يعيش في سويسرا منذ أكثر من عقد.
واعرفه منذ نحو 15 عاماً.
نعرف بعضنا من هموم تجمعنا، وقضايا ندافع عنها. وتحديداً الدفاع عن حقوق المواطنة للأقليات في مجتمعاتنا.
لكن المعرفة تحولت إلى محبة.
أعزه معزة أخ.
توفت والدته في القاهرة في صيف 2021.
لم أتمكن من القيام بالواجب، وتعزيته حينها.
كان في القاهرة.
وكنت حينها في سويسرا اعد لرحلة بحث ميدانية لمشروع بحثي أعكف عليه منذ سنوات عن مخرجات الانتفاضات العربية، استخدمت فيها حرب اليمن كدراسة حالة.
ما علينا.
بعد نحو أسبوع، بدأت عملي البحثي، سافرت إلى مصر، أجريت مقابلات عديدة، ولسبب تقني، تأخرت تأشيرة السفر إلى سلطنة عمان، فغيرت من برنامجي وسافرت إلى إسطنبول، تركيا، لأجراء مقابلات جديدة.
عندما عدت إلى القاهرة، قرأت منشوراً لأخي الصديق على صفحته بالفايس بوك. كانت دعوة عامة للأصدقاء والصديقات لحضور صلاة قداس ذكرى الأربعين لوالدته الغالية، في يوم السبت الموافق 21 أغسطس 2021، في الكنيسة البطرسية بالعباسية.
وجدتها فرصة للقيام بالواجب.
وقررت الذهاب. ولم أبلغه.
استيقظت في الصباح الباكر، وطلبت تاكسي اووبر عبر تطبيقه الخاص، والذي يستدعي كتابه عنوان الجهة التي يريدها الزبون/او الزبونة.
عندما استفليت التاكسي، سألت السائق إن كان يعرف الوجهة التي حددتها، الكنيسة البطرسية بالعباسية.
قال لي نعم. شعرت بالطمأنينة.
وصلنا إلى الشارع. أشار لي على البوابة، وقال لي "هناك الكنيسة".
شكرته، ونزلت على الرصيف.
وجدت حراسة مشددة على الكنيسة.
حراسة ضرورية للأسف خوفا من هجمات إرهابية جديدة.
ولعلكما تذكران، عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، الانفجار الإجرامي الذي استهدف الكنيسة في قاعة الصلاة أثناء قداس الأحد في ديسمبر 2016. مات 26 مصلياً ومصلية. بينهن وبينهم أطفال.
إذن الحراسة ضرورية.
لذا لم اعترض عندما طلب مني الضابط في المدخل بطاقة الهوية.
قدمت له بطاقة هويتي السويسرية.
ليس لدي غيرها.
بطاقة الهوية السويسرية لا تشير إلى أية ديانة لحاملها.
فقط تشير إلى اسم الشخص، ومكان إقامته.
مواطن. مواطنة.
والدين لمن يؤمن.
نظر فيها، ورفع رأسه نحوي، وسألني عن ديانتي.
قلت له "مسلمة".
كاد أن يعترض على دخولي الكنيسة.
قلت له "اريد المشاركة في أربعين والدة زميل لي"، وفتحت له هاتفي النقال على صورة دعوة التأبين.
نظر إلى متشككا، تحدث مع زملاءه، وبعد اخذ ورد، ولأن منظري وسني ونوعي لا يوحون بالإرهاب، تركوني أدخل بعد تفتيش دقيق.
شكرت لهم حرصهم على سلامة الحاضرين والحاضرات في الكنيسة.
ثم دخلت إلى باحة الكنيسة.
باحة كبيرة. فيها مبان كثيرة.
سألت عن القداس، أشار أحدهم إلي مبني كبير.
ذهبت إليه. وجدت ابواباً عديدة. ولم أعرف الطريق.
رأيت مجموعة تتحرك في اتجاه باب، سألت أحدهم، "هل هنا صلاة ذكرى الأربعين"، رد الرجل الستيني بالإيجاب بأدب جم. وقال لي، "نحن ذاهبون هناك، تفضلي معنا".
ذهبت معهم ممتنة. في البوابة وقف شاب ومعه قائمة بأسماء.
لا يدخل أي شخص إلا إذا كان على القائمة.
قلت له أسمى ليس في القائمة.
رفض دخولي.
لكن الرجل الستيني تدخل. واحتد وأصر عليه أن ادخل. فأدخلني كارها، مكرهاً.
شكرتهما، محرجة. .
ودخلت. وجدت القاعة ممتلئة. فجلست في الخلف إلى جانب الموجودين، وأنا اتنفس الصعداء.
بحثت عيناي عن أخي الصديق.
لم اجده.
بدأ القسيس في التحدث فأنصت.
لولا ان حديثه كان منصباً على "الفقيد".
"الفقيد"؟ رددت لنفسي.
نظرت إلى أكاليل الزهور بالقرب من القسيس، وصورة كبيرة تتوسطها. صورة للفقيد. فعلاً.
ابتلعت ريقي ببطء. ثم تحولت إلى الشخص الجالس بجانبي، وسألته باللهجة المصرية، لهجتي أيضا، "هو ده قداس الأربعين للسيدة الفلانة الفلانية".
سؤال بلا معنى. طرحته وأنا اعرف جوابه.
نظر إلى مندهشاً، ورد بالنفي. بل قداس تأبين الفقيد، فلان الفلاني.
هززت رأسي. ببطء.
ثم استمعت قليلاً.
وبدأت بالتحرك، بهدوء، وانا محنية الرأس، محرجة، ورغم ذلك شكرت حسن الأقدار التي جعلتني اجلس في صف خلفي.
خرجت من القاعة، والشاب صاحب القائمة ينظر إلى بغضب.
كدت اعتذر له. لكني هززت رأسي محيية، واكتفيت بالصمت.
خارج القاعة، رأيت امرأة، قلت لها "ابحث عن قداس الأربعين للفلانة الفلانية، في الكنيسة البطرسية في العباسية. نظرت إلي في تفهم باسم.
ما كنت أجهله أن الكنيسة البطرسية، وهي من أهم الكنائس الموجودة في منطقة العباسية، وهي تقع بالقرب من الكاتدرائية المرقسية. ومقر المرقسية يضم عددا من الكنائس داخل أسوارها.
يعني بالعربي الفصيح ذهبت إلى الكنيسة الخطأ.
أخذت السيدة بيدي ودلتني على الكنيسة المطلوبة.
شكرت الأقدار من جديد أني ذهبت كعادتي مبكرة على موعدي تحسباً لأي تأخير في المواصلات.
جريت مهرولة، ودخلت قاعة الكنيسة.
هذه المرة نظرت متفحصة. بحثت عن صورة الفقيدة. وجدتها هي هي، صورة الوالدة، المنشورة في دعوة الصديق.
أخيرا.
تنفست بعمق وجلست.
مع الجالسين والجالسات.
وبحثت من جديد عن أخي الصديق.
لم أجده.
سألت عنه في ختام القداس.
جاء الرد.
في سويسرا.
لم يتمكن من الحضور لأسباب قاهرة.

إذن.
هي قصة محرجة.
طريفة. لكنها محرجة.
وكلما تذكرتها اجدني ابتسم، رغم إنحناء رأسي الخجل.
أردت أن أقوم بالواجب، فذهبت إلى جنازة فقيد، لا أعرفه.
وفي كل الأحوال، ورغم أني لم أكن أعرف الفقيدة ايضاً، شعرت أني أصبحت أكثر قرباً من أخي الصديق.
والبقية في حياتك اخي الحبيب.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما فكرت في رمي نفسي أمام شاحنة
- لحظة فاصلة، تجمعنا على اختلافنا وتنوعنا
- ملحدة ومثلية، وترتدي الحجاب: إنسان!
- سيدة الكرم
- سمك، لبن، تمر هندي
- أمي والمرض العقلي
- من صدى الأنين
- عن رياضة المشي وانقطاع الدورة الشهرية
- وجه إنسان في قصاصة
- دردشة على هامش الضجيج!
- صمت الإسلاموفوبيا (3)
- صمت الأسلاموفوبيا 2
- صمت الإسلاموفوبيا!
- عن جدل الطلاق الشفهي
- ماكرون والإسلام السياسي: لا تلعنوا حامل الرسالة!
- -نعم-، الإسلام يمر بأزمة
- تطرف الإسلام أو أسلمة التطرف؟ أو على حد قول ماكرون، هل الإسل ...
- أن تختار دينك!
- عن فيينا ورائف بدوي أتحدث!
- عن محاكم الشريعة في بريطانيا


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - عندما ذهبت إلى الجنازة... الخطأ!