أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - وجه إنسان في قصاصة















المزيد.....

وجه إنسان في قصاصة


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 6946 - 2021 / 7 / 2 - 00:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قصاصات ورقية. رفيعة. لا تزيد عن عشر سنتيمترات.
ترفرف.
مع الهواء.
على جدران الكنيسة.
تحيط بها. سوار من قصاصات.
كأنها تحتضنها.
تحكي كل منها قصة.
قصة إنسان.
سطرين لا أكثر.
اسمه، عمره، وكيف مات!
اسمها، عمرها، وكيف ماتت!
رضيع. طفلة. شاب. شابة. امرأة. رجل. والأعمار تتفاوت.
"عُثر عليه ميتًا على متن قارب جنوب مالطا".
"اختنقت حتى الموت في شاحنة مبردة قرب زوارة بليبيا".
"مات غريقا. وعثر عليه الصيادون في شبكة صيدهم بالقرب من السيرخال، اسبانيا."
"اصطدمت بسيارة وقتلت أثناء محاولتها عبور الطريق السريع بالقرب من مانيكيسفير، بلجيكا، في اتجاه فرنسا".
إنسان.
يبحث عن مخرج. يبحث عن خلاص. من جحيم. حرب. قمع. جفاف. فقر. حياة بلا أمل.
فتبتلعه الأمواج وهو يهرب.
رأيت القصاصات على جدران الكنيسة، من جديد.
كتبت عددا من هذه القصاصات مع غيري في 2019.
في حملة، للكنائس المفتوحة البروتستانتية في بيرن وزيورخ.
بعنوان "سموها باسمها"، أو، "نادوه باسمه".
انتبهت لها صدفة. وشاركت فيها عمدا. وأحنيت رأسي احتراما لمنظميها.
-----
عادة ما أخرج مع زوجي كل يوم السبت لشراء احتياجات المنزل للأسبوع القادم. نأخذ معنا عربة التسوق المتحركة، ونمشي إلى السوبرماركت. نشتري المقتضيات، وبعدها اتركه مع العربة، وأذهب إلى مقهى اشرب فيه قهوتي وأقرأ معها جريدتي.
تغيرت بالطبع الكثير من عاداتنا مع الكورونا، ومعها هذه العادة، لكن الجائحة لم تكن قد شرفتنا بزيارتها حينها.
يوم السبت يوم عطلة.
احبه، لأنه اليوم الذي امشي فيه كثيراً في أزقة المدينة القديمة لبيرن. الأحد يوم يسكن فيه الكثيرون إلى بيوتهن. فكل المحال التجارية مقفلة ما عدا تلك في المحطة الرئيسية للقطارات. السبت غير. تضج المدينة بالحياة. وسوق السبت يمتد في العديد من ساحاتها.
ولأني أعيش فيها منذ نحو 26 عاماً، أصبحت اعرف الأزقة ومعها الوجوه.
نسلم على بعضنا. نهز رؤوسنا. واحياناً نقف في وسط الشارع نتحدث. ندردش. كلام عام عادة. لكنه يكفي. حميمية عن بعد.
تُشعرك بالانتماء قدراً.
تركته إذن ولسبب ما، لا أذكره، مشيت في اتجاه المحطة الرئيسية. بجانبها الكنيسة المفتوحة. جميلة ولها مهابة.
أعرف قسيسها منذ سنوات. دعاني مرة إلى حوار في أمسية ثقافية.
انتبهت إلى عدد من الناس يدخلون ويخرجن من الكنيسة ولوحات عديدة تدعونا للمشاركة في الحملة.
"سموها باسمها"، أو "نادوه باسمه".
غلبني الفضول، ودخلت. وجدت جارة لي. في الثمانينات من عمرها. تهز رأسها لي هي الأخرى. وهي تمتم بكلمات.
دلتني على معلومات الحملة.
كل مشارك ومشاركة يحصلان على قائمة طويلة بأسماء.
أسماء من مات وهو يحاول القدوم إلى أوروبا.
" منذ عام 1993، مات أكثر من 44000 شخص أثناء محاولتهم/ن الفرار إلى أوروبا. غرق معظمهم في البحر الأبيض المتوسط. ومات غيرهن في الطريق. الرجال والنساء، مراهقون، مراهقات، أطفال ورضع."
ومع قائمة الأسماء، قصاصات بعدد الأسماء في القائمة.
كان علينا أن نكتب كل اسم على قصاصة.
اسم الشخص. عمره. بلده. كيف مات.
حتى تكتمل القائمة. ثم نعلق القصاصات على حبل، ثم على مشبك.
اختارت الكنيسة في حملتها يومي 14 وو15 من يونيو لقراءة أسماء كل من مات لاجئاً، وهو يحاول أو تحاول الوصول إلى أوروبا. ثم أعادت الحملة هذا العام أيضا.
"بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، الموافق 20 يونيو، تدعو الكنائس المفتوحة في بيرن وزيوريخ إلى وقفة احتجاجية، على مدى 24 ساعة، لإحياء ذكرى من مات محاولاً الوصول إلى أوروبا، لقراءة أسماء المتوفين والظروف المحيطة بوفاتهن".
سموهم بأسمائهم. سموهن بأسمائهن.
كل منهم. كل منهن. له ولها اسم.
فنادوهن بأسمائهم.
أخذت القلم.
أكره الكتابة بالقلم.
اعتدت الكتابة بالكمبيوتر. وخطي رديء أصلاً. يشبه نكش الفراخ. هكذا كان أبي يمازحني وهو يقرأ خطي.
لكن الخط السيء يلاحق صاحبه كلعنة، لا تتغير.
لكني أمسكت بالقلم هذه المرة، وحاولت جاهدة هنا أن أكتب ببطء، بتمعن، وبتركيز، كي تخرج السطور مقروءة وجميلة. احتراما للاسم الذي اكتبه. اسم الشخص الذي مات.
هناك لحظات تمر على الإنسان. كالوشم على حنايا الروح. لا تُنسى.
هذه منها.
تلك الفترة التي قضيتها مع كل من حولي من الغرباء في وسط الكنيسة. كل منا يمسك بقلم. القائمة أمامنا. وظهورنا محنية، نكتب على القصاصة. اسم وقصة.
طفلة ماتت غرقاً.
شاب مات على قارب.
امرأة ماتت برداً.
وبين الحياة والموت قصة. حكاية. إنسان.
طريق اللجوء والهجرة وعر.
وجدت نفسي أتذكر حكايات اللاجئين واللاجئات من الصومال في اليمن، تلك التي تعرفت عليها خلال رحلة عمل ميدانية في عام 2009.
هربن إلى اليمن على امل الوصول إلى الخليج أو أوروبا، ليعلقن في اليمن.
تجار البشر لا يرحمون. لو زادت الحمولة، يرمون بشراً، "وزن زائد"، من على القارب. والويل لمن تسول له نفسه أن ينبس بكلمة.
وصراخ نساء يتم جرهن من شعورهن إلى جانب، يُغتصبن. والويل لمن يفتح فمه. البحر سيبتلعه. وغيرهن أصبحن ضحاياً للعمل القسري والاستعباد الجنسي.
طريق الهجرة وعر.
جوع، عطش، وبرد. وإنسان لا يرحم.
والكثير يدفع تحويشة العمر كي يخرج فقط. يخرج من اليأس إلى أمل. فيدفع ثمن الطريق. ليدفع الثمن من عمره.
وجدتني أغص. ريقي يتجمد. تكويره وقفت في حلقي.
وجدتني أتساءل، ماذا لو كنت منهم؟ ماذا لو كنت منهن؟
وجدتني اكتب الاسم وأرى الوجه أمامي.
وجه إنسان. أراد أن يحلم فغص بالحلم.
أكملت القائمة. علقت القصاصات على حبل. كل قصاصة باسم.
وخرجت من الكنيسة. أشعر بالاختناق.
ابحث عن الهواء.
ولا أجده.
"يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق". تقول لنا المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948.
لكن هذه المادة لم تتحول إلى واقع في الكثير من بقاع المعمورة. العوز أو الجحيم يدفع بهن دفعاً إلى الخروج من أوطانهم.
وطرق الهروب ليست آمنة.
فيعلق بعضهم في الطريق، أو يبتلعه البحر.
ولذا كان لزاماً أن نسميهم بأسمائهن. أن نسميهن بأسمائهم.
على قصاصات ورقية.
ترفرف وهي تحيط بجدران الكنيسة، تحتضنها كسوار.
كل قصاصة عليها أسم، وعمر، وطريقة موت.
وجه إنسان في قصاصة.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دردشة على هامش الضجيج!
- صمت الإسلاموفوبيا (3)
- صمت الأسلاموفوبيا 2
- صمت الإسلاموفوبيا!
- عن جدل الطلاق الشفهي
- ماكرون والإسلام السياسي: لا تلعنوا حامل الرسالة!
- -نعم-، الإسلام يمر بأزمة
- تطرف الإسلام أو أسلمة التطرف؟ أو على حد قول ماكرون، هل الإسل ...
- أن تختار دينك!
- عن فيينا ورائف بدوي أتحدث!
- عن محاكم الشريعة في بريطانيا
- شيفا يلتقي بسوفا!
- عن اليمن أكتب
- يَحدث أن تَضطر إلى التأقلم مرغماً - يوميات كورونية 4
- يوميات كورونية 3 علينا أن نختار
- عن العنصرية لدينا! إلى من عايرت ناشطة يمنية مخضرمة بهوية أمه ...
- من منكم يحُب اليمن؟
- يوميات كورونية 2 لكن الربيع يأتي دوماً.
- يوميات كورونية 1
- أنتَ ندٌ لي!


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - وجه إنسان في قصاصة