أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمزي حلمي لوقا - أنوثة تتجلّى في مرايا الألم – قراءة تأويلية في بنية مسرحية سالومي الدرامية والرمز بقلم الأستاذة الدكتورة وسام علي الخالدي/ العراق















المزيد.....

أنوثة تتجلّى في مرايا الألم – قراءة تأويلية في بنية مسرحية سالومي الدرامية والرمز بقلم الأستاذة الدكتورة وسام علي الخالدي/ العراق


رمزي حلمي لوقا

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


أنوثة تتجلّى في مرايا الألم – قراءة تأويلية في بنية مسرحية سالومي الدرامية والرمز

بقلم الأستاذة الدكتورة وسام علي الخالدي/ العراق



تبدو مسرحية «سالومي» للكاتب رمزي حلمي لوقا عملاً مسرحيًا ينتمي إلى ذلك النمط من الأدب الذي يستحضر الأسطورة ليجعل منها مرآةً تعكس قلق الإنسان وأسئلته الكبرى. فالنص لا يستعيد قصة سالومي كما وردت في التراث الديني أو التاريخي فحسب، بل يعيد إنتاجها من منظورٍ جماليّ وفلسفيّ جديد، تتقاطع فيه الدوافع النفسية بالرموز الوجودية، فيغدو الجسد لغةً للروح، والرقص فعلًا كاشفًا عن جوهر التمرد الإنساني.



يكتب رمزي حلمي لوقا بلغةٍ متقدة، مشحونةٍ بالشعرية والمفارقة. فسالومي لديه ليست مجرد امرأة أسكرتها الرغبة، بل كائنٌ ممزق بين غواية الجمال وسطوة الروح، بين صوت الجسد وصوت الضمير. ومن خلال حركتها بين النور والعتمة، بين الرقص والموت، تتجسد ثنائية الحياة والفناء، وكأن الكاتب أراد أن يجعل من الجمال لعنةً ومن اللذة طريقًا إلى الفناء، لا إلى الخلاص.



يستثمر لوقا البنية المسرحية بذكاءٍ رمزي، فيجعل المشهد ساحة صراعٍ بين الرغبة والقداسة، وبين السلطة الروحية والسياسية. يوحنا المعمدان – الذي يمثل النقاء والإيمان – يقف في مواجهة سالومي التي تمثل الجمال المتمرد، فيتخذ الصراع بينهما بعدًا فلسفيًا، إذ يتحول جسد المرأة إلى ميدانٍ للمعنى، وإلى نصٍّ ثانٍ يتجاوز حدود الكلمة. إنّ لوقا لا يدين سالومي، بل يكشف هشاشتها الإنسانية حين تُساق إلى مصيرها بدافعٍ من الغيرة والانتقام والسلطة الأبوية.



في حوارها الداخلي، نلمح سالومي وهي تتأرجح بين نشوة الخمر وارتعاش الخوف، بين الكبرياء والذنب. تبوح بعريها الجسدي لتخفي عريها الروحي، وتخضع للرقص بوصفه محاولةً للنجاة، لا وسيلةً للغواية. ومن هنا تتخذ الرقصة في النص دلالة رمزية عليا؛ فهي ليست حركة الجسد، بل اضطراب الوجدان، وإعلانٌ عن مأساة الأنثى حين تُختزل في جسدها.



يتميز النص بتعدد طبقاته التعبيرية: اللغة الشاعرة التي تنساب كالموسيقى، والمونولوجات التي تكشف عمق الذات، والمشاهد التي تتقاطع فيها الأصوات كأنها صراع داخل وعيٍ واحد. المسرح هنا لا يقدّم حدثًا فحسب، بل حالةً وجودية تتلبسها الرموز. في كل مشهدٍ من مشاهد المسرحية ثمة حضورٌ للقدر، لليد الخفية التي تدفع بالشخصيات نحو مصيرٍ محتوم لا خلاص منه إلا بالموت أو بالجنون.



تتحول سالومي في النهاية إلى رمزٍ للإنسان الذي يفتنه الجمال حتى الهلاك، وللمرأة التي تبحث عن ذاتها في عالمٍ يُحاكمها باسم الفضيلة. ينتهي النص على نغمةٍ مأساوية، لا لأن الدم أريق، بل لأن الحقيقة تهاوت بين الشهوة والسلطة. ومع ذلك يبقى في المسرحية بريق ضوءٍ خافت، يشير إلى إمكانية الخلاص عبر الاعتراف والوعي.



بهذا الأسلوب المتقن، استطاع رمزي حلمي لوقا أن يحوّل الأسطورة إلى نصٍّ معاصر يقرأ الإنسان في ضعفه وجبروته، ويعيد للغة المسرح بريقها الشاعري وعمقها الفلسفي.

إنها مسرحية لا تُقرأ بعين المشاهد فحسب، بل بقلب المتأمل، لأنها تفتح الجرح الإنساني على مصراعيه وتدع الضوء يتسلل منه ببطء، ليكشف أن الجمال – في النهاية – هو شكل آخر من أشكال المأساة.



ويمضي رمزي حلمي لوقا في مسرحيته سالومي ليجعل من الحكاية الأسطورية ساحةً لتأملٍ عميق في تناقضات النفس البشرية. فالنص يتجاوز الحدث التاريخي ليغوص في ما وراءه، حيث تتحوّل سالومي إلى رمزٍ للمرأة التي أرهقتها الأضواء وحاصرها الشغف من كل جانب، حتى باتت أسيرة صورتها، وعبدَة لجمالها الذي صار لعنتها. إنها لا تقتل يوحنا من نزوة عابرة، بل لأنها وجدت في موته توازنًا مأساويًا بين ما تشتهيه وما يرفضه ضميرها. فالدم هنا ليس نهاية بل اعتراف، والرقصة ليست غواية بل سقوط في الهاوية ببطءٍ متعمد.



وتتجلّى براعة الكاتب في قدرته على جعل الصراع دراميًا داخليًا بامتياز، إذ ينتقل من خارج الشخصية إلى أعماقها، فيغدو الحوار حوارًا بين الروح والجسد، بين الندم والرغبة، بين الله والإنسان. لغة المسرحية مشبعة بالإيقاع والرمز، تجمع بين الفصاحة القديمة والنَفَس الشعري الحديث، فتأتي الجمل مشدودة الإيقاع، مترعة بالصور، كأنها لوحات فنية تتحرك على الخشبة ببطءٍ شاعري. كل كلمة فيها تُنطق كأنها تذوب في الضوء، وكل مشهدٍ يتكئ على موسيقى صامتة تنبع من التوتر الداخلي للشخصيات.



إن رمزي حلمي لوقا يكتب مسرحه بعين فيلسوف وشاعر معًا؛ فهو لا يكتفي بأن يصف المأساة بل يفككها، يضع القارئ أمام مرآة يرى فيها نفسه. فحين تتأمل سالومي رأس يوحنا، لا نرى فقط نظرتها إليه، بل نظرة الإنسان إلى ضميره المقطوع، إلى صوته الذي أُسكت بفعل الخطيئة. تلك اللحظة التي تتقاطع فيها اللذة مع الذنب هي ذروة المأساة، إذ يلتقي النور بالعتمة في ومضةٍ خاطفة تكشف هشاشة الوجود كله.



لذا يُعيد الكاتب تشكيل مفهوم الجمال في المسرحية، فيراه قوة مزدوجة: فهو وسيلة للإشراق كما هو طريقٌ إلى الفناء. والجسد في رؤيته ليس مدانًا، بل كائنٌ يبحث عن معنى في عتمة الروح. ومن هنا تتجاوز سالومي كونها امرأة إلى أن تصبح رمزًا للإنسان المعاصر الذي يطارد المتعة ليهرب من خوائه الداخلي، فينتهي إلى مواجهة قَدَره وجهًا لوجه.



ولئن بدا المشهد الأخير مشبعًا بالموت، فإنّ الموت نفسه في النص لا يُقدَّم كفناء بل كتحوّل، كخلاصٍ من ثقل الوجود ومن لعنة الشهوة. سالومي لا تُعدم يوحنا وحده، بل تُعدم في داخله صورة الإنسان التي كانت تبحث عنها عبثًا. في لحظة سقوطها الأخير، حين تمتزج دموعها بالدم، يتحول الجسد إلى أيقونة للفداء، وكأنها – دون وعي منها – تُكفّر عن خطايا العالم الذي جعل منها أداة للغواية لا كائنًا للروح.



وهكذا ينجح رمزي حلمي لوقا في جعل سالومي مسرحية تتجاوز حدود الحكاية التاريخية لتصبح تأملاً في المصير الإنساني، في معنى الجمال، وفي صراع الإنسان مع رغباته وأوهامه.

إنها نصٌّ يتكئ على المأساة ليكشف عن نورٍ باهتٍ في آخر النفق، ويحوّل الحكاية إلى صلاةٍ فنية تنزف بالحيرة والحنين، كأن الكاتب أراد أن يقول: إن في داخل كلّ إنسان سالومي صغيرة، تبحث عن خلاصٍ لا يتحقق إلا بعد أن تكتشف أن أجمل الرقص هو رقص الروح لا الجسد، وأن أبهى الجمال ما لا يُرى بالعين، بل يُدرك بالقلب حين يضيئه الوعي والندم.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة هلاك الإنسانية. مشهد شعري
- -تسع لوحات تصنع النصر- قراءة في المسرحية الشعرية -الطاعون وح ...
- لا شيء ينقصني... سوايْ
- طَاسَةُ الخَضَّةْ
- توهمات من ماضٍ آتْ
- رأيت فيما يرى النائم /جزء أول
- عُفَيرُ غَزَّة
- فلسطين عربية
- حكايا الماء ... قصة قصيرة جدًا
- شَذَرَات
- قصاقيص
- معارج الأوطان
- كومباوند ... قصة قصيرة
- قَرارٌ صعب
- بَيَان فَنِّي قصير
- أسرة ... قصة قصيرة
- Whatsapp
- فرعون ... قصة قصيرة جدًا
- طَوطَم ... قصة قصيرة
- إتش تي مِل ... قصة قصيرة جدًا


المزيد.....




- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما
- صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
- أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن ...
- كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت ...
- إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
- حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمزي حلمي لوقا - أنوثة تتجلّى في مرايا الألم – قراءة تأويلية في بنية مسرحية سالومي الدرامية والرمز بقلم الأستاذة الدكتورة وسام علي الخالدي/ العراق