أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - أسئلة ما بعد الحرب















المزيد.....

أسئلة ما بعد الحرب


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 12:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدار سنتين من حرب الإبادة واظبت جهات معينة على محاولات قمع وإسكات أي صوت معارض أو منتقد أو حتى ناصح، بحجة أننا في مرحلة حرب ودفاع ويجب التفرغ للمعركة، وعدم تثبيط المقاومة.. مع أنها ذريعة واهية، ولكن لنتجاوز الأمر، حسناً.. ها هي الحرب قد توقفت، أو على الأقل تجمدت الأعمال الحربية وبدأنا بمرحلة الحصاد والتسويات والإتفاقيات.. بالتالي آن الوقت لطرح الأسئلة وممارسة النقد..

الحقيقة الأولى، وهي مشكلة كبيرة، أننا كفلسطينيين خضنا عشرات المعارك والحروب وجولات المقاومة والانتفاضات الشعبية السلمية والعنيفة، وجولات مفاوضات.. لكننا لم نجرِ مرة واحدة عملية مراجعة ونقد حقيقية وبالشكل المطلوب.. أثناء خوض المعركة نقول لنؤجل النقد إلى ما بعدها، ويأتي بعدها وننسى، ونكتفي ببعض المقالات النقدية والدراسات التحليلية التي لا يطلع عليها صناع القرار، ولا تشكّل أرضية للبناء عليها، أو مرجعية لتصحيح الأخطاء وتصويب المسيرة..

لذلك، واصلنا مسيرة الكفاح من خسارة إلى أخرى، وفي تراجع مستمر؛ لأننا افتقدنا أهم عنصر في العمل السياسي والمقاوم، وهو ممارسة النقد بحرية وجرأة ومسؤولية، فلم نتعلم من أخطائنا، ولم نطور أساليبنا، ولم نخلق عملية تراكمية صاعدة، وكان كل فصيل وكل حزب يريد أن يبدأ النضال من عنده وينتهي عنده ويتوقف عليه..

الحقيقة الثانية، وهي أشد مرارة، أصحاب القرار في الفصائل والقوى، وفي فتح والسلطة، ولدى حماس والمعارضة ومن هم خارج المنظمة، ومعهم أنصارهم وأتباعهم ومؤيديهم.. لم يتعلموا دروس التاريخ، ولم يتعظوا من الخسائر، ولم يعبئوا بالتراجعات والانحدارات المتواصلة، ولم يكترثوا بتضحيات وآلام شعبنا.. بما في ذلك من ضحوا ومن تألموا ومن فقدوا أحبتهم.. هم أيضا شركاء.. ما زال كل طرف عند مواقفه ثابتا لا يتزحزح، وكأنّ الحروب وتداعياتها تجري في كوكب آخر.. ليس في هذا تعميم، لكنها إشارة إلى ظاهرة خطيرة، وهي التمسك بالآراء المسبقة، والوقوع دوما في إشكالية الانحياز المعرفي، والتحيز بلا تحفظ إلى جانب الجهة التي ينتمون إليها، أو يؤيدونها، أو للأفكار المسبقة المستقرة في أعماق العقل الباطني، وترفض أي تزحزخ، ويصعب عليها التكيف مع المتغيرات، بكلمة مختصرة: الثبات بتعصب.

للتوضيح، سأعطيكم أمثلة طازجة عن الحدث الأخير: أعلن ترامب عن مبادرة من عشرين نقطة.. عشرات الإعلاميين والكتّاب والمؤثرين رفضوها، وقالوا عنها: وصفة للاستسلام، وعودة الوصاية، وقبولها خيانة وتفريط.. بعد أيام قليلة أعلنت حماس قبول المبادرة، فجأة من كان يرفضها قبِلها، ولم يكتفِ بالقول إنها مبادرة سيئة ولكننا مجبرون على التعامل معها؛ بل صار قبولها ذكاء وعبقرية وحكمة وضربة معلم!

في السياق ذاته: انتشرت مقولة: "إن وافقت المقاومة فقد أصابت، وإن رفضت فقد أصابت، وإن واصلت القتال نحن معها، وإن توقفت نحن معها".. هذا ليس تأييداً للمقاومة، هذا إلغاء للتفكير، وتأجير العقل للآخر الذي يقرر، وما علينا سوى الإتباع والانصياع والقبول.. دون اعتراض، دون مناقشة، دون نقد، ولا مساءلة.. هذا ليس مجرد موقف سلبي، بل هو "لا موقف"، أو امتثال بمنهج ثقافة القطيع..

مثال آخر سأقتبسه مما كتبه الصديق عامر بدران: "تم مؤخراً استخدام جُمل مثل: للحفاظ على "ما تبقى" من شعبنا.. للحفاظ على "ما تبقى" من الأرض.. للحفاظ على "ما تبقى" من بيوت.. الغريب أن جزءاً كبيراً ممن يستخدمون هذه الجُمل، هم من الإخوان أو من مناصريهم في اليسار الفصائلي والقطري. والأغرب من ذلك أنهم يقدمون أنفسهم من خلالها كحريصين ومدافعين عن الدم الفلسطيني والأرض الفلسطينية، لكنّ الأدهى هو أنهم كانوا يخوّنون ويكفّرون كل من كان يقول: للحفاظ على الشعب الفلسطيني، وعلى الأرض الفلسطينية، حين لم يكن هناك حاجة لوضع "ما تبقى" داخل الجملة".
وإذا عدنا بأمثلة إلى فترة أسبق؛ سنتذكر مقولات انتشرت في بدايات العدوان: لن يتمكنوا من اجتياح غزة برياً، أي اجتياح لغزة سيكون كارثة على إسرائيل، وسيغرق الجيش في رمال غزة.. الرهان على حزب الله ومحور المقاومة والدخول في الحرب مسألة وقت محسومة وستغير المعادلة.. سينشق المجتمع الإسرائيلي، ستنهار حكومة نتنياهو، إسرائيل لا تتحمل حرباً طويلة، سينهار اقتصادها.. ستشتعل كل فلسطين، وستزحف الشعوب العربية للحدود، ستؤدي مظاهرات المدن والجامعات الغربية إلى إجبار إسرائيل على وقف الحرب، بل وهزيمتها..

طبعا لا شيء مما سبق تحقق.. وتحقق عكسه تماما.. ومع ذلك لم يخرج أي محلل سياسي ويقول: أعتذر كنت مخطئا.. وحتى الجمهور نسي تلك التصريحات وبدأ يبحث عن مقولات جديدة، تبرر له تلك التحليلات، أو تساعده على نسيانها.

كم مرة سمعنا أمثلة الجزائر وفيتنام ومليون شهيد.. طيب، هاتان الدولتان تحررتا، وحصدتا ثمار تضحياتهما، مع ذلك ما زلنا نستخدم تلك الأمثلة (غير المناسبة أصلا) حتى بعد تبين الفرق الفادح في النتائج، وأنَّنا لم نتحرر، بل تراجعنا..

حتى أهداف "الطوفان" التي لم يتحقق منها شيء، وصار البون شاسعا جدا بينها وبين ما وصلنا إليه، مضاف إليه خسارة 300 ألف إنسان بين قتيل وجريح ومفقود، وتهديم غزة.. بالرغم من ذلك لا أحد يتحدث عن تلك الأهداف، وصار المنجز الأهم إيقاف الحرب.. ألا يستدعي كل ذلك طرح السؤال: ماذا حققنا؟

عشرات التصريحات والتحليلات تبين أنها خاطئة، وتنم عن جهل وتعصب، أو أنها كانت موجهة لأغراض دعائية.. ومع ذلك لا ننتبه، ونتناسى، وما زلنا نصدق ونؤمن بخرافات وأوهام وشعارات براقة.. نضع الشعار ثم نقدسه، ثم نعبده..

للأسف، لن تحدث أية مراجعة نقدية ذاتية، لأننا متعصبون لأفكارنا وشعاراتنا، لأننا لا نخطئ، وإذا أخطأنا نبرر، ولا نعترف.. وإذا لم يعد بوسعنا تجاهل الخطأ، بدلا من مصارحة ذاتنا، والتركيز على معالجة أخطائنا، نبدأ بمهاجمة الآخرين.. (مغالطة رجل القش)، وكأنَّ أخطاء الآخرين تبرر لنا كل شيء! ليس هذا سوى التهرب من تحمل المسؤولية.

دماء أطفالنا وآلام شعبنا وتضحياتنا الهائلة ومستقبلنا الذي صار على المحك تستحق منا إجراء مراجعة نقدية مسؤولة وشجاعة وأمينة.. مطلوب من حماس بالذات إجراء هذه المراجعة، وأن تخبرنا بصدق وصراحة عن نتائجها.. لا نريد شعارات، ولا تصريحات للتسويق الإعلامي، ولا تحليلات شعبوية لكسب أصوات.. نريد مواجهة صادقة مع الذات. من حماس ومن الجميع..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة ما بعد الحرب - سمات حركات المقاومة الإسلامية
- ثمانية أسباب لتوقف الحرب على غزة
- الحروب السبعة التي أنهاها ترامب.. وترشحه لنوبل للسلام
- مدخلات ومخرجات.. لفهم أسباب الهزائم العربية
- ماذا يحدث في الغرب الإفريقي؟
- ابن عربي.. حياته وفكره
- القولبة والتنميط وثقافة القطيع
- الحرية في بلدان المشرق
- الجذر التاريخي لتفوق الغرب على الشرق
- الشيخ متولي الشعراوي، وأسباب الضياع
- المليار الثامن
- كيف نشأت المسيحية؟
- كيف يفكر العقل الذكوري؟
- الإنسان والزراعة، من طوّر الآخر؟
- الهرمسـية والغنوصية
- عشر سنوات حاسمة
- ثلاثة تلسكوبات، غيّرت وجه العِلم
- كيف نشأت الديانة اليهودية - دراسة تاريخية
- قلعة الشقيف وقلعة متسادا
- لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟


المزيد.....




- -نوّر مولانا-.. تيم حسن يرحب بعودة فارس الحلو للدراما السوري ...
- محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا يحدد من سيخلفه في منصبه في ...
- الفاشر.. حقيقة فيديو -رسالة قوات الجيش السوداني بعد هجوم الد ...
- مقتل شخص وإصابة ستة آخرين في إطلاق نار خلال احتفال في جامعة ...
- -قوات الدعم السريع- تعلن سيطرتها على الفاشر آخر معقل للجيش ف ...
- هل عادت الأمور إلى مجاريها بين واشنطن وحلفائها الآسيويين؟
- اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والصين حول المعادن النادرة ...
- هل سيطرة الدعم السريع على مقر القيادة بالفاشر تعني سقوطها عس ...
- خبير عسكري: إسرائيل تحول -الخط الأصفر- إلى خط قتال لإطالة اح ...
- إصابة 12 جنديا إسرائيليا في حادث -عملياتي- على حدود غزة


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - أسئلة ما بعد الحرب