أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - القولبة والتنميط وثقافة القطيع















المزيد.....

القولبة والتنميط وثقافة القطيع


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 7558 - 2023 / 3 / 22 - 12:08
المحور: المجتمع المدني
    


يعتقد كل إنسان على وجه البسيطة أن خياراته وقناعاته صحيحة، لأنه اتخذها بناء على وعي وبعد تفكير عميق، وبإرادته الحرة.. تعالوا نناقش هذه المقولة.

بعد لحظات من ولادة الإنسان سيحمل تلقائياً أهم مقومات هويته: الدين، القومية، اللغة، الانتماء الطبقي.. وفي سنواته المبكرة سيتم تشكيل شخصيته وطباعه وتكوينه النفسي، بناءً على نمط تربيته وظروف أسرته المعيشية.. ومنذ طفولته وحتى شبابه ستقوم كلٌ من الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي بإيداع القيم السائدة والثقافة الموروثة في عقله الباطن.. وما أن يبلغ رشده حتى يكون بناؤه الفكري والقيمي والهوياتي قد اكتمل.. وقد تم كل ذلك دون استشارته، ودون موافقته، وقبل أن ينضج عقله النقدي.

الأغلبية الساحقة من الناس تنساق وراء هذا المسار بسهولة ويسر، وحتى لو كان الفرد ذا شخصية قلقة، ودائم التفكير والبحث فغالباً ما سيوجه قراءاته ومطالعاته ومشاهداته واختيار أصدقائه وأساتذته بما ينسجم مع المنظومة الفكرية والثقافية والقيمية السائدة، والتي وجد نفسه منتمياً إليها، لأنه سيجد في هؤلاء ما يعزز قناعاته وما يثبّت فؤاده ويقنعه بأن خياراته وتوجهاته صحيحة فعلاً، بدليل أن كل هؤلاء يتشابهون معه في نمط التفكير، وفي معيار الانتقاء والاختيار والحُكم.. وتكون التباينات بين فرد وآخر طفيفة، وعلى المستوى السطحي وفي التفاصيل، أما الجوهر فمتطابق إلى أبعد حد.

وهذا الأمر يسري على جميع المجتمعات الإنسانية دون استثناء، مع وجود فروقات وتباينات بين مجتمع وآخر، فيكون التطابق والانسجام بين الأفراد ومكونات المجتمع في الدول التعددية والديمقراطية والمنفتحة أقل مقارنة بالدول الاستبدادية والمتخلفة، والتي يصل فيها التطابق إلى حد مدهش.
في حالات نادرة جداً يستفيق بعض الأفراد، ويتنبه إلى الفقاعة التي وجد نفسه محصوراً فيها، ويقرر أن يمارس حريته، فيخرج عن السياق العام، وفي الأغلب سيجابَه بالرفض والنبذ والتقريع، وربما السجن والقتل.. إذا لم يكن على يد الدولة، فعلى يد المجتمع، الذي لا يتساهل مع أي خروج عن المنظومة السائدة.

صحيح أن المجتمعات تتغير وتتطور وتطور قيمها بحكم تغير الظروف الاقتصادية والسياسية، وبفعل التعليم والمعرفة، وتدافع الأجيال، وبفعل الأفكار الثورية التي يطرحها الرواد.. ولكن هذا التغيير يظل بطيئاً، وخاضعاً للقوى الداخلية المسيطرة (الاجتماعية والدينية والاقتصادية)، ومحكوماً بمصالح الطبقات الحاكمة والتي بيدها العسكر والمال والإعلام..

ما يجري فعلياً، ومنذ أقدم الأزمنة، أن القوى المسيطرة (النظام المتحالف مع القوة الرجعية) تستمد عناصر قوتها من خلال سيطرتها على المجتمع، وقد كيفت مصالحها استناداً إلى المنظومات الثقافية السائدة، وبالتالي أي خروج عنها سيشكل تهديداً لمصالحها، لأنه سيقود إلى استفاقة الجماهير من غيبوبتها التاريخية، فالوعي يؤدي بالضرورة إلى التغيير، وهذا التغيير يعني زعزعة أركان الحكم.

وعندما نقول الحكم لا نعني فقط النظم السياسية، بل وأيضاً التشكيلات الأخرى القائمة (وهي غالباً متحالفة أو مستفيدة من النظام السياسي) وهي التكوينات الطائفية والقبلية والأحزاب السياسية.. فشيخ القبيلة يظل آمنا ومسيطراً طالما ظلت القبيلة متماسكة ومتمسكة بقيمها وعاداتها.. وزعيم الطائفة يظل آمناً ومسيطراً طالما أبناء طائفته يعتقدون أنهم "الفرقة الناجية" وأن زعيمهم هو المخلّص.. وقائد الحزب يظل آمناً ومسيطراً طالما أعضاء حزبه ومؤيدوه يعتقدون أن حزبهم هو الأفضل، وهو الخيار الصحيح والوحيد، وقرارات قائده دائماً حكيمة وصائبة.. ورئيس الدولة يظل آمناً ومسيطراً طالما هذه المنظومة قائمة، وطالما ظل قادراً على إخضاع الشعب، والإخضاع لا يتم بالقمع السلطوي وحسب، بل والأهم من ذلك من خلال التنميط والقولبة.

التنميط والقولبة تتم من خلال أشكال كثيرة، بحسب القائمين عليها: تبدأ مستويات التنميط من الولادة حتى الشباب كما أشرنا في المقدمة، وتنتهي بغسيل الأدمغة.. وهذا يعتمد على مدى دكتاتورية النظام، وعلى انغلاق المجتمع أو انفتاحه.

عند الوصول إلى المستوى النهائي للتنميط يكون الأفراد متشابهين في كل شيء: الدين، أو الأيديولوجيا الحاكمة، طريقة التفكير، الخيارات الشخصية، القناعات الفكرية والسياسية، الطقوس الدينية والاجتماعية، معيار الحكم على الأشياء وعلى الآخرين، القيم، والعادات والتقاليد، الملابس والأزياء والمظهر الخارجي.. ومن أجل التخفيف وتجميل الصورة يتم منح الأفراد حدوداً معينة من الحريات الشخصية (قائمة أطباق الطعام على ألا تتعدى نوعيات محددة، لون الزي دون التنازل عن شكله العام، مشاهدة مسلسل السهرة أو فيلم يمجد بطولات وأمجاد الأمة أو نشرة أخبار تمدح حكمة القيادة أو برنامج عن الحيتان، قراءة كتاب يشرح فلسفة الحزب، أو كتاب عن حياة الزعيم.. ) ويصل التنميط منتهاه وغايته حين يظن الفرد فعلاً أنه حر، في حين أن التنميط سلبه روحه وسيطر على عقله.

وبالمناسبة هذا التنميط لا يقتصر على النظم الدكتاتورية (نراه بوضوح في كوريا الشمالية)، لكنه يسري أيضاً على الدول ذات المظهر الديمقراطي، وعلى أغلب المجتمعات المحافظة، وعلى جميع الأحزاب الأيديولوجية، وخاصة الدينية منها.. ونسميها هنا أنظمة وأحزاباً شمولية توليتارية، لأن حكمها يشمل كل شيء، ولأنها تقوم بتجريد الإنسان من إنسانيته، ولا أقصد هنا تحويله إلى وحش متبلد المشاعر، بل المقصود تجريده من حقه في الاختيار، وحقه في الاختلاف، وحقه في الحرية (حرية التفكير والتعبير)، وحقه في التصرف بجسده وحياته وتوجهاته..

الأساليب المتبعة في التنميط أيضاً كثيرة ومتباينة: في الجيوش والمدارس تتم بأسلوب فرض "يونيفورم"، وترديد نشيد معين، وشعارات محددة، وطابور الصباح وتحية العَلم.. في المؤسسات العسكرية والمدنية تتم من خلال التراتبية ونظام الثواب والعقاب.. في المجتمع تتم من خلال الإعلام الموجه (البروبوغاندا والديماغوجيا) ومناهج التعليم وبالقمع السلطوي.. ثم يعيد المجتمع إنتاج التنميط من خلال فرض موروثه الثقافي، ومحاربة أي محاولة للخروج عنها.. الأحزاب الشمولية تستخدم الشعارات الرنانة، والتحشيد الجماهيري، والخطابة، وأهمية التضحية في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، والقائد، ومن أجل الدولة، والتصدي للثورة المضادة وللخونة.. وعندما تتضافر كل تلك الأساليب تكون النتائج مدهشة.

وبالمناسبة أيضاً، هذه ليست ظاهرة خاصة بالعالم الثالث؛ الولايات المتحدة أكثر وأذكى من يستخدم التنميط وتوجيه المجتمع وبصورة مروعة.. بالإعلام وأفلام هوليوود وغيرها من الوسائل.

ملاحظة توضيحية: الخراف يسهل رعيها وقيادتها لأنها قطيع متماسك ومنسجم، خلافاً للماعز الذي يتصرف بصورة فردية.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية في بلدان المشرق
- الجذر التاريخي لتفوق الغرب على الشرق
- الشيخ متولي الشعراوي، وأسباب الضياع
- المليار الثامن
- كيف نشأت المسيحية؟
- كيف يفكر العقل الذكوري؟
- الإنسان والزراعة، من طوّر الآخر؟
- الهرمسـية والغنوصية
- عشر سنوات حاسمة
- ثلاثة تلسكوبات، غيّرت وجه العِلم
- كيف نشأت الديانة اليهودية - دراسة تاريخية
- قلعة الشقيف وقلعة متسادا
- لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟
- مرايا
- روح العراق وأسراره
- لباس المرأة
- التقويم العالمي والزمن الشبحي، وأعياد النوروز
- حول الحرب الروسية الأوكرانية
- إسلاميون خارج النسق
- أم كلثوم


المزيد.....




- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...
- اعتقال عشرات الطلاب الداعمين لفلسطين من جامعة كولومبيا الأمي ...
- استياء عربي من رفض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - القولبة والتنميط وثقافة القطيع