سناء عبد القادر مصطفى
(Sanaa Abdel Kader Mustafa)
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 02:57
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تربطني بالزميلة رجاء عبد المجيد القيسي علاقة زمالة جامعية تمتد لفترة أكثر من 55 سنة، كانت بدايتها في العام 1968 حينما كنا طلبة في قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (الملغاة) 1968-1972. أتذكر جيدا حفلة خطوبة رجاء القيسي في نادي كلية الإدارة والاقتصاد في ربيع العام 1970 حضرها جمع غفير من طلبة السنة الثالثة قسم الاقتصاد. تفرقنا بعد التخرج في 30 حزيران 1972 وذهب كلنا منا في سبيله. لم نلتقي إلا في يوم 31 آذار 2017 بعد مرور45 سنة في المركز الثقافي الكائن في نهاية شارع المتنبي ببغداد. كان لقاءا وديا حضرته زميلتنا شميران مروكل أوديشو وزملاؤنا المرحوم قاسم سرحان وحسن الخفاجي من خريجي سنة 1971. وكذلك أخي المرحوم سعد وحفيدة رجاء التي قامت مشكورة بتصوير لقاؤنا.
أهدتني رجاء (أم لبنى) مجموعتين شعريتين، الأولى – أرهاصات والثانية صدرك مدينتي الصادرتين في الأعوام 2015 و2017 وكلاهما من دار الرواد المزدهرة. بعد قراءة المجموعتين انبهرت بهما ولم أعرف ذلك من قبل بأن رجاء تتمتع بملكة شعرية وأدبية. تركت أشعار هاتين المجموعتين أثرا كبيرا في نفسي بحيث بدأت أفكر وألوم نفسي لماذا لم أكتب عن أعز زميلاتي مقالة تعكس اعجابي بقريحتها الشعرية.
تمتاز أشعار زميلتي أم لبنى بتعابيرها اللغوية القوية التي تجعل من القاريء يشعر ويدرك ما تقصده العزيزة رجاء من عكس ارهاصاتها ومشاعرها كما هو في أولى قصائدها بتاريخ 27/11/1969، مشاعر، ص 31-32.
قلت أني أحبك .. لا تسألني لماذا؟
لا تسألني عما أحبه فيك..
فأنا نفسي لا أدري
بل .. اني لا أعرفك..
وقد احترت كثيرا في معرفتك
أحيانا يخيل لي أنك رقيق كالنسمة
في ليلة صيف قائض
حنون كصدر أمي
حالم كخيال فنان
مبتسم كالورد
نديً تصفح وتغسل ذنوبي الصغيرة
عن قلبي كما يغسل المطر أوراق الشجر.
تعيش رجاء حالة من القلق وعدم ثقتها بالحبيب الذي قد يكون لا يبادلها نفس المشاعر الوجدانية. وهذه حالة طبيعية عند الجنس اللطيف خصوصا وأن عمرها كان لا يتجاوز التاسع عشرة ربيعا، كما يفهم من تاريخ كتابة القصيدة مشاعر الواردة الذكر أعلاه.
وحينما انتقل الى الصفحة 45 حيث قصيدة عبث (ص45-47) التي الاحظ فيها نضوج الشاعرة في فهم الحياة العاطفية والتي كتبتها في 31/12/1976 أي بعد مرور سبعة سنوات من كتابة قصيدة مشاعر حيث تقول فيها:
كنت أريده ..
حبا ..منعشا كليالي الصيف
نقيا كالدمع..
خالدا كالحب الحقيقي
سأصحو من غيبوبتي..
لا بل صحوت
أحس بثورة جارفة في أعماقي
فأنا خائفة..
خائفة من التمرغ معك بعواطفك السطحية
خائفة على انسانيتي ومثلي
أصبحت أيامي مياه جدول تتكسر
بين الصخور الصلدة..
باحثة عن ذرة تراب تسقيها
وتشابهت أيامي وأضاعت مدلولها..
في زمن ما، في وقت لم أحدده، في يوم لا أذكره
شدتني الى عينيك رغبة حنون
مغرية الدفء
كلهيب موقد يلوح لضائع بين الثلوج..
ولكن..؟
أما في قصيدة إحتساب التي كتبتها في العام 2014 فنلاحظ انها انتقلت الى موضوع آخر، ألا وهو الوقت وتأثيره على حياتنا اليومية وعلاقاتنا العاطفية والاجتماعية (ص50-51).
يا أنتم كيف تحددون لليوم أربعا وعشرون ساعة ..
أنا ..أنا
ينكمش النهار عندي ليصير دقيقة
ويمتد الليل .. ليصير دهرا..
وقد يطغي النهار على الليل..
فيغدو الليل لحظة..
ويستوي النهار أزلا..
أنه الحزن والفرح
اليأس والأمل
اللقاء والفرح
التوق والوصول
هذي .. هي التي تحدد ساعات
اليوم.. وأيام العمر ..
لنحطم ساعاتنا ونخترع طريقة
أخرى لقياس الوقت!
وحين ننتقل الى مرحلة تاريخية من عمر رجاء القيسي نجد فيها ان وعي الشاعرة وادراك العلاقات العاطفية قد تطور وبلغ مرحلة جديدة من النضج ، وهذا الذي نشعر به من قراءة قصيدة أيها الغريب التي كتبتها في العام 1980 (ص57-58).
كم تعرف معنى أن تدعني أركض ملايين الأميال
في شوارع عينيك المفروشة بأسفلت الصمت واللامبالاة
هل صدقت أنني سأغفر لك؟
أيها الغريب..!
قبلك .. كنت أبدا منفية خارج الأشياء
منفية خارج دائرة الحزن
خارج دائرة الفرح
خارج عالم الانتظار
قبلك، ما الفرق؟؟
ما دمت بعد أن عرفتك
ظللت وحيدة
كطير يتخبط بدمائه
أنا أحبك؟ أية فجيعة؟؟؟؟
في التطور التاريخي لنضوج الشاعرة رجاء القيسي نجده في قصيدة الى التي أرضعتني الطيبة (أمي) ص81-82 في سنة 2005، نقتبس جزء منها:
هدهداتها موسيقى
لا تزال تنساب
بهدوء مسمعي
كروان يناغيني
يهدهدني
" دللول يبنيتي دللول "
زندها وسادة ريش نعام
اغفو عليها..
وأنا أتلمس بأناملي الصغيرة
مصدر غذائي
تحتويني بدفء حضنها
وكأني لم أزل ..
مرتبطة بحبلها السري
الذي أمدني الحياة
ومن القصائد التي كتبتها لذكرى وفاة المرحوم أبيها نستشهد ببعض من أبياتها:
الى المزروع في عيني .. أبي (ص85، 9/10/1968)
تمر ذكراك والآلآم تستعر.... والدمع كالجمر فوق الخد ينهمر
تمر ذكراك والذكرى تمزقني.... والنار في القلب لا تبق ولا تذر
والحزن أضحى رفيقا لا نفارقه.... تكاد من هوله الأحشاء تنفجر
أبتاه، كيف سيشفى جرحنا وقد .... بكى لفقدك صمت الليل والحجر
وفي نهاية هذه المجموعة (ارهاصات) في صفحة 86-87 لا تنسى أم لبني صديقتها الحميمة
من الكتابة عنها في قصيدة (صديقتي) :
صديقة العمر
أقرأ في عيونها
الفرح والمأساة
الحزن والشتات
تقرأ قلبي
تثير سكوتي
تنبش أفكاري
كمن ينبش تنور رماد
فيومض الحرف
وتشتعل الكلمات
وتتفجر الشفاه
بالآهات
آهات الزمن اللاهي
ننتقل الى مجموعة صدرك مدينتي الصادرة في العام 2017 والتي تتألف من 44
قصيدة مختلفة المواضيع والاهداف التي كتبت من أجلها. أتوقف عند القصيدة التي تحمل اسم هذه المجموعة، ألا وهي (صدرك مدينتي) ص17-18.
حبيبي .........
قدرنا التقينا ........
وتنفسنا الحياة
وانغرسنا في روابيها ربيع
وحللنا روحين في بدن
فكنت العطر والجمال
وكنت أنت الحياة.....
فأصبحت ... أنا ، أنت
حبيبي......
يجعل الزهر ينبت
فوق الصخور ....
فأنت ... وأنا
ذرتا رمل جمعتهما عاصفة الشرق
أنت .... وأنا
كغيمتين ....إن التقيتا
تنزل الصاعقة
استعارات مكنية وصريحة تتميز بها كلمات هذه القصيدة كما نجده في بقية القصائد في كلا المجموعتين.
تمتاز قصيدة بغداد ....... حبيبتي (ص37-39) بقوة تعابيرها وكلماتها التي تعكس حب الشاعرة لبغداد عاصمة العراق التي ولدت وترعرعت فيها ودرست وتعلمت فيها ومن ثم عملت في مؤسساتها ودوائرها الحكومية. وفيها أنجبت ابنتها البكر لبنى. انها قصيدة وطنية الى حد النخاع تعبر عما يجول في خاطر كل انسان شريف شرب من ماء دجلة وأكل من خيرات بساتينها وحقولها المعطاء.
بغداد .............. يا بغداد
حبيبتي.............بطيبتك
تحتضنين القادمين إليك
وهم يسيئون ويعبثون
وأنت تبتسمين وترقصين
فوق نجوم الله!!
وكل الذين مروا بعرباتهم
وأقدامهم النجسة
فقد تاهوا في أزقتك
تأكلهم الدونية......
بغداد ......... حبيبتي
من أين لك هذا التحمل؟؟
وأنت واقفة
على (جفن الردى)
حروب، تقتيل، تشريد، تنكيل،
تفقيد، تمزيق، يتمً!!
وبيع وشراء في المزاد
المفتوح لسماسرة السياسة
أبعد كل هذا خسة؟؟؟
ننتقل الى قصيدة مداهمة التي كتبتها شاعرتنا العزيزة ام لبنى في العام 2015.، ص51.
داهمني حبك.............
كبركان ....!
تفجر................
دون انذار ..!!
إقتحمني .. حبك
وأشعل النار!!
ثم ....ثم
غادرني
كمرور إعصار ....!!؟
على الرغم من قصر هذه القصيدة ولكنها عكست الحالة النفسية التي عاشتها رجاء بعد تجربة حب جديدة داهمتها وانتهت بسرعة كما يفهم من أبياتها القليلة العدد.
اما قصيدة بوصلة (ص67-68) فنجد فيها وصف تجربة حب جديدة خاضتها رجاء القيسي في العام 2016.
الحب صحوة الوعي
وحبك الغافي بين الضلوع
استنهض الأفراح في ..؟
لتتسابق وتتراكم في صدري
وبسمتك تصهر أكوام الثلج
وتبدد شتائي المكفهر ..!!
فقد لملمتك كالعباءة
حول جسدي
فاخترقت أسواري ..؟؟
وجهك المرسوم
في عيني
بوصلتي..!!
وأبدع ما كتبت زميلتي الغالية رجاء القيسي في العام 2016 هي قصيدة العراقية قيثارة سومرية والتي اشتهرت بها بين الأصدقاء ولاقت استحسان الكثير من القراء والناس ، ص (75-77) .
أنا العراقية
أنا الأبية
أنا ما وطأت
رأسي للدونية
أنا الدنيا
والحياة الزهية
فكل ما ترونه
ما تسمعونه
هو قسوة ووحشية
أنا نازك الملائكة
الشاعرية
أنا لميعة عمارة
الأنثى الزكية
أنا نزيهة الدليمي
أول وزيرة عربية
أنا زكية خليفة
المناضلة العصية
أنا عشتار .....
أنا العراقية
أنا سميراميس الآشورية
من بلد العجائب البابلية
أنا من بلد الأنبياء
والأولياء والحضارة الأبدية
أنا العراقية......
أنا القيثارة السومرية
أنا مسلة حمورابي
للحق والعدالة الإلهية
أنا الأم العراقية
مجبولة على (الحنية)
أنا الزوجة المثالية
والأخت المضحية
أنا العراقية في بلد
نزلت على أرضه
أول البشرية!!
فلست أنا المتسولة
التي تجوب البرية
أنا الكرامة والعزة
أنا العراقية......
التي أنجبت خير الرجال
المدافعين عن المبادىء والقضية
أنا العراقية
أنا خير البشرية
وبهذه القصيدة أختتم مقالتي المتواضعة عن زميلتي الغالية رجاء عبد المجيد القيسي أم لبني
التي تستحق كل التقدير والاحترام.
#سناء_عبد_القادر_مصطفى (هاشتاغ)
Sanaa_Abdel_Kader_Mustafa#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟