سناء عبد القادر مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 15:19
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يتمحور هدف هذه المقالة حول فهم وسبر غور طبيعة النصوص الشعرية وقصائد ناظم التورنجي النثرية. وذلك لأن الإبحار في عالم أبو حازم التورنجي كما يحب أن يكني نفسه مسألة ليست سهلة وذلك لتعدد مواضيع هاتين المجموعتين التي بين يدينا حسب التسلسل الزمني لصدورهما. الأولى بوح الغربة الصادرة في العام 2023 من قبل دار نشر مطبعة الشاعر في البصرة والثانية رسائل غربة الصادرة في العام 2024 من قبل مطبعة الشاعر أيضا في مدينة البصرة ثغر العراق الباسم.
تنقل وأقام أبو حازم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في عدد من الدول العربية وأوروبا الشرقية ومن ثم في كردستان العراق ضمن قوات الأنصار الشيوعيين العراقيين، عاكسا في نصوصه وقصائده الشعرية والنثرية الأحداث السياسية والاجتماعية التي عايشها بجميع جوارحه وأحاسيسه طالما أن الانسان وليد بيئته التي يحن اليها وهو يعكس دائما هموم أناسها وساكنيها من خلال ترجمة هذه الحوادث الى نصوص شعرية سهلة القراءة والفهم من قبل جمهوره الواسع الذي يتفاعل معه في المهرجانات الثقافية سواء كانت في العراق أو في مصر الكنانة أو في تونس أو في دول الخليج العربي والدول الاسكندنافية في السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا.
يتميز أسلوب أبو حازم الحماسي وطريقة قراءته للنصوص والقصائد الشعرية التي تشد الجمهور اليه بالتفاعل مع موضوعة القصائد التي تعبر عن إحساس الجمهور واعجابه بها. ولهذا ترى انشداد المتواجدين في القاعة اليه مما يضفي على جو الاحتفال الارتياح والبهجة والسرور بمعنى كلماته الثورية والحماسية وانتقاد الوضع القائم من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق.
كما يشغل الشعر الوجداني والغزل حيز لا بأس به في هاتين المجموعتين. ولهذا نورد بعض الأمثلة من نصوصه الشعرية.
من النصوص الشعرية المهمة في بوح الغربة هي قصيدة جسر الزيتون الذي كتبها ناظم زغير التورنجي تمجيدا لانتفاضة الشباب المناضل من أجل مستقبل أفضل حيث يقول في مقدمتها: انحناء واجلالا وتمجيدا لشهداء جسر الزيتون في الناصرية في الذكرى الثالثة التي تصادف يوم الاثنين 28 تشرين الثاني 2023 ص35-37.
يا جسر الزيتون تكلم هل من بقايا ذكرى لوجوه
غادرتك دامية؟ بلا ذنب بلا معصية
لجيل يروم الحرية
يا جسر الزيتون
هل لحكاية هذا الوطن المستباح من خاتمة و بقية؟ٍ
لم يعد في حضن الام بعد ذي العشرين ربيعا
امنية يا جسر الزيتون تظل قضبانك مصبوغة
بدم الشبان وإن أعادوا صبغها
بكرة وعشية
يا جسر الزيتون وقد غدوت محرابا وقبلة
ما بقيت من العمر بقية تتوارث ملحمتك ضمائر بقية
ومن قصائد بوح الغربة أيضا – حقائب سفر ص 74-76
أهرع لمدن نستني وما نسيتها
بحثا عن دفء به شيء من دفء أمي
مر سريعا قطار زمني ولم يقف عند محطة الاحلام
بل كانت مجرد أوهام
ظلت امتعتي تدور معه في المحطات الغريبة والبعيدة
ركاب لا اعرفهم
ركاب اعرفهم ولا يعرفوني ركاب لا يريدون ان يعرفوني
غريبة هي روائح أجساد لم تتطهر بغدير الفراتين
لا تلمني يا صاحبي ان عجلت السفر
فقطار العمر مازال يخترق الآفاق وحقائبي
ما زالت فيه والدنيا ما عادت
كما رسم معالمها الاباء والأجداد
ولا شيء يثقل كاهلي غير الاسفار وحيدا
ومشاعري حبيسة في حقائب السفر
ومن المواضيع التي كتب عنها أبو حازم هي التغرب وانتشار العراقيين في المنافي:
جيل الغربة ص80-82
غرباء عاشوا في الوطن وغرباء عاشوا في المنفى
غرباء هم هنا وهناك هناك حملوا أماني للوطن
وهنا ماتوا غرباء يملأ عيونهم طيف
بوطن ليس كهذا الوطن الطاعن...... المطعون
وليت تلك الامنيات وهذه الاحلام
لا تغدو سنبن وأرقام في حساب شائك مربك
جيل يندثر تحت ركام الأماني والأحلام المستحيلة
وجيل يتحاشى الاقتراب من لوعة الكهول
في الأرقام المتشابكة لسنوات العمر في محطات
ويستمر ناظم زغير في عكس الحالة النفسية التي مر بها بعد خروجه من المعتقل
في شهر آب 1980 ص 83- 84
حين خرجت م ن المعتقل حطاما تهاويت في حضن امي وبكيت
وبكت هي الأخرى قائلة : (يا وسفة) على الرجل يبكي لجراح في الجلد
هل نسيت درب أبيك؟ كم كان معبدا بالآلام معمدا بالدم!؟
يا أمي أنا لا أبكي بل روحي تتوجع وتتشنج
على مكتبة كمملكة ورسائل عشق سرية
وحكايات غرام لمساري صادرها الجهلة الأوغاد
وقد أفنيت السنوات في بنائها كما يبني الطير عشه
وينتقل أبو حازم الى نص شعري غزلي ، ص 94-96 نقتبس منه بعض الأبيات:
صليب بين نهديها والمسيح يلجمني يكبلني
يهز يطيح بما تبقى لي من كياسة و وقار
فكيف بي أن أستكين وأستريح
أنا عاشق سيدتي فهل من خطيئة
أن يعشق الكهل وهل القلوب مختومة بختم الأديان
مغرم ومتيم وتائه في البطاح
فهل يرضيك حبس البوح في دهاليز الأرواح؟
فإن كان كذلك فقولي لي كيف هو الخلاص؟
وأي قس يقبل؟ اعترافي وتوبتي
وكل شيء في نفسي لهواك مباح
أيبقى حبي في صمت محتبس؟
لا ألومك فيه فالذنب ذنبي
ما زلت بقلب نزق لا يعرف يعتنق العشق ديناً ومعتقداً
لا يركن إلاً لوجهك قبلة لا يرى سواه وجها
ملائكياً بين الملاح .
كما أن الوطن موجود في نصوص أبو حازم دائما كما هو في النص التالي الذي نقتبس منه بعض الأبيات:
أنت وطني وانتمائي الأوحد ص 102-104:
لم يبق لي سواك من وطن بل أنت آخر الاوطان
فكل الأوطان التي زرعتها في ذاكرتي كان بعضها وهما
والآخر مجرد خيبات تتلو خيبات في الزمن المرً
في أحضانك عرفت روحي موجات الحب وهوية عشق أبدي
وقبلك لم أعرف سوى وريقات تمنح للمساكين من المنفيين
طوعا أو قسرا
فهل عرفت الان لم أنا بك معتصم؟
ولا شيء يستحق انتمائي سواك ولا شيء جدير بولائي غير همساتك.
لم يترك الشاعر ناظم التورنجي موضوع الغربة بعيدا، فقد عاد اليه مرة أخرى في
مجموعة رسائل غربة: تأملات عند أبواب الغربة ص 11-14
إلى من كان معي عند الحدود في الذهاب والإياب
أطرق ذات الأبواب ثانية هنا وهناك
ارتحلت ويا ليتني لم أرتحل وعدت ويا ليتني لم أعد
أنا الغريب في ذاك الوطن وأنا الوطن في هذه الغربة
وطن وأي وطن!؟ فما عاد كذلك الوطن
كابوس في الحلم وخربة في الصحو
فهل سيعذرني من علمني في الصغر معنى الوطن؟
وهل يفهمني من ذاق هذا الطعم؟
آه، ما أشق هذه العذابات يا أحبتي هناك
ننتقل الى رسالة أخرى، ومضة في مطارات الغربة
كم من البحار ستعبر لهناك كم من الحدود ستتخطى
ما الذي يحدوك كي تسرع في خطاك
كم من رجال والجمارك والأمن يسألونك الوجهة والغرض
ولم أنت بلا حقائب ولا أ متعة معلمة الأوصاف
إني أحمل وطني والحمل ثقيل ألا يكفي ذلك؟
وطن ينافس القلب وإذ ذاك هويتي وجواز مروري
يا هذا المسكون بالأسئلة الصماء
أيها الموزع المتشظي أما كفاك؟
وهكذا يتجلى شاعر الغربة في نثرية أخرى يتكلم فيها عن الأحلام الباهتة ومفردات صلاته في محراب اليقين ونزق الهوى وسهد الليالي من الكياسة والفطرة النبيلة مع الخط في الرمال بوجود الجراح الغائرة في الجسد وهو يناجي صاحبه حينما يرقص على أنغام ما عاد لها ذكر في السلم الموسيقي للعازفين على رفسات الأجساد المذبوحة من القفا. ومع ذلك يبقى يحلم ويحلم وهو يسأل هل أن الحلم كثير عليه بغض النظر من أن كل المدن لفظته وغادرها بخيبة لا تحمل شيئا من هوية روحه المختومة بهاجس البحث عن بصيص ضوء في العتمة لا الخدمة في قصور السلطان وهو يرجو صديقه أن يتركه يتدثر بلحاف الحلم فلكل منهما حلمه ، نثرية حلمي أنا ص18-21 ، رسائل غربة.
من رسائل الغربة نقرأ أيضاً رسالة عانقيني ص 39-41.
يعود صديقنا ناظم زغير مرة أخرى الى شعر الغزل الوجداني في قصيدة عانقيني
ص39-41. نقتبس جزء منها:
تعالي وعانقيني
عانقيني بقوة، بعنف مثلما تشتهين
فمنذ زمن بعيد وأنا أحلم بك
وبعناق كعناق جندي عاد للتو من حرب
عانقيني ودعي أجسادنا تلتقي بل وتلتحم
ولنودع السنة بعناق يذيب ثلوج غربة روح تحاصرني
لا تتأسي وتواسيني إذا ما اختلت دقات قلبي
فعناقك هو البلسم لهذا القلب المضطرب النبض.
وينتقل أبو حازم التورنجي الى موضوع تراكم الثلوج ولكن بمعنى آخر
حيث يربطه بشجرة العمر والأحزان التي تتكدس في أودجة قلب كسير
هذا ما جاء في رسالة عنوانها عبث شتاء مازال في الصفحات 42-43.
حيث يتناول موضوع ولاءات العصر المشؤوم وراقصات الفحش والحاصلين على الريع النفطي لأن كل ما هو موجود في باطن الأرض يعود لهم:
الحكايات البليدة من زمن الانكسارات وهزائم شيوخ العبادات الصنمية
والاسئلة تتطاير في كل الأنحاء تبحث عن أجوبة تسد الأفواه الفاغرة
من هول المهزلة المتجددة عند حدود أرصفة اختلطت
أصباغها الزيتية بالدم القاني والعويل ما زال يهدر
من أطراف الأكواخ وبيوت طينية تزدحم على جدرانها
صور من رحلوا غيلة وغفلة وقسرا
والناعي ينسى الأسماء والتواريخ متوهما بأسعار صرف العملات
في سوق مهرجي الولاءات الرخيصة وعجائز الحي يتفكهن عصر كل يوم
بحكايات زواجات العهد المشؤوم من راقصات الدرجة الرابعة.
هناك مواضيع كثيرة كتب عنها ناظم زغير في رسائل غربته منها على سبيل
المثال لا الحصر:
- في ذكرى رحيل الصديق والرفيق العزيز صمد المباغت
- العيد المزور
- زمن الفواجع المتواصل
- الوطن المستباح
- عناق وقبلة
- أنا هنا
- صخب الجوقة
- الشهداء يعودون
- الناس والنخل والصمت
أختم هذه المقالة بالقول أن هاتين المجموعتين للشاعر الصديق أبو حازم التورنجي تستحقان الثناء والتقدير كونهما تعكسان تجربة انسان عايش وعاصر أحداث حياتية بين المدينة والجبل وفي مختلف أصقاع الدنيا. طوبي لهذا الانسان المكافح من أجل حرية الانسان والعيش بكرامة بين أبناء جلدته أينما كانوا في الوطن وفي المهجر.
#سناء_عبد_القادر_مصطفى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟