|
التعرفة الجمركية الأمريكية وآثارها الاقتصادية
سناء عبد القادر مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 18:17
المحور:
الادارة و الاقتصاد
توطئة في الثاني من أبريل/ نيسان 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن واحدة من أوسع الحملات الجمركية، فرض فيها رسوماً جمركية على أكثر من 200 دولة حول العالم، بنسب تراوحت بين 10% و49%. واعتبر ترامب هذه الخطوة "يوم تحرير" للاقتصاد الأمريكي، معلناً أنها ستعيد ولادة الصناعة الوطنية وتضع حداً لما وصفه بـ "نهب أمريكا" من قِبل دول صديقة وعدوة. لكن من سيتأثر فعلاً بهذه الرسوم؟ وما مصير الدول العربية؟ وهل ستكون هذه الرسوم بداية لنهضة اقتصادية أمريكية؟ أم مقدمة لحرب تجارية جديدة تهدد النظام الاقتصادي العالمي؟ لا فرق يذكر بين التعريفات الجمركية والضريبة، أي ضريبة كانت. الضريبة هي نسبة مئوية محددة تفرض على الدخل مثلا، أو البيع أو الشراء أو تملك عقار أو أي شيء آخر مما هو متوافر داخل البلد. التعريفة الجمركية أيضا ضريبة بنسبة مئوية محددة ولكن تطبق على البضائع المستوردة إلى البلد؛ بمعنى آخر أن مجرد دخول البضاعة الى البلد تفرض عليها ضريبة تبعا لقوانين البلد الذي استوردها. مثل التعريفة الجمركية مثل الضريبة في التأثير السلبي والإيجابي في البلد الذي يفرضها. في الأولى، تؤدي التعريفة إلى زيادة مضطردة في واردات الدولة المالية، في الثانية، تؤدي التعريفة إلى خسارة الدخل بالنسبة للمواطن الذي يشتري البضاعة المجمركة لأن المشتري هو الذي يدفع الرسم الجمركي في النهاية. لنفترض أن الولايات المتحدة تفرض تعريفة جمركية بمعدل 25% على الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية (بعض البضائع مثل السيارات الكهربائية الصينية المستوردة عليها تعريفة تصل إلى 100%). هذا سيعني أن البضاعة الصينية التي كانت تباع بسعر 100 دولار في الأسواق الأمريكية سيصعد سعرها إلى 125 دولارا. تصدر الصين من البضائع إلى الولايات المتحدة ما قيمته نحو 500 بليون دولار في السنة الواحدة. من الآن فصاعدا ستصبح قيمتها 625 بليون دولار. الفائض البالغ 125 بليون دولار (الرسم الجمركي) يذهب كوارد للخزينة الأمريكية، ولكن يدفعه المواطن (المتبضع) من جيبه الخاص. بالطبع يقفز مناصرو التعريفات الجمركية على الرقم 125 بليون دولار كوارد للخزينة ولكن يغضون الطرف عن ركنين سلبين الذين يرافقان أي تعريفة جمركية. الأول، أن التعريفة لا بد وأن تحدث زيادة في أسعار البضائع المستوردة المشمولة بها، والزيادة يدفعها المواطن صاغرا من دخله الخاص. الثاني، أن التعريفات الجمركية التي يفرضها دونالد ترامب لها ردود فعل عكسية وفورية. فالصين لا تقف مكتوفة الأيدي، بل ترد الصاع بالصاع من خلال فرض نسبة التعريفة التي تفرضها الولايات المتحدة على صادراتها للأسواق الأمريكية على الصادرات الأمريكية للأسواق الصينية. بيد أن كفة ميزان الصادرات بين البلدين هو لمصلحة الصين التي تصدر ما قيمته نحو 500 بليون دولار من البضائع للأسواق الأمريكية في السنة الواحدة كما ذكرنا في أعلاه، بينما الصادرات الأمريكية للأسواق الصينية لا تتجاوز 145 بليون دولار في السنة. تجلب التعريفة الجمركية الصينية، التي أتت ردا على الرسم الجمركي الأمريكي، نحو 35 بليون دولار في السنة للخزينة الصينية، ولكن يتحمل عبء دفعها المواطن الصيني. المحور الأول: التأثيرات والتوقعات الاقتصادية طويلة الأجل 1. العلاقات التجارية: يمكن أن يكون للعلاقات التجارية المتوترة، خاصة مع الصين، عواقب دائمة، إن التعريفات الجمركية الانتقامية من الشركاء التجاريين أثرت على الصادرات الأمريكية، خاصة في القطاعات الزراعية، وبالتالي أثرت على الصحة الاقتصادية للمناطق التي تعتمد على مثل هذه الصناعات. 2. الابتكار والاستثمار: إن التكاليف المرتفعة وعدم اليقين المرتبط بالتعريفات الجمركية قد تثبط الاستثمارات وتؤثر على الابتكار، ومع مواجهة الشركات تكاليف تشغيلية أعلى، فإن قدرتها على الاستثمار في التقنيات الجديدة وتوسيع العمليات قد تتضاءل، ما قد يؤثر على النمو الاقتصادي طويل الأجل، والآن في ولايته الثانية فإن التعريفات الجمركية الجديدة والتوترات والمخاوف من الانتقام من قبل البلدان التي تواجه هذه التعريفات الجديدة وحرب تجارية شاملة محتملة، من المحتمل أن تتسبب في دفع العديد من الشركات إلى تقليص استثماراتها المخطط لها، وهذا بلا شك سيضر بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم. 3. القدرة التنافسية العالمية: مع استمرار الاقتصادات الناشئة في النمو، فإن الإدراك الخارجي للحماية الاقتصادية الأمريكية قد يجعل الدول الأخرى أكثر جاذبية للشراكات التجارية العالمية، ولهذا قطع الاتحاد الأوروبي والصين ودول أخرى خطوات واسعة لتعزيز نفوذها، ما قد يشكل تحدياً لتفوق الولايات المتحدة في القيادة الاقتصادية. 4. التوقعات الاقتصادية : وبالتالي، مع بداية العام 2025 ومع التعريفات الجمركية الجديدة، يتوقع إعادة توجيه محتملة لتدفقات التجارة العالمية، وقد يؤدي استمرار التعريفات الجمركية وتوسيعها إلى زيادة التحالفات التجارية الإقليمية؛ مع اعتبار الولايات المتحدة شريكاً تجارياً أقل قابلية للتنبؤ لسياسته التجارية، ستسعى البلدان إلى الاستقرار من خلال الاتفاقيات الإقليمية، ما يؤدي إلى نظام اقتصادي عالمي متعدد الأطراف، وقد يكون توسع مجموعة البريكس ) نتيجة طبيعية على سبيل المثال، وأيضاً اتفاقية التجارة لآسيا والمحيط الهادئ (آسيان) وغيرها، وقد نرى زيادة التجارة مع الدول الأعضاء بين بعضها و مع الاتحاد الأوروبي لتعويض أي انخفاض في تجارتهم مع الولايات المتحدة. 5. التكيف مع معايير التجارة الجديدة: قد تتكيف الشركات مع معايير التجارة الجديدة من خلال تنويع سلاسل التوريد والحد من الاعتماد على كل من الأسواق والموردين الأميركيين بمرور الوقت. قال دونالد ترامب مؤخراً -عندما أعلن عن فرض رسوم جمركية جديدة على كندا والمكسيك والصين- إن «ألم الرسوم الجمركية سيكون (يستحق الثمن)»، وأنا وكثيرون سوف نتساءل: هل يستحق ألم الرسوم الجمركية كل هذا العناء؟ ومَن سيدفع الثمن حقاً؟ على أي حال، لدينا 4 سنوات لمعرفة ذلك.
المحور الثاني: التأثير تعريفات ترامب الجمركية على المملكة المتحدة
في فبراير 2025، التقى رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث كانت التعريفات الجمركية الجديدة تلقي بظلالها على العلاقات التجارية بين البلدين. صدّرت المملكة المتحدة حوالي 58 مليار جنيه إسترليني من السلع إلى الولايات المتحدة في العام 2024، بما في ذلك السيارات والآلات والأدوية. ومع ذلك، كانت المملكة المتحدة بالفعل تواجه تأثير التعريفات السابقة التي تستهدف واردات الصلب والألمنيوم والسيارات. وأوضح رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر أن التعريفة الجديدة البالغة 10% ستؤثر بشكلٍ واضح على الاقتصاد البريطاني. 1. في محاولة لتخفيف هذه الأضرار، تسعى المملكة المتحدة إلى التفاوض على صفقة تجارية، لكن أحد مستشاري ترامب أشار إلى أن أي اتفاق محتمل يجب أن يكون “استثنائيًا”. وعلى الرغم من عدم إعلان الحكومة البريطانية عن أي ضرائب على الواردات الأمريكية حتى الآن، إلا أنها تعمل على إعداد قائمة بالمنتجات الأمريكية التي قد تُفرض عليها تعريفات انتقامية. 2. وفي ظل هذه الظروف، أعلنت شركة جاكوار لاند روفر لصناعة السيارات عن “توقف” جميع الشحنات إلى الولايات المتحدة، حيث تسعى لتكييف نفسها مع الشروط التجارية الجديدة. وقد حذر الاقتصاديون من أن التعريفات الأمريكية قد تعرقل الاقتصاد البريطاني، مما يجعل من الصعب على الحكومة الالتزام بقواعد الاقتراض الخاصة بها.
المحور الثالث: كم يبلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين؟ تسجل الولايات المتحدة حاليًا عجزًا تجاريًا مع الصين. في العام 2024، استوردت الولايات المتحدة كميات أكبر بكثير من الصين، حيث بلغت قيمة الواردات 440 مليار دولار، بينما بلغت قيمة ما استوردته الصين من أمريكا 145 مليار دولار. خلال ولايته الأولى، فرض ترامب رسومًا جمركية كبيرة على الصين، والتي استمرت وتوسعت من قبل خلفه جو بايدن. ساعدت هذه الحواجز التجارية في تقليل نسبة ما تشتريه الولايات المتحدة من الصين، حيث انخفضت من 21% من إجمالي واردات أمريكا في العام 2016، إلى 13% في العام 2024. ومع ذلك، لا تزال الصين تشحن كل شيء من هواتف آيفون إلى ألعاب الأطفال إلى الولايات المتحدة. وقد أشار المحللون إلى أن بعض السلع الصينية تدخل الولايات المتحدة عبر دول جنوب شرق آسيا المجاورة، مما قد يعني أنها تستطيع تجنب الرسوم الجمركية التي تصل إلى 145%. تلوح في الأفق حرب تجارية شرسة بين الولايات المتحدة وأوروبا، مع فرض واشنطن رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات الحديد والألمنيوم الأوروبية. ولم يتأخر رد المفوضية الأوروبية، التي اتخذت إجراءات مماثلة، مستهدفةً مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، من الويسكي البوربون إلى الدراجات النارية هارلي دييفيدسون. عاد شبح الحرب التجارية ليخيم على العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث فرضت واشنطن في 12 مارس تعريفة جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبي، مما دفع التكتل للرد بإجراءات مضادة. أوضح الخبير الاقتصادي فاسيليوس بساراس، من مؤسسة ديهافيلاند أوروبا في بروكسل، لـيورونيوز أن السياسات الحمائية تؤدي دائمًا إلى تعطيل وسائل الإنتاج، مضيفًا أن القيود الجمركية على المعادن الأساسية مثل الصلب والألمنيوم ستؤثر على الصناعات الأوروبية وتُحدث تضخمًا إضافيًا، خصوصًا إذا رافقتها سياسات مالية صارمة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
المحور الرابع: هل سيعاني المستهلك الأوروبي؟ التأثير المباشر على المستهلكين الأوروبيين لا يزال غير واضح تمامًا، لكن بساراس يرى أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة سيدفع المواطنين إلى استهلاك المنتجات المحلية كبديل. ومع ذلك، هناك مخاوف من تداعيات أخرى، أبرزها: 1. ردود فعل الأسواق المالية. 2. السياسات النقدية الأوروبية وتأثيرها على التضخم. وفي ظل هذه التغيرات، قد يتعين على الأوروبيين البحث عن بدائل للمنتجات الأمريكية. ويشير بساراس إلى أن الاقتصاد الأوروبي قادر على تعويض معظم الواردات الأمريكية، مستشهدًا بانخفاض مبيعات سيارات تسلا في السوق الأوروبية، والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي الأوروبي مثل "ميسترال AI" كبديل عن ChatGPT. رغم قدرة بروكسل على تنويع مصادرها التجارية، إلا أن السيطرة الأمريكية علىالنظام المالي العالمي لا تزال عقبة رئيسية. فالاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على الأسواق المالية الأمريكية، وأي ركود اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة قد ينعكس سلبًا على اقتصادات أوروبا، التي لن تكون في مأمن من التداعيات.
بالتركيز على ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، يتوقع الخبراء أن التعريفات الأمريكية قد تقلل الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنحو 0.5% على مدار العامين المقبلين.
أشارت التوقعات السابقة من البنك المركزي الأوروبي إلى أن تعريفة أمريكية شاملة بنسبة 25% على الواردات الأوروبية قد تقلل من نمو منطقة اليورو بمقدار 0.3 نقطة مئوية في السنة الأولى، مع تضخيم التعريفات المضادة من قبل الاتحاد الأوروبي لهذا التراجع إلى نصف نقطة مئوية.
أكد المستشار الألماني أولاف شولتز أن الاتحاد الأوروبي يمتلك أقوى سوق في العالم، يضم 450 مليون مستهلك، مما قد يعزز قوة الكتلة في مناقشاتها مع الولايات المتحدة لتجنب حرب تجارية.
على الرغم من الدعوات للتعاون بدلاً من التصادم، يعتقد بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبي قد يستجيب بسرعة وبقوة من خلال إصلاحات شاملة، مما يعالج في الوقت نفسه تراجع الطلب على الصادرات ويعزز قوته التنافسية.
يعد قطاع السيارات ضعيفًا بشكل خاص، حيث تؤثر التعريفات الأمريكية بنسبة 25% على السيارات غير المصنعة في الولايات المتحدة بشكل كبير على الشركات المصنعة الأوروبية، خاصة تلك الموجودة في ألمانيا.
في عام 2024، كانت الولايات المتحدة السوق الأكبر لواردات السيارات الألمانية، حيث شكلت 13% من إجمالي قيمة صادرات السيارات البالغة 135 مليار يورو.
يمكن أن تهدد الزيادات المحتملة في الأسعار وانخفاض الطلب بسبب التعريفات الوظائف في هذه الصناعة الحيوية بينما تؤثر سلبًا على نموها وأرباحها السنوية. المحور الخامس: تأثير رسوم ترامب الجمركية على الدول العربية لم تسلم الدول العربية من رسوم ترامب الجمركية، وإن كانت في معظمها أخفّ وطأةً المحور السادضالرسوم العالمية، حيث فُرضت 10% كرسوم على الدول العربية باستثناء سوريا، والعراق، وليبيا، والجزائر، وتونس، والأردن، وهي الدول التي فرض عليها رسوماً أكبر بنسب تبدأ من 20% (على الأردن)، وتصل إلى 41% (على سوريا). رئيس الوزراء المصري وصف الرسوم الجمركية بالـ"حرب التجارية الشاملة"، معترفاً بخروج العديد من رؤوس الأموال الأجنبية من السوق المصري، ومؤكداً أن بلاده ستعمل على توسيع قاعدة شركائها التجاريين جنباً إلى جنب مع دعم الصناعة المحلّية. أما العراق، فقد تبنّى سياسة الحوار مع الولايات المتحدة فضلاً عن توسيع التبادل التجاري بين البلدين وتطوير الخدمات المصرفية بينهما. ولفهم مدى تأثير هذه التعريفات الجمركية على الاقتصادات العربية، تنبغي معرفة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية. نجد مثلاً أنّ قيمة واردات الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2024، بلغت 61.3 مليار دولار، وفق بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة. ولكنها لا تشكّل إلا نسبة 1.49% من إجمالي واردات الولايات المتحدة التي بلغت 4.1 تريليون دولار للعام نفسه، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي. وبالنظر إلى تفاصيل صادرات الدول العربية إلى الولايات المتحدة، نجد أنّ أعلى دولة عربية تصديراً إلى الولايات المتحدة هي السعودية بـ12.7 مليارات دولار في 2024، أي أنها تساهم فقط بـ0.3% من إجمالي واردات الولايات المتحدة في السنة نفسها.
1. إلى أي مدى قد تتأثّر الدول العربية بالقرار؟ أستاذ الاقتصاد في جامعة جنوب المتوسط في تونس وزميل مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حمزة المؤدّب، يوضح لرصيف22، أنّ دولاً مثل مصر والأردن وتونس والمغرب التي تصدّر سلعاً أو مواد غذائيةً أو مواد مصنّعةً للولايات المتحدة "ستتأثّر بشدة" بالتعريفات الجمركية الأخيرة التي فرضها ترامب. على النقيض، يقلّل أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة، عمرو عدلي، في حديثه إلى رصيف22، من تلك التأثيرات المحتملة في كل من مصر وتونس والمغرب، مرجحاً أنها ستكون "تأثيرات غير مباشرة لعدم وجود تبادل تجاري كبير في ما يخصّ الصادرات غير النفطية مع الولايات المتحدة". مع ذلك، يتوقّع عدلي، أنّ الأردن "سيتأثّر بشدّة لوجود اتفاقية تجارة حرّة بينها وبين الولايات المتحدة، ورفع الرسوم عليه إلى 20% واندماجه في سلاسل الإنتاج الأمريكية غير النفطية، على عكس المغرب الذي على الرغم من امتلاكه اتفاقية تجارة حرّة مع الولايات المتحدة، إلا أنه يستهدف السوق الأوروبي أكثر من الأمريكي". ولكن بشكل عام، التأثير على الدول العربية، وفق عدلي، قد ينتج عن الركود التضخّمي (الرُّكود التضخُّميّ هي حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي، يرافقه تضخم. تحدث هذه الحالة عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد ولكن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، وتعتبر حالة غير مرغوب فيها.) الذي سيشهده العالم نتيجة تقلّبات السوق الأمريكي، الذي يُعدّ من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم. يتفق معه المؤدّب، حيث يرى أنّ الصناعات التحويلية وصناعة قطع السيارات والكابلات في دول مثل تونس والمغرب ومصر ستتأثر نتيجة هذا الركود، وأنّ قطاع الصناعات الغذائية سيتأثّر أيضاً مثل زيت الزيتون. يقلّل المؤدّب وعدلي، من تبعات الرسوم الجمركية الاقتصادية على الدول العربية المصدّرة للنفط تحديداً، عادّين أنها ستكون غير مباشرة على الأرجح، نظراً إلى أن النفط لا يخضع للرسوم الجمركية، إلا أنّ الخطر يرتبط بالركود والتضخّم والركود التضخّمي، وبالتالي ليس مستبعداً أن تخفِض هذه الدول من بعض مشاريعها أو توقف إنتاجها حتّى
2. ماذا عن النفط؟ وعلى الرغم من أنّ الدول العربية لا تُساهم بشكل كبير في واردات الولايات المتحدة عموماً، إلا أنّ قطاع النفط يُعدّ أحد أكبر القطاعات الحيوية في سياق التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول العربية، وللطرفين على السواء، حيث يُعدّ النفط السلعة الأكثر استيراداً للولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ42.7 مليارات دولار لعام 2022، طبقاً لبيانات البنك الدولي. واحتلت الواردات النفطية (الوقود والزيوت وغيرها)، المركز الرابع ضمن واردات الولايات المتحدة لعام 2024، بقيمة 251.1 مليار دولار. كما أنّ قطاع النفط يأتي في المركز الأول في صادرات الولايات المتحدة بقيمة 320 مليار دولار لعام 2024، وفق قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة المتاحة عبر موقع Trading Economics. وبالنسبة إلى قطاع النفط في الولايات المتحدة تحديداً، تُعدّ الدول العربية مصدراً مهماً لا يمكن الاستغناء عنه، حيث تحلّ السعودية ثالثة كبرى الدول تصديراً للنفط للولايات المتحدة والعراق في المركز السادس، وفق بيانات عام 2024 الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وهي جهة رسمية ضمن النظام الإحصائي الأمريكي وفي تقرير نشرته في آب/ أغسطس 2024، أشارت فوربس، إلى أنه على مدار خمسة أعوام، ظلّت كندا تحتكر أكثر من 60% من صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، وبعد أن كانت نسبة مساهمة الشرق الأوسط في الصادرات الأمريكية 24.6% عام 2018، أصبح 10.8% في 2024، أي انخفض بأكثر من النصف في أقل من ست سنوات. وقد أحدثت تعريفات ترامب الجمركية، هزّةً في السوق السعودي، حيث سجّل مؤشّر السوق السعودي، يوم 6 نيسان/ أبريل 2025، أكبر نسبة خسائر يومية من حيث النقاط منذ العام 2008، وأدنى معدّل للإغلاق منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. كما سجّلت أسعار النفط انخفاضات قياسية، حيث وصل سعر البرميل، يوم 7 نيسان/ أبريل المنصرم 2025، لأقل من 60 دولاراً وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات، ليكسر الرقم الذي وصل إليه في الأسبوع السابق عليه وهو 61 دولاراً، وكان أقلّ مستوى منذ أربع سنوات وقتها.
3. هل تردّ الدول العربية بقرارات مماثلة؟ إلى ذلك، يستبعد المؤدّب، أن تردّ الدول العربية على قرار ترامب، برسوم مماثلة، تفادياً لتصعيد أكبر أو ردّ فعل أسوأ من الإدارة الأمريكية، مرجّحاً أنّ غالبية الدول العربية قد تلجأ إلى تسوية دبلوماسية مع إدارة ترامب، خاصّةً الدول مثل الأردن والمغرب ومصر. من ناحية أخرى، يشير المؤدّب، إلى وجود مخاطر من الركود وتراجع الاستثمار والتضخّم على الاقتصادات المستوردة للنفط، وتأثير تراجع أسعار النفط على الدول المصدرة للطاقة. وعلى مستوى التأثيرات بعيدة المدى، يرى عدلي، أنّ المعيار هو ما ستؤول إليه الأسواق، فإذا تم تثبيت تلك الرسوم، فالنتيجة ستكون موجات من الركود التضخّمي، والاضطراب. مشكلة أخرى هي تضرّر سلاسل التوريد -قطع الغيار والآلات والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج- والتي أصبحت تسيطر على 70% من التجارة العالمية وجزء لا بأس به منها داخل الولايات المتحدة، ما من شأنه أن يؤدّي إلى فترات ركود طويلة وتراجع في التشغيل والاستثمار. وحتّى إن تراجع ترامب عن رسومه الجمركية، فالنتيجة لن تكون مثاليةً، فقراراته ستعمّق حالة عدم اليقين في الأسواق، ومن ثم تزيد اضطراب السوق، و"من يضمن وقتها ألا يعود وينقلب على قراراته؟"، يردف عدلي، مشدّداً على أنّ تصوّر الإدارة الأمريكية بأنّ تثبيت الرسوم المرتفعة سيحقّق استقراراً بعد فترة، بما يقلّل معدّلات التضخّم هو تصوّر خطأ، خصوصاً أنّ الأسواق تسودها حالة عدم يقين تسبّبها تصرّفات ترامب نفسه غير المستقرّة.
خاتمة في حين تهدف سياسات التعريفات الجمركية لترامب على ما يبدو إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي، فإن فعاليتها تظل موضوع نقاش، وفي حين كانت التأثيرات المباشرة مزيجاً من التحسينات الاقتصادية المحلية قصيرة الأجل وتوترات التجارة العالمية، فإن التأثيرات طويلة الأجل قد تشهد تحولاً في ديناميكيات القوة الاقتصادية، إن الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كلاعب اقتصادي رئيسي قد يعتمد بشكل أكبر على تبني التعاون العالمي بدلاً من التدابير التجارية أحادية الجانب. ومن المؤكد أن التوقعات الاقتصادية في الأمد البعيد ستصبح أقل ملاءمة للولايات المتحدة إذا أصبحت التعريفات الجمركية تهديداً وسلاحاً متكرراً. وكلما اعتمدت الولايات المتحدة على التعريفات الجمركية كسياسة تجارية، زادت قوة الحافز للدول الأخرى لتقليل اعتمادها الاقتصادي والمالي على الولايات المتحدة وتسريع تفتيت النظام الاقتصادي الدولي الذي خدم أميركا تاريخياً بشكل ممتاز وفعال. يتضح مما تقدم عرضه في هذه الورقة أن قرار الولايات المتحدة بفرض التعريفة الجمركية هدف إلى حماية صناعاتها الوطنية من منافسة الواردات الأجنبية، وحماية أمنها القومي، ولكن تأثيرات هذه الخطوة تجاوزت الحدود الأمريكية بالنظر إلى مكانة الاقتصاد الأمريكي وارتباطاته العالمية، ولاسيما مع القوى الدولية المصدرة لمنتجات الصلب والألمونيوم؛ مثل الصين، وكندا، ودولة الإمارات العربية المتحدة. بيد أن تأثيرات الخطوة الأمريكية على الاقتصاد الدولي تباينت من حيث حجم صادرات كل دولة من هذه المنتجات إلى السوق الأمريكية، ومدى اعتماد اقتصادها على هذه المنتجات في تجارتها مع العالم. ورغم المخاوف الأولية من تأثيرات هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي في حال ردت الدول المتضررة بإجراءات مشابهة، فإن مؤشرات السوق واتجاهاته أبرزت أن العالم آخذٌ في التأقلم مع هذا المستجد والتكيف معه. في الختام، تمثل التعريفات الجمركية أداةً قوية تؤثر بشكلٍ كبير على الاقتصاد العالمي والمحلي. من خلال فرض الرسوم الجمركية، يمكن للحكومات حماية صناعاتها المحلية وتعزيز الإنتاج المحلي، لكن ذلك يأتي أيضًا بتكاليف محتملة، مثل ارتفاع الأسعار وتهديد العلاقات التجارية.
#سناء_عبد_القادر_مصطفى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأي في بحث ستار جبار رحمن الموسوم: الاقتصاد الريعي كنموذج رأ
...
-
منهجية ابراهيم كبة في التدريس والادارة والبحث العلمي
-
تقاطعات الاتصال والدراسات الثقافية: القوة والهوية والتأثير ا
...
-
قراءة في كتاب الخيار الآخر
-
نظرة سريعة على بعض المؤشرات الاقتصادية في النرويج
-
كيف يؤثر عدم المساواة الاقتصادية على التنمية الاجتماعية
-
تصريحات دونالد ترامب النارية
-
مشاكل جدية تواجه إدارة دونالد ترامب - مقاومة على جبهة الطاقة
-
ماذا حدث في سوريا؟؟
-
القاء ضوء على كتاب الدكتور مجيد الراضي الموسوم: محنة الوعي ف
...
-
قراءة في كتاب سجين الشعبة الخامسة.
-
تأمين المشاريع الصناعية في القطاعات العامة والخاصة والمختلطة
...
-
فنان قلما يعرفه الوسط التشكيلي العراقي - محمد صادق رحيم
-
نظرة في كتاب: نصف قرن في رحاب الحركة الشيوعية
-
مسائل ملحة تواجه الاقتصاد الروسي
-
قراءة في كتاب سنوات التحدي والإصرار
-
صدور العدد رقم 31 من مجلة الأكاديمية العربية في الدنمارك
-
أسباب مرونة الاقتصاد الروسي في مواجهة الصدمات
-
تكيف القطاع الصناعي في روسيا الاتحادية مع العقوبات الغربية
-
قراءة في رواية سلام عبود : امرأة وخمس نساء
المزيد.....
-
ارتفاع التضخم في مصر إلى 13.9% في أبريل
-
كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟
...
-
اقتصاد المؤثرين في المغرب.. نمو سريع وتحديات قانونية
-
بنعبد الله يؤطر لقاء تواصلي ناجح تحت عنوان “الشباب والسياسة
...
-
-الجيش خط أحمر-.. خبير مصري يرد على نجيب ساويرس بعد حديثه عن
...
-
هاتف HONOR 400 ينفجـر في الأسواق: تصميم فخم ومواصفات نـارية
...
-
ساويرس يثير جدلا واسعا بحديث عن الجيش المصري وإنتاج -البسكوي
...
-
بدء المحادثات التجارية بين الصين وأميركا في جنيف
-
محافظ بنك إنجلترا: الاتفاق مع واشنطن جيد لكن الرسوم لا تزال
...
-
تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار اليوم السبت
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|