أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - الفقه الوعظى : الكتاب كاملا















المزيد.....



الفقه الوعظى : الكتاب كاملا


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 21:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا الكتاب
جديد في موضعه ، يتعرض للفقه الوعظى، ويرد على أصحابه من وجهة نظر قرآنية ، تصحح وتوضّح . وقد قسمنا الكتاب الى ثلاثة أبواب .
الفهرس

الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
هذا الكتاب
جديد في موضعه ، يتعرض للفقه الوعظى ويرد على أصحابه من وجهة نظر قرآنية ، تصحح وتوضّح . وقد قسمنا الكتاب الى أبواب .
الفهرس
الباب الأول : التمهيدي :
الفصل الأول : لمحة عن ( عن الفقه النظري / الفقه الصورى / والاستقصائى )
( الفصل الثانى ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي )
أئمة الفقه الوعظى
( الفصل الثالث ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي عند أبى حامد الغزالى ) :
الباب الثانى :
الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى
( ج 1 )
الوحى الشيطانى لابن الجوزى في كتاب ( تلبيس إبليس )
( ج 2 )
هذا الجزء الثانى يتوقف مع ما ذكره إبن الجوزى عن نفسه
( ج 3) ( ج 4) ( ج 5) ( ج 6 ) ( ج 7) ( ج 8) ( ج 9 ) :( ج 10 ) ( ج 11 ) ( ج 12) ( ج 13) ( ج 14) ( ج 15) ( ج 16) ( 17): ( ج 18) ( ج 19) ( ج 20 ): ( ج 21 ) ( ج 22 ) ( ج 23 ) ( ج 24 ) ( ج 25 ) ( ج 26 ) ( ج 27 )
الباب الأخير
الفقه الوعظى في كتابات ابن تيمية وابن القيم وابن الحاج العبدرى
الفصل الأول
الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1
ج2 : ( نقد الأحاديث )
الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) . الاستتابة او القتل .
ج 3 الاستتابة حضيض الكفر لابن تيمية . لماذا :
الفقه الوعظى عند إبن القيم الجوزية ( 691 : 751 ) هجرية .
الفصل الثالث
الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج1 ) عن الغش في الأسواق
الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج2 ) عن النساء
خاتمة كتاب ( الفقه الوعظى )

الباب الأول : التمهيدي :
الفصل الأول : لمحة عن ( عن الفقه النظري / الفقه الصورى / والاستقصائى ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
1 ـ المقصود بالفقه النظري هو أن يفترض المؤلف تصرفا معينا ثم يضع الحكم بشأنه ، كأن يقول " إذا فعل كذا كان عليه كذا ".. وذلك ما يعرف بالصورة الفقهية ، وهي صورة نظرية وكانت في البداية مستمدة من الواقع ، كشخص فعل شيئا ثم ذهب يستفتي في الحكم فأفتاه الفقيه ، وأصبحت الفتوى نظرية قابلة للتطبيق وحُكما ساري المفعول على نفس الحالة . ثم تعقدت الحياة الاجتماعية في العصر العباسي وتكاثر الفقهاء ، وتشعبت أمور الاجتهاد فظهر نوع من الاستقصاء في الأحكام بحيث أصبحت الصورة الفقهية مستمدة أساسا من خيال الفقيه. فهو يؤلف تصرفا معينا ثم يضع له الحكم .
2 ـ وقد بدا الفقه النظري بين سطور كتاب " الأم " للشافعي .
2 / 1 : ونقول " بين السطور " لأن الشافعي كان يبدأ بالتدليل على الحكم بالأصول من قرآن وحديث وأقاويل الصحابة والتابعين إن وجدت ، ثم يقول رأيه ويأتي بالتفريعات ومن خلالها قد يأتي بالصورة الفقهية " إن فعل كذا فهو كذا " ، وكانت للشافعي طريقة مميزة في التفريعات وهي قوله " أكره له أن يقول كذا " و " استحب أن يفعل كذا ".فاشتقوا من كلامه أحكام المكروه والمستحب / المندوب ، فاتسعت بكتاب الشافعى ( الأم ) الفجوة بين الإسلام والدين السُنّى ، وإكتملت البلوى برسالته التي جعل الأحاديث هي رسول الله ، ومفروض طاعتها ، مع إنه يعرف أنها هي التي إفتراها شيخه مالك بن أنس ثم إفتراها هو من بعده .
2 / 2 : وتعاظم البلاء بصناعة ملايين الأقاويل ونسبتها للنبى محمد عليه السلام قرونا بعد موته ، وعبر أشخاص ماتوا دون أن يعلموا ما قيل عليهم . وبهذا توسع الفقه النظرى معتمدا على أحاديث ضالة مُضلّة .
3 ـ توسّع الفقهاء الأحناف بطريقة أخرى في مجال الفقه النظري ..
3 / 1 : ولا ينطبق هذا على تلميذ أبي حنيفة المشهور وهو محمد بن الحسن الشيبانى الذي حاول التوفيق بين مذهبي أبي حنيفة ومالك وروى الموطأ لمالك .. وكان معتدلا بالنسبة لمن جاء بعده من الفقهاء الأحناف الذين توسعوا في الاجتهاد برأيهم إلى أن وصلوا إلى الاستقصاء في المسائل والصور الفقهية ، بل وأرسوا ما يعرف بفقه الحيل .
3 / 2 : والإمام علاء الدين الكاساني الحنفي ت 587 في كتابه " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " هو أشهر مصادر الفقه الحنفي . ويقول فيه عن الصوم مثلا " كتاب الصوم : الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان الصيام وصفة كل نوع وفي بيان شرائطها وفي بيان أركانها ويتضمن بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها إذا فسدت وفي بيان حكم الصوم المؤقت إذا فات عن وقته وفي بيان ما يسن وما يستحب للصائم وما يكره له أن يفعله ، أما الأول فالصوم في القسمة الأولي ينقسم إلى لغوي وشرعي .. الخ ".
4 ـ هنا يتبع الفقيه الحنفي طريقة الاستقصاء السريانية ، وهي المنهج العلمي الذي ساد الحياة الفكرية في العراق والشام قبل الفتح الإسلامي ثم استمرت بعده ، ويعني إخضاع البحث إلى قوانين عامة تسري على كل شيء وينتظم في إطارها كل شيء ، وبذلك تتري التفريعات والتفصيلات والجزئيات في فصول وأبواب وكتب وفق تقسيمات منهجية صارمة.
4 / 1 : وذلك المنهج السرياني في الفقه أوسع المدارك وساعد على تجميع الشوارد وتبويب المسائل المتشابهة في نسق واحد كما أدى إلى وجود نوع من الفقه الشمولي الذي يضع الفتاوى والأحكام لكل شيء ، وبذلك اتسع الفقه النظري وسيطر على مجال الكتابة الفقهية ولا يزال ..
4 / 2 : ولا شك أن ذلك المنهج الفقهي النظري كان تعبيرا عن الواقع الاجتماعي للعصر العباسي العراقي ، وكان مفيدا له حيث تعقدت الحياة الاجتماعية في العراق بسبب تنوع الأجناس والثقافات والميول والمشارب ، وأثمرت انقسامات فكرية وسياسية وتقلبات في المزاج والسلوكيات ، وشأن ذلك المنهج الفقهي النظري أن يأتي بأحكام فقهية تناسب كل ما يأتي من سلوكيات وتصرفات مهما تناقضت أو تداخلت أو تفرعت .
4 / 3 : على أن ذلك المنهج السرياني الاستقصائي كانت له آثاره الجانبية السيئة في مسيرة علم الفقه ، وتتركز في : التركيز على الجانب المظهري الخارجي وإهمال العوامل الباطنية .
5 ـ الفقه والجانب الشكلى المظهرى للعبادة .
5 / 1 : والإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتبه " بدائع الصنائع " تعرض في " كتاب الصلاة " لسائر تفصيلات الصلاة واستغرق هذا منه ثلثي الجزء الأول من كتابه ، أو ما يزيد على مائتي صفحة ، تناول فيها عدد الصلاة وعدد الركعات وصلاة المسافر وأركان الصلاة وواجبات الصلاة والآذان والجماعة والسهو والجمعة والعيدين والخسوف والكسوف والجنازة .. الخ ؟ وفي كل ما ذكره كان التركيز على الجانب الظاهر في كيفية الصلاة ، وبقدر ما أوغل في تلك الأمور الظاهرية ابتعد عن الأسس القلبية التي اهتم بها القرآن الكريم .
5 / 2 : فالقرآن الكريم في تشريعه للصلاة ركز على الخشوع ا{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } وركز على إقامة الصلاة أو المحافظة عليها {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } ( المؤمنون : 1- 2 – 9).
والمحافظة على الصلاة وإقامتها تعني اجتناب المعاصي قبل الصلاة وبعدها ، لأن الصلاة وسيلة للتقوى[َأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ]( العنكبوت :45). وإذا كانت إقامة الصلاة تعني المحافظة عليها قبل وبعد وأثناء الصلاة فإن الخشوع يعني استحضار عظمة الله تعالى أثناء تأدية الصلاة من قيام وركوع وسجود وتلاوة وتسبيح .. وتلك وظيفة العبادات كلها في تشريع القرآن أن تكون وسيلة للتقوى والسمو الخلقي ومحاسبة النفس قبل يوم الحساب والله تعالى يقول عن الهدف من العبادات. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21 .وكتابات الفقه النظري الاستقصائي على كثرة اهتمامها بالحركات الظاهرة في الصلاة فإنها لم تتعرض للنية والخشوع والتقوى في عقيدة الذي يصلي حين يصلي .
5 / 3 : بل أنها أهملت جانبا تشريعيا خطيرا وهي حكم الصلاة أمام القبور المقدسة والأنصاب ، والقرآن الكريم يحذر المؤمنين – لاحظ المؤمنين – من الاقتراب من الأنصاب ، أو القبور المنصوبة للتقديس ، فيقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة90 . وكان ينبغي على كتابات الفقه النظري التي تستقصي كل شيء أن تفصل الأحكام الخاصة بهذا الموضوع ، لكنها اقتصرت على الظواهر وبالغت فيها دون داع وأهملت ما اهتم به القرآن الكريم .
5 / 4 : بل إن هناك ما هو أكثر في موضوع العبادات .
فالقرآن أوجز الأحكام الخاصة بالطهارة في آيتين فقط ، هما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }النساء43
وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين ِوَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6 . وفي الآيتين أحكام الوضوء والغسل والتيمم ونواقض الغسل والوضوء . وذلك في وضوح وإيجاز ، ولكن تفصيلات الطهارة تضخمت بشكل ملحوظ في كتابات الفقه النظري ، وأضيفت إليها تفصيلات عن أنواع الماء والمسح على الخفين وتفصيلات لا داعي لها في نواقض الوضوء وفي الاستنجاء وفي الغسل ، وكلها تتطرق في وصف الحركات الظاهرة وتفتح جبهات للجدال والنقاش في أمور سكت عنها التشريع القرآني ولم يعرفها خاتم النبيين عليه السلام ، كما تفتح المجال أمام خيالات لكي تؤلف صورا فقهية خيالية مستحيلة ومريضة ، مثل تلك التي تتحدث عن الذي "يحمل قربة فساء"هل ينقض وضوؤه أم لا ؟ و( حُكم من زنى بأمه في جوف الكعبة في نهار رمضان عامدا متعمدا ) و ( حُكم من جاع واضطر الى أكل جثة نبى من الأنبياء ) .وكانت تلك الفتاوى الكريمة مقررة علينا في التعليم الأزهري ..!!
5 / 5 : ومن أسف أن ذلك الاستقصاء النظري والخيالي قد أخذه الكثيرون مأخذ التدين وأصيب الكثيرون من الفقهاء في العصر العباسي المتأخر والعصر المملوكي بالوسوسة في الوضوء والصلاة .
6 ـ والملاحظ أن آيات التشريع القرآني تختتم بالحث على التقوى والخوف من الله وأنه تعالى عليم بما نعمل وبصير بما نفعل ، أي أن التركيز في التشريع القرآني على تطهير القلب وسموه عن الرياء والنفاق وأن يتصرف الإنسان في أعماله عن خشية من الله وعن تقرب إلى الله ، وتلك هي فلسفة التشريع القرآني الإسلامي أن يحاسب الإنسان نفسه قبل أن يحاسبه ربه ، ولذلك كان التركيز في الوحي المكي على إخلاص العقيدة لله وأن يكون القلب سليما من الشرك والرياء وبعد أن تربي المسلمون على ذلك وقامت دولتهم في المدينة نزل التشريع في المدينة يؤكد لهم أيضا أن كل التشريعات الإسلامية ينبغي أن تكون فرعا للعقيدة الإسلامية وامتدادا لها .
6 / 1 : وعلى سبيل المثال يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( البقرة 278- 281 ).
ففي الآيات عن تحريم الربا نرى الأمر بالتقوى والتوبة والحث على الإيمان والخوف من اليوم الآخر .. وكلها أمور قلبية باطنية لم تحظ باهتمام الفقه النظري ، وإن كانت أساسا منهجيا للتشريع القرآني الذي يجعل المؤمن رقيبا على نفسه يحاسبها قبل أن يحاسبه البشر بقوانينهم ، والقانون البشري إذا كان عادلا فهو يجعل المتهم بريئا حتى تثبت إدانته ، أما التشريع القرآني فيجعل الشخص البريء الذي لم تثبت عليه تهمة قانونية، تجعله يخشى الله قبل أن يخشى الناس وتجعله يخاف حساب الآخرة قبل الدولة .
6 / 2 : ولذلك كان منهج التشريع القرآني هو تربية القلب عند المسلم لكي يسمو ويتزكى ، يقول تعالى عن الشهادة ( وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (البقرة 283) وحين يكون القلب آثما فذلك ما لا يستطيع الحكم عليه إلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .. والله سبحانه وتعالى يقول عن الطلاق "وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة231 . فالرجل قد يعيد طليقته إلى عصمته لكي يكيد لها ، ولا يستطيع القانون الوضعي أن يفعل له شيئا ، وذلك أمر متروك لضميره بتعبير عصرنا أو على درجة تقواه بتعبير الإسلام ، ومن هنا كان التشريع القرآني يركز على التخويف والترهيب من الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى .
6 / 3 : ذلك المنهج القرآني أهملته الكتابات الفقهية النظرية بينما أغرقت في التفصيلات والتفريعات الخاصة بالبيوع والمعاملات إلى درجة التنظير الخيالي ، مما جعل الفجوة واسعة بين شرع إلهي يجعل القلب أساسا في التعامل بين الله والمسلم وبين فقه سرياني يقوم على الظاهر فقط ويتجاهل التقوى التي هي هدف كل العبادات والمعاملات في الإسلام .
أخيرا
هذا عن الفقه النظرى ( الصورى ) .. فماذا عن الفقه الوعظى ؟
مع ملاحظة أننا من إخترع مصطلح ( الفقه الوعظى ) ومصطلح ( الفقه النظرى الصورى الاستقصائى )

( الفصل الثانى ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
أئمة الفقه الوعظى
الغزالى ( أبو حامد ) ت 505 .
قام في كتابه إحياء علوم الدين بوعظ الجميع ، إذ أصبح رأسا للصوفية والفقهاء وغيرهم ، فهاجم الزهاد والعلماء والعبّاد عامة والفقهاء خاصة ،واصحاب الحديث وعلماء الكلام والنحاة علي وجه الخصوص ،يقول الغزالي عن بعض فقهاء عصره (فرقة احكموا العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها واشتغلوا بها واهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي والزامها بالطاعات واغتروا بعلمهم ) ويستنكر في موضع اخر وسوسة الفقهاء في الصلاة ،كما استنكر من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وينسي نفسه ،ومن ينهمك في النوافل ويتشاغل عن الفرائض ،ثم استنكر ما يفعله صوفية عصره ممن يتمسك منهم بمظهره ومن يزعم منهم رؤية الله جل وعلا ومن يرفض منهم الشرع ويرفض الاعتراف بالحرام والحلال ويستبيح كل ما يقدر عليه بزعم ان الله تعالي مستغن عن عمله ومن يتخذ التصوف وسيلة لجمع المال والشهرة لدي السلطان ..الخ
إبن الجوزى :
وسار على منواله في القرن السادس الهجري الفقيه الحنبلي المؤرخ ابن الجوزي ت 597 في مؤلفاته الكثيرة ومواعظه المشهورة التي يحضرها الالوف في بغداد حسبما روي في ترجمته ،الا إن أشهر كتبه الوعظية : (تلبيس ابليس )الذي انتقد فيه احوال عصره ،ويحتج عليها بطريقة فقهية سهلة ،وقد بدأ كتابه بالأمر بلزوم السنة والجماعة في الباب الاول ،ثم ذم البدع والمبتدعين ،ثم التبليس من فتن ابليس ومعني التلبس والغرور وكيف غرر بالناس في عقائدهم قبل وبعد ظهور الاسلام ،ثم استنكر ما كان يفعله الخوارج ،ثم الشيعة ثم الفلاسفة ثم توقف بالتفصيل في الانكار علي فقهاء عصره ،وعرج علي علماء اللغة والمتعبدين والزهاد ،ثم تعرض بالتفصيل لأحوال الصوفية في عصره فيما يزيد علي نصف الكتاب ،وختمه بانكار بعض ما يفعله العوام . يقول عن المستوي العلمي لفقهاء عصره (كان الفقهاء في قديم الزمن هم اهل القرآن والحديث ،فما زال الامر يتناقص حتي قال المتأخرون يكفينا ان نعرف ايات الاحكام من القرآن وان نعتمد علي الكتب المشهورة في الحديث كسنن ابي داوود ونحوها ،ثم استهانوا بهذا الامر ايضا وصار احدهم يحتج بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري اصحيح هو ام لا ..)ويقول عن حيل الصوفية في ضم الناس اليهم (التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ،ثم ترخص المنتسبون اليه بالسماع (أي الغناء )والرقص فمال اليهم طلاب الاخرة من العوام لما يظهرونه من الزهد ،ومال اليهم طلاب الدنيا لما يرونه عندهم من الراحة واللعب )ويقول مستنكرا ما فعله الغزالي في الاحياء (وجاء ابو حامد الغزالي فصنف لهم كتب الاحياء علي طريق القوم (أي الصوفية)وملأه بالاحاديث الباطلة ،وهو لا يعلم بطلانها ،وتكلم في علم المكاشفة (أي العلم اللدني )وخرج عنه قانون الفقه ) . نرى ابن الجوزى يرى دينه السنى الحنبلى هو الصحيح ، و يضع نفسه فوق إبليس يحذر الناس من تلبيس إبليس بهم ، دون أن يدرى أنه من شياطين الإنس .
ابن تيمية ت 728
له حظ وافر في الكتابة الاحتجاجية في الفقه الوعظي ،وان كان يغلب عليها التقعيد الفقهي مثل رسالة الصوفية والفقراء والفرق بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان ،واحاديث القصاص ،الا ان اهم ما كتبه في هذا المجال هو تلك الرسالة الموجزة التي لا تزال مخطوطة عن الانحلال بين الصوفية وعنوانها (قاعدة في التنفير من المردان )وهي بدار الكتب المصرية تحت رقم 404 مجاميع تيمور .رقم 11 في المجموعة .
ابن القيم ت 751
كتابه (اغاثة اللهفان من مصايد الشيطان )هو عمدة في بابه ،ومن الواضح من عنوانه انه وضع علي نسق كتاب ابن الجوزي (تلبيس ابليس )الا ان اسلوبه كان اكثر تقعيدا في الفقه بينما قلت فيه المادة التاريخية التي يحتج عليها. وفي بداية كتابه ركز علي احوال القلوب متبعا طريقة الغزالي في كتاب احياء علوم الدين ،مع الاختلاف في التوجه العقيدي ،حيث ركز ابن القيم علي توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية ثم يتحدث عن مكايد الشيطان ،وكيف تسلل بمكايده للفقهاء في الوسوسة ولغيرهم في تقديس البشر والحجر والانصاب والاضرحة ،واستنكر ايضا الغناء لدي الصوفية وما يفعلونه في حفلات الغناء الديني ،ثم هاجم ما اعتاده عصره من الاعتماد علي المحلل في الاحوال الشخصية من الزواج والطلاق وعرج علي استنكار زواج المتعة والرد علي من احله ،ثم دخل في مناظرة فقهية في موضوع الطلاق خصوصا التطليق ثلاثا بلفظ واحد ،واستنكر التحايل الفقهي او فقه الحيل الذي ابتدعه الاحناف ،ثم يدخل بعد مناظرات فقهية شتي في فقه المعاملات الي استنكار العشق الصوفي الذي يجمع بين عقيدة التصوف في الحب الالهي وسلوك الصوفية في الانحلال الخلقي ،وفيه يعلق علي ما شاع في عصره بأثر التصوف ،ثم يستنكر الوقوع في الشرك وتقديس الاحجار والاوثان ،ويدخل بذلك علي ما تقوله الصوفية والصابئة والفلاسفة والشيعة الفاطمية ثم الاحبار وفرق النصاري واليهود .
يقول حول اقامة الاعياد حول القبور المقدسة (فمن مفاسد اتخاذها اعيادا :الصلاة اليها والطواف بها وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود علي ترابها وعبادة اصحابها والاستعانة بها وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون وتفريج الكربات واغاثة اللهفات وغير ذلك من انواع الطلبات التي كان عباد الاوثان يسألونها اوثانهم ).ويقول عن الحوانيت المنصوبة لتزويج المطلقة بالمحلل (فلو شاهدت الحرائر المصونات علي حوانيت المحللين مبتذلات …تنظر المرأة الي التيس نظرة الشاة الي شفرة الجازر …حتي اذا تشارطا ..نهض واستتبعها خلفه بلا زفاف ولا اعلان …فلا جهاز ينقل ولا مهر مقبوض …والزوج السابق يبذل المهر ….وهذا التيس يطأ بالأجرة …حتي اذا خلا بها وارخي الحجاب والمطلق والولي واقفان علي الباب ….حتي اذا قضيا عرس التحليل…فاذا قد كان قبض الاجرة سلفا وتعجيلا ….والا حبسها حتي تعطيه اجره ..ثم يقول لها اعترفي بما جري بيننا حتي يقع الطلاق …فتأتي ..الي حضرة الشهود …فتعترف…فيأخذون منها اجرا …وكثير من هؤلاء المستأجرين يحلل الام وابنتها …ويجمع ماءه في اكثر من اربع وفي رحم اختين .. )
إبن الحاج العبدرى : هو الفقيه الصوفي المعتدل ، والذي جاء من المغرب الي القاهرة المملوكية فوجد بيئة مختلفة فكتب فيها مؤلفا ضخما من اربعة اجزاء هو (المدخل ) ،وقد فرغ من تأليفه في السابع من محرم سنة 732 ومات في القاهرة 737 . وميزة كتاب المدخل ان المؤلف كتبه بعين الرحالة وحماسة الفقيه الواعظ ،فالرحالة يستغرب من كل ما يراه مخالفا لوطنه ويسارع بتسجيله ،وبهذا تحفل كتب الرحالة بمظاهر اجتماعية لا تحفل بها كتب اهل البلد لأنهم اعتادوا عليها .ومن هنا كتب الفقيه المغربي الوافد الي القاهرة كثيرا من العادات الاجتماعية التي غفل عنها المؤرخون والفقهاء المعاصرون من ابناء البلد ،وكان يقرن كتابته بالاحتجاج عليها في طريقة سهلة وهادئة في اغلب الاحوال ،وقد استعرض شتي التفاصيل في الحياة الدينية والاجتماعية ،ومع انه صوفي يحرص علي زيارة القبور ،الا انه حاول الاصلاح في طقوس الصوفية ، بالدعوة للتمسك بالسنة الدين السائد ،كأن يقول (وينبغي له ان لا يخلي نفسه من زيارة الاولياء والصالحين الذين برؤيتهم ..)وبعد استطراد علي الطريقة الصوفية يقول (لكن بشرط ان يكون محافظا علي السنة في هذا كله ،فليحذر ان يزور احد اًمن اهل البدع ومن لاخطر له في الدين الا بالتمويه وبعض الاشارات والعبارات ،مع انه قل في هذا الزمان من يضطر الي ذلك من المدعين ،بل قد تجد بعض ممن ينتسب الي العلم يقعد بين يدي بعض من ينتسب الي الفقر (أي التصوف )والولاية وهو مكشوف العورة ،وقد تذهب عليه اوقات الصلاة وهو لم يصلي ويعتذرون عنه بأنه يحزب علي نفسه (أي مشغول بمعايشة العلم اللدني )وقد رأيت بعض الفقراء الصلحاء يذهب الي زيارة شخص من هذا الجنس نحو ثلاثة ايام او اربعة حتي اجتمع به وهو عريان ليس عليه شئ يستره ،وبين يدي بعض قضاة البلد ورؤسائها ،وهذا امر شنيع في الدين وقلة حياء من عدم الذنوب وارتكاب مخالفة السنة ).وهنا يحتج ابن الحاج العبدري علي زيارة العلماء والكبراء للمجاذيب الصوفية ،والتبرك بهم ،ويري ان ذلك يخالف السنة ،مع تسليمه بمبدأ الزيارة نفسه .وبهذا فأن ابن الحاج يمثل نوعية خاصة من الفقه الوعظي تخالف ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم .
الفقه الوعظى عند الصوفية :
بدأ مبكرا لأن ظهور التصوف في القرن الثالث الهجرى إرتبط بالهجوم عليه ومطاردة اوليائه بالمحاكمات خصوصا في عصر المتوكل العباسي ،ثم ازدادت الامور بمقتل الحلاج في خلافة المقتدر بالله العباسي .ومن هنا اخذ بعض اساطين التصوف في الهجوم علي عوام الصوفية في عصرهم حماية للطريق الصوفي نفسه ،حتي ان القشيري كتب رسالته المشهورة في الانكار علي صوفية عصره وتبرئة الصوفية السابقين ،الذين كانوا في عصرهم محل الاستنكار .يقول القشيري (376 –465)في بداية رسالته المشهورة (ان المحققين من هذه الطائفة –الصوفية –انقرض اكثرهم ولم يبق في زماننا هذا من الطائفة الا اثرهم ..مضي الشيوخ الذين كانوا بهم اهتداء،وقلّ الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء ،وزال الورع واشتد الطمع ..وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة ،فعدوا قلة المبالاة بالدين اوثق ذريعة ،ورفضوا التمييز بين الحرام والحلال واستخفوا بآداء العبادات ،واستهانوا بالصوم والصلاة ،وركضوا في ميدان الغفلات ،وركنوا الي اتباع الشهوات وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات ،والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان واصحاب السلطان ،ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الافعال ،حتي اشاروا الي اعلي الحقائق والاحوال ،وادعوا انهم تحرروا عن رق الاغلال ،وتحققوا بحقائق الوصال ،وانهم قائمون بالحق ،تجري عليهم احكامه وهم محو ،وليس لله عليهم فيما يؤثرونه او يزرونه عتاب و لا لوم ،وانهم كوشفوا بأسرار الاحدية ،واختطفوا عنهم بالكلية ،وزالت عنهم احكام البشرية ،وبقوا بعد فناءهم عنهم بأنوار الصمدية ،والقائل عنهم غيرهم اذا نطقوا ..الخ الخ )فالقشيري يرمي معاصريه في القرن الخامس الهجري بكل نقيصة بشرية ،مع اهمالهم الفرائض الاسلامية وادعائهم للالوهية طبقأ لعقيدة الاتحاد الصوفية ،ثم يقول (ولما طال الابتلاء فيما نحن فيه من الزمان ،بما لوحت ببعضه من هذه القصة ،وما كنت لأبسط هذه الغاية لسان الانكار غيرة علي هذه الطريقة أن يذكر اهلها بسوء ،أو يجد مخالف لسلبهم مساغا ،اذ البلوي في هذه الديار للمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليهاشديدة .ولما ابي الوقت الا استصعابا ،واكثر اهل العصر بهذه الديار الا تماديا فيما اعتادوه ،واغترارا بما ارتادوه ،اشفقت علي القلوب ان تحسب ان هذا الامر علي هذه الجملة بني قواعده ،وعلي هذا النحو سار سلفه ،فعلقت هذه الرسالة اليكم ..وذكرت فيها بعض سير الشيوخ لهذه الطريقة في آدابها وأخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم ) . أي ان القشيري يعترف انه لولا الانكار علي التصوف لما اطلق لسانه في صوفية زمانه الذين يعتبرهم خارجين علي مبدأ التصوف .ومع ذلك فأن الرسالة القشيرية تحوي من اقوال الشيوخ المعتدلين ما يهدم التصوف ويجعله نقيضأ للاسلام .وصارت عادة عند محققي الصوفية ان يتهموا الصوفية المعاصرين لهم ويشيدوا بمن سبقهم ،حفاظا علي مبدأ التصوف وليواجهوا الانكار عليهم من الفقهاء الاعداء التقليديين للصوفية .
أشهر كتاب الفقه الوعظى من وجهة نظر صوفية
هو الشيخ عبد الوهاب الشعرانى ، مولود عام 898 ، وتوفى عام 973 . شهد سقوط الدولة المملوكية وتحول مصر الى ولاية عثمانية ، وأصبح أشهر شيوخ التصوف والفقهاء في القرن العاشر الهجرى ، تكاثرت مؤلفاته ، ومنا ما يمدح فيها نفسه بلا خجل ، مثل ( لطائف المنن ) وهو كتاب ضخم ، و( لطائف المنن الصغرى ) ومنها في تقديس أشياخه ، مثل ( الطبقات الكبرى ) في جزئين . وكان إبتلاء الشعرانى في كثرة الأولياء الصوفية الأحياء ، ففي كل شارع يوجد ولىُّ مقصود بالنذور والتقديس يتزاحم حوله المريدون ومعهم ما لذّ وطاب ، ومنهم مماليك وأصحاب جاه ونفوذ وثروات . كان معظم أولئك الأولياء جهلة ، وهنا نتصور نقمة الشعرانى على هذا ، وهؤلاء الجهلة يسحبون البسط من تحته . لذا كتب في وعظهم : (تنبيه المغفلين ).أو ردع الفقراء أي الصوفية عن ادعاء الولاية الكبرى ، هذا بالإضافة الى مواضع كثيرة في كتابه الضخم ( لطائف المنن الكبري ) وغيره .
على هامش كتب الفقه الوعظى :.
1 ـ أبو شامة (شهاب الدين عبد الرحمن بن اسماعيل )ت 665 هـ .في كتابه (الباعث في الانكار علي الحوادث ،وقد استنكر بدهشه فقهية ما كان يصفه من بدع في العبادات اغلبها في ليلة النصف من شعبان .
2 ـ وعلي طريقته كتب ابن حجر مؤلفا يحتج فيه علي الاحاديث الموضوعة في فضائل شهر رجب ،وعنوان الكتاب (تبيين العجب في ما ورد في فضل شهر رجب ).
3 ـ وفي القرن الثامن الهجري كتب الزركشي (بدر الدين 745 :794 هـ) زهر العريش في تحريم الحشيش )،يستنكر فيه قيام الصوفيه بنشر وادمان الحشيش .
4 ـ وبسبب شيوع التكفير علي اهون الاسباب ،كتب الرشيدي (محمد بن اسماعيل )في القرن التاسع الهجري (الالفاظ المكفرة )ولا يزال مخطوطا بدار الكتب المصرية (رقم 103 مجاميع تيمور رقم 3) وقد كتبه سنة 892 ويمثل تطرف الفقهاء في الانكار علي انحلال الصوفية العقيدي .
5 ـ وكتب المقدسي في القرن التاسع (العقد المفرد في حكم الامرد )او (المنازعة في حكم المطاوعة )يحتج فيه علي الانحلال الخلقي لدي طريقة المطاوعة الصوفية بنفس طريقة ابن تيمية في الرسالة المشار اليها سابقا .ولا تزال رسالة الرجائي مخطوطة بدار الكتب المصرية (رقم 4 مجاميع تيميورية رقم 5 ).
6 ـ وفي جهاده ضد الصوفيه كتب البقاعي (برهان الدين 803 :885 هـ) رسالتين هما( تنبيه الغبي الي تكفير ابن عربي )،(تحذير العباد من اهل العناد ).وقد نشرهما الشيخ عبد الرحمن الوكيل سنة 1953 م تحت عنوان (مصرع التصوف ).
أخيرا :
1 ـ هذه الكتابات الوعظية الفقهية أظهرت الجوانب الاجتماعية والدينية التي سكت عنها المؤرخون الذين داروا حول السلطان وأعوانه وأعدائه من أكابر المجرمين . الفقه الوعظى إعتاد أن يذكر الحالة الاجتماعية والدينية ثم ينبه على فسادها من وجهة نظر المؤلف .
2 ـ قرآنيا : فالمؤلف في الفقه الوعظى يعظ غيره وينسى نفسه ، أي ينطبق عليه قول الله جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( 44 البقرة ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(3)الصف ) .
3 ـ عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين .!

( الفصل الثالث ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي عند أبى حامد الغزالى ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
مقدمة لمجرد التذكير
كتبنا الكثير عن أبى حامد الغزالى وكتابه ( إحياء علوم الدين )، كما سبق أن توقفنا مع الفقه النظرى والفقه الوعظى ، وكيف أن الفقه الوعظى ـ وهو يقدم رؤية إصلاحية من وجهة نظر المؤلف فإنه أيضا يذكر بعض المعلومات التاريخية في الحياة الاجتماعية للناس ، ويصف دون أن يقصد سلوكيات اجتماعية وطوائف ومعتقدات وعلاقات كانت موجودة في عهده واستحقت نقده واحتجاجه . ويزيد من أهميتها التاريخية أنه لم يكتبها باعتبارها تاريخا ولم يقصد أن يؤرخ لها وإنما قصد فقط أن يحتج عليها ، لذا جاءت أوصافه مبرأة من تهم المبالغة والتحيّز التي يقع فيها المؤرخ العادي ، وذلك طبعا في اغلب الأحوال . ثم يزيد في أهميتها التاريخية أن تلك الناحية من التاريخ الاجتماعي لم تحظ باهتمام المؤرخين المعاصرين لأولئك الفقهاء ، إذ غلب على الكتابة التاريخية الاهتمام بالحاكم وما يدور حوله ، ومن خلاله فقط كانوا ينظرون لطوائف المجتمع ، لذلك فإن كتابات الفقهاء في الفقه الوعظي تسد إلى حد ما ذلك النقص في التاريخ الاجتماعي في تاريخ المحمديين .
2 ـ الغزالى أشهر من كتب في الفقه الوعظي في " الإحياء " للغزالي ، ولم تخل كتاباته من تأثره باتجاهه الصوفي وخصوماته العلمية ، وبعض من جاء بعده كان أكثر منه إنصافا واقل منه تعمقا في الفقه الوعظي .
3 ـ ونستعرض مواضع الفقه الوعظي في كتاب " الإحياء " للغزالي ..
أولا :
وفي البداية نقول أن كتاب " الإحياء " قد جمع بين الفقه والأخلاق والوعظ والعقائد والتصوف ، وتناثرت بين سطوره مواضع الفقه الوعظي والأحوال التي استوجبت من الغزالي وصفها وإنكارها .

1 ـ في حديثه عن المنكرات في المساجد يحتج الغزالي على العجلة في الركوع والسجود وقراءة القرآن مع الوقوع في اللحن فيه ، وتطويل المؤذنين في الأذان وانحرافهم عن القبلة عندما يقولون " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " مع تداخل أصوات المؤذنين إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن ، وأنكر الغزالي على بعض المؤذنين وكان يؤذن في رمضان قبل الصبح فيشوش على الناس ، كما احتج على كلام الوعاظ والقصاصين في المسجد وخلطهم الحق بالباطل في كلامهم ، وتشدد الغزالي في التوصية بمنع النساء من حضور الصلاة ومجالس الذكر في المساجد مما يدل على أنه كان عادة لهن أن يفعلن ذلك . وأنكر تحلق الباعة أمام المساجد يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات والأحجبة ومعهم المتسولون ، وهم يقرأون القرآن وينشدون الأشعار ، ويري الغزالي أنهم يحتالون بذلك على الصبيان والبسطاء من الناس ، وهو بذلك يرسم صورة حية لا تزال تحدث بيننا .
2 ـ وفي حديثه عن المنكرات في الأسواق يستنكر الغزالي كذب الباعة في السعر وفي إخفاء عيوب السلع ، ويستنكر التفاوت في الموازين والمكاييل والمقاييس ، ويستنكر أيضا وجود بعض السلع مثل التماثيل والصور والأواني الذهبية والنفيسة وملابس الرجال الحريرية .
3 ـ وفي منكرات الشوارع ذكر الغزالي ما اعتاده الناس في عصره من اعتداء على الشارع وشغله بالأحمال والأثقال وامتداد البيوت إلى الشارع بجدرانها واسطواناتها وأعمدتها مما يضيق من اتساع الطريق ، وينظر الغزالي نظرة ثاقبة إلى الشارع في عصره وكيف امتهنه الناس بربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق على المشاة ومنها سير الدواب في الشارع محملة بالأشواك وتحميلها بأكثر من طاقتها ، وذبح الجزار في الشارع وتلويثه إياه بالمخلفات والدماء وطرح القمامة على الطريق وسكب المياه وقشر البطيخ في الشوارع فيتأذى بذلك المشاة ، وترك مياه المطر والأوحال والثلوج تعوق المرور من غير كسح . وبذلك يعطينا الغزالي صورة حية تنبض بالحركة للشارع في العصر العباسي ، ودون أن يقصد لذلك طبعا . ونرى تلك الصورة في بعض شوارعنا وأزقتنا لا تزال .
4 ـ ويتجه الغزالي إلى الحمامات العامة وكانت شائعة في عصره ، ولا تزال ذيولها موجودة حتى الآن في بعض الأحياء الشعبية ، ومن خلال نقده نتعرف على النشاط الإنساني داخل الحمامات في عصر الغزالي ، فمن الأشياء التي استنكرها الغزالي وجود صور على باب الحمام وفي داخله وكشف العورات والنظر إليها ، وانبطاح الشخص بين يدي الذي يدلك جسده ، ووجود حجارة ملساء أو صابون في مداخل الحمام وردهاته تسبب انزلاق الرواد وكسر ضلوعهم !! وشدد الغزالي على صاحب الحمام تنظيفه كل يوم .
5 ـ ووجه الغزالي نقده لما كان يحدث في الولائم والضيافات في عصره ، وركز في نقده على ما يهمه كفقيه مثل فرش الحرير للرجال وإسدال الستائر وعليها الصور وسماع الأوتار والغناء وذلك يعطينا لمحة عن العادات الاجتماعية في الولائم . مع ملاحظة أن الغزالى في نفس الكتاب يجعل الغناء وملحقاته شريعة دينية ، وهذا يجعلنا نفهم أن هجومه كان على الغناء العادى . ( العلمانى ) .
ويضاف إلي الولائم والضيافات استنكاره لما اعتاده الناس من إسراف في الطعام بغير داع وتلك عادة سيئة لا تزال تعيش بيننا ، أما ما اختص به عصر الغزالي واستوجب إنكاره الشديد فهو أن يكون بين المدعوين في الوليمة شخص " مبتدع " يتحدث في بدعته أمام الناس ، وهنا يغلظ الغزالي في الرد عليه لمن يستطيع ، أو الأعراض عنه ، وذلك يعطينا فكرة عما ساد في عصر الغزالي من شقاق فكري وفقهي ، بحيث كان كل فريق يرمي خصمه بالابتداع ويؤلب الآخرين ضده .
6 ـ وقد وضع الغزالي عنوانا يقول " بيان أصناف المغترين وأقسام فرق كل صنف وهم أربعة أصناف " وقبل ذلك العنوان تكلم في كتاب " ذم الكبر والعجب " عن رذيلة الكبر وفضيلة التواضع وآفة العجب والغرور ، ثم تحدث في كتاب " ذم الغرور " عن حقيقة الغرور وبدأ يوضح أصناف المغرورين في عصره ويعطينا – دون أن يقصد – لمحة تاريخية عن الحياة الاجتماعية لعصره في القرن الخامس الهجري .
6 : 1 : والغزالي يجعل الصنف الأول من المغرورين من أهل العلم ، ويوضح نواحي غرورهم في عصره . فمنهم فرقة تعمقت في العلوم الشرعية والعقلية من فقه ومنطق وعلوم الفلسفة والكلام ، ولكن اغتروا بما عندهم من العلم وظنوا أنهم بمناي من عذاب يوم القيامة بما لهم من جاه ، بل اعتقدوا أن الله يقبل شفاعتهم في الخلق ، وأنهم مهما تكاسلوا عن الطاعات ومهما وقعوا في المعاصي فأن الله لن يؤاخذهم بذنوبهم وخطاياهم ، وبعد أن يرد عليهم ويعظهم يذكر الفرقة الأخرى من العلماء وهم الذين أتقنوا العلم وواظبوا على الطاعة وتركوا المعاصي ، إلا أنهم – في رأي الغزالي – أصابهم الكبر والغرور والرياء وطلب الشهرة بين العباد مع الحسد وطلب الرياسة والتفوق ، ويذكر الفرقة الثالثة من العلماء المغرورين وهم علماء عاملون بالطاعة ويعلمون أن الكبر مذموم وأن الغرور آفة وأن أرادة الشهرة ممقوتة ولكنهم – في رأي الغزالي –يعتقدون أن الله قد عصمهم من هذه الخطايا وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بتلك النقائص ، ويقول أن أحدهم إذا ظهر عليه الكبر بسبب المنصب أو الجاه بين الخلق اعتبر أن الكبر ليس ألا اعتزازا بالدين والعلم وإرغاما لأفق المبتدعين .
6 / 2 : ويتحدث عن فرقة أخري جمعت بين العلم وعمل الصالحات والابتعاد عن المعاصي والكبر والهوى والحسد ولكن يرى الغزالي أنهم مع تفقدهم لأحوال النفس ومحاولتهم لتزكيتها فقد بقيت في نفوسهم زوايا من مكائد الشيطان ، ويتحدث عن احدهم فيقول " فتراه يسهر ليله ونهاره في جمع العلوم وترتيبها وتحسين ألفاظها وجمع التصانيف فيها وهو يري أن باعثه الحرص على أظهار دين الله ونشر شريعته ولعل باعثه الخفي هو طلب الذكر وانتشار الصيت في الإطراف وكثرة الرحلة إليه من الآفاق وانطلاق الآلسنة عليه بالثناء والمدح بالزهد والورع والعلم والتقديم له في المهمات وإيثاره في الأغراض والاجتماع حوله للاستفادة والتلذذ بحسن الإصغاء إليه .. والتمتع بتحريك الرؤوس إلى كلامه والبكاء عليه " . ويتفنن الغزالي في تشريح نفسيته ، ويتحامل عليه بقوله : ( ولعل باعثه الخفي ) كما لوكان الغزالى يعلم غيب القلوب .!ويبالغ في الحملة عليه كي ينبهه لزوايا الشيطان في داخل نفسه . كأنما يطلب الغزالي وجود صنف معصوم من بين البشر لا يقع في الخطأ أبدا ، ولا يستطيع الشيطان أن يوسوس إليه ، مع أن الله سبحانه وتعالى قال للنبي محمد عليه السلام : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : ( الأنعام 68 ) . وأمره بالاستعاذة بالله من الشيطان في أكثر من موضع . أي للشيطان زوايا في داخل كل نفس يتسلل منها بالوسوسة ، وليس هناك من يستعصي عن وسوسة الشيطان ولمزه وهمزه. يكفى قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ: ) ( المؤمنون 97 – 98 ) .
* والذي نأخذه على الغزالي في شدته على ذلك الصنف من العلماء العاملين المطيعين انه جعلهم مغرورين لمجرد أنه قال في حقهم " ولعل باعثه الخفي " أي افترض أن له غرضا آخر في اجتهاده في العلم والطاعة ، " ولعل " الغزالي نفسه اتخذ من ذلك فرصة للنيل من خصومه من الفقهاء في عصره ، وقد كان منغمسا في صراعات بسبب آرائه الصوفية ، والصراع بين الصوفية والفقهاء كان من معالم العصر العباسي الثاني ، ودليلنا أن الصوفية في عصر الغزالي استحقوا منه أن يصفهم بقول الشطحات – وترك الطاعات والوقوع في المعاصي ولكن مع ذلك لم يكن شديدا عليهم بمثل ما فعل مع أولئك الفقهاء بما يؤكد تحيزه . لقد حاول الغزالى تبرير شطحات الصوفية ، وقد عرضنا لهذا في كتابات سابقة . كما إنه بنفسه وقع في شطحات كافرة هائلة في تبرير وتسويغ دين التصوف وعقائده من الحلول والاتحاد ووحدة الفاعل . وإعتبر ( لا إله إلا الله ) في الدرجة السفلى .
6 / 3 : ثم تحدث الغزالي عن العلماء الذين اقتصروا في العلم على الفقه والفتوى في الخصومات والمعاملات ، وأضاعوا الطاعات وانهمكوا في الغيبة والنميمة والتنافس على أبواب الحكام ، وصب عليهم الغزالي نقمته وأفصح عن مشاعره تجاههم فقال أنهم يحتقرون التصوف أو " علم سلوك الطريق إلى الله تعالى " وقال أنهم يسمونه التزويق ويفضلون الجدل " والعربدة " الكلامية عليه وقال عنهم غرورهم أشد ممن قبلهم .
6 / 4 : وتحدث الغزالي ناقما على الفقهاء الذين تخصصوا في فقه " الحيل" أي التحايل على الشرع بفتاوى تؤدي المقصود في الظاهر ، يقول عنهم " عظم غرورهم في فن الفقه .. فوضعوا الحيل في دفع الحقوق " .
6 / 5 : وتناول الغزالي العلماء المتخصصين في النحو وعلوم اللغة والشعر فقال أنهم اغتروا بما يعلمون و " زعموا أنهم قد غفر لهم وأنهم علماء الأمة لأن قوام الدين بالكتاب والسنة وقوام الكتاب والسنة بعلم اللغة والنحو " ورأي الغزالي أنهم ضيعوا حياتهم في قشور .
6 / 6 : وتحدث عن علماء الكلام فقال أنهم فرقتان أحدهما ضالة والأخرى محقة ، فالضالة يكفر بعضهم بعضا ، أما المحقة فقد أدمنت الجدل لترد كيد المبتدعين ، ويري الغزالي في هذه الفئة المحقة أنهم أضاعوا العمر فيما لا ينفع ، لأن الجدال لن يفلح في جعل المبتدع يقلع عن بدعته بل يزيده إصرارا على طريقته ، ويري أنه كان الأولي بهم سلوك طريق مجاهدة النفس ، والمعني أن يسيروا في الطريق الغزالي الصوفي ، أي يقتدون به في الركون للتصوف بعد علم الكلام والفقه .
6 / 7 : وعرج الغزالي على علماء الحديث وكيف أنهم استغرقوا أوقاتهم في سماع الحديث وجمع رواياته وطلب الأسانيد الغربية والرحلة في طلب الحديث من هنا وهناك ، وأخذ الغزالي يعدد نواحي غرورهم حين انشغلوا بالرحلة في طلب الحديث عن فقه نص الحديث . وناقش أصول السماع وطرق الحفظ ، ثم قال عن غرور أهل الحديث " فهذا أفحش أنواع الغرور وقد بلي بهذا أهل الزمان " . يقصد عصره . ونراه على صواب في هذا ، فقد أضاعوا قرونا في هذا العبث ( الدينى ).!
7 ـ وبعد فقد تناول الغزالي العلماء في عصره بالنقد والتمحيص وقصد أن يرجع بهم إلى طريق التصوف الذي استراح إليه الغزالي في نهاية عمره . ومن الطبيعي أن تتلون نظرة الغزالي النقدية بمنهجه الفكري وخصوماته
أخيرا :
إبتسم من فضلك :
1 ـ كتب الغزالى قصة من نسج خياله عن عابد معتكف في مغارة ، وقد سوّلت له نفسه أن يترك العبادة وينطلق لعمل الفاحشة ، وحين إقترب من الخروج من باب المغارة تذكّر الذنب الهائل الذى سيقع فيه ، فعاقب ساقيه بأن تركهما خارج المغارة للريح والمطر حتى بليتا ، فاستراح .
2 ـ المؤسف فى هذه الأسطورة ( الغزالية ) هي العقلية التي تؤمن بكتاب ( الإحياء ) والتي تجعله ( كاد أن يكون قرآنا )
3 ـ المُضحك في هذه الأسطورة الغزالية أن نتساءل : طيلة هذه المدة التي ظلت الريح والأمطار تلتهم ساقى العابد : كيف كان يقضى حاجته؟ وكيف كان يتوضأ ويصلى ؟ ثم لو أراد أن يتزوج فكيف ؟
الباب الثانى :
الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى
ج 1
الوحى الشيطانى لابن الجوزى في كتاب ( تلبيس إبليس )
مقدمة
1 ـ نتذكر قول ربنا جل وعلا يحذرنا :
1 ـ ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27)الأعراف ). لا يمكن أن نرى الشيطان وقبيله ( أي الجن والملائكة ومخلوقات البرزخ ) ونحن أحياء في هذه الدنيا ، بينما هم يروننا . قال جل وعلا في الآيات التالية : ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ(30)الأعراف ) لاحظ قوله جل وعلا : ( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) .
1 / 1 : الشيطان هو إسم إبليس بعد طرده من الملأ الأعلى . ولكن إبن الجوزى ـ جهلا منه ـ لا يعرف الفارق بين إبليس والشيطان .
1 / 2 : لإبليس ذرية من الشياطين . قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) (50)الكهف )
2 ـ كل من يهجر القرآن الكريم يتسلّط عليه شيطان يقترن به يصده عن الحق ويزين له الباطل حقا . ثم يوم القيامة يراه . قال جل وعلا : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(39)الزخرف )
3ـ قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ(113)الأنعام ). جنود الشياطين من الجن والإنس يفترون أحاديث ينسبونها لرب العزة جل وعلا أو للأنبياء . ويحرصون أن تكون هذه الأحاديث جذّابة مزخرفة تأخذ بأسماع الناس ، فيقترفون بها العصيان ، وهم يحسبون أنهم مهتدون .
4 ـ الدين الأرضى يملكه أصحابه ، ويزعمون لأقاويله إسنادا وعنعنة ترفعه زورا وبهتانا للنبى محمد عليه السلام ، وعبر رواة ماتوا دون أن يعلموا شيئا عن تلك الأحاديث المزعومة . إفترى ابن الجوزى آلاف الأحاديث ، واستشهد بأحاديث أخرى صنعها غيره . تطرّف إبن الجوزى فزعم أحاديث عن إبليس وجعل لها إسنادا أيضا ، فاصبحت دينا .
5 ـ برزت موهبة ابن الجوزى في إفتراء القصص في هذا الكتاب عن إبليس ، ومع أن الكتاب في التحذير من ( تلبيس إبليس ) أي من مكائده إلّا أن القصص التي إفتراها ابن الجوزى تجعل ابليس ناصحا وهاديا . وبهذا صار إبليس هاديا مُصلحا في دين إبن الجوزى . مع أن عنوان كتابه ( تلبيس إبليس ). أى إن ( إبليس ) قام ب ( تلبيس ابن الجوزى ) وجعله متحدثا رسميا بإسمه .
4 ـ الموضوع طويل ، ونقتصر منه على لمحات :
أولا :
قال ابن الجوزى :
1 ـ ( وحدثنا جعفر ثنا ثابت البناني رضي الله عنه قال : بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال يحيى يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك قال هذه الشهوات التي أصيد بها ابن آدم قال فهل لي فيها من شيء قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وثقلناك عن الذكر قال فهل غير ذلك قال لا والله قال لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قال إبليس ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا ) .
التعليق :
إبليس هنا ينصح النبى يحيى ويُفشى له أسرار خداعه للبشر . ثم يندم على ما فعل .!
2 ـ ( أنبأنا إسماعيل بن أحمد نا عاصم بن الحسن نا علي بن محمد بن بشران نا أبو علي البردعي ثنا أبو بكر القرشي ثنا أبو عبد الله محمد بن موسى الحرشي ثنا جعفر بن سليمان ثنا عمرو بن دينار ثنا سالم بن عبد الله رضي الله عنه عن أبيه قال لما ركب نوح عليه السلام في السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما أدخلك قال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال له نوح عليه السلام اخرج يا عدو الله فقال إبليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين فأوحى الله تبارك وتعالى إلى نوح عليه الصلاة والسلام أنه لا حاجة لك إلى الثلاث مره يحدثك بالاثنتين فقال بهما أهلك الناس وهما لا يكذبان الحسد والحرص فبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما وبالحرص أبيح لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه فأخرج من الجنة ) .
التعليق :
هنا يفترى ابن الجوزى حديثا جرى بين نوح وإبليس ، ثم يفترى وحيا إلاهيا يتدخل في الحوار يأمر نوحا أن يستمع اليه .
3 ـ ( قال ولقى إبليس موسى عليه السلام فقال يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وأنا من خلق الله تعالى أذنبت وأريد أن أتوب فأشفع لي إلى ربي عز وجل أن يتوب علي ، فدعا موسى ربه فقيل يا موسى قد قضيت حاجتك فلقي موسى إبليس فقال له قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك فاستكبر وغضب وقال لم أسجد له حيا أأسجد له ميتا ثم قال إبليس يا موسى أن لك حقا بما شفعت إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلك فيهن أذكرني حين تغضب فأنا وحي في قلبك وعيني في عينك وأجري منك مجرى الدم واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته وأهله حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فاني رسولها إليك ورسولك إليها ).
التعليق :
هنا أيضا نرى إبليس ينصح موسى ، هذا مع زعم بالوحى الالهى ضمن الإفتراء . وكرر إبن الجوزى هذا الإفتراء :
( قال القرشي وثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني ثنا فرج بن فضالة عن عبد الرحمن بن زياد رضي الله عنه قال بينهما موسى عليه السلام جالس في بعض مجالسه إذ أقبل عليه إبليس وعليه برنس له يتلون فيه ألوانا فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أتاه وقال له السلام عليك يا موسى فقال له موسى عليه السلام من أنت قال أنا إبليس قال فلا حياك الله ما جاء بك قال جئت لأسلم عليك لمنزلتك عند الله تعالى ومكانك منه قال فما الذي رأيته عليك قال به أختطف قلوب بني آدم قال فما الذي إذا صنعه الإنسان استحوذت عليه قال إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله ونسي ذنوبه وأحذرك ثلاثا # لا تخلون بامرأة لا تحل لك قط فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها # ولا تعاهد الله عهدا إلا وفيت به فإنه ما عاهد الله أحد إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء به # ولا تخرجن صدقة إلا أمضيتها فإنه ما أخرج رجل صدقة فلم يمضها إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين إخراجها ثم ولى وهو يقول يا ويله ثلاثا علم موسى ما يحذر به بني آدم )
4 : ( قال القرشي وحدثني محمد بن إدريس ثنا أحمد بن يونس ثنا حسن بن صالح قال سمعت أن الشيطان قال للمرأة أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطيء وأنت موضع سري وأنت رسولي في حاجتي ).
5 ـ قال القرشي وحدثنا إسحق بن إبراهيم ثني هشام بن يوسف بن عقيل بن معقل بن أخي وهب بن منبه قال سمعت وهبا يقول : قال راهب للشيطان وقد بدا له أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم قال الحدة إن العبد إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة )
6 ـ ( قال القرشي وحدثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن سليمان بن المغيرة عن ثابت رضي الله عنه قال لما بعث النبي جعل إبليس لعنه الله يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي فيجيئون إليه بصحفهم ليس فيها شيء فيقول لهم مالكم لا تصيبون منهم شيئا فقالوا ما صحبنا قوما مثل هؤلاء فقال رويدا بهم فعسى أن تفتح لهم الدنيا هنالك تصيبون حاجتكم منهم ) .
7 ـ ( قال القرشي وأخبرنا أحمد بن جميل المروزي نا ابن المبارك نا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى قال إذا اصبح إبليس بث جنوده في الأرض فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج فيقول له القائل لم أزل بفلان حتى طلق امرأته قال يوشك أن يتزوج ويقول آخر لم أزل بفلان حتى عق قال يوشك أن يبر ويقول آخر لم أزل بفلان حتى زنى قال أنت ويقول آخر لم أزل بفلان حتى شرب الخمر قال أنت قال ويقول آخر لم أزل بفلان حتى قتل فيقول أنت أنت #)
8 ـ ( قال القرشي وسمعت سعيد بن سليمان يحدث عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال لأقطعن هذه الشجرة فجاء ليقطعها غضبا لله فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال ما تريد قال أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله قال إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها قال لأقطعنها فقال له الشيطان هل لك فيما هو خير لك لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك قال فمن أين لي ذلك قال أنا لك فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئا فقام غضبا ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال ما تريد قال أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى قال كذبت مالك إلى ذلك من سبيل فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله قال أتدري من أنا أنا الشيطان جئت أول مرة غضبا فلم يكن لي عليك سبيل فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضبا للدينارين سلطت عليك )
9 ـ ( قال القرشي وحدثنا بشر بن الوليد الكندي ثنا محمد بن طلحة عن زيد ابن مجاهد قال لإبليس خمسة من ولده قد جعل كل واحد منهم على شيء من من أمره ثم سماهم فذكر ثبر والأعور ومسوط وداسم وزكنبور فأما ثبر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأما الأعور فهو صاحب الزنا الذي يأمر به ويزينه وأما مسوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقى الرجل فيخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم قد رأيت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما أسمه حدثنى بكذا وكذا وأما داسم فهو الذي يدخل مع الرجل إلى أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وأما زكنبور فهو صاحب السوق الذي يركز رايته في السوق ) . من أين عرف إبن الجوزى بأسماء أبناء إبليس ووظائفهم ؟
10 ـ ( وبالإسناد قال محمد بن إسحاق وثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل سمعت حياة بن شراحيل يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول إن إبليس موثقا في الأرض السفلى فإذا هو تحرك كان كل شرقي الأرض بين اثنين فصاعدا من تحركه )
11 ـ أفرد إبن الجوزى جزءا كبيرا من وعظه للصوفية . وفى الحقيقة فضحهم بحُجة وعظهم . وسنعرض لذلك في حينه . ولكن يهمنا هنا إنه جعل إبليس واعظا لهم في حالتين : الغناء والشذوذ الجنسى بالأطفال ( معاشرة الأحداث ). يقول :
11 / 1 : ( وباسناد عن ابن الفرج الرستمي الصوفي يقول رأيت إبليس في النوم فقلت له كيف رأيتنا أعرضنا عن الدنيا ولذاتها وأموالها فليس لك الينا طريق فقال كيف رأيت ما اشتملت به قلوبكم باستماع الغناء ومعاشرة الأحداث )
11 / 2 : ( وبإسناد عن ابن سعيد الخراز يقول رأيت إبليس في النوم يمرغني ناحية فقلت تعال فقال أيش أعمل بكم أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس قلت ما هو قال الدنيا فلما ولى التفت إلي فقال غير ان فيكم لطيفة قلت وما هي قال صحبة الأحداث ).
( ج 2 )
مقدمة :
1 ـ كان الجزء الأول عن ( الوحى الشيطانى لابن الجوزى ) في كتاب ( تلبيس إبليس ).
هذا الجزء الثانى يتوقف مع ما ذكره إبن الجوزى عن نفسه حيث كان أشهر الفقهاء الواعظين ، فيما نسميه بالفقه الوعظى . ما ننقله من الجزء الأخير من موسوعته التاريخية ( المنتظم ) يوضح أنه أفرد مساحة في هذا التاريخ لذكر مناقبه واعظا مشهورا ، مع أن المفترض أن يكتب المؤرخ عن الناس ، وليس عن نفسه . على أي حال ـ فنحن مضطرون لتصديق أقواله ، ونعتبرها حقائق تاريخية عن عصره ، لأنه أنهى الكتاب في حياته عام 574 ، وأصبح متاحا للناس في حياته حتى مات عام 597 .
2 ـ ننقل بعض ما قاله عن نفسه في الجزء الأخير من تاريخ ( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم )،
3 ـ يقول :
أولا :
( ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة)
( ..وفي يوم الاربعاء غرة رمضان تكلمت في مجلسي بالحلبة ، فتاب على يدي نحو من مائتي رجل ، وقطعت شعور مائة وعشرين منهم ) . كان من مظاهر التوبة قطع الشعر .!
ثانيا :
( ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة :
1 ـ ( ..فمن الحوادث فيها اني عقدت المجلس يوم عاشوراء بجامع المنصور فحضر من الجمع ما حزر بمائة الف ..)
2 ـ ( .. فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب تقدم لي بالجلوس هناك ، واعطيت مالا ، واخذ الناس اماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر. وكانت ثم ( أي هناك ) دكاك، فاكتريت ( أي إستؤجرت )، حتى ان الرجل كان يكتري موضع نفسه بقيراطين وثلاثة. وكنت اتكلم اسبوعا والقزويني اسبوعا الى آخر رمضان ، وجمعى عظيم وعنده عدد يسير، ثم شاع أن امير المؤمنين لا يحضر الا مجلسي . )
3 ـ ( وفي شعبان مرت ريح سوداء أظلمت الدنيا فتقدم الي بالجلوس بباب بدر يوم عرفة فحضر الناس من وقت الضحى ).
ثالثا :
( ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة: ...
( وسألني اهل الحربية ان اعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الاول ، فانقلبت بغداد وعبر اهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة، فعبرت الى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب ، فتلقاني اهلها بالشموع الكثيرة ، وصحبني منها خلق عظيم ، فلما خرجت من باب البصرة رأيت اهل الحربية قد اقبلوا بشموع لا يمكن احصاؤها ، فأضيفت الى شموع اهل باب البصرة، فحزرت بالف شمعة، فما رأيت البرية الا مملوءة ضوءا، وخرج اهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون ، وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلاثاء، فدخلت الحربية ، وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن ( أي الشرفات ) من وقت الضحى. فلو قيل ان الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلثمائة الف ـ ما أبعد القائل )
رابعا :
( ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة..
1 ـ ( وفي يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى انتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر ، فاني كنت اذكر في كل مجلس منه آيات من اول الختمة على الترتيب الى ان تم ، فسجدت على المنبر سجدة الشكر، وقلت : ما عرفت ان واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن )
2 ـ ( ..وتقدم الي بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر فتكلمت يوم الخميس بعد العصر خامس رجب ، وحضر امير المؤمنين واخذ الناس اماكنهم من بعد صلاة الفجر، واكتريت دكاكين ، فكان مكان كل رجل بقيراط ، حتى انه اكترى دكان لثمانية عشر بثمانية عشر قيراطا ، ثم جاء رجل فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم وكان الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر الى باب العيد كأنه العيد ينظر بعضهم الى بعض .. )
3 ـ ( وفي يوم الخميس خامس وعشرين شعبان سلمت الي المدرسة التي كانت دارا لنظام الدين ابي نصر بن جهير.. وتقدم الي يوم الخميس المذكور بذكر الدرس فيها ، فحضر قاضي القضاة وحاجب الباب وفقهاء بغداد ، وخلعت علي خلعة ، وخرج الدعاة بين يدي والخدم ، ووقف اهل بغداد من باب النوبي الى باب المدرسة كما يكون في العيد واكثر ، وكان على باب المدرسة الوف ، والزحام على الباب.. وكان يوما مشهودا لم ير مثله ودخل على قلوب اهل المذهب غم عظيم . وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر في آخر شعبان، فانزعج لهذا جماعة من الاكابر وقالوا : " ما جرت عادة للحنابلة بدكة فبنيت "وجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان ..وازدحم العوام حتى امتلأ صحن الجامع ، ولم يمكن للأكثرين وصول الينا ، وحفظ الناس بالرجالة خوفا من فتنة. وما زال الزحام على حلقتنا كل جمعة ، وكانت ختمتنا في المدرسة ليلة سبع وعشرين فعلق فيها من الاضواء مالا يحصى ، واجتمع من الناس ألوف كثيرة وكانت ليلة مشهودة. ثم عقدت المجلس يوم الاربعاء سابع شوال تحت المدرسة فاجتمع الناس من الليل وباتوا وحزرا الجمع يومئذ بخمسين ألفا وكان يوما مشهودا )
خامسا :
( ثم دخلت سنة احدى وسبعين وخمسمائة :
1 ـ فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالجلوس تحت المنظرة الشريفة بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث المحرم والخليفة حاضر وكان يوما مشهودا ، ثم تقدم الي بالجلوس هنالك يوم عاشوراء فأقبل الناس الى المجلس من نصف الليل وكان الزحام شديدا زائدا على الحد ووقف من الناس على الطرقات مالا يحصى وحضر امير المؤمنين وفقه الله )
2 ـ ( وتقدم الي بالجلوس ..تحت المنظرة فاجتمع الناس فجاء مطر فمنع الحضور، فتقدم بالجلوس في اليوم الثاني فتكلمت ، وامير المؤمنين حاضر)
3 ـ ( .. وكان الرفض ( أي التشيع ) في هذه الايام قد كثر ، فكتب صاحب المخزن الى امير المؤمنين : " ان لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع " . فكتب امير المؤمنين بتقوية يدي ، فأخبرت الناس بذلك على المنبر وقلت ان امير المؤمنين صلوات الله عليه قد بلغه كثرة الرفض وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في ازالة البدع فمن سمعتموه من العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني حتى انقض داره واخلده الحبس )
4 ـ ( وفي يوم الاربعاء سادس ذي الحجة صنع الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة وجمع فيها ارباب المناصب وحضر الخليفة فاستدعيت، فخلعت على خلعة ونصب لي منبر في الدار ، فتكلمت بعد أن أكلوا الطعام والخليفة حاضر والوزير وجميع ارباب المناصب وجميع علماء بغداد والفقهاء والوعاظ الا النادر .)
5 ـ ( ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان الخليفة حاضرا )
سادسا :
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
1 ـ فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالكلام تحت منظرة الخليفة بباب بدر فتكلمت يوم الاحد ثاني المحرم وحضر امير المؤمنين ثم تكلمت هناك يوم عاشوراء فامتلأ المكان من وقت السحر فطلع الفجر وليس لأحد طريق فرجع الناس وامتلأت الطرق بالناس قياما يتأسفون على فوت الحضور )
2 ـ ( ..ثم تقدم الى بالجلوس بباب بدر تحت المنظرة يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة فتكلمت فيه بعد العصر وامير المؤمنين حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت فيه شعور، وذكرت خروجه الى الكشك في قصيدة انشأتها وهي ... يا سيد الخلق وعين الاكوان ... خليفة الله العظيم السلطان ... يا شمس جود نورها في البلدان ... يا بدر تم تم لاعن نقصان ... ظهرت للخلق ظهور البرهان ... عاشت به ارواح اهل الايقان ... زين بك البر وزينت اوطان ... صدت القلوب حين صدوا الغزلان ... بحلمك الوافر بل بالاحسان ... والكشك قد خفر فتت الايوان ، هذا على التوحيد وضع البنيان ... وذاك مبنى لأجل النيران ... حب بني العباس اصل الايمان ... بني الاله ودهم في الجثمان ... الحجر والبيت لهم والأركان ... أصبحت كالروح ونحن ابدان ... الشرع وكالعين وانت اجفان ... الجود غصن واحد يا بستان ... هذا مديحي وهو قدر الامكان ... وفي ضميري ضعف هذا الاعلان ... عبيدكم لا يشترى بأثمان ... وقد ملكتم رقه بالاحسان ... سميت نفسي مذ خدمت سلمان ... لكن لساني في المديح حسان ... وحسن الفاظي تباهي سحبان ...).
3 ـ ( وتكلمت يوم الخميس عاشر رجب بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد )
4 ـ ( وفي يوم الاثنين حادي عشر رمضان تقدم الي بالجلوس في دار ظهير الدين صاحب المخزن ، وحضر امير المؤمنين واذن للعوام في الدخول ، فتكلمت وأعجبهم حتى قال لي ظهير الدين : " قد قال امير المؤمنين ما كأن هذا الرجل آدمي لما يقدر عليه من الكلام" )
5 ـ ( وفي يوم الاثنين خامس عشرين رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن فجلست وحضر امير المؤمنين واذن للعوام في الدخول فتكلمت بعد العصر الى المغرب )
6 ـ ( وتقدم الي بالجلوس بباب بدر، فتكلمت بكرة الخميس ثالث ذي الحجة وحضر امير المؤمنين وقام الي رجل يوم عرفة في المجلس ، فتاب، ، وقطع شعره وقال : " لي ثلاث اسابيع ارى رسول الله لى الله عليه و سلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي اليك فيقبل صدرك ) إبن الجوزى جعل النبى محمدا يسعى لرؤيته .!!
سابعا :
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
1 ـ بكرة الخميس غرة المحرم .. وبعد صلاة العصر يومئذ تقدم الي بالجلوس تحت منظرة باب بدر واجتمع الخلق، وتاب جماعة وحضر امير المؤمنين . ثم تقدم الي بالجلوس هناك يوم عاشوراء وكان الناس يجيؤن من نصف الليل بالأضواء فما طلع الفجر ولا حد موضع قدم وغلقت الابواب ولقينا شدة من الزحام وامير المؤمنين حاضر )
2 ـ ( وفي يوم الاثنين النصف من ربيع الآخر تكلمت في جامع المنصور وحضر الخلق فحزروا بمائة الف ، وتاب ثلاثة وخمسون نفسا ، وقصت شعورهم. وانشد في يوم السبت الشهاب الضرير ... بك يا جمال الدين قد ... شقت من الاعدا مرائر ... حسدوا وما لهم اذا ... سروا علينا من جرائر ... لك في الفداء نفوسنا ... وهي الشريفات الحرائر ... يا من تطير بلطفه ... من نار معناه شرائر ... يوم الجلوس لنا الأنيس لهم به تبلى السرائر ... تكفي المليحة عند من ... تهوى شهادات الضرائر ... )
3 ـ ( وفي ليلة رجب تكلمت بباب بدر تحت المنظرة الشريفة وامير المؤمنين حاضر والجمع متوفر )
4 ـ ( وفي يوم الخميس سابع عشرين رجب تكلمت بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر )
5 ـ وفي بكرة السبت خامس رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن وازدحم الناس حتى غلق الباب ، وكان امير المؤمنين حاضرا . ثم تكلمت يوم الاثنين حادي عشرين رمضان في داره ايضا على تلك الصفة ).
ثامنا :
ثم دخلت سنة اربع وسبعين وخمسمائة
1 ـ ( فمن الحوادث فيها انه كان مفتتحها الثلاثاء فتقدم الي بالكلام تحت منظرة باب بدر فتكلمت بكرة وحضر امير المؤمنين ، وتكلمت هناك يوم عاشوراء حضر امير المؤمنين)
2 ـ ( ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الاولى فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة الف وتاب خلق كثير وقطعت شعور ثم نزلت فمضيت الى زيادة قبر احمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف )
3 ـ ( وكان يقول الوزير ابن رئيس الرؤساء ما دخلت قط على الخليفة الا جرى ذكر ابن الجوزي.
4 ـ ( وصار لي خمس مدارس ، وهذا شيء ما رآه الحنابلة الا في زمني ، ولي مائة وثلاثون مصنفا الى اليوم ، وهي في كل فن ، وقد تاب على يدي اكثر من مائة الف ، وقطعت اكثر من عشرين الف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء )
5 ـ ( وفي يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة تكلمت بباب بدر وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد )
6 ـ ( وتكلمت يوم الخميس بعد العصر تاسع رجب تحت المنظرة ، وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد . )
7 ـ ( وتكلمت يوم السبت مفتتح رمضان في مدرستي بدرب دينار فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الابواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق من المفسدين .).
أخيرا :
ماذا ننتظر من إبن الجوزى وهو يعظ غيره في ( تلبيس إبليس ) ؟


( ج 3)
مقدمة :
قال ابن الجوزى عن محتوبات كتابه ( تلبيس إبليس )
( -$- ذكر تراجم الأبواب -$- # الباب الأول في الأمر بلزوم السنة والجماعة # الباب الثاني في ذم البدع والمبتدعين # الباب الثالث في التحذير من فتن إبليس ومكايده # الباب الرابع في معنى التلبيس والغرور # الباب الخامس في ذكر تلبيسه في العقائد والديانات # الباب السادس في ذكر تلبيسه على العلماء في فنون العلم # الباب السابع في ذكر تلبيسه على الولاة والسلاطين # الباب الثامن في ذكر تلبيسه على العباد في فنون العبادات # الباب التاسع في ذكر تلبيسه على الزهاد # الباب العاشر في ذكر تلبيسه على الصوفية # الباب الحادي عشر في ذكر تلبيسه على المتدينين بما يشبه الكرامات # الباب الثاني عشر في ذكر تلبيسه على العوام # الباب الثالث عشر في ذكر تلبيسه على الكل بتطويل الأمل ) .
ونقول :
1 ـ نصب نفسه متحدثا باسم دين السُنّة والجماعة ، وهو فقيه حنبلى ، لا يمثل دين السنة جميعه . وإعتبر ـ كبقية أئمة الدين السُنّى ـ أن دينهم هو دين الجماعة ، فأخرج الشيعة والصوفية وغيرهم . وأردف ذلك في الباب الثانى بذمّ أولئك الخارجين على الجماعة ، وجعلهم مبتدعين ، ناسيا أن الابتداع بالمفهوم التراثى ينطبق على الجميع ، وأولهم السنيون ، فكلها أدين أرضية مستحدثة ، فلم يكن النبى محمد عليه السلام سنيا ولا شيعيا ولا صوفيا ولا حنبليا ولا حنفيا ولا مالكيا ولا شافعيا . كلهم بالمفهوم التراثى مبتدعون ، أي آثمون كافرون .
لأنهم يملكون أديانهم الأرضية الشيطانية فهم يجعلون لها مصطلحات، تخالف القرآن الكريم . إن مصطلح ( أبدع ) في القرآن الكريم يأتي :
1 / 1 : إسما من أسماء الله جل وعلا الحسنى : قال جل وعلا :
1 / 1 / 1 :( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(117) الانعام )
1 / 1 / 2 : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(101)الانعام )
1 / 2 : بمعنى التميز . وهذا مفهوم من قوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(9)الاحقاف )
1 / 3 : إبتداع أو إختراع شيء جديد تقربا لله جل وعلا . هذا مفهوم من قوله جل وعلا : ( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(27)الحديد )
2 ـ جعل ( الباب الخامس في ذكر تلبيسه في العقائد والديانات ). وهو لا يصلح لإستخلاص مادة تاريخية منه عن عصر إبن الجوزى . هو يتكلم عن الماضى في التاريخ كالخوارج ، وعن الملل والنحل ، ينقل عن إبن حزم والشهرستانى والملطى وابى الحسن الأشعرى .
3 ـ الأبواب التالية جاء في ثناياها معلومات تاريخية عن عصر ابن الجوزى ، وهى تفضح نفسية ابن الجوزى أيضا .
3 / 1 : نتذكر ما جاء في الجزء السابق عن توبة الناس في مجلسه ومظاهر هذه التوبة من قصّ الشعر علنا في حضرة ابن الجوزى في حضرة الخليفة الذى كان من مريدى ابن الجوزى . قال :( ..وفي يوم الاربعاء غرة رمضان تكلمت في مجلسي بالحلبة ، فتاب على يدي نحو من مائتي رجل ، وقطعت شعور مائة وعشرين منهم ) . ( ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان الخليفة حاضرا )( .. حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت فيه شعور،) ( وحضر امير المؤمنين وقام الي رجل يوم عرفة في المجلس ، فتاب، ، وقطع شعره وقال : " لي ثلاث اسابيع ارى رسول الله لى الله عليه و سلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي اليك فيقبل صدرك ) ( واجتمع الخلق، وتاب جماعة وحضر امير المؤمنين . وحضر الخلق فحزروا بمائة الف ، وتاب ثلاثة وخمسون نفسا ، وقصت شعورهم. ) ( فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الاولى فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة الف وتاب خلق كثير وقطعت شعور ) ( وقد تاب على يدي اكثر من مائة الف ، وقطعت اكثر من عشرين الف طائلة فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الابواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق من المفسدين .).
ونقول : ليست التوبة هنا لله جل وعلا ، بل هي توبة تعبر عن دين سطحى منافق يرضى الناس ، ويرضى إبن الجوزى ، ويرضى الخليفة . وبعدها فلا عليه مهما وقع في المعاصى فقد حصل من ابن الجوزى على صكّ الغفران . وهذا يؤكد أننا أمام دين أرضى ( ملاكى ) يملكه أصحابه ، ويملكون فيه الغفران وقبول التوبة . وكل ما عليك أن تقُصّ شعرك ، وتخرج بعدها من المجلس ( كمن ولدته أُمُّه ).!
3 / 2 : هذا أيضا يفضح نفسية إبن الجوزى ، في تأليه نفسه وفى أنه يعلم غيب السرائر . ويتجلى هذا أكثر في وعظه لأشياخ عصره ، إذ يحاسبهم على سرائرهم ، كما لو كان هو رب العزة جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
3 / 3 : ونعطى نماذج في هذا الجزء ، ونستكملها فيما بعد .
أولا :
يقول : ( -$- الباب السادس في ذكر تلبيس إبليس على العلماء في فنون العلم -$-
ذكر تلبيسه على القراء -$- # فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراءات الشاذة وتحصيلها فيفني أكثر عمره في جمعها وتصنيفها والأقراء بها ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات ، فربما رأيت إمام مسجد يتصدى للأقراء ولا يعرف ما يفسد الصلاة، وربما حمله حب التصدر حتى لا يرى بعين الجهل على أن يجلس بين يدي العلماء ويأخذ عنهم العلم .. ومن ذلك أن أحدهم يقرأ في محرابه بالشاذ ويترك المتواتر المشهور والصحيح عند العلماء أن الصلاة لا تصح بهذا الشاذ وإنما مقصود هذا إظهار الغريب لاستجلاب مدح الناس وإقبالهم عليه وعنده أنه متشاغل بالقرآن. ومنهم من يجمع القراءات فيقول ملك مالك ملاك وهذا لا يجوز لأنه إخراج للقرآن عن نظمه . ومنهم من يجمع السجدات والتهليلات والتكبيرات وذلك مكروه . وقد صاروا يوقدون النيران الكثيرة للختمة فيجمعون بين تضييع المال والتشبه بالمجوس والتسبب إلى اجتماع النساء والرجال بالليل للفساد ويريهم إبليس أن في هذا إعزازا للاسلام وهذا تلبيس عظيم لأن إعزاز الشرع باستعمال المشروع ، ومن ذلك أن منهم من يتسامح بادعاء القراءة على من لم يقرأ عليه. .. ومن ذلك أن أقواما من القراء يتبارون بكثرة القراءة ، وقد رأيت من مشايخهم من يجمع الناس ويقيم شخصا ويقرأ في النهار الطويل ثلاث ختمات فإن قصر عيب وإن أتم مدح ، وتجتمع العوام لذلك ويحسنونه ).
نقول :
1 ـ هنا معلومات تاريخية عن الولع بما يسمى بالقراءات ، وهى إختراع عباسى جعلوه حائلا يمنع تدبر القرآن الكريم . وكالعادة إختلفوا في القراءات ، وجعلوها مجالا للمزايدات الدينية في حفلات تضاهى ما كانت تفعله قريش بإستهزائها بالقرآن الكريم . نقرأ قوله جل وعلا :
1 / 1 ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ(66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ(67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68)المؤمنون ) 1 / 2 : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(28)فصلت )
2 ـ إبن الجوزى يؤمن بخرافة القراءات ، وهو يكفر بقوله جل وعلا : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) القيامة ). هذا خطاب خاص للنبى محمد حين كان ينزل عليه ( القرآن ) مقروءا بقراءة واحدة ، ولأنه عليه السلام قد سبق ونزل عليه ( الكتاب ) مكتوبا مرة واحدة في قلبه ليلة القدر في شهر رمضان ، فقد كان عندما ينزل عليه متفرقا يتذكر ما وقر في قلبه ، فيتحرك لسانه متعجلا . والله جل وعلا هو الذى تكفل بجمع القرآن الكريم وجعل له قراءة واحدة ، ثم هو جل وعلا الذى تكفل ببيانه ، وبيان القرآن الكريم في داخله ، وآياته بينات مبينات . ونتذكر أيضا في هذا السياق قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام في سورة مكية : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا(114)طه ) ونلاحظ أن رقم الآية 114 . أي عدد سور القرآن الكريم . وسبحان الله جل وعلا رب العالمين . ولنا بحث عن ان ليلة الاسراء هي ليلة القدر ـ فيه التفاصيل لمن يريد المزيد .
ثانيا :
يقول : ( ذكر تلبيس إبليس على أصحاب الحديث : من ذلك أن قوما استغرقوا أعمارهم في سماع الحديث والرحلة فيه وجمع الطرق الكثيرة وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة وهؤلاء على قسمين قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه وهم مشكورون على هذا القصد إلا أن إبليس يلبس عليهم بأن يشغلهم بهذا عما هو فرض عين من معرفة ما يجب عليهم والاجتهاد في أداء اللازم والتفقه في الحديث..)
( .. فأما في هذا الزمان فإن طرق الحديث طالت والتصانيف فيه اتسعت وما في هذا الكتاب في تلك الكتب وإنما الطرق تختلف فقل أن يمكن أحدا أن يجمع بين الأمرين فترى المحدث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما فيها.. )
( القسم الثاني : قوم أكثروا سماع الحديث ولم يكن مقصودهم صحيحا ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب فطافوا البلدان ليقول أحدهم لقيت فلانا ولي من الأسانيد ما ليس لغيري وعندي أحاديث ليست عند غيري # وقد كان دخل إلينا إلى بغداد بعض طلبة الحديث وكان يأخذ الشيخ فيقعده في الرقة وهي البستان الذي على شاطيء دجلة فيقرأ عليه ويقول في مجموعاته حدثني فلان وفلان بالرقة ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية الشام ليظنوا أنه قد تعب في الأسفار لطلب الحديث . وكان يقعد الشيخ بين نهر عيسى والفرات ويقول حدثني فلان من وراء النهر يوهم أنه قد عبر خراسان في طلب الحديث وكان يقول حدثني فلان في رحلتي الثانية والثالثة ليعلم الناس قدر تعبه في طلب الحديث فما بورك له ومات في زمان الطلب # قال المصنف وهذا كله من الإخلاص بمعزل وإنما مقصودهم الرساة والمباهاة ولذلك يتبعون شاذ الحديث وغريبه وربما ظفر أحدهم بجزء فيه سماع أخيه المسلم فأخفاه ليتفرد هو بالرواية وقد يموت هو ولا يرويه فيفوت الشخصين ، وربما رحل أحدهم إلى شيخ أول اسمه قاف أو كاف ليكتب ذلك في مشيخته فحسب . )
( ومن تلبيس إبليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلبا للتشفي ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة للذب عن الشرع ) .
نلاحظ :
1 ـ تكرار كلامه عن ( المقاصد ) أي النوايا . هنا نرى إبن الجوزى يتكلم عن خفايا القلوب مثل : ( قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ) ( قوم أكثروا سماع الحديث ولم يكن مقصودهم صحيحا ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق ) (وهذا كله من الإخلاص بمعزل وإنما مقصودهم الرساة والمباهاة ) . هو حسب هواه يجعل من يتوب بين يديه صحيح التوبة ويقبل توبته ، وفى نفس الوقت يتهم خصومه بسوء القصد ّ
2 ـ إبن الجوزى يطعن في معاصريه من أصحاب الحديث ، مع إنهم لا يفترقون في شيء عن أئمة المحدثين من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم . تجاوز عدد الأحاديث في موطأ مالك الألف بقليل ، وكان يمليه من ذاكرته على تلامذته ، بالعنعنة والسند ، وكل منهم كان يكتب ( الموطأ ) مختلفا عن غيره ، وقد تجاوز عددهم العشرين . ثم جاء الشافعى فإخترع آلاف الأحاديث في موسوعته ( الأم ) ، وأملاها من ذاكرته على تلميذه المزنى ، ثم إتسعت مصانع الأحاديث ، وتزايد أنتاجها في عصر البخارى ومسلم وابن حنبل فتجاوزت الملايين لتلبى حاجات الملايين !. وجاء ابن الجوزى في القرن السادس متفوقا على الغزالى في الكذب والبهتان . جاء ابن الجوزى متناقضا مع نفسه ، فهو يملأ كتبه بأحاديث يصنعها أو صنعها غيره ، ثم يؤلف في الأحاديث الموضوعة من وجهة نظره . ثم ينتقد أقرانه وهم أقل منه سوءا .
أين حُمرة الخجل يا إبن .. الجوزى .؟!
( ج 4)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ):
عن راوة الأحاديث :
( ومقصودهم ترويج أحاديثهم وكثرة رواياتهم ... ومن هذا الفن تدليسهم في الرواية فتارة يقول أحدهم فلان عن فلان أو قال فلان عن فلان يوهم أنه سمع منه المنقطع ولم يسمع ..)
التعليق :
ما يقوله عن رواة الحديث في عصره هو حقيقة تاريخية ، وهى تنطبق على إبن الجوزى ، فهو الأكثر رواية وأكثرهم كذبا وتلفيقا .
عن الفقهاء :
1 ـ ( ذكر تلبيس إبليس على الفقهاء : قال المصنف كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث ، فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرون يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود ونحوها ، ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا ، وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا ، وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم لقلة التفاته إلى معرفة النقل ، وإنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه . ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح هو أم لا، ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتى تعرف ذلك ، فصنفت الكتب وتقررت السنن وعرف الصحيح من السقيم، ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث حتى إني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في الصحاح لا يجوز أن يكون قال هذا ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله قال كذا ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف ) .
التعليق :
هنا حقيقة تاريخية في القرن السادس الهجرى ، وهى تدهور المستوى الفقهى المعتمد على فهم كسيح للآيات القرآنية ويجعلون معه مفتريات الأحاديث . ويرى إبن الجوزى عدم معرفتهم بالقرآن الكريم وعدم معرفتهم بالصحيح وغيره في الأحاديث . ونكرر أن إبن الجوزى ينطبق عليه ما يتهم به غيره في عصره .
2 ـ ( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن جل اعتمادهم على تحصيل علم الجدل يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل على الحكم والاستنباط لدقائق الشرع وعلل المذاهب ) ، ( ذكر تلبيسه عليهم بادخالهم في الجدل كلام الفلاسفة واعتمادهم على تلك الأوضاع.. ( ومن ذلك أن طلبهم للرياسة بالمناظرة تثير الكامن في النفس من حب الرياسة فإذا رأى أحدهم في كلامه ضعفا يوجب قهر خصمه له خرج إلى المكابرة فإن رأى خصمه استطال عليه بلفظ أخذته حمية الكبر فقابل ذلك بالسب فصارت المجادلة مخاذلة ).
التعليق :
الأديان الأرضية مؤسسة على الشقاق ، فهم في إستكبار وفى شقاق . قال جل وعلا : ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ(2)ص ). ولأن أئمتها هم مالكوها لذا يتنافسون على الشهرة وحُطام الدنيا ، ويكون من وسائلهم المناظرات والجدل .
3 ـ( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا فيقع بذلك الفساد. ) . ( وقد لبس إبليس على قوم من العلماء ينقطعون على السلطان إقبالا على التعبد والدين فيزين لهم غيبة من يدخل على السلطان من العلماء فيجمع لهم آفتين غيبة الناس ومدح النفس وفي الجملة فالدخول على السلاطين خطر عظيم لأن النية قد تحسن في أول الدخول ثم تتغير باكرامهم وانعامهم أو بالطمع فيهم ولا يتماسك عن مداهنتهم وترك الانكار عليهم. ).
التعليق :
عجيب أن يقول هذا إبن الجوزى ، وهو الذى كان يفخر بحضور الخليفة مجلس وعظه ، والذى كان يمدح الخليفة بشعر ذليل حقير ، وقد أطلق الخليفة يده في مطاردة الشيعة ظلما وعدوانا ، وقد ذكر في كتابه هذا أن قصر الخلافة هو الذى قام بتجهيز إبنته .
( ذكر تلبيسه على الوعاظ والقصاص)
قال المصنف: كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء .. ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال، فبعد عن الحضور عندهم المميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء ، فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة ، وتنوعت البدع في هذا الفن، وقد ذكرنا آفاتهم في كتاب القصاص المذكرين ، إلا أنا نذكر هنا جملة فمن ذلك أن قوما منهم كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب ..ومن ذلك أنهم تلمحوا ما يزعج النفوس ويطرب القلوب فنوعوا فيه الكلام فتراهم ينشدون الأشعار الرائقة الغزلية في العشق .. ومن ذلك من يظهر من التواجد والتخاشع .. ومنهم من يتحرك الحركات التي يوقع بها على قراءة الألحان والألحان التي قد أخرجوها اليوم مشابهة للغناء فهي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة والقارىء يطرب والقاص ينشد الغزل مع تصفيق بيديه وإيقاع برجليه فتشبه السكر، ويوجب ذلك تحريك الطباع وتهييج النفوس وصياح الرجال والنساء وتمزيق الثياب لما في النفوس من دفائن الهوى ثم يخرجون فيقولون كان المجلس طيبا ويشيرون بالطيبة إلى ما لا يجوز ، ومنهم من يجري في مثل تلك الحالة التي شرحناها لكنه ينشد أشعار النوح على الموتى ويصف ما يجري لهم من البلاء ويذكر الغربة ومن مات غريبا فيبكي بها النساء ويصير المكان كالمأتم ..ومنهم من يتكلم بالطامات والشطح الخارج عن الشرع ويستشهد بأشعار العشق وغرضه أن يكثر في مجلسه الصياح ولو على كلام فاسد ، وكم منهم من يزوق عبارة لا معنى تحتها . وأكثر كلامهم اليوم في موسى والجبل وزليخا ويوسف ولا يكادون يذكرون الفرائض ولا ينهون عن ذنب فمتى يرجع صاحب الزنا ومستعمل الربا وتعرف المرأة حق زوجها وتحفظ صلاتها هيهات هؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم ولهذا نفقت سلعهم لأن الحق ثقيل والباطل خفيف .. فصل ومن القصاص من يخلط في مجلسه الرجال والنساء وترى النساء يكثرن -$- الصياح وجدا على زعمهن فلا ينكر ذلك عليهن جمعا للقلوب عليه ولقد ظهر في زماننا هذا من القصاص ما لا يدخل في التلبيس لأنه أمر صريح من كونهم جعلوا القصص معاشا يستمنحون به الأمراء والظلمة والآخذ من أصحاب المكوس والتكسب به في البلدان وفيهم من يحضر المقابر فيذكر البلى وفراق الأحبة فيبكي النسوة ولا يحث على الصبر) ،
التعليق
هذا ما يقوله ابن الجوزى أشهر القُصّاص وما سميناه بالفقه الوعظى .
وواضح أن ما يقوله :
1 ـ ينطبق عليه هو أولا .
2 ـ إن عصره قد تحول الى مناسبات لأسمار الفقه الوعظى ، إذا شهد عصره إنتشارا متزايدا للتصوف على حساب دين السنة الحنبلية ، وسنعرض لهذا لاحقا ، لذا تكاثرت مجالس الوعظ الصوفى بمستلزماتها من ( التواجد ) و( الصراخ ) و ( الغناء أو الانشاد الدينى ) ( الرقص الصوفى أو الذّكر ). ابن الجوزى يعترض على ذلك ، بينما شهدناه يفخر بتهليل الآلاف له وإعلانهم التوبة له مع قصّ شعورهم . والواضح أن الجمهور الذى كان يحضر مجالس وعظه لم يخل من الصوفية . وهو يرضى عنهم ويتوب عليهم ، بينما يعترض عليهم وعلى غيرهم إذا حضروا مجالس أخرى .
ذكر تلبيسه على أهل اللغة والأدب
( قال المصنف قد لبس على جمهورهم فشغلهم بعلوم النحو واللغة من المهمات اللازمة التي هي فرض عين عن معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات وما هو أولى بهم من آداب النفوس وصلاح القلوب وبما هو أفضل من علوم التفسير والحديث والفقه فأذهبوا الزمان كله في علوم لا تراد لنفسها بل لغيرها. فإن الانسان إذا فهم الكلمة فينبغي أن يترقى إلى العمل بها إذ هي مرادة لغيرها فترى الانسان منهم لا يكاد يعرف من آداب الشريعة إلا القليل ولا من الفقه ولا يلتفت إلى تزكيه نفسه وصلاح قلبه ، ومع هذا ففيهم كبر عظيم وقد خيل لهم إبليس أنكم علماء الاسلام لأن النحو واللغة من علوم الاسلام وبها يعرف معنى القرآن العزيز . .. ولما كان عموم اشتغالهم بأشعار الجاهلية ولم يجد الطبع صادا عما وضع عليه من مطالعة الأحاديث ومعرفة سير السلف الصالح سالت بهم الطباع إلى هوة الهوى فانبث شرع البطالة يعبث فقل أن ترى منهم متشاغلا بالتقوى أو ناظرا في مطمع فان النحو يغلب طلبه على السلاطين فيأكل النحاة من أموالهم الحرام. )
التعليق
ينكر عليهم تخصصهم البعيد عن النفاق الدينى ، ويعظهم بأن يكونوا مثله يعظ الناس بالخزعبلات . ويأمرهم بالتقوى وينسى نفسه ، ويتهمهم بالاتصال بالسلاطين والأكل من مالهم الحرام . وأيضا ينسى نفسه .
ذكر تلبيس إبليس على الشعراء
قال المصنف : وقد لبس عليهم فأراهم أنهم من أهل الأدب وأنهم قد خصوا بفطنة تميزوا بها عن غيرهم ومن خصكم بهذه الفطنة ربما عفا عن زللكم، فتراهم يهيمون في كل واد من الكذب والقذف والهجاء وهتك الأعراض والإقرار بالفواحش ، وأقل أحوالهم أن الشاعر يمدح الإنسان فيخاف أن يهجوه فيعطيه اتقاء شره أو يمدحه بين جماعة فيعطيه حياء من الحاضرين وجميع ذلك من جنس المصادرة . وترى خلقا من الشعراء وأهل الأدب لا يتحاشون من لبس الحرير والكذب في المدح خارجا عن الحد ويحكون اجتماعهم على الفسق وشرب الخمر وغير ذلك ويقول أحدهم اجتمعت أنا وجماعة من الأدباء ففعلنا كذا وكذا .. وجمهور الأدباء والشعراء إذا ضاق بهم رزق تسخطوا فكفروا وأخذوا في لوم الأقدار كقول بعضهم # لئن سمت همتي في الفضل عالية % فإن حظي ببطن الأرض ملتصق # كم يفعل الدهر بي ما لا أسر به % وكم يسيء زمان جائر حنق # وقد نسي هؤلاء أن معاصيهم تضيق أرزاقهم فقد رأوا أنفسهم مستحقين للنعم مستوجبين للسلامة من البلاء ولم يتلمحوا ما يجب عليهم من امتثال أوامر الشرع فقد ضلت فطنتهم في هذه الغفلة .. )
التعليق
لم تعد للشعر والشعراء نفس المكانة التي كانت في الدولة الأموية والنصف الأول من الدولة العباسية . أبو الطيب المتنبى شاعر الأمير العربى سيف الدولة الحمدانى ت 354 ، كان آخر الشعراء واشهرهم . الخليفة في القرن السادس أصبح كهنوتا ومنزوع السلطات يتحكم فيه القادة العسكريون ولم يكونوا عربا في معظمهم . وبهذا تضاءلت مكانة الشعر وتضاءل عدد الشعراء ، وتهاوت مكانتهم ، وصعد على حسابهم أساطين الفقه الوعظى ومخترعو القصص المفترى ، يتلاعبون بالدين وأهواء الملايين . ولم يترك ابن الجوزى الشعراء في حالهم المزرى فأخذ في تقريعهم ، وتعداد معاصيهم . مع إنهم لم يزعموا صلاحا ولم ينافقوا العوام ولم يخدعوا الناس بالدين .
( ج 5)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
( ذكر تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء:
قال المصنف: إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك ، فأتاهم إبليس يخفي التلبيس فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم ، فمنهم من يستفزه لطول عنائه في الطلب فحسن له اللذات وقال له إلى متى هذا التعب فأرح جوارحك من كلف التكاليف وافسح لنفسك من مشتهاها فان وقعت في زلة فالعلم يدفع عنك العقوبة .. )
التعليق :
كأن إبن الجوزى يعلم الغيب ، ويسمع وسوسة الشيطان .!
( نقد مسالك الكاملين من العلماء :
وقد لبس إبليس على أقوام من المحكمين في العلم والعمل من جهة أخرى فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء لطلب الرياسة فتارة يريهم أن هذا كالحق الواجب لهم وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ . )
( وقد لبس إبليس على الكاملين في العلوم فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر وعلو الصيت والرياسة وطلب الرحلة من الآفاق)
التعليق :
1 ـ يصفهم بالكاملين ثم ينتقدهم ، أي ليسوا كاملين . وكالعادة يضع نفسه فوقهم جميعا ، وهو طبعا يرى نفسه كاملا من العلماء ، أي يرتد نقده الى نفسه .
الباب السابع في تلبيس إبليس على الولاة والسلاطين:
قال المصنف قد لبس عليهم إبليس من وجوه كثيرة نذكر أمهاتها:
فالوجه الأول : أنه يريهم أنه الله عز وجل يحبهم ولولا ذلك ما ولاهم سلطانه ولا جعلهم نوابا عنه في عباده وينكشف هذا التلبيس بأنهم إن كانوا نوابا عنه في الحقيقة فليحكموا بشرعه وليتبعوا مراضيه فحينئذ يحبهم لطاعته فأما صورة الملك والسلطنة فانه قد أعطاها خلقا ممن يبغضه وقد بسط الدنيا لكثير ممن لا ينظر إليه وسلط جماعة من أولئك على الأولياء والصالحين فقتلوهم وقهروهم فكان ما أعطاهم عليهم لا لهم # ودخل ذلك في قوله تعالى ^ إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ^
والثاني: أنه يقول لهم الولاية تفتقر إلى هيبة فيتكبرون عن طلب العلم ومجالسة العلماء بآرائهم فيتلفون الدين .
والثالث : أنه يخوفهم الأعداء ويأمرهم بتشديد الحجاب فلا يصل إليهم أهل المظالم ويتوانى من جعل بصدد رفع المظالم .
والرابع : أنهم يستعملون من لا يصلح ممن لا علم عنده ولا تقوى فيجتلب الدعاء عليهم بظلمة الناس ويطعمهم الحرام بالبيوع الفاسدة ويحد من لا يجب عليه الحد ويظنون أنهم يتخلصون من الله عز وجل مما جعلوه في عنق الوافي .
والخامس : أنه يحسن لهم العمل برأيهم فيقطعون من لا يجوز قطعه ويقتلون من لا يحل قتله ويوهمهم أن هذه سياسة. وتحت هذا من المعنى أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى إتمام ونحن نتمها بآرائنا # وهذا من أقبح التلبيس لأن الشريعة سياسة إلهية ومحال أن يقع في سياسة الإله خلل يحتاج معه إلى سياسة الخلق قال الله عز وجل ^ ما فرطنا في الكتاب من شيء ^
والسادس: أنه يحسن لهم الانبساط في الأموال ظانين أنها بحكمهم # وهذا تلبيس يكشفه وجوب الحجر على المفرط في مال نفسه فكيف بالمستأجر في حفظ مال غيره وإنما له من المال بقدر عمله فلا وجه للانبساط .
والسابع : أنه يحسن لهم الانبساط في المعاصي ويلبس عليهم أن حفظكم للسبيل وأمن البلاد بكم يمنع عنكم العقاب وجواب هذا أن يقال إنما وليتم لتحفظوا البلاد وتؤمنوا السبل وهذا وجب عليهم وما انبسطوا فيه من المعاصي منهي عنه فلا يرفع هذا ذلك.
والثامن : أنه يلبس على أكثرهم بأنه قد قام بما يجب من جهة أن ظواهر الأحوال مستقيمة ولو حقق النظر لرأى اختلالا كثيرا...وأدركت السلاطين يمنعون المنجمين من القعود في الطرق حتى لا يفشو العمل بالنجوم . وأدركنا الجند ليس فيهم أحد معه غلام أمرد له طرة ولا شعر إلى أن بدىء بحكم العجم .
والتاسع: أنه يحسن لهم استجلاب الأموال واستخراجها بالضرب العنيف وأخذ كل ما يملكه الخائن واستخلافه وإنما الطريق إقامة البينة على الخائن .
والعاشر: أنه يحسن لهم التصدق بعد الغضب يريهم أن هذا يمحو ذلك ويقول إن درهما من الصدقة يمحو إثم عشرة من الغضب وإن كانت الصدقة من الحلال لم يدفع أيضا إثم الغصب لأن اعطاء الفقير لا يمنع تعلق الذمة بحق آخر.
والحادي عشر: أنه يحسن لهم مع الإصرار على المعاصي زيارة الصالحين وسؤالهم الدعاء ويريهم أن هذا يخفف ذلك الإثم وهذا الخير لا يدفع ذلك الشر
والثاني عشر: أن من الولاة من يعمل لمن فوقه فيأمره بالظلم فيظلم ويلبس عليهم إبليس بأن الإثم على الأمير لا عليك وهذا باطل لأنه معين على الظلم وكل معين على المعاصي عاص )
التعليق :
هنا بعض حقائق تاريخية بين السطور . وكانت في عصر إبن الجوزى . والذى كان قريبا من الخليفة والقائمين على إدارة الدولة ، بل وعمل في خدمتها في مطاردة الشيعة ( الرافضة ). وأكل من مالها السُحت . عايش الفساد السياسى والأخلاقى والشذوذ الجنسى والسلب والنهب والذى كان على أشُدّه . وكان ابن الجوزى مشاركا فيه . ولكنه هنا يضع نفسه فوقهم ، يأمر الناس بالبرّ وينسى نفسه .
الباب الثامن ذكر تلبيس إبليس على العُبّاد في العبادات:
قال المصنف : إعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل ، فهو يدخل منه على الجهال بأمان . وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة . وقد لبس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم .. فأول تلبيسه عليهم إيثارهم التعبد على العلم والعلم أفضل من النوافل فأراهم أن المقصود من العلم العمل وما فهموا من العمل إلا عمل الجوارح ، وما علموا أن العمل عمل القلب وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح ... قال المصنف: فلما مر عليهم هذا التلبيس وآثروا التعبد بالجوارح على العلم تمكن إبليس من التلبيس عليهم في فنون التعبد.
التعليق :
لم يترك المتعبدين في حالهم ، وألزمهم بالعلم ( التفقه ). وليس كل إنسان مؤهلا للعلم بالفقه .
ذكر تلبيسه عليهم في الاستطابة والحدث ( قضاء الحاجة : من البول والغائط ):
من ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء ، وذلك يؤذي الكبد وإنما ينبغي أن يكون بمقدار ، ومنهم من يقوم فيمشي ويتنحنح ويرفع قدما ويحط أخرى ، وعنده أنه يستنقي بهذا ، وكلما زاد في هذا نزل البول. وبيان هذا أن الماء يرشح إلى المثانة ويجمع فيها فإذا تهيأ الانسان للبول خرج ما اجتمع فاذا مشى وتنحنح وتوقف رشح شيء آخر فالرشح لا ينقطع وإنما يكفيه أن يحتلب ما في الذكر بين أصبعيه ثم يتبعه الماء. ومنهم من يحسن له استعمال الماء الكثير وإنما يجزيه بعد زوال العين سبع مرات على أشد المذاهب ، فإن استعمل الأحجار فيما لم يتعد المخرج أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن ، ومن لم يقنع بما قنع الشرع به فهو مبتدع شرعا لا متبع .
ذكر تلبيسه عليهم في الوضوء :
منهم من يلبس عليه في النية فتراه يقول أرفع الحدث ، ثم يقول أستبيح الصلاة ، ثم يعيد فيقول أرفع الحدث . وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ فتكلف اللفظ أمر أملا يحتاج إليه ثم لا معنى لتكرار اللفظ . ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به فيقول من أين لك أنه طاهر. ويقدر له فيه كل احتمال بعيد . وفتوى الشرع يكفيه بأن أصل الماء الطهارة فلا يترك الأصل بالاحتمال . ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك يجمع أربعة أشياء مكروهة: الإسراف في الماء ، وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب ، والتعاطي على الشريعة ( أي المزايدة ) إذا لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل ، والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على الثلاث. وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة . وتلبيس إبليس على هذا بأنك في عبادة ما لم تصح لا تصح الصلاة ولو تدبر أمره لعلم أنه في مخالفة وتفريط . وقد رأينا من ينظر في هذه الوساوس ولا يبالي بمطعمه ومشربه ولا يحفظ لسانه من غيبة... وفي الحديث عن أبي عن النبي قال : للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال فاحذروه . وعن الحسن رضي الله عنه قال شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء .
ذكر تلبيسه عليهم في الصلاة :
من ذلك تلبيسه عليهم في الثياب التي يستتر بها فترى أحدهم يغسل الثوب الطاهر مرارا وربما لمسه مسلم فيغسله، ومنهم من يغسل ثيابه في دجلة لا يرى غسلها في البيت يجزىء ، ومنهم من يدليها في البئر كفعل اليهود وما كانت الصحابة تعمل هذا بل قد صلوا في ثياب فارس لما فتحوها واستعملوا أوطئتهم وأكسيتهم. ومن الموسوسين من يقطر عليه قطرة ماء فيغسل الثوب كله ، وربما تأخر لذلك عن صلاة الجماعة، ومنهم من ترك الصلاة جماعة لأجل مطر يسير يخاف أن ينتضح عليه . ولا يظن ظان أنني أمتنع من النظافة والورع ولكن المبالغة الخارجة عن حد الشرع المضيعة للزمان هي التي ننهي عنها .
ومن ذلك تلبيسه عليهم في نية الصلاة، فمنهم من يقول أصلى صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا منه أنه قد نقض النية والنية لا تنقض وأن لم يرض اللفظ ، ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض فاذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه. فليت شعري ما الذي أحضر النية حينئذ وما ذاك إلا لأن إبليس أراد أن يفوته الفضيلة . وفي الموسوسين من يحلف بالله لا كبرت غير هذه المرة، وفيهم من يحلف بالله بالخروج من ماله أو بالطلاق . وهذه كلها تلبيسات إبليس ، والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات . قال المصنف وقد حكى لي بعض الأشياخ عن ابن عقيل حكاية عجيبة أن رجلا لقيه فقال إني أغسل العضو( أي العضو الذكرى ) وأقول ما غسلته وأكبر وأقول ما كبرت فقال له ابن عقيل : " دع الصلاة فانها ما تجب عليك " فقال قوم لابن عقيل كيف تقول هذا فقال لهم قال النبي : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر ويقول ما كبرت فليس بعاقل والمجنون لا تجب عليه الصلاة . قال المصنف واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل وجهل بالتسرع .. والوسواس جهل محض....
فصل : ومن الموسوسين من إذا صحت له النية وكبر ذهل عن باقي صلاته ، كأن المقصود من الصلاة التكبير فقط وهذا تلبيس يكشفه أن التكبير يراد للدخول في العبادة فكيف تهمل العبادة وهي كالدار ويقتصر على التشاغل بحفظ الباب .
فصل : ومن الموسوسين من تصح له التكبيرة خلف الإمام وقد بقي من الركعة يسير فيستفتح ويستعيذ فيركع الإمام ، وهذا تلبيس أيضا ، لأن الذي شرع فيه من التعوذ والاستفتاح مسنون ، والذي تركه من قراءة الفاتحة وهو لازم للمأموم عند جماعة من العلماء ، فلا ينبغي أن يقدم عليه سنة. قال المصنف : وقد كنت أصلي وراء شيخنا أبي بكر الدينوري الفقيه في زمان الصبا فرآني مرة أفعل هذا فقال يا بني إن الفقهاء قد اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة خلف الامام ولم يختلفوا في أن الاستفتاح سنة فاشتغل بالواجب ودع السنن.
فصل : وقد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول : الحمد الحمد ، فيخرج باعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة . وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد وتارة في إخراج ضاد المغضوب . ولقد رأيت من يقول المغضوب فيخرج بصاقة مع إخراج الضاد لقوة تشديده ، وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب . وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة . وكل هذه الوساوس من إبليس .. وفي أفراد مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت لرسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي . فقال رسول الله : ذاك الشيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثا واتفل عن يسارك ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.)
التعليق
1 ـ هذه حقائق تاريخية مجهولة كشف عنها إبن الجوزى ، وهى شيوع الوسوسة بين الفقهاء في الطهارة وفى الصلاة . وقد أصبحت الوسوسة ( وسواسا قهريا ) ومرضا ساد الفقهاء فيما بعد في العصر المملوكى الى درجة ترك الطهارة والصلاة . التصوف الذى بدأ في الانتشار والتسيّد في عصر إبن الجوزى هو المسئول عن مرض الوسوسة عند الفقهاء . كان الفقهاء خصوما للصوفية ، والأشد خصومة لهم كانوا الحنابلة ومنهم إبن الجوزى . أعلن الصوفية جهارا عقائدهم ومارسوها ، ومنها التخلص من أداء العبادات أو :( إسقاط التكاليف )لأنها تعوق عن عقائدهم في الاتحاد والحلول ووحدة الوجود ووحدة الفاعل، وهذا ما قام الغزالى بتقعيده في كتابه ( الإحياء ). قابل الفقهاء المتعبدون هذا التطرف بإسقاط التكاليف بالتطرف في تأدية التكاليف التعبدية وفق دينهم السطحى الظاهرى ، الى درجة الوسوسة ، والتي إنتهت الى ترك العبادات .
2 ـ ونلاحظ أن إبن الجوزى يرد عليهم من دينه السُّنّى ، ويذكر أحاديث مضحكة عن الشيطان ، وأقاويل أخرى عن شيوخ ، أهملناها لأنها لا تستحق ، ولكنه يعتبرهم مرجعية في دينه ، وقد قلنا إن الأديان الأرضية يملكها أصحابها ، وإنهم في شقاق وخلاف .
( ج 6)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
ترك السنن :
( وقد لبس إبليس على قوم فتركوا كثيرا من السنن لواقعات وقعت لهم فمنهم من كان يتخلف عن الصف الأول ويقول إنما أراد قرب القلوب ، ومنهم من لم ينزل يدا على يد في الصلاة وقال أكره أن أظهر من الخشوع ما ليس في قلبي. وقد روينا هذين الفعلين عن بعض أكابر الصالحين . هذا أمر أوجبه قلة العلم ، ففي الناس ما لهم في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا وفي أفراد مسلم من حديثه عن النبي أنه قال خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وأما وضع اليد على اليد فسنة، روى أبو داود في سننه أن ابن الزبير قال وضع اليد على اليد من السنة ، وإن ابن مسعود كان يصلي فوضع يده اليسرى فوضع يده اليمنى على اليسرى . ..)
التعليق :
هنا لمحة تاريخية عمّن كان يجعلهم من أكابر الصالحين .! وهو يرد عليهم من دينه السنى الحنبلى .
ذكر تلبيسه عليهم في الأذان:
( ومن ذلك التلحين في الأذان ، وقد كرهه مالك بن أنس وغيره من العلماء كراهية شديدة لأنه يخرجه عن موضع التعظيم إلى مشابهة الغناء ، ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ ويجعلون الأذان وسطا فيختلط وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان . وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرا على المنارة فيعظ ويذكر ومنهم من يقرأ سورا من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات .)
التعليق
وكأنه يصف ما يحدث في عصرنا .! والواقع أن ذلك بتأثير التصوف ، الذى قام بتحويل الدين الى لهو ولعب وإنشاد وغناء .! قال جل وعلا :
( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(51)الأعراف )، ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ(70)الأنعام ).
فصل :
وقد لبس إبليس على خلق كثير من الجهالة المتعبدين فرأوا أن العبادة هي القيام والقعود فحسب ، وهم يدأبون في ذلك، ويخلون في بعض واجباتهم ولا يعلمون. وقد تأملت جماعة يسلمون إذا سلم الإمام وقد بقي عليهم من التشهد الواجب شيء وذلك لا يحمله الامام عنهم ولبس على آخرين منهم، فهم يطيلون الصلاة ويكثرون القراءة ويتركون المسنون في الصلاة ويرتكبون المكروه فيها. وقد دخلت على بعض المتعبدين وهو يتنفل بالنهار ويجهر بالقراءة فقلت له: " إن الجهر بالقراءة بالنهار مكروه" فقال لي: " أنا أطرد النوم عني بالجهر" فقلت له: " إن السنن لا تترك لأجل سهرك ومتى غلبك النوم فنم فان للنفس عليك حقا". وعن بريدة قال قال رسول الله : من جهر بالقراءة في النهار فارجموه بالبعر.
التعليق :
هذه شهادة منه واقعية عن عصره . والمضحك هذا الحديث الشيطانى الذى رواه دون خجل ولا شعور بالعار : ( من جهر بالقراءة في النهار فارجموه بالبعر. ).! البعر هو مخلفات الانعام . فماذا إذا لم يعثروا على ( بعر ).؟؟ هل يستوردونه من سويسرا ؟؟!
الاكثار من صلاة الليل :
وقد لبس إبليس على جماعة من المتعبدين فأكثروا من صلاة الليل ، وفيهم من يسهره كله ويفرح بقيام الليل وصلاة الضحى أكثر مما يفرح بأداء الفرائض ، ثم يقع قبيل الفجر فتفوته الفريضة أو يقم فيتهيأ لها فتفوته الجماعة، أو يصبح كسلان فلا يقدر على الكسب لعائلته . ولقد رأيت شيخا من المتعبدين يقال له حسين القزويني يمشي كثيرا من النهار في جامع المنصور، فسألت عن سبب مشيه فقيل لي: " لئلا ينام" فقلت: " هذا جهل قال إن لنفسك عليك حقا فقم ونم . "
التعليق
هذا يخالف ما جاء في القرآن الكريم عن قيام الليل . قال ربنا جل وعلا :
(كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) 17)الذاريات )
( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) 64 الفرقان (
( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) 9 ) الزمر )
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)المزمل )
تلبيسه عليهم في القرآن
( وقد لبس على آخرين انفردوا في المساجد للصلاة والتعبد فعرفوا بذلك واجتمع اليهم ناس فصلوا بصلاتهم وشاع بين الناس حالهم، وذلك من دسائس إبليس )
( وقد لبس على جماعة من المتعبدين فتراهم يصلون الليل والنهار ولا ينظرون في إصلاح عيب باطن ولا في مطعم والنظر في ذلك أولى بهم من كثرة التنفل ..)
( ذكر تلبيسه عليهم في قراءة القرآن :
وقد لبس على قوم بكثرة التلاوة فهم يهزون هزا من غير ترتيل ولا تثبت ، وهذه حالة ليست بمحمودة...
قال المصنف: وقد لبس إبليس على قوم من القراء فهم يقرأون القرآن في منارة المسجد بالليل بالأصوات المجتمعة المرتفعة الجزء والجزأين، فيجتمعون بين أذى الناس في منعهم من النوم وبين التعرض للرياء ، ومنهم من يقرأ في مسجده وقت الأذان لأنه حين اجتماع الناس في المسجد.
قال المصنف : ومن أعجب ما رأيت فيهم أن رجلا كان يصلي بالناس صلاة الصبح يوم الجمعة ثم يلتفت فيقرأ المعوذتين ويدعو دعاء الختمة ليعلم الناس ... وقد روى عن جماعة من السلف أنهم كانوا يقرأون القرآن في كل يوم أو في كل ركعة ، وهذا يكون نادرا منهم ومن داوم عليه فإنه وان كان جائزا إلا أن الترتيل والتثبت أحب إلى العلماء ).
فصل :
( وقد لبس على قوم من المتعبدين وكانوا يبكون والناس حولهم ، وهذا قد يقع عليه فلا يمكن دفعه فمن قدر على ستره فأظهره فقد تعرض للرياء. وعن عاصم قال كان أبو وائل إذا صلى في بيته نشج نشيجا ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله واحد يراه ما فعله ، وقد كان أيوب السختياني إذا غلبه البكاء قام . )
التعليق
إنفرد إبن الجوزى في تاريخه ( المنتظم ) بذكر ( البكائين ) وهم الذين إتخذوا البكاء شريعة دينية كانوا يتنافسون فيها طبقا لدينهم القائم على السطحية والنفاق ، وكان في كتابته عنهم معجبا بهم يروى مناماتهم وكراماتهم . ولنا بحث منشور عن البكائين وتحليل لظروفهم وقتئذ . ونرى إبن الجوزى هنا ينتقدهم . أي يتناقض مع نفسه .
ملاحظة هامة :
ونلاحظ أنه مع كثرة ما ذكره عن الصلوات الخمس وتأديتها فلم يذكر مطلقا أنه كان في عصره من ينكر الصلوات الخمس ، كما يقول بعض الجهلة المنتسبين زورا للقرآنيين ، وكم كتبنا وكم نصحنا ، وما من فائدة . وحسابهم عند ربهم جل وعلا ..
ذكر تلبيسه عليهم في الصوم
قال المصنف:
( وقد لبس على أقوام فحسن لهم الصوم الدائم وذلك جائز إذا أفطر الإنسان الآيام المحرم صومها . وقد داوم جماعة من القدماء على الصوم مع خشونة المطعم وقلته ومنهم من ذهبت عينه ومنهم من نشف دماغه وهذا تفريط في حق النفس الواجب وحمل عليها ما لا تطيق فلا يجوز)
التعليق :
يتكلم من دينه السُنّى وفيه تحريم الصوم في بعض الأيام . وقد أورد أحاديث شيطانية في ذلك
( فصل:
وقد يشيع على المتعبد أنه يصوم الدهر فيعلم بشياع ذلك فلا يفطر أصلا ، وإن أفطر أخفى إفطاره لئلا ينكسر جاهه وهذا من خفي الرياء، ولو أراد الإخلاص وستر الحال لأفطر بين يدي من قد علم أنه يصوم ثم عاد إلى الصوم ولم يعلم به . ومنهم من يخبر بما قد صام فيقول اليوم منذ عشرين سنة ما أفطرت..)
(.. وفيهم من عادته صوم الإثنين والخميس فاذا دعي إلى طعام قال اليوم الخميس ولو قال أنا صائم كانت محنة وإنما قوله اليوم الخميس معناه إني أصوم كل خميس ، وفي هؤلاء من يرى الناس بعين الاحتقار لكونه صائما وهم مفطرون، ومنهم من يلازم الصوم ولا يبالي على ماذا أفطر، ولا يتحاشى في صومه عن غيبة ولا عن نظرة ولا عن فضول كلمة. وقد خيل له إبليس أن صومك يدفع إثمك وكل هذا من التلبيس . )
التعليق
هذه بعض مظاهر التدين السطحى ، ومنها ما لا يزال موجودا عند المحمديين .
ذكر تلبيسه عليهم في الحج
قال المصنف :
( قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضاء الوالدين وهذا خطأ ، وربما خرج وعليه ديون أو مظالم وربما خرج للنزهة ، وربما حج بمال فيه شبهة ، ومنهم من يجب أن يتلقى ويقال الحاج ، وجمهورهم يضيع في الطريق فرائض من الطهارة والصلاة ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية . وإبليس يريهم صورة الحج فيغرهم وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان وإنما يكون ذلك مع القيام بالتقوى . وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته فيقول : " لي عشرون وقفة " وكم من مجاور قد طال مكثه ولم يشرع في تنقية باطنه وربما كانت همته متعلقة بفتوح يصل إليه ممن كان ، وربما قال أن لي اليوم عشرين سنة مجاورا . وكم قد رأيت في طريق مكة من قاصد إلى الحج يضرب رفقاءه على الماء ويضايقهم في الطريق . وقد لبس إ بليس على جماعة من القاصدين إلى مكة فهم يضيعون الصلوات ويطففون إذا باعوا ويظنون أن الحج يدفع عنهم، وقد لبس إبليس على قوم منهم فابتدعوا في المناسك ما ليس منها، فرأيت جماعة يتصنعون في إحرامهم فيكشفون عن كتف واحدة ويبقون في الشمس أياما فتكشط جلودهم وتنتفخ رؤوسهم ويتزينون بين الناس بذلك . )
التعليق
هو نفس التدين السطحى المظهرى . ولا يزال سائدا حتى اليوم .
( تلبيسه عليهم في التوكل:
وقد لبس على قوم يدعو الى التوكل فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل وهم على غاية الخطأ )
التعليق :
1 ـ شاعت في دين التصوف ما أسموه بالسياحة الصوفية ، وكانت أساطيرهم تمتلىء بزعم الكرامات ، وأن أحدهم يسافر في البوادى بلا زاد ولا ماء فيضرب الأرض فينبع له الماء ، أو يرى ( الخضر ) يأتيه بالطعام . صدّق بعضهم هذه الخزعبلات ، فكان يذهب للحج بزعمه ( متوكلا ).
2 ـ إعتراض ابن الجوزى لم يرد فيه معنى التوكل على الله جل وعلا كما جاء في القرآن الكريم ، ولم يرد فيه أصلا أن الحج فرض فقط على من استطاع اليه سبيلا .

( ج 7)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
( ذكر تلبيس إبليس على الغزاة :
قال المصنف: قد لبس إبليس على خلق كثير فخرجوا إلى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز وربما كان المقصود أن يقال شجاع أو كان طلب الغنيمة وإنما الأعمال بالنيات وعن أبي موسى قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله." أخرجاه في الصحيحين وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " إياكم أن تقولوا مات فلان شهيدا أو قتل فلان شهيدا فإن الرجل ليقاتل ليغنم ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه ". وبالإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال : " أول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى قتلت قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال هو جرىء، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال" تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن" فقال :" كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قارىء فقد قيل" ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال ما تركت من سبيل أنت تحبه أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد ، فقد قيل." ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. " انفرد باخراجه مسلم . وباسناد مرفوع عن أبي حاتم الرازي قال سمعت عبدة بن سليمان يقول كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فاذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فاذا هو عبد الله بن المبارك فقال وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا قلت فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاصه برؤية الناس له ومدحهم إياه فستر نفسه وقد كان ابراهيم بن أدهم يقاتل فاذا غنموا لم يأخذ شيئا من الغنيمة ليوفر له الأجر .
فصل : وقد لبس إبليس على المجاهد اذا غنم ، فربما أخذ من الغنيمة ما ليس له أخذه، فأما أن يكون قليل العلم فيرى أن أموال الكفار مباحة لمن أخذها ولا يدري أن الغلول من الغنائم معصية . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله عبد له فلما نزلنا قام عبد رسول الله يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فلما قلنا له هنيئا له الشهادة يا رسول الله فقال : كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم. قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول الله شراك من نار أو شرا كان من نار .")
فصل :
وقد يكون الغازي عالما بالتحريم إلا أنه يرى الشيء الكثير فلا يصبر عنه وربما ظن أن جهاده يدفع عنه ما فعل وها هنا يتبين أثر الإيمان والعلم. روينا باسناد عن هبيرة بن الأشعث عن أبي عبيدة العنبري قال لما هبط المسلمون المداين وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا ما يقاربه فقال له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال والله لا أخبركم لتحمدوني ولا أغريكم لتقرظوني ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فاتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فاذا هو عامر بن عبد قيس.
التعليق :
أولا :
1 ـ إبن الجوزى كان لا يؤمن بالقرآن الكريم وحده حديثا ، ولا يستشهد به إلا بإخراج الآية عن سياقها وبعد إخضاعها لما يؤمن به من أحاديث شيطانية . وهو هنا يستخدم هذه الأحاديث الشيطانية في وعظه . ومنها :إسناد علم الغيب للنبى زورا وبهتانا ، مثل : (" أول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى قتلت قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال هو جرىء، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال" تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن" فقال :" كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قارىء فقد قيل" ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال ما تركت من سبيل أنت تحبه أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد ، فقد قيل." ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ") ، ( وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله عبد له فلما نزلنا قام عبد رسول الله يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فلما قلنا له هنيئا له الشهادة يا رسول الله فقال : كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم. قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول الله شراك من نار أو شرا كان من نار .").
2 ـ يرى إن الجهاد الاسلامى هو الحروب والتي كان فيها الإعتداء على الآخرين ظلما وعدوانا . ومنها الخبر السابق عن غزو خيبر . فهل إعتدى أهل خيبر على النبى وغزوا المدينة ؟ أم أن النبى ـ بزعمهم الكاذب ـ هو الذى هاجمهم في بلدهم ؟ . ومثل ذلك هذا الخبر المُلفّق عن عبد الله بن المبارك ، راوية الحديث الذى صنعوا له تاريخا مزورا ، منها قتاله للروم ، وعفته عن المغانم . يقول : ( كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فاذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فاذا هو عبد الله بن المبارك فقال وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا قلت فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاصه برؤية الناس له ومدحهم إياه فستر نفسه وقد كان ابراهيم بن أدهم يقاتل فاذا غنموا لم يأخذ شيئا من الغنيمة ليوفر له الأجر .) ومنه هذا الافتراء : ( روينا باسناد عن هبيرة بن الأشعث عن أبي عبيدة العنبري قال لما هبط المسلمون المداين ، وجمعوا الأقباض، أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا ما يقاربه فقال له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال والله لا أخبركم لتحمدوني ولا أغريكم لتقرظوني ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فاتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فاذا هو عامر بن عبد قيس. ). هاجموا المدائن في فارس ، ولم يسبق للمدائن أن هاجمتهم في المدينة . وسلبوا أموال أهلها ، وإقتسموها ، أو ما يقال عنها ( الأقباض ) ، من ( قبضهم ) الغنائم المسلوبة ظلما وعدوانا وتوزيعها عليهم . ويجعل من الفضائل أمانة بعضهم . لو كان مؤمنا فاضلا ما إرتضى من البداية أن يقاتل من لم يعتد على بلده ويسلب أمواله .!
ثانيا :
الذى لم يعرفه إبن الجوزى والذى لم يؤمن به هو التدرج في تشريعات في الإسلام في التعامل مع المعتدين الى أن تصل الى القتال الدفاعى . ونعطى عنها لمحة سريعة :
1 ـ في مواجهة الاضطهاد الدينى لارغام المؤمن على الكفر وتقديس البشر والحجر عليه أن يصبر ما إستطاع ، وإذا فاض به الأذى فله أن يقول لهم كلمة الكفر ليتركوه ، والله جل وعلا عالم ما في الصدور يسمح له بذلك ، ويغفر له ذلك . قال جل وعلا : ( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 106 ) النحل ).
2 ـ الهجرة في سبيل الله جل وعلا هي الخيار الأمثل . وفيها قال جل وعلا في نفس السورة: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 110 )، ( وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ( 41 ) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 42 ) ). إن أرض الله جل وعلا واسعة ، ولكن العُمر قصير ، وهو يتناقص ويقترب من الموت بسرعة 60 ثانية في الدقيقة . ومن السخف أن تضيع عمرك تتحمل الظلم راضيا به . نرجو تدبر قول ربنا جل وعلا :
2 / 1 :( يا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ(56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(59)العنكبوت )
2 / 2 :( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(10)الزمر )
3 ـ الذى يتكاسل عن الهجرة مع قدرته عليه يكون كافرا . قال جل وعلا :
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )( 100) النساء ).
وعليه :
1 ـ تعرض النبى محمد عليه السلام والمؤمنون معه لاضطهاد هائل ، فهاجروا ، وتعقبتهم قريش بالغارات في المدينة ليردوهم عن دينهم . قال جل وعلا : ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)البقرة )، وكان التشريع وقتها هو كفّ اليد ، وحين نزل تشريع القتال كرهوه ، فقال لهم جل وعلا ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216) البقرة ) وطلب بعضهم التأجيل . فقال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء).
2 : الاستعداد القتالى أخذ وقتا ، ولم يكن للإعتداء بل لارهاب العدو بردعه عن العدوان ، أي لحقن الدماء والسلام ، وإن آثروا السلام فلا بد من الاستجابة . قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال ) .
3 ـ وحين أتمُّوا إستعدادهم نزل لهم الإذن بالقتال ، وفيه مبررات هذا الإذن. قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الحج ) .
4 ـ ونتذكر أن فريقا من المؤمنين في موقعة ( بدر ) كان معارضا للقتال ، وجادل في الحق بعد ما تبين . قال جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ( 5 ) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ( 6 ) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ( 7 ) الأنفال ).
5 ـ نزلت تشريعات القتال الدفاعى في قتال الجنود المعتدين في أرض المعركة فقط ، مع تحريم الإعتداء ، وأن يكون الاعتداء بالمثل ، وينتهى القتال الدفاعى بتوقف المعتدى عن إعتدائه . قال جل وعلا : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) 194) ) ( البقرة).
6: بل هناك أكثر من ذلك:
6 / 1 : فالمقاتل في الجيش المعتدى إذا نطق بكلمة السلام وجب حقن دمه ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (94) النساء).
6 / 2 : وإذا إستجار في أرض المعركة وجبت حمايته وتوصيله الى مأمنه بعد إسماعه بعض آيات القرآن الكريم. قال جل وعلا : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6) التوبة ).
7ـ أفظع جريمة أن تقتل إنسانا مسالما مؤمنا مأمون الجانب ، قال جل وعلا : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء ) .هذا عن قتل فرد واحد . فماذا عن قتل آلاف وملايين . وماذا إذا كان هذا القتل منسوبا الى الإسلام دين السلام والرحمة والعدل ؟! ألا يكون هذا ظلما لمن أنزل الدين واصبا ؟
8ـ هذا التشريع السامى الاسلامى حطّمه ـ تحطيما ــ جواسيس قريش الذين بعثتهم مهاجرين ، وكتموا نفاقهم ومردوا عليه ، قال عنهم رب العزة جل وعلا وعن عدم توبتهم : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). كانوا الأقرب للنبى محمد عليه السلام ، وبعضهم أصهاره ، فكان سهلا عليهم أن يتولوا الحكم بعده ، وأن يبدلوا شريعة الإسلام كفرا ، وباسم الإسلام . نتحدث عن الخلفاء أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ، وعن الزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وعمرو بن العاص ..إعتدوا على أمم لم تعتد عليهم ، سبوا نساءهم وذريتهم واحتلوا بلادهم ونهبوا ثرواتهم ، ثم تنازعوا فيما سلبوه فكانت الفتنة الكبرى . وتأسّست على تلك الفتوحات والفتنة الكبرى أديان أرضية شيطانية ، يحتل فيها أولئك الصحابة مرتبة الألوهية . وسيظل أولئك المحمديون في القاع أسفل سافلين طالما لا يزالون يقدسون أولئك الصحابة الملاعين .
( ج 8)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
( ذكر تلبيسه على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر :
وهم قسمان : عالم وجاهل ، فدخول إبليس على العالم من طريقين :
الطريق الأول : التزين بذلك وطلب الذكر والعجب بذلك الفعل . روينا بإسناد عن أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سلمان يقول سمعت أبا جعفر المنصور يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقبلني الغضب وحضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله اذا نزل قال فكرهت أن أقوم إلى خليفة فأعظه والناس جلوس يرمقونني بأبصارهم فيعرض لي تزين فيأمر بي فأقتل على غير صحيح فجلست وسكت .
والطريق الثاني : الغضب للنفس ، وربما كان ابتداء، وربما عرض في حالة الآمر بالمعروف لأجل ما يلقى به المنكر من الإهانة فتصير خصومه لنفسه، كما قال عمر بن عبد العزيز لرجل : " لولا أني غضبان لعاقبتك وإنما أراد أنك أغضبتني فخفت أن تمتزج العقوبة من غضب الله ولي".
فصل : فأما اذا كان الآمر بالمعروف جاهلا فان الشيطان يتلاعب به ، وإنما كان إفساده في أمره أكثر من إصلاحه، لأنه ربما نهى عن شيء جائز بالإجماع ، وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب ، وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم ، فان أجابوه بكلمة تصعب عليه صار غضبه لنفسه ، وربما كشف ما قد أمر الشرع بستره. وقد سئل أحمد بن حنبل عن القوم يكون معهم المنكر مغطى مثل طنبور ومسكر قال اذا كان مغطى فلا تكسره ، وقال في رواية أخرى إكسره . وهذا محمول على أنه يكون مغطى بشيء خفيف يصفه فيتبين والأولى على أنه لا يتبين. وسئل عن الرجل يسمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه فقال : " ولا عليك ما غاب عنك فلا تفتش. " . وربما رفع هذا المنكر أهل المنكر إلى من يظلمهم وقد قال أحمد بن حنبل: " إن علمت أن السلطان يقيم الحدود فارفع إليه " .
فصل : ومن تلبيس إبليس على المنكر أنه إذا أنكر جلس في مجمع يصف ما فعل ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ، ولعل القوم قد تابوا ، وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره. ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم ، والستر على المسلم واجب مهما أمكن. وسمعت عن بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم على قوم ما يتيقن ما عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هذا يوجبه الجهل. فأما العالم إذا أنكر فأنت منه على أمان . وقد كان السلف يتلطفون في الإنكار ، ورأى صلة بن أشيم رجلا يكلم امرأة فقال : " إن الله يراكما سترنا الله وإياكما ". وكان يمر بقوم يلعبون فيقول: " يا إخواني ما تقولون فيمن أراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره ؟" فانتبه رجل منهم فقال : " يا قوم إنما يعلمنا هذا فتاب وصحبه .
فصل : وأولى الناس بالتلطف في الإنكار على الأمراء، فيصلح أن يقال لهم : " إن الله قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته فإن النعم تدوم بالشكر فلا يحسن أن تقابل بالمعاصي ."
فصل : وقد لبس إبليس على بعض المتعبدين فيرى منكرا فلا ينكره ويقول :" إنما يأمر وينهي من قد صلح وأنا ليس بصالح فكيف آمر غيري." وهذا غلط لأنه يجب عليه أن يأمر وينهي ولو كانت تلك المعصية فيه إلا أنه متى أنكر متنزها عن المنكر أثر إنكاره، وإذا لم يكن متنزها لم يكد يعمل إنكاره. فينبغي للمنكر أن ينزه نفسه ليؤثر إنكاره. قال ابن عقيل: " رأينا في زماننا أبا بكر الأقفالي في أيام ( الخليفة العباسى ) القائم إذا نهض لإنكار منكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم، كأبي بكر الخباز .. وتبعه وجماعة ما فيهم من يأخذ صدقة، ولا يدنس بقبول عطاء ، صوام النهار قوام الليل ، أرباب بكاء. فإذا تبعه مخلط رده، وقال : "متى لقينا الجيش بمخلط انهزم الجيش"! . )
التعليق :
أولا :
1 ـ هنا بعض حقائق تاريخية عن عصر ابن الجوزى بين السطور ، مثل : ( وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب ، وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم ، )، ( ومن تلبيس إبليس على المنكر أنه إذا أنكر جلس في مجمع يصف ما فعل ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ، ولعل القوم قد تابوا ، وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره. ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم ، والستر على المسلم واجب مهما أمكن. وسمعت عن بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم على قوم ما يتيقن ما عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هذا يوجبه الجهل.)، ( . قال ابن عقيل: " رأينا في زماننا أبا بكر الأقفالي في أيام ( الخليفة العباسى ) القائم إذا نهض لإنكار منكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم، كأبي بكر الخباز .. وتبعه وجماعة ما فيهم من يأخذ صدقة، ولا يدنس بقبول عطاء ، صوام النهار قوام الليل ، أرباب بكاء. فإذا تبعه مخلط رده، وقال : "متى لقينا الجيش بمخلط انهزم الجيش"! . ).
2 ـ بعض ما ذكره ابن الجوزى في القرن السادس تكرر حدوثه في عصرنا ، أعنى ما يقوم به المتطرفون بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا أتيحت لهم الفرصة . حدث هذا كثيرا في مصر في المناطق التي سيطروا عليها في القاهرة والصعيد ، ووصل الانكار على ما يعتبرونه منكرا الى حد القتل ، وظهر هذا كثيرا في الصحف . ولا ننسى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الدولة السعودية الثالثة الراهنة . كانوا يتسلطون على الناس بالضرب ، وإشتكى منهم القناصل الأجانب في عصر عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة . ومن الشنائع أن حريقا شبّ في مدرسة بنات فمنعوا خروجهن ، فاحترقن جميعا ، وخرجوا منها جثثا متفحمة . كل هذا حتى لا تظهر وجوهن سافرة .!
3 ـ إبن الجوزى يتكلم من خلفيته الحنبلية ، ويستشهد بأقوال السلف وإبن حنبل . وما إستشهد بآية قرآنية واحدة . سبق أن نشرنا كتابين هنا في هذا الموضوع : ( الحنبلية ( أمّ الوهابية ) وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) و ( الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر في الإسلام ) ج 1 . ) وأوضحنا قصة إختراع الحنابلة لحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) والذى صار دستورا للمتطرفين ، ولا يزال ، وأنه أسّس لشيوخ الحنابلة سلطة أخافت الخلفاء العباسيين وقتها ، خصوصا بعد أن جعل الخليفة المتوكل ( الحنبلية السنية ) دينا رسميا للدولة .
4 ـ يبقى إعطاء لمحة عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الدين الإسلام
ثانيا :
1 ـ ليس في الإسلام أن تتخصص طائفة تأمر غيرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر. بل هو التواصى بين الجميع ، كما قال جل وعلا : ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ( 17 ) البلد )
( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( 2 ) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) .
وجاء في وصف المجتمع المؤمن قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) آل عمران ) . هنا ( ولتكن منكم ) تتكلم عن الجميع لأن ( من ) هنا بيانية وليست تبعيضيه .!
2 ـ إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو وعظ لمن تتوسم فيه القابلية للهدية . إذا لم يكن فاتركه لما إختار لنفسه . نفهم هذا من الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 105 ) المائدة )
2 ـ ( وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا(63)الفرقان )
3 ـ ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ(55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)القصص )
4 ـ الإعراض عنهم فرض إسلامى . كان هذا في دولة النبى في المدينة في التعامل مع المنافقين ورذائلهم . نتدبر قول ربنا جل وعلا :
4 / 1 : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( 81 ) النساء )(81)
4 / 2 : : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( 95 ) التوبة )
5 ـ لا ننسى أن الإسلام مؤسسُّ على الحرية الدينية ومشيئة البشر في إختيار الهدى أو الضلال ، ومسئوليتهم يوم الحساب على ما إختاروه لأنفسهم . قال جل وعلا : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ( 31 ) الكهف . ) .
أخيرا :
الآيات كثيرة ، وهذه مجرد لمحة ، وليس عجيبا أن يتجاهل إبن الجوزى هذا كله ، وهذا يؤكد أنه متبع مخلص لابليس الذى يحذّر منه .
( ج 9 ) :
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
الباب التاسع في ذكر تلبيس إبليس على الزهاد والعباد.
1 ـ قد يسمع العامي ذم الدنيا في القرآن المجيد والأحاديث فيرى أن النجاة تركها ولا يدري ما الدنيا المذمومة، فيلبس عليه إبليس بأنك لا تنجو في الآخرة إلا بترك الدنيا فيخرج على وجهه إلى الجبال فيبعد عن الجمعة والجماعة والعلم، ويصير كالوحش، ويخيل إليه أن هذا هو الزهد الحقيقي، كيف لا وقد سمع عن فلان أنه هام على وجهه وعن فلان أنه تعبد في جبل ، وربما كانت له عائلة فضاعت أو والدة فبكت لفراقه ، وربما لم يعرف أركان الصلاة كما ينبغي ، وربما كانت عليه مظالم لم يخرج منها، وإنما يتمكن إبليس من التلبيس على هذا لقلة علمه. ومن جهله رضاه عن نفسه بما يعلم ، ولو أنه وفق لصحبة فقيه يفهم الحقائق لعرفه أن الدنيا لا تذم لذاتها وكيف يذم ما من الله تعالى به وما هو ضرورة في بقاء الآدمي وسبب في إعانته على تحصيل العلم والعبادة من مطعم ومشرب وملبس ومسجد يصلي فيه ، وإنما المذموم أخذ الشيء من غير حله أو تناوله على وجه السرف لا على مقدار الحاجة ويصرف النفس فيه بمقتضى رعوناتها لا بإذن الشرع ، وأن الخروج إلى الجبال المنفردة منهي عنه. ومن تلبيسه على الزهاد إعراضهم عن العلم شغلا بالزهد، فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وبيان ذلك أن الزاهد لا يتعدى نفعه عتبة بابه والعالم نفعه متعد وكم قد رد إلى الصواب من متعبد
2 ـ فصل ومن تلبيسه عليهم أنه يوهمهم أن الزهد ترك المباحات فمنهم من لا يزيد على خبز الشعير ومنهم من لا يذوق الفاكهة ومنهم من يقلل المطعم حتى ييبس بدنه ويعذب نفسه بلبس الصوف ويمنعها الماء البارد .
3 ـ فصل ومن تلبيسه عليهم أنه يوهمهم أن الزهد هو القناعة بالدون من المطعم والملبس فحسب فهم يقنعون بذلك وقلوبهم راغبة في الرياسة وطلب الجاه فتراهم يترصدون لزيارة الأمراء إياهم ويكرمون الأغنياء دون الفقراء ويتخاشعون عند لقاء الناس كأنهم قد خرجوا من مشاهدة وربما رد أحدهم المال لئلا يقال قد بدا له من الزهد وهم من ترغد الناس إليهم وتقبيل أيديهم في أوسع باب من ولايات الدنيا لأن غاية الدنيا الرياسة تلبيسه على العُباد. وأكثر ما يلبس به إبليس على العباد والزهاد خفي الرياء فأما الظاهر من الرياء فلا يدخل في التلبيس مثل إظهار النحول وصفار الوجه وشعث الشعر ليستدل به على الزهد وكذلك خفض الصوت لإظهار الخشوع وكذلك الرياء بالصلاة والصدقة .
4 ـ نقد مسالك الزهاد : ومن المتزهدين من قوته الانقطاع في مسجد أو رباط أو جبل فلذته علم الناس بانفراده ، وربما احتج لانقطاعه باني أخاف أن أرى في خروجي المنكرات ، وله في ذلك مقاصد منها الكبر واحتقار الناس ومنها أنه يخاف أن يقصروا في خدمته، ومنها حفظ ناموسه ورياسته فان مخالطة الناس تذهب ذلك وهو يريد أن يبقى إطراؤه وذكره وربما كان مقصوده ستر عيوبه ومقابحه وجهله بالعلم فيرى هذا ويحب أن يزار ولا يزور ويفرح بمجىء الأمراء إليه واجتماع العوام على بابه وتقبيلهم يده ، فهو يترك عيادة المرضى وشهود الجنائز وبقول أصحابه أعذروا الشيخ فهذه عادته .
5 ـ فصل : ومن هؤلاء قوم لو سئل أحدهم أن يلبس اللين من ثوبه ما فعل لئلا يتوكس جاهه في الزهد ولو خرج روحه لا يأكل والناس يرونه ويحفظ نفسه في التبسم فضلا عن الضحك ويوهمه إبليس أن هذا لإصلاح الخلق وإنما هو رياء يحفظ به قانون الناموس فتراه مطاطىء الرأس عليه آثار الحزن .
6 ـ فصل ومن الزهاد من يلبس الثوب المخرق ولا يخيطه ويترك إصلاح عمامته وتسريح لحيته ليرى أنه ما عنده من الدنيا خير وهذا من أبواب الرياء .
7ـ فصل : ومن تلبيس إبليس على قوم من الزهاد الذي دخل عليهم فيه من قلة العلم أنهم يعملون بواقعاتهم ولا يلتفتون إلى قول الفقيه.
8ـ قال المصنف قلت : وقد يسمع الزاهد القليل العلم أشياء من العوام فيفتي به حدثني أبو حكيم ابراهيم بن دينار الفقيه أن رجلا استفتاه فقال ما تقول في امرأة طلقت ثلاثا فولدت ذكرا هل تحل لزوجها قال فقلت لا وكان عندي الشريف الدحالي وكان مشهورا بالزهد عظيم القدر بين العوام فقال لي بل تحل فقلت ما قال بهذا أحد فقال والله لقد أفتيت بهذا من ههنا إلى البصرة . قال المصنف فانظر ما يصنع الجهل بأهله ويضاف إليه حفظ الجاه خوفا أن يرى الزاهد بعين الجهل . وقد كان السلف ينكرون على الزاهد مع معرفته بكثير من العلم أن يفتي لأنه لم يجمع شروط الفتوى فكيف لو رأوا تخبيط المتزهدين اليوم في الفتوى بالواقعات .. ومن تلبيسه على الزهاد احتقارهم العلماء وذمهم إياهم فهم يقولون المقصود العمل ولا يفهمون أن العلم نور القلب ولو عرفوا مرتبة العلماء في حفظ الشريعة وأنها مرتبة الأنبياء لعدوا أنفسهم كالبكم عند الفصحاء والعمي عند البصراء والعلماء أدلة الطريق والخلق وراءهم وسليم هؤلاء يمشي وحده ... ومما يعيبون به العلماء تفسح العلماء في بعض المباحات التي يتقوون بها على دراسة العلم ، وكذلك يعيبون جامع الأموال ولو فهموا معنى المباح لعلموا أنه لا يذم فاعله، وغاية الأمر أن غيره أولى منه، أفيحسن لمن صلى الليل أن يعيب على من أدى الفرض ونام ؟ ولقد روينا بإسناد عن محمد بن جعفر الخولاني قال حدثني أبو عبد الله الخواص وكان من أصحاب حاتم الأصم قال دخلنا مع حاتم البلخي إلى الري ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلا من أصحابه يريد الحج وعليهم الصوف والزرمانقات ليس فيهم من معه جراب ولا طعام فنزلنا على رجل من التجار متنسك فضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم يا أبا عبد الرحمن لك حاجة فاني أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل فقال حاتم إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل كبير والنظر إلى الفقيه عبادة وأنا أجيء معك وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري فقال له مر بنا يا أبا عبد الرحمن فجاؤا إلى باب داره فاذا البواب فبقي حاتم متفكرا يقول يا رب دار عالم على هذه الحال ثم أذن لهم فدخلوا فاذا بدار قوراء وآلة حسنة وبزة وفرش وستور فبقي حاتم متفكرا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل واذا بفراش حسن وطىء وهو عليه راقد وعند رأسه مذبة وناس وقوف فقعد الرازي وبقي حاتم قائما فأومىء اليه محمد بن مقاتل بيده أن أجلس فقال حاتم لا أجلس فقال له ابن مقاتل فلك حاجة قال نعم قال وما هي قال مسألة أسألك عنها قال فاسألني قال حاتم قم فاستو جالسا حتى أسألك عنها فأمر غلمانه فأسندوه فقال حاتم علمك هذا من أين جئت به فقال حدثني الثقات عن الثقات من الأئمة قال عمن أخذوه قال عن التابعين قال والتابعون ممن أخذوه قال عن أصحاب رسول الله قال وأصحاب رسول الله عمن أخذوه قال عن رسول الله قال ورسول الله من أين جاء به قال عن جبريل عن الله عز وجل فقال حاتم ففيم أداه جبريل عن الله عز وجل إلى النبي وأداة النبي إلى الصحابة وأداة الصحابة إلى تابعيهم وأداة التابعون إلى الأئمة واداه الأئمة إلى الثقات وأداة الثقات اليكم هل سمعت في هذا العلم من كانت داره في الدنيا أحسن وفراشه الين وزينته أكثر كان له المنزلة عند الله عز وجل أكبر قال لا قال فكيف سمعت قال سمعت من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كان عند الله عز وجل له منزلة أكثر وإليه أقرب قال حاتم وأنت بمن أقتديت أبا النبي وبأصحابه والتابعين من بعدهم والصالحين على أثرهم أو فرعون ونمروذ فانهما أول من بنى بالجص والآجر يا علماء السوء ان الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها يقول هذا العالم على هذه الحالة إلا أكون أنا قال فخرج من عنده وازداد محمد بن مقاتل مرضا . وبلغ أهل الري ما جرى بين حاتم وبين ابن مقاتل فقالوا لحاتم أن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين أكثر شيئا من هذا فصار إليه فدخل عليه وعنده الخلق يحدثهم فقال له رحمك الله أنا رجل أعجمي جئتك لتعلمني مبدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضأ للصلاة فقال نعم وكرامة يا غلام اناء فيه ماء فجاءه باناء فيه ماء فقعد محمد بن عبيد فتوضأ ثلاثا ثم قال له هكذا فتوضأ قال حاتم مكانك رحمك الله حتى أتوضأ بين يديك ليكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي وقعد حاتم مكانه فتوضأ وغسل وجهه ثلاثة حتى إذا بلغ الذراع غسل أربعا فقال الطنافسي أسرفت قال حاتم فبماذا أسرفت قال غسلت ذراعك أربعا قال يا سبحان الله أنا في كف ماء أسرفت وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك فدخل البيت ولم يخرج إلى الناس أربعين يوما.. وباسناد عن حبيب الفارسي يقول والله أن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز . قال المصنف قلت المراد بالقراء الزهاد وهذا اسم قديم لهم معروف والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب )
التعليق :
1 ـ الخلاصة من كل هذه الثرثرة أن الزهد دين كان موجودا قبل عصر إبن الجوزى ثم إستمر في عصره ، وهو يؤمن به دينا ، نزل من لدن الله جل وعلا عن طريق جبريل للنبى ثم للصحابة الذين رووا عنه . وهو ينتقد من إعتبرهم قد لبّس الشيطان عليهم بأحاديث مصنوعة ، بعضها ينسبها للنبى محمد عليه السلام ، وبعضها ينسبها لشيوخ كثيرين ، وقد تجاهلنا معظمها إختصارا .
2 ـ وإبن الجوزى ـ كعادته ـ لا يؤمن بالقرآن الكريم وحده حديثا ، ولم يستشهد بآية قرآنية . ولو فعل لوجد آية وحيدة في سورة ( يوسف ) وقصته ، فبعد أن ألقاه إخوته في البئر عثرت عليه قافلة مسافرة الى مصر . ذهب الساقى الى البئر يستسقى من البئر ، فأنزل الدلو فتعلق به الطفل يوسف وخرج . إستبشر الساقى بالعثور عليه ، وجاء به للقافلة فإعتبروه بضاعة . وباعوه ( شروه ) لعزيز مصر ، وكان ( فيه من الزاهدين ) . قال جل وعلا : ( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ( 19 ) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ( 20 )
3 ـ ( زهد في ) لا تعنى الترك والاجتناب بل تعنى أخذه إمتعاضا ، وهذا بدليل قول من إشتراه لامرأته : ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( 21 ) يوسف ). قال ممتعضا ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ). المهم هنا أن الزهد ليس دينا بل شعور إنسانى .
( ج 10 )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
(الباب العاشر: في ذكر تلبيسه على الصوفية من جملة الزهاد )
قال المصنف :
1 ـ الصوفية من جملة الزهاد وقد ذكرنا تلبيس إبليس على الزهاد إلا أن الصوفية أنفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال وتوسموا بسمات فاحتجنا إلى إفرادهم بالذكر.
2 ـ والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ثم ترخص المنتسبون اليها بالسماع والرقص فمال اليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد ومال اليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب فلا بد من كشف تلبيس إبليس عليهم في طريقة القوم ولا ينكشف ذلك إلا بكشف أصل هذه الطريقة وفروعها وشرح أمورها والله الموفق للصواب.
قال المصنف : كانت النسبة في زمن رسول الله إلى الإيمان والإسلام ، فيقال مسلم ومؤمن ، ثم حدث اسم زاهد وعابد ، ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد فتخلوا عن الدنيا وانقطعوا إلى العبادة واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها وأخلاقا تخلقوا بها .. فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره. )
التعليق
1 ـ إبن الجوزى جعل معظم كتابه ( تلبيس إبليس ) عن دين التصوف . وأورد عنهم حقائق تاريخية كانت موجودة في عصره ، وحكى حوادث أخرى نقلها عن السابقين . وجعلهم صرعى لابليس ، ونقل في الهجوم عليهم أقاويل كبار السنيين ، وخصوصا ابن حنبل وغيره
2 ـ إبن الجوزى مخطىء في الربط بين دينى الزهد والتصوف .
( فصل :
1 ـ ورأوا أن أول من انفرد به بخدمة الله سبحانه وتعالى عند بيته الحرام رجل يقال له صوفة واسمه الغوث بن مر ، فانتسبوا اليه لمشابهتهم اياه في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى ، فسموا بالصوفية ... قال عبد الغني فهؤلاء المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر بن أخي تميم بن مر ...
2 ـ وقد ذهب قوم إلى أن التصوف منسوب إلى أهل الصفة، وإنما ذهبوا إلى هذا لأنهم رأوا أهل الصفة على ما ذكرنا من صفة صوفة في الإنقطاع إلى الله عز وجل وملازمة الفقر ، فإن أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون على رسول الله وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله . وقيل أهل الصفة... ونسبة الصوفي إلى أهل الصفة غلط لأنه لو كان كذلك لقيل صفي .
3 ـ وقد ذهب إلى أنه من الصوفانة وهي بقلة رعناء قصيرة فنسبوا اليها لاجتزائهم بنبات الصحراء . وهذا أيضا غلط ، لأنه لو نسبوا اليها لقيل صوفاني .
4 ـ وقال آخرون : هو منسوب إلى صوفة القفا وهي الشعرات النابتة في مؤخره كأن الصوفي عطف به إلى الحق وصرفه عن الخلق .
5 ـ وقال آخرون بل هو منسوب إلى الصوف وهذا يحتمل . والصحيح الأول .)
التعليق :
1 ـ أورد آراء مختلفة فى إشتقاق إسم التصوف . ورجّح أن مرجعه للغوث بن مر .
2 ـ ونرى أن إبن الجوزى أخطا في الفهم . فالتصوف دين قائم على الاختلاف في كل شيء . قال رويم الرائد الصوفى : ( لا تزال الصوفية بخير ما إختلفوا فإن إتفقوا فلا خير فيهم ). الاختلاف ليس فقط في إشتقاق إسم التصوف ، بل في طقوسه وفى مصادره . وإنتقل هذا الخلاف الى الباحثين ، كان ولا يزال .
( وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين ، ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة ، وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة وحمله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إلى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الأخرى .
والحديث بإسناد عن الطوسي يقول سمعت أبا بكر بن المثاقف يقول سألت الجنيد بن محمد عن التصوف فقال الخروج عن كل خلق ردىء والدخول في كل خلق سني. وباسناد عن عبد الواحد بن بكر قال سمعت محمد بن خفيف يقول قال رويم : كل الخلق قعدوا على الرسوم وقعدت هذه الطائفة على الحقائق ، وطالب الخلق كلهم أنفسهم بظواهر الشرع وهم طالبوا أنفسهم بحقيقة الورع ومداومة الصدق . " .
التعليق :
بعد أن مدحهم منخدعا بأقاويل أئمتهم دخل في انتقاد الجيل التالى وما بعده . قال :
( قال المصنف : وعلى هذا كان أوائل القوم فلبس إبليس عليهم في أشياء ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن . وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات فمنهم من أراده أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى أنه كان فيهم من لا يضطجع وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع اليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري. ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي ، وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق ، وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة، ثم ما زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن ، وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر . ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه ، فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به وهؤلاء بين الكفر والبدعة . ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم ، فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد. )
التعليق
ذكر بعدها أشهر مؤلفات التصوف ، ومنتقدا لها . قال :
( .. وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير ، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم وإنما حملوه على مذاهبهم . والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن . وقد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز قال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري قال : " كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئا يسيرا فلما مات الحاكم أبوعبد الله بن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه وكان يضع للصوفية الأحاديث "
قال المصنف : وصنف لهم أبو نصر السراج كتابا سماه لمع الصوفية، ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ... وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد ،
قال الخطيب : " وصنف أبو طالب المكي كتابا سماه قوت القلوب على لسان الصوفية وذكر فيه أشياء منكرة مستبشعه في الصفات .
قال المصنف وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية ، وذكر ..أشياء منكرة قبيحة .. وصنف لهم عبد الكريم بن هوزان القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والحال والوجد والوجود والجمع والتفرقة والصحو والسكر والذوق والشرب والمحو والإثبات والتجلي والمحاضرة والمكاشفة واللوائح والطوالع واللوامع والتكوين والتمكين والشريعة والحقيقة إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه . وجاء محمد بن ظاهر المقدسي فصنف لهم صفوة التصوف ، فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها ... وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الأحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطله وهو لا يعلم بطلانها ، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه، وقال أن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل." ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية . وقال في كتابه المفصح بالأحوال إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق .)
( فصل : وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها ، وقد سموها بالعلم الباطن . )
وأورد كُفريات بعض شيوخ الصوفية ، وإضطهادهم بسبب ذلك .
قال ( وردد فيه قول قال بعض المكاشفين وهذا كلام فارغ ، وذكر فيه عن بعض الصوفية : إن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال قال أبو طاهر محمد بن العلاف قال : " دخل أبو طالب المكي إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ فخلط في كلامه فحفظ عنه أنه قال: " ليس على المخلوق أضر من الخالق " فبدعه الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك .) ( وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر الحافظ يقول : " كان ابن طاهر يذهب مذهب الاباحة". قال وصنف كتابا في جواز النظر إلى الأمرد ، أورد فيه حكاية عن يحيى بن معين قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها " فقيل له تصلي عليها؟ فقال : "صلى الله عليها وعلى كل مليح ".. أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك ، وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة . قال السلمي : "وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق . وقالوا أنه يزعم أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه . وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري أنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة . وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ما كان يقول حتى أنه ذكر للحسين بن عيسى أنه يقول " لي معراج كما كان للنبي معراج " فأخرجوه من بسطام .. . " قال السلمي : " وحكى رجل عن سهل بن عبد الله التستري أنه يقول إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه وإنه يتكلم عليهم : فأنكر ذلك عليه العوام حتى نسبوه إلى القبائح فخرج إلى البصرة فمات بها . )
واستشهد بمعارضة شيوخ السنة للصوفية :
( قال السلمي : وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات فهجره أحمد بن حنبل فاختفى إلى أن مات . .. والحديث بإسناد إلى أبي يعقوب اسحق بن حية قال : سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات فقال ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون . قال المصنف : وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا. وروينا عن احمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي فقال لصاحب له لا أرى لك أن تجالسهم . وعن سعيد بن عمرو البردعي قال : شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه فقال للسائل : " اياك وهذه الكتب هذه الكتب كتب بدع وضلالات عليك بالاثر فانك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب " قيل له: " في هذه الكتب عبرة " قال: " من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ؟. هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق " ثم قال : " ما أسرع الناس إلى البدع ".
قال المصنف وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال حذروا من الحارث أشد التحذير. الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم، ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأى جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنزلة الأسد المرابط أنظر أي يوم يثب على الناس .)
التعليق
بعده يتناقض ابن الجوزى مع نفسه بعنوان ( أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة ) فماذا قال ؟
( ج 11 )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان : ( أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة )
قال المصنف
( وقد كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة وإنما لبس الشيطان عليهم لقلة علمهم .
1 ـ وبإسناد عن جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول : قال أبو سليمان الداراني قال ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة .
2 ـ وبإسناد عن طيفور البسطامي يقول سمعت موسى بن عيسى يقول قال لي أبي قال أبو يزيد ( البسطامى ) : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود . وبإسناد عن أبي موسى يقول سمعت أبا يزيد البسطامي قال من ترك قراءة القرآن والتقشف ولزوم الجماعة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع .
3 ـ وبإسناد عن عبد الحميد الحبلى يقول سمعت سريا ( سرى السقطى ) يقول : من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط .
4 ـ وعن الجنيد أنه قال : " مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة " ، وقال أيضا : " علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به" . وقال أيضا : "ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف من صفاء المعاملة مع الله سبحانه وتعالى وأصله التفرق عن الدنيا كما قال حارثة عرفت نفسي في الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري"
5 ـ وعن أبي بكر الشفاف : " من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن "
6 ـ وقال الحسين النوري لبعض أصحابه : "من رأيته يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد علم الشرع فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على دينه ."
7 ـ وعن الجريري قال : " أمرنا هذا كله مجموع على فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما "
8 ـ وعن أبي جعفر قال : " من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعده في ديوان الرجال" )
التعليق
أولا :
السقطة الكبرى لابن الجوزى أنه صدّق هذا الكلام ، وهو المؤرخ صاحب موسوعة ( المنتظم ) التاريخية . كان المفترض فيه مؤرخا ان يتفهم الظروف التي جعلت رواد التصوف يلجأون الى قول هذا هربا من الاضطهاد ، والذى بلغ ذروته بقتل الحلاج وصلبه بعد محاكمة زادت على العشر سنوات ثم قتلوه مصلوبا عام 301.
ونضع السياق التاريخى للموضوع :
1 ـ بدأ عرق الردة ينبض عند الفرس أكثر الأجناس المحكومة قومية وتاريخا وكراهية للعربوبني أمية . ووجد الفرس ضالتهم في قيام الدولة العباسية بمساعدتهم فصار لهم فيهاالنفوذ فتطلعوا إلى أتمام استقلالهم بالردة عن الإسلام ، فكثر في العصر العباسي الأولوجود الزنادقة لولا أن العباسيين في قوتهم استأصلوا حركة الزندقة وقضوا عليها سياسيا.
والتفت الفرس إلى التشيع فقربوا بينه وبين عقاندهم القديمة وخلطوه بأغراض سياسية قومية فواجهوا الشدة من بني العباس ، إلا أن التشيع على أية حال قد أرسى للتصوف الأسس التي يقوم عليها، وورث التصوف عقائد التشيع ورسومه وتخفف من أوزاره السياسية ، فبدأ حركة دينية عقيدية أكثر، برواد من الأعاجم ، تتلمذوا على يد أساطين الشيعة ، (فمعروف الكرخي) الرائد الصوفي الأول كان نصرنيا فأسلم على يد الإمام على الرضى ، وهو من مواليه ، (ومعروف ) هو أستاذ ( السري السقطى)، الذي هو أستاذ (الجنيد) الملقب بسيد الطائفة الصوفية ، وقد قال معروف لتلميذه السري السقطى : " إذا كانت لك حاجة إلى اللهفاقسم عليه بي "، فأرسى بذلك قاعدة التوسل بالأشخاص وجاههم عند الله . وبدأ التصوف بذلك مشواره العقيدي.
2 ـ ثم دخلت الخلافة العباسية في دور الضعف حين تحكم فيهم الأتراك ، فاستفاد المتصوفة من ضعف العباسيين فتشكلت خلايا التصوف من شيخ ومريدين ، وتمت الاتصالات بينهم فيما بين مصر والعراق والحجاز والشام عبر السياحة الصوفية ، ورفعوا لواء الحب الإلهي ليخفوا تحته عقيدة الاتحاد الصوفية ، ومع ضعف الخلفاء العباسيين فلم تمر الحركة الصوفية الجديدة بدون رد فعل فلاحقت الدولة رواد التصوف بالمحاكمات والنفي والاضطهاد . وقد اضطهد ذو النون المصري الرائد الصوفى ، وجىء به إلى بغداد معتقلاً مهدداً بالموت متهماً بالزندقة ، فأضطر إلى أن يجعل التوحيد الإسلامي درجة في العقيدة الصوفية فقال الطوسي عن التعريف الذي نقله عن ذي النون (فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ) أي جعلوا دين الله جل وعلا هو (توحيد العامة) ،أو الدرجة الدنيا . وحوكم سمنون .
3 ـ وأدى الإضطهاد الى أن اضطر الجنيد لأن يعلن أن (طريقته منوط بالكتاب والسنة ) ، وفى نفس الوقت يدرّس التصوف في عقر داره بين المخلصين منتلاميذه وبعد أن يقفل باب داره (ويضع المفتاح تحت وركه) خوفا من أن يتهموه بالزندقة ،ومع ذلك فلم ينج من الاتهام بسبب كلمة قالها مما جعله يتستر بالفقه ويختفي . ،. ولا يزال الجنيد زعيما للمعتدلين من الصوفية بسبب ما اشتهر عنه إعلان تمسكه بالكتاب والسنة مع ذلك فإن الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد تشي بعقيدته الحقيقية التي منع الخوف من ظهورها ، فهو يرى أن العارف الصوفي هو ( من نطق عن سرك وأنت ساكت ) أي سنّ للصوفية ادعاء الكشف أو علم الغيب ، وسئل عن مصدره الذي يستقى منه أقواله الجديدة فقال : " من جلوس بين يدي الله ثلاثين سنة أسفل تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة - سلم -في داره ) ، فأرسى مقولة العلم اللدني والوحي . وقيل في ترجمة ( الجنيد) أنهم شهدوا عليه ( حين كان يقرر في علم التوحيد ( يقصد عقيدة التصوف ) ثم أنه تستر بالفقه واختفى ) أي أن محاكمة عقدت " للجنيد " فاضطر للتستر بالفقه وأخفى اجتماعاته مع الصوفية .. وفي هذه الأثناء بلغ اضطهاد الصوفية ذروته بصلب الحلاج فكان الجنيد ( يقول كثيرا للشبلي .. لا تُفش سر الله تعالى بين المحجوبين ) ، يعني أنه كان يأمر الشبلي – وهو أشبه بالحلاج – بألا يعلن عقيدته . وأصدر أوامره لأتباعه بأنه ( لا ينبغي للفقير ( يقصد الصوفي ) قراءة كتب التوحيد الخاص ( يقصد التصوف ) إلا بين المصدقين لأهل الطريق أو المسلمين لهم ) يقصد المعتقدين فيهم .. وطبق الجنيد هذا المبدأ على نفسه فكان ( لا يتكلم قط في علم التوحيد إلا في قعر بيته بعد أن يغلق أبواب داره ويأخذ مفاتيحها تحت وركه ويقول : أتحبون أن يكذب الناس أولياء الله تعالى وخاصته ويرمونهم بالزندقة والكفر ) ومعنى ذلك أنه كانت للصوفية في هذا الوقت اجتماعات سرية متفرقة وخلايا من مريدين وشيخ ، وفيها كانوا يقرءون (كتب التوحيد الخاص).أي أن عقائد التصوف قد دونت منذ عهدها المبكر ، إلا أننا لم نعثر على مؤلف كامل للجنيد إذ أنه في غمرة تمسكه بالتقية أوصى حين الموت بأن (يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من عمله) ، فلم يحفظ عن الجنيد إلا القليل من الآراء الصوفية مع أنه سيد الطائفة ، حتى أن كل الطرق الصوفية المتأخرة تنتهي إليه بالخرقة. وإذا كان للجنيد كلام خاص مع أتباعه في اجتماعاتهم السرية فإنه حرص على إعلان تمسكه بالإسلام ، وشاع عنه إعلانه التقيد بالكتاب والسنة فقال ( مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ) ، ( ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر "، أي التصوف . ومن خلال الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد في عقيدة التصوف يمكن أن نتعرف على طبيعة هذه المرحلة من مراحل العقيدة الصوفية ، يقول الجنيد عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته ، بأنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد ، وينفي الأضداد والأنداد والأشباه ،و ماعُُبد من دونه بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ، إلها واحدا صمدا فردا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ، وقال مرة أخرى " معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم ، ويكون الله تعالى كما لم يزل " ، قال أبو نصر الطوسي : فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد رحمهما الله في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ، وهذا الجواب الذي ذكرناه أشار إلى توحيد الخاصة ،وقد سئل الجنيد رحمه الله عن توحيد الخاصة ، فقال أن يكون العبد شبحا بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره في مجارى أحكام قدرته في لُجِِّج بجار توحيده بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجود وحدانيته في حقيقة قربه بذهاب حسه وحركته ، لقيام الحق له فيما أراد منه ، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله ، فيكون كما كان من قبل أن يكون ، وقال أيضا . التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية .) وهذا النص أوردته كاملا من كتاب ( اللمع ) للطوسي ، وقد عني بتحقيقه الدكتور /عبد الحليم محمود لأنهما – أي الكتاب والمؤلف – يعبران عن التصوف المعتدل .. وبالتمعن في النص تبدو لنا درجات للعقيدة الصوفية ، فقد اضطر الجنيد – خوف الاضطهاد – إلى أن يعترف بالعقيدة الإسلامية فقال عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته .. الخ ). وعلق الطوسي بأن ذلك هو توحيد العامة ، ويقصد به الإسلام ، أما عن توحيد الخاصة الذي يتردد في الاجتماعات السرية فيقول فيه الطوسي ( وقد سئل الجنيد عن توحيد الخاصة ) أي سأله أتباعه في مجلس سري ، وقد قال فيه أكثر من تعريف وبعضها يعبر عن الاتحاد مثل قوله ( أن يكون العبد – أي الصوفي – شبحا بين يدي الله عز وجل .. الخ ) والتعمق في هذا التعريف يظهر أن غاية الاتحاد في أن يذوب الصوفي بروحه في خالقه بحيث يصبح جسده شبحاً تتحكم فيه " روح الله وقدرته " ، وقال ( التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية ) يقصد أحكام البشرية وحدودها ( إلى سعة فناء السرمدية ) أي إلى الألوهية الباقية بلا نهاية . وعبًر الجنيد عن وحدة الوجود بقوله ( معنى تضمحل فيه الرسوم ، ويقصد بالرسوم مظاهر الكون المادية من إنسان وحيوان وجماد فكلها تضمحل في ذات الله ( وتندرج فيه العلوم ) أي أن كل العلوم والمعارف البشرية والكونية مظاهر إلهية ( ويكون الله تعالى كما لم يزل ) أي أن الله مع ذلك – مع وجود هذا التعدد في المظاهر المادية والعقلية – هو كما كان وسيظل – وجوداً واحداً يشمل الرسوم المادية والأفكار المعنوية .والغزالى في كتابه ( إحياء علوم الدين ) نقل هذا وشرحه تفصيلا . أخيرا :
لم يكن ابن الجوزى ( الحنبلى ) وحده الذى إنخدع بنفاق الصوفية ( المعتدلين ) في القرن السادس ، إذ سار على سنته إبن تيمية الحنبلى أيضا في العصر المملوكى . يقول عن الصوفية (إن الصوفية مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق بحسب اجتهاده ،وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين .. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً ، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد سيد الطائفة وغيره ) ويعتقد ابن تيمية بكرامات الصوفية حتى ممن يعتبرهم أولياء للشيطان ، يقول عنهم ( وهؤلاء يأتيهم أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة .. وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات ( يعني ابن عربي ) أنه ألقى إليه ذلك الكتاب .. وأعرف من هؤلاء عدداً ، ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ، ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ، ومنهم من كانت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس ) ( ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ، ومنهم من يحمله عتيية عرفه ثم يعيده في ليلته .. ومن هؤلاء من إذا أحضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ..) .

( ج 12)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان : ( ذكر تلبيس إبليس في السماع وغيره )
1 ـ عن أبي عبد الله الرملي قال تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس فقبلوه فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع فزعق أبو حمزة وقال لبيك لبيك ، فنسبوه إلى الزندقة وقالوا حلولي زنديق ، وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع هذا فرس الزنديق.
2 ـ وباسناد إلى أبي بكر الفرغاني أنه قال كان أبو حمزة إذا سمع شيئا يقول لبيك لبيك فأطلقوا عليه أنه حلولي ، ثم قال أبو علي وإنما جعله داعيا من الحق أيقظه للذكر.
3 ـ وعن أبي علي الروزباري قال : أطلق على أبي حمزة أنه حلولي ، وذلك أنه كان إذا سمع صوتا مثل هبوب الرياح وخرير الماء وصياح الطيور كان يصيح ويقول لبيك لبيك ، فرموه بالحلول .
4 ـ قال السراج وبلغني عن أبي حمزة أنه دخل دار الحارث المحاسبي فصاحت الشاه ماع فشهق أبو حمزة شهقة وقال لبيك يا سيدي ، فغضب الحارث المحاسبي وعمد إلى سكين وقال : " إن لم تتب من هذا الذي أنت فيه أذبحك "
5 ـ وقال السراج : وأنكر جماعة من العلماء على أبي سعيد أحمد بن عيسى الخراط ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في كتاب صنفه وهو كتاب السر ، ومنه قوله عبد طائع ما أذن له فلزم التعظيم لله فقدس الله نفسه .
6 ـ قال وأبو العباس أحمد بن عطاء نسب إلى الكفر والزندقة . ..
7 ـ قال وكم من مرة قد أخذ الجنيد مع علمه وشهد عليه بالكفر والزندقة وكذلك أكثرهم ...
8 ـ قال السراج : وبلغني أن جماعة من الحلوليين زعموا أن الحق عز وجل اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية وأزال عنها معاني البشربة ، ومنهم من قال بالنظر إلى الشواهد المستحسنات ، ومنهم من قال حالُّ في المستحسنات . قال وبلغني عن جماعة من أهل الشام أنهم يدعون الرؤية بالقلوب في الدنيا كالرؤية بالعيان في الآخرة.
10 ـ قال السراج : وبلغني أن أبا الحسين النوري شهد عليه غلام الخليل أنه سمعه يقول أنا أعشق الله عز وجل وهو يعشقني . فقال النوري سمعت الله يقول يحبهم ويحبونه وليس العشق بأكثر من المحبة . قال القاضي أبو يعلى وقد ذهبت الحلولية إلا أن الله عز وجل يعشق "
قال المصنف :
وهذا جهل من ثلاثة أوجه: أحدهما من حيث الإسم فإن العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح ، والثاني أن صفات الله عز وجل منقولة فهو يحب ولا يقال يعشق .. والثالث من أين له أن الله تعالى يحبه فهذه دعوى بلا دليل وقد قال النبى : " من قال إني في الجنة فهو في النار ،
وعن أبي عبد الرحمن السلمي حكى عن عمرو المكي أنه قال كنت أماشي الحسين بن منصور في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال : " يمكنني أن أقول مثل هذا " ففارقته .
وعن محمد بن يحيى الرازي قال سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول : " لو قدرت عليه لقتلته بيدي" فقلت: " بأي شيء وجد عليه الشيخ ؟ فقال : " قرأت آية من كتاب الله عز وجل فقال يمكنني أن اقول أو أؤلف مثله وأتكلم به" .
وبإسناد عن أبي القاسم الرازي يقول قال أبو بكر بن ممشاد قال : " حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها لا بالليل ولا بالنهار ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان ، فوُجّه إلا بغداد ، فأحضر وعرض عليه فقال : " هذا خطي وأنا كتبته. " فقالوا : " كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية " فقال : " ما ادعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا .. " فقيل له : " هل معك أحد؟ " فقال : " نعم ابن عطاء وأبو محمد الجريري وأبو بكر الشبلي وأبو محمد الجريري يتستر والشبلي يتستر . فان كان فإبن عطاء " فأحضر الجريري وسئل فقال : " قائل هذا كافر يقتل من يقول هذا " وسئل الشبلي فقال : " من يقول هذا يمنع " وسئل ابن عطاء عن مقالة الحلاج فقال بمقالته وكان سبب قتله .
وبإسناد عن ابن باكويه قال " سمعت عيسى بن بردل القزويني ، وقد سئل أبو عبد الله بن خفيف عن معنى هذه الأبيات :
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب "
فقال الشيخ : " على قائله لعنة الله" قال عيسى بن فورك : " هذا شعر الحسين
ابن منصور ( الحلاج )" قال : " إن كان هذا اعتقاده فهو كافر، إلا أنه ربما يكون متقولا عليه.
قال المصنف :
اتفق علماء العصر على إباحة دم الحلاج . فأول من قال إنه حلال الدم أبو عمرو القاضي ووافقه العلماء ، وإنما سكت عنه أبو العباس سريج وقال " لا أدري ما يقول "
والإجماع دليل معصوم من الخطأ ، وبإسناد عن أبي هريرة قال قال رسول الله " ان الله أجاركم أن تجتمعوا على ضلالة كلكم " وبأسناد عن أبي القاسم يوسف بن يعقوب النعماني قال سمعت والدي يقول " سمعت أبا بكر محمد بن داود الفقيه الأصبهاني يقول: إن كان ما أنزل الله عز وجل على نبيه حقا فما يقول الحلاج باطل " وكان شديدا عليه .
قال المصنف :
وقد تعصب للحلاج جماعة من الصوفية جهلا منهم وقلة مبالاة بإجماع الفقهاء. وبإسناد عن محمد بن الحسين النيسابوري قال سمعت ابراهيم بن محمد النصر ابادي كان يقول إن كان بعد النبيين والصديقين مُوحّد فهو الحلاج .
قلت : وعلى هذا أكثر قصاص زماننا وصوفية وقتنا جهلا من الكل بالشرع وبعدا عن معرفة النقل. وقد جمعت في أخبار الحلاج كتابا بينت فيه حيله ومخاريقه وما قال العلماء فيه والله المعين على قمع الجهال .
وبإسناد عن أبي نعيم الحافظ قال سمعت عمر البنا البغدادي بمكة يحكي أنه لما كانت محنة غلام الخليل ونسبة الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم فأخذ النوري في جماعة فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فتقدم النوري مبتدرا إلى السياف ليضرب عنقه فقال له السياف ما دعاك إلى البدار قال آثرت حياة أصحابي على حياتي هذه اللحظة فتوقف السياف فرفع الأمر إلى الخليفة فرد أمرهم إلى قاضي القضاة اسماعيل بن اسحاق فأمر بتخليتهم .
وبإسناد إلى أبي العباس أحمد بن عطاء قال كان يسعى بالصوفيه ببغداد غلام الخليل إلى الخليفة فقال : " ههنا قوم زنادقة " فأخذ أبو الحسين النوري وأبو حمزة الصوفية وأبو بكر الدقاق وجماعة من أقران هؤلاء واستتر الجنيد بن محمد بالفقه على مذهب أبي ثور فأدخلوا إلى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فأول من بدر أبو الحسين النوري فقال له السياف لم بادرت أنت من بين أصحابك ولم ترع قال أحببت أن أوثر أصحابي بالحياة مقدار هذه الساعة فرد الخليفة أمرهم إلى القاضي فأطلقوا .
قال المصنف : ومن أسباب هذه القصة قول النوري أنا أعشق الله والله يعشقني فشهد عليه بهذا، ثم تقدم النوري إلى السياف ليقتل إعانة على نفسه فهو خطأ أيضا . ) .
التعليق :
أولا :
1 ـ العنوان: ( ذكر تلبيس إبليس في السماع وغيره ) لا يناسب الموضوع.
2 ـ ابن الجوزى يؤكد حقيقة تاريخية عن إنتشار التصوف المتطرف في عصره ، وهو ينتقدهم بخلفيته السنية الحنبلية ، بأحاديث مصنوعة وبأقوال لآخرين ، وهو يناقض نفسه ، فقد كان من قبل يتكلم عن معتدلى الصوفية وزعمهم التمسك بالكتاب والسنة .
3 ـ أصاب ابن الجوزى في قوله عن العشق ( إنه عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح ) وقوله : (الثاني أن صفات الله عز وجل منقولة فهو يحب ولا يقال يعشق )
ونقول : قرآنيا فإن الله جل وعلا ( يحبُّ ) و ( لا يحب ) وهذا عن صفات . ومصطلح ( الحُبُّ) تكرر كثيرا في القرآن الكريم .
في سورة البقرة مثلا قال جل وعلا عمّن يحبهم :
1 ـ (وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(195)
2 ـ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(222)
وقال عمّن لا يحبهم :
1 ـ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190 ) البقرة
2 ـ ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)
3 ـ ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)
ثانيا :
كان أولى بابن الجوزى أن ينقل ما قاله الغزالى في الأحياء ، وهو يضع الإسلام في الدرجة السفلى في ترتيب العقائد عنده ، ويشرح الدرجات العليا وهى في دين التصوف ، وهى : الاتحاد ( أن يتحد الصوفى بالله ) والحلول ( أن يحُلّ الله بالصوفى ) ووحدة الفاعل ( أن يكون الله هو المتصرف في البشر ، هو فاعل الشّر وهو فاعل الخير ، و( وحدة الوجود ) أي أن الله هو كل المخلوقات من بشر وحجر ، ولا وجود له خارجها ، أي بدلا من أن تقول ( لا إله إلا الله ) تقول ( لا موجود إلا الله ).
ننقل بعض أقواله . يقول:
( التوحيد : القول فيه يطول وهو من علوم المكاشفة )
( للتوحيد أربع مراتب ..: فالمرتبة الأولى من التوحيد : هي أن يقول الإنسان بلسانه لا إله إلا الله وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين ، والثانية : أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه ، كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد العوام ، والثالثة : أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق ، وهو نظام المقربين ، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار . والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً ، وهي مشاهدة الصديقين ، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد ، لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً ، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياُ عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق ..). ثم يشرح الغزالي في ضوء ما سبق أنواع الموحدين ، يقول ( فالأول : موحد بمجرد اللسان ، و يعصم ذلك صاحبه في الدنيا عن السيف .. والثاني : موحَّد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال عن التكذيب بما انعقد عليه قلبه ، وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ، ولكنه يحفظ صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفى عليه ، ولم تضعف بالمعاصي عقدته ... والثالث : موحَّد بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلاً واحداً ، إذا انكشف له الحق كما هو عليه ، ولا يرى فاعلاً بالحقيقة إلا واحداً ، وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه ، لا إنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين .. والرابع : موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث أنه كثير بل من حيث أنه واحد ، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد ) ( فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره .. المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى ، أو ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله ، فمن عرف الأفعال من حيث أنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله ، فمن عرفها من حيث صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة سواه .. وجميع موجودات الدنيا أثر من أثارة قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته ، بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود ، ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذات الله تعالى.. وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والإبصار بظهوره .. الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار ، وهذا كما أن الإنسان كثيراً إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه ، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول أنه إنسان واحد ، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً لا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روّحه وجسده وأعضائه ، والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق ، وكأنه في عين الجميع والملتفت إلى الكثرة في تفرقة ،فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة ، فهو باعتبار واحد ، وباعتبارات أخرى سواه كثير ).
أخيرا
ربما يتعجب إبليس من حضيض الكفر الذى وصل اليه الصوفية هؤلاء .

( ج 13)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عناوين مختلفة :
( ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الطهارة :
قال المصنف :
قد ذكرنا تلبيسه على العباد في الطهارة إلا أنه قد زاد في حق الصوفية على الحد فقوي وساوسهم في استعمال الماء الكثير حتى بلغني أن ابن عقيل دخل رباطا فتوضأ فضحكوا لقلة استعماله الماء وما علموا ان من أشبع الوضوء برطل من الماء كفاه، وبلغنا عن أبي حامد الشيرازي أنه قال لفقير ( أي صوفى ) " من أين تتوضأ ؟ فقال : "من النهر. بي وسوسة في الطهارة "قال : " كان عهدي بالصوفية يسخرون من الشيطان ، والآن يسخر بهم الشيطان ." . والعجب ممن يبالغ في الاحتراز إلى هذا الحد متصفا بتنظيف ظاهره وباطنه محشو بالوسخ والكدر والله الموفق . )
التعليق
هنا يذكر إبن الجوزى بعض ما كان يحدث من الصوفية في عصره عن وسوستهم في الاسراف في الماء. ، وهو شأن غريب ، لأن الوسوسة إشتهر بها الفقهاء الحنابلة خصوم الصوفية . ربما يرجع ذلك الى بعض فقهاء تصوفوا ، أو بعض صوفية تحنبلوا. اى انتقلوا من جيب ابليس الأيمن الى جيبه الأيسر .! والمهم انه يجمعهم التدين السطحى الظاهرى والاحتراف الدينى ، أو كما قال إبن الجوزى ـ وصدق فيما قال ـ ( والعجب ممن يبالغ في الاحتراز إلى هذا الحد متصفا بتنظيف ظاهره. وباطنه محشو بالوسخ والكدر).
ذكر تلبيس إبليس عليهم في الصلاة :
قال المصنف :
وقد ذكرنا تلبيسه على العباد في الصلاة وهو بذلك يلبس على الصوفية ويزيد ، وقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن من سنتهم التي ينفردون بها وينتسبون إليها صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة .. قال المصنف : .. وهل هذ إلا ابتداع في الواقع سموه سنة .. ثم من أقبح الأشياء قوله أن الصوفية ينفردون بسنن ...
التعليق
إبن الجوزى لم يفهم هنا طقوس التصوف ، وعندهم أن من يدخل دين التصوف يقال عنه إنه تاب ولبس لباسهم ( المرقعات ) أو ( الخرقة ). وهذه ( موضة ) دينية استمرت حتى العصر العثمانى .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في المساكن :
قال المصنف
أما بناء الأربطة فان قوما من المتعبدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد . وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون من عطاء ماكس وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة ووقفوا عليها الأموال الخبيثة .. فمهمتهم دوران المطبخ والطعام والماء البارد .. وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي في التفكة بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا ، فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته .. فيقول حدثني قلبي عن ربي. ولقد بلغني أن رجلا قرأ القرآن في رباط فمنعوه وأن قوما قرأوا الحديث في رباط فقالوا لهم ليس هذا موضعه .
التعليق :
قام الحكام ببناء بيوت للصوفية بزعم تفرغهم أو ( تجردهم ) للعبادة . حملت هذه البيوت الدينية أسماء مختلفة ، مثل ( الزوايا ) ( الأربطة جمع رباط ) ( المدارس ) ( المشاهد ) ( الخوانق ). والواقع أنهم عاشوا فيها متفرغين للرقص والغناء والانشاد والإلحاد . ويرى الحكام أنهم أولياء الله ، وأنهم يقومون بالدعاء لهم والتشفع فيهم . أي يعطيهم شيئا من الذى يسلبه من الناس ، وهم يتفكهون بهذا المال السُّحت . وذكر ابن الجوزى إجتراءهم بزعم الوحى الالهى ( حدثنى قلبى عن ربى ) ، وأنهم كانوا يمنعون قراءة القرآن والحديث عندهم .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الخروج عن الأموال والتجرد عنها
كان إبليس يلبس على أوائل الصوفية لصدقهم في الزهد فيريهم عيب المال ويخوفهم من شره فيتجردون من الأموال ويجلسون على بساط الفقر .. فأما الآن فقد كفى إبليس هذه المؤنة فان أحدهم إذا كان له مال أنفقه تبذيرا وضياعا . . . ولست أتعجب من المتزهدين الذين فعلوا هذا مع قلة علمهم وإنما العجب من أقوام لهم عقل وعلم وكيف حثوا على هذا وأمروا به مع مصادمته للعقل والشرع . وقد ذكر الحارث المحاسبي في هذا كلاما طويلا وشيده أبو حامد الغزالي ونصره . . فمن كلام الحارث المحاسبي في هذا أنه قال : " أيها المفتون متى زعمت أن جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه. فقد أزريت بمحمد والمرسلين وزعمت أن محمدا لم ينصح الأمة إذ نهاهم عن جمع المال وقد علم أن جمعة خير لهم ، وزعمت أن الله لم ينظر لعباده حين نهاهم عن جمع المال، وقد علم أن جمعه خير لهم. وما ينفعك الاحتجاج بمال الصحابة وابن عوف في القيامة أن لو لم يؤت من الدنيا إلا قوتا . قال: " ولقد بلغني أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف قال ناس من أصحاب رسول الله : " انا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك " قال كعب ( كعب الأحبار ) : "سبحان الله وما تخافون على عبد الرحمن؟ كسب طيبا وأنفق طيبا " فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا ، فمر بلحى بعير فأخذه بيده ثم إنطلق يطلب كعبا فقيل لكعب إن أبا ذر طلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فأقبل أبو ذر يقتص الأثر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر فقال له أبو ذر :هيه يا ابن اليهودية تزعم أنه لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف لقد خرج رسول الله يوما فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا ثم قال يا أبا ذر وأنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول الله يريد هذا وأنت تقول يا ابن اليهودية لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال بقولك فلم يرد عليه حرفا حتى خرج .. قال الحارث .. وقد بلغنا أن رسول الله قال : " من أسف على دنيا فاتته قرب من النار مسيرة سنة " وأنت تأسف على ما فاتك غير مكترث بقربك من عذاب الله عز وجل .
قال المصنف: فهذا كله كلام الحارث المحاسبي ..وهذا كله بخلاف الشرع والعقل وسوء فهم للمراد بالمال.
نقد مسالك الصوفية في تجردهم في رد هذا الكلام .
أما شرف المال فان الله عز وجل عظم قدره وأمر بحفظه إذ جعله قواما للآدمي الشريف فهو شريف .. وقد صح عن رسول الله أنه نهى عن إضاعة المال وقال لسعد لأن تترك ورثتك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ..".
قال المصنف : فهذه الأحاديث مخرجة في الصحاح وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة وأن حبسه ينافي التوكل ..وكان سعد بن عبادة يدعو فيقول اللهم وسع علي . قال المصنف وأبلغ من هذا أن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما قال له بنوه ونزداد كيل بعير مال إلى هذا وأرسل ابنه بنيامين معهم ، وأن شعيبا طمع في زيادة ما يناله فقال : فان أتممت عشرا فمن عندك " . وما ذكره من حديث كعب وأبي ذر فمحال من وضع الجهال ..قال المصنف : وهذا الحديث لا يثبت وابن لهيعة مطعون فيه قال يحيى لا يحتج بحديثه . والصحيح في التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمس وعشرين وعبد الرحمن توفي سنة اثنتي وثلاثين فقد عاش بعد أبي ذر سبع سنين . ثم لفظ ما ذكروه من حديثهم يدل على أن حديثهم موضوع ... هذا قلة فهم وفقه . ثم تعلقه بعبد الرحمن وحده دليل على أنه لم يسير سير الصحابة ، فانه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير والبهار الحمل وكان مال الزبير خمسين ألف ألف ومائتي ألف ، وخلف ابن مسعود رضي الله عنه تسعين ألفا . وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم على أحد .. واعلم أن الفقر مرض فمن ابتلى به وصبر أثيب على صبره ولهذا يدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام ..
زهد الصوفية في المال
قال المصنف وقد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل كما ذكرناه من مخالفتهم بذلك الشرع والعقل. فأما متأخروهم فقد مالوا إلى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان إيثارا للراحة وحبا للشهوات ، فمنهم من يقدر على الكسب ولا يعمل ويجلس في الرباط أو المسجد ويعتمد على صدقات الناس وقلبه معلق بطرق الباب . ومعلوم أن الصدقة لا تحل لغني ..ولا يبالون من بعث اليهم فربما بعث الظالم .. فلم يردوه. وقد وضعوا في ذلك بينهم كلمات ، منها تسمية ذلك بالفتوح ، ومنها ان رزقنا لا بد ان يصل إلينا ، ومنها أنه من الله فلا يرد عليه ولا نشكر سواه.
قال المصنف : ولقد بلغنا أن بعض الصوفية دخل على بعض الأمراء الظلمة فوعظه فأعطاه شيئا فقبله فقال الأمير كلنا صيادون وإنما الشباك تختلف.
فصل :
قال المصنف :
ولقد دخلت بعض الأربطة فسألت عن شيخه فقيل لي قد مضى إلى الأمير فلان يهنئه بخلعه قد خلعت عليه وكان ذلك الأمير من كبار الظلمة فقلت ويحكم ما كفاكم أن فتحتم الدكان حتى تطوفون على رءوسكم بالسلع يقعد أحدكم عن الكسب مع قدرته عليه معولا على الصدقات والصلات ثم لا يكفيه حتى يأخذ فمن كان ثم لا يكفيه حتى يدور على الظلمة فيستعطي منهم ويهنئهم بملبوس لا يحل وولاية لا عدل فيها ..
فصل
قال المصنف وقد صار جماعة من أشياخهم يجمعون المال من الشبهات ، ثم ينقسمون ، فمنهم من يدعي الزهد مع كثرة المال وحرصه على الجمع وهذه الدعوى مضادة للحال. ومنهم من يظهر الفقر مع جمعه المال وأكثر هؤلاء يضيقون على الفقراء بأخذهم الزكاة ولا يجوز لهم ذلك. وقد كان أبو الحسن البسطامي شيخ رباط بن المجيان يلبس الصوف صيفا وشتاء، وتقصده الناس يتبركون به، فمات ، فخلف أربعة آلاف دينار .. )
التعليق
1 ـ ابن الجوزى في موضوع المال يرد على صوفية عصره المتسولين بمدح رواد التصوف وزعم عفتهم . ويرد بأقاويل لشيوخ الحنابلة ، وبأحاديث يراها صحيحة بينما يقوم بتكذيب أحاديث مخالفيه .
2 ـ ومن جهله بالقرآن الكريم أن الرجل الصالح الذى تزوج موسى إبنته جعله النبى شعيب ، بسبب ان شعيبا كان مرسلا الى مدين ، وأن موسى ورد ماء مدين . ولكن مدين شعيب غير مدين موسى . مدين شعيب كانت قبل موسى واهلكهم الله جل وعلا . ثم كان فيما بعد عصر موسى .قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(43)القصص ).
2 / 2 :( كذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ(43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى) (44)الحج )
2 / 3 : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ(39)العنكبوت )
3 ـ ثم قوله : ( فانه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير والبهار الحمل وكان مال الزبير خمسين ألف ألف ومائتي ألف ، وخلف ابن مسعود رضي الله عنه تسعين ألفا . وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم على أحد .. ) هذه ثروات صحابة الفتوحات لعنهم الله جل وعلا . إنها منهوبة من الشعوب التي غزاها العرب واحتلوها. أي مال سُحت .
أخيرا
قرآنيا : قال جل وعلا :
1 ـ عن موارد الأرض المتاحة لجميع الباحثين عنها :( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ(10) فصلت )
2 ـ في الأمر بالسعى للرزق :( وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ (15)الملك )
3 ـ في وجوب إخراج الصدقة حالا وقت الحصول على الرزق : ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) تكررت في سور:(( البقرة 3 ) الأنفال 3 )الشورى( 38 )، السجدة 16 ـ القصص 54 ، الحج 35 ) .
4 ـ في وجوب ان تكون الصدقة من مال حلال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(267)البقرة )
5 ـ ثم هذه النصيحة الذهبية لقارون والتي لم يعمل بها فخسف الله جل وعلا به الأرض : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77) القصص ).
ودائما : صدق الله العظيم !


( ج 14)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في لباسهم
قال المصنف :
لما سمع أوائل القوم أن النبي كان يرقع ثوبه وأنه قال لعائشة رضي الله عنها لا تخلعي ثوبا حتى ترقعيه وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في ثوبه رقاع وأن اويسا القرني كان يلتقط الرقاع من المزابل فيغسلها في الفرات ثم يخيطها فيلبسها. اختاروا المرقعات وقد أبعدوا في القياس فان رسول الله وأصحابه كانوا يؤثرون البذاذة ( التقشف ) ويعرضون عن الدنيا زاهدا ، وكان أكثرهم يفعل هذا لأجل الفقر
قال المصنف
فأما صوفية زماننا فانهم يعمدون إلى ثوبين أو ثلاثة كل واحد منها على لون فيجعلوها خرقا ويلفقونها فيجمع ذلك الثوب وصفين الشهرة والشهوة، فان لبس مثل هذه المرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج وبها يشتهر صاحبها أنه من الزهاد ، افتراهم يصيرون بصورة الرقاع كالسلف كذا قد ظنوا . وإن إبليس قد لبس عليهم وقال أنتم صوفية لأن الصوفية كانوا يلبسون المرقعات وأنتم كذلك .
فأين هذا مما يفعله جهال الصوفية في زماننا فنسأل الله العفو والعافية.
التعليق :
1 ـ يورد حقائق تاريخية عن لباس الصوفية في عصره ، وفى الأديان الشيطانية يكون المظهر ( ومنه اللباس ) أساسا في الاحتراف الدينى . والصوفية في عصره جعلوا ( الرقاع والخرقة ) عنوانا لدينهم ، يتميزون به عن غيرهم . وجاء إبن الجوزى بتفصيلات أخرى , قال :
فصل :
قال المصنف ومن هؤلاء المذمومين من يلبس الصوف تحت الثياب ، ويلوح بكمه حتى يرى لباسه ، وهذا لص ليلي . ومنهم من يلبس الثياب اللينة على جسده ثم يلبس الصوف فوقها وهذا لص نهاري مكشوف . وجاء آخرون فأرادوا التشبه بالصوفية وصعب عليهم البذاذة وأحبوا التنعم ولم يروا الخروج من صورة التصوف لئلا يتعطل المعاش فلبسوا الفوط الرفيعة واعتموا بالرومي الرفيع إلا أنه بغير طراز فالقميص والعمامة على أحدهم بثمن خمسة أثواب من الحرير . وقد لبس إبليس عليهم أنكم صوفية بنفيس النفس وإنما أرادوا أن يجمعوا بين رسوم التصوف وتنعم أهل الدنيا .
ومن علاماتهم مصادقة الأمراء ومفارقة الفقراء كبرا وتعظيما .
وأخبرنا محمد بن أبي القاسم قال أخبرنا حمد بن أحمد الحداد قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ ثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا يحيى بن مطرف ثنا أبو ظفر ثنا جعفر بن سليمان عن مالك دينار قال ان من الناس ناسا إذا لقوا القراء ضربوا معهم بسهم وإذا لقوا الجبابرة وأبناء الدنيا أخذوا معهم بسهم فكونوا من قراء الرحمن بارك الله فيكم .
التعليق
ابن الجوزى يرد عليهم بأقاويل لمشاهير سابقين ، ويجعل لتلك الأقاويل إسنادا ، أي يجعلها دينا ، مثل (ثنا أحمد بن جعفر بن معبد ثنا يحيى بن مطرف ثنا أبو ظفر ثنا ... ) وهى إختصار ل ( حدثنا ) .
.. قال المصنف :
وإنما أكره لبس الفوط المرقعات لأربعة أوجه : أحدها انه ليس من لباس السلف وإنما كان السلف يرقعون ضرورة ، والثاني أنه يتضمن إدعاء الفقر وقد أمر الانسان ان يظهر نعمة الله عليه ، والثالث انه إظهار للزهد وقد أمرنا بستره ، والرابع انه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة ومن تشبه بقوم فهو منهم .
التعليق
يجعل دينه هو الشريعة ..
كثرة ترقيع المرقعة
قال المصنف :
وفي الصوفية من يرقع المرقعة حتى تصير كثيفة خارجة عن الحد .
فصل :
وقد قرروا أن هذه المرقعة لا تلبس إلا من يد شيخ وجعلوا لها إسنادا متصلا ، كله كذب ومحال .
فصل :
وأما لبسهم المصبغات ( الملابس المصبوغة ) فانها ان كانت زرقاء فقد فاتهم فضيلة البياض ، وإن كانت فوطا فهو ثوب شهرة وشهرته أكثر من شهرة الأزرق ، وإن كانت مرقعة فهي أكثر شهرة . وقد أمر الشرع بالثياب البيض ونهى عن لباس الشهرة.
التعليق
فماذا لو لبس أحدهم ثوبا أحمر أو أخضر.. هل مصيره النار ؟
وأى شرع هذا الذى يتحدث عنه ؟
ويقول :
وأما النهي عن لباس الشهرة وكراهته فأخبر أبو منصور بن خيرون أنبأنا أبو بكر الخطيب نا ابن زرقويه ثنا جعفر بن محمد الخلدي ثنا محمد بن عبد الله أبو جعفر الحضرمي ثنا روح بن عبد المؤمن ثنا وكيع بن محرز الشامي ثنا عثمان بن جهم عن زر بن حبيش عن أبي ذر عن النبي انه قال : " من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه" .
التعليق :
هذا حديث مصنوع ، يجترىء على الغيب الإلهى ، فمن أعلمه أن الله جل وعلا يفعل هذا ؟
ومثله هذا الحديث : ( أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار نا أبو الفرج الحسين بن علي الطناجيري وأنبأنا هبة الله بن محمد أنبأنا الحسين بن علي التميمي قالا أخبرنا أبو حفص بن شاهين ثنا خثيمة بن سليمان بن حيدرة ثنا محمد بن الهيثم ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ثنا مجلد بن يزيد عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما عن النبي : " أنه نهى عن الشهرتين" فقيل : " يا رسول الله وما الشهرتان؟ " قال : " رقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ولكن سداد بين ذلك واقتصاد . ) . وأفظع منه هذا الحديث الكافر : ( أخبرنا محمد بن ناصر نا محمد بن علي بن ميمون نا عبد الوهاب بن محمد الغندجاني نا أبو بكر بن عبدان محمد بن سهل ثنا محمد بن اسماعيل البخاري قال قال موسى بن حماد بن سلمة عن ليث عن مهاجر عن ابن عمر قال : "من لبس ثوبا مشهورا أذله الله يوم القيامة " هل كان النبى يعلم الغيب ؟ ألبس هذا كفرا بالقرآن الكريم .
وكرره ابن الجوزى : ( قال المصنف :وقد روى لنا مرفوعا قال أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثنى أبي ثنا حجاج ثنا شريك عن عثمان بن أبي راشد عن مهاجر الشامي عن ابن عمر قال قال رسول الله :" من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب المذلة يوم القيامة " . .. ومثله : ( أنبأنا زاهر بن طاهر قال أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم ثنا أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن يحيى ثنا العباس بن منصور ثنا سهل بن عمار ثنا نوح بن عبد الرحمن الصيرفي ثنا محمد بن عبيد الهمداني ثنى عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "قال رسول الله : أن الأرض لتعج إلى ربها من الذين يلبسون الصوف رياء ".
لبس الصوف
قال المصنف : ومن الصوفية من يلبس الصوف ويحتج بأن النبي لبس الصوف ، وبما روى في فضيلة لبس الصوف . فأما لبس رسول الله الصوف فقد كان يلبسه في بعض الأوقات لم يكن لبسه شهرة عند العرب . وأما ما يروى في فضل لبسه فمن الموضوعات ( أي الأحاديث الباطلة ) التي لا يثبت منها شيء . وقد أخبرنا حمد بن منصور الهمداني نا أبو علي أحمد بن سعد بن علي العجلي نا أبو ثابت هجير بن منصور بن علي الصوفي إجازة ثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسن بن اسماعيل الأبهري ثنا روز به ثنا محمد بن اسماعيل بن محمد الطائي ثنا بكر بن سهل الدمياطي ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا داود ثنا عباد بن العوام عن عباد بن كثير عن أنس قال: " قال رسول الله : " من لبس الصوف ليعرفه الناس كان حقا على الله عز وجل أن يكسوه ثوبا من جرب حتى تتساقط عروقه . "
التعليق :
قوله ( كان حقا على الله عز وجل ) هو كفر شنيع ، إذ يوجب على رب العزة جل وعلا حقا ملزما . هذا كفر لم يقله إبليس .

فصل :
اللباس الذي يظهر الزهد
قال المصنف واعلم أن اللباس الذي يزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد وإظهار الفقر وكأنه لسان شكوى من الله عز وجل ويوجب احتقار اللابس وكل ذلك مكروه ومنهي عنه
أخبرنا محمد بن ناصر نا علي بن الحصين بن أيوب نا أبو علي بن شاذان ثنا أبو بكر بن سليمان النجاد ثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد القرشي ثنا عبد الله بن عمر القواريري ثنا هشام بن عبد الملك ثنا شعبة عن ابن اسحاق عن الأحوص عن أبيه قال أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك مال قلت نعم قال من أي المال قلت من كل المال قد آتاني الله عز وجل من الإبل والخيل والرقيق والغنم قال فإذا آتاك الله عز وجل مالا فلير عليك ., أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا مسكين بن بكير ثني الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن جابر قال أتانا رسول الله زائرا في منزلي فرأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه ؟
التعليق :
لا تعليق .!
تجريد اللباس
قال المصنف فإن قال قائل تجويد اللباس هوى للنفس وقد أمرنا بمعاهدتها وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق فالجواب انه ليس كل ما تهواه النفس يذم ولا كل التزين للناس يكره وإنما ينهي عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء في باب الدين فان الإنسان يجب أن يرى جميلا وذلك حظ النفس ولا يلام فيه ولهذا يسرح شعره وينظر في المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشن إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم . أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي نا علي بن محمد بن العلاف نا عبد الملك بن محمد بن بشران نا أحمد بن ابراهيم الكندي نا محمد بن جعفر الخرائطي ثنا بنان بن سليمان ثنا عبد الرحمن بن هانيء عن العلاء بن كثير عن مكحول عن عائشة قالت كان نفر من أصحاب رسول الله ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته فقلت يا رسول الله وأنت تفعل هذا قال نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيء من نفسه فان الله جميل يحب الجمال.
التعليق :
هل ( الجميل ) من أسماء الله الحسنى أيها الكافر ؟ ومن أعلمك بأن الله جل وعلا يحب الجمال ؟ هل تعلم الغيب ؟ الفنانات في عصرنا يحلو لهن هذا الحديث ، ويكررونه . هنيئا لك يا إبن .. الجوزى .!
فصل
وقال المصنف رحمه الله وقد كان في الصوفية من يلبس الثياب المرتفعة
قال المصنف رحمه الله قلت وهذا في الشهرة كالمرقعات وإنما ينبغي أن تكون ثياب أهل الخير وسطا فانظر إلى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء بين طرفي نقيض
فصل
قال المصنف رحمه الله : وقد كان في الصوفية من إذا لبس ثوبا خرق بعضه وربما أفسد الثوب الرفيع القدر
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أنبأنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر ثنا علي بن الحسن بن جحاف الدمشقي قال أبو عبد الله أحمد بن عطاء كان مذهب أبي علي الروزباري تخريف أكمامه وتفتيق قميصه قال فكان يخرق الثوب المثمن فيرتدي بنصفه ويأتزر بنصفه حتى أنه دخل الحمام يوما وعليه ثوب ولم يكن مع أصحابه ما يتأزرون به فقطعه على عددهم فاتزروا به وتقدم إليهم أن يدفعوا الخرق إذا خرجوا للحمامي . قال ابن عطاء قال لي أبو سعيد الكازروني كنت معه في هذا اليوم وكان الرداء الذي قطعه يقوم بنحو ثلاثين دينارا
قال المصنف :
وفي الصوفية من يبالغ في تقصير ثوبه وذلك شهرة أيضا. أخبرنا ابن الحصين نا ابن المذهب ثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا محمد بن أبي عدي عن العلاء عن أبيه أنه سمع أبا سعيد سئلى عن الازار فقال سمعت رسول الله يقول : ازار المسلم إلى إنصاف الساقين لا جناح أو لا حرج عليه ما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل من ذلك فهو النار " .
التعليق :
لا تعليق
قال المصنف وقد كان في الصوفية من يجعل على رأسه خرقة مكان العمامة وهذا أيضا شهرة لأنه على خلاف لباس أهل البلد وكل ما فيه شهرة فهو مكروه
قال المصنف وقد كان في الصوفية من استكثر من الثياب وسوسة فيجعل للخلاء ثوبا وللصلاة ثوبا
أخيرا :
إختصارا أهملنا الكثير من التفصيلات رفقا بالقارىء .

( ج 15)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في مطاعمهم ومشاربهم
ملاحظة
أسهب إبن الجوزى في التفصيلات . نختصرمن ثرثرته الكثير.
قال :
قال المصنف رحمه الله قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته ومنعهم شرب الماء البارد فلما بلغ إلى المتأخرين استراح من التعب واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم .
ذكر طرف مما فعله قدماؤهم
قال المصنف رحمه الله :
كان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته، وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن .. أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري نا أبو سعد بن أبي صادق نا أبو باكويه ثني أبو الفرج بن حمزة التكريتي ثني أبو عبد الله الحصري قال سمعت أبا جعفر الحداد يقول : أشرف عليّ أبو تراب يوما وأنا على بكرة ماء ولي ستة عشر يوما ولم آكل شيئا ولم أشرب فيها ماء فقال ما جلوسك ههنا فقلت أنا بين العلم واليقين وأنا أنظر من يغلب فأكون معه فقال سيكون لك شأن . .. أخبرنا ابن ظفر نا ابن السراج نا عبد العزيز ابن علي الازجي نا ابن جهضم ثنا محمد بن عيسى بن هارون الدقاق ثنا أحمد بن أنس بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول الزبد بالعسل إسراف قال ابن جهضم وحدثنا محمد بن يوسف البصري قال سمعت أبا سعيد صاحب سهل يقول بلغ أبا عبد الله الزبيري وزكريا الساجي وابن ابي أوفى أن سهل بن عبد الله يقول :" أنا حجة الله على الخلق" فاجتمعوا عنده فأقبل عليه الزبيري فقال له: " بلغنا أنك قلت أنا حجة الله على الخلق فبماذا أنبي أنت أصديق أنت ؟ قال سهل: " لم أذهب حيث تظن ولكن إنما قلت هذا لأخدي الحلال ، فتعالوا كلكم حتى نصحح الحلال" قالوا : " فأنت قد صححته ؟ " قال: " نعم" قالوا : " وكيف ؟" قال سهل : " قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي علي سبعة أجزاء فاتركه حتى يذهب منها ستة أجزاء ويبقى جزء واحد فاذا خفت أن يذهب ذلك الجزء ويتلف معه نفسي خفت أن أكون قد أعنت عليها وقتلتها دفعت إليها من البلغة ما يرد الستة الأجزاء." .... أخبرنا ابن ناصر نا أبو الفضل محمد بن علي بن احمد السهلكي ثنى أبو الحسن علي بن محمد القوهي ثنا عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قال جاء رجل إلى أبي يزيد قال أريد أن أجلس في مسجدك الذي أنت فيه قال لا تطيق ذلك فقال ان رأيت ان توسع لي في ذلك فأذن له فجلس يوما لا يطعم فصبر فلما كان في اليوم الثاني قال له يا أستاذ لا بد مما لا بد منه فقال يا غلام لا بد من الله قال يا أستاذ نريد القوت قال يا غلام القوت عندنا إطاعة الله فقال يا أستاذ أريد شيئا يقيم جسدي في طاعته عز وجل فقال يا غلام ان الأجسام لا تقوم إلا بالله عز وجل . ..
قال المصنف:
وقد كان فيهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم : " أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا " ، وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها، ويحتج بما أخبرنا به علي بن عبد الواحد الدينوري نا أبو الحسن القزويني نا أبو حفص بن الزيات ثنا ابن ماجه ثنا أزهر بن جميل ثنا بزيغ عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله :"أحرموا أنفسكم طيب الطعام فانما قوي الشيطان أن يجري في العروق بها ".
ومنهم من يعاقب نفسه بترك الماء مدة. وأخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا أبو الفضل محمد بن علي السهلكي قال سمعت عبد الواحد بن بكر الورياني ثني محمد بن سعدان ثني عيسى بن موسى البسطامي قال سمعت أبي يقول قال سمعت عمي خادم أبي يزيد يقول ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة قال وأسهل ما لاقت نفسي مني أني سألتها أمرا من الأمور فأبت فعزمت أن لا أشرب الماء سنة فما شربت الماء سنة . وحكى أبو حامد الغزالي عن أبي يزيد انه قال دعوت نفسي إلى الله عز وجل فجمحت فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك . "
فصل :
قال المصنف : وقد رتب أبو طالب المكي للقوم ترتيبات في المطاعم
قال المصنف: رحمه الله تعالى وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتاباسماه رياضة النفوس
فصل في بيان تلبيس إبليس عليهم في هذه الأفعال وإيضاح الخطأ فيها
قال المصنف رحمه الله أما ما نقل عن سهل ففعل لا يجوز لأنه حمل على النفس ما لا تطيق ثم ان الله عز وجل أكرم الآدميين بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم فلا تصلح مزاحمة البهائم في أكل التبن وأي غذاء في التبن ومثل هذه الأشياء أشهر من أن تحتاج إلى رد وقد حكى أبو حامد عن سهل أنه كان يرى أن صلاة الجائع الذي قد أضعفه الجوع قاعدا أفضل من صلاته قائما إذا قواه الأكل . قال المصنف رحمه الله وهذا خطأ بل إذا تقوى على القيام كان أكله عبادة لأنه يعين على العبادة وإذا تجوع إلى أن يصلي قاعدا فقد تسبب إلى ترك الفرائض فلم يجز له ولو كان التناول ميتة ما جاز هذا فكيف وهو حلال ثم أي قربة في هذا الجوع المعطل أدوات العبادة ..
أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت ثني الأزهري ثنا علي بن عمر ثنا أبو حامد الحضرمي ثنا عبد الرحمن بن يونس السواح ثنا بقية بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله :" من أصابه جهد في رمضان فلم يفطر فمات دخل النار " قال المصنف رحمه الله قلت كل رجاله ثقات ... وإنما قلت علوم هؤلاء فتكلموا بآرائهم الفاسدة فان أسندوا فالى حديث ضعيف أو موضوع أو يكون فهمهم منه رديئا.. أو ليس في الصحيح أن رسول الله طاف على نسائه بغسل واحد فهلا اقتصر على شهوة واحدة .. والحديث الذي احتجوا به احرموا أنفسكم طيب الطعام حديث موضوع .. وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فانها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال .. وأما ما رتبه أبو طالب المكي فحمل على النفس بما يضعفها وإنما يمدح الجوع إذا كان بمقدار وذكر المكاشفة من الحديث الفارغ ، وأما ما صنفه الترمذي فكأن ابتداء شرع برأيه الفاسد وما وجه صيام شهرين متتابعين عند التوبة وما فائدة قطع الفواكه المباحة واذا لم ينظر في الكتب فبأي سيرة يقتدي، وأما الأربعينية فحديث فارغ رتبوه على حديث لا أصل له من أخلص لله أربعين صباحا لم يجب الاخلاص أبدا.
قال المصنف رحمه الله قلت من له أدنى فهم يعرف أن هذا الكلام تخليط
ذكر أحاديث تبين خطأهم في أفعالهم
أخبرنا يحيى بن علي المدبر نا أبو بكر محمد بن علي الخياط ثنا الحسن بن الحسين بن حمكان ثنا عبدان بن يزيد العطار وأخبرنا محمد بن أبي منصور أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه ثنا محمد بن أحمد الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى البرورجردي ثنا عمير بن مرداس قالا حدثنا محمد بن بكير الحضرمي ثنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري عن عبيد الله بن عمر عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال جاء عثمان بن مظعون إلى النبي فقال يا رسول الله غلبني حديث النفس فلم أحب أن أحدث شيئا حتى أذكر لك ذلك فقال رسول الله وما تحدثك نفسك يا عثمان قال تحدثني نفسي بأن أختصي فقال مهلا يا عثمان فان خصي أمتي الصيام قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني أن أترهب في الجبال قال مهلا يا عثمان فإن ترهب أمتي الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني بأن أسيح في الأرض قال مهلا يا عثمان فان سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني بأن أخرج من مالي كله قال مهلا يا عثمان فان صدقتك يوما بيوم وتكف نفسك وعيالك وترحم المسكين واليتيم وتطعمه أفضل من ذلك قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني بأن أطلق خولة امرأتي قال مهلا يا عثمان فان هجرة أمتي من هجر ما حرم الله عليه أو هاجر إلي في حياتي أو زار قبري بعد موتي أو مات وله امرأة أو امرأتان أو ثلاث أو أربع قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني أن لا أغشاها قال مهلا يا عثمان فان الرجل المسلم إذا غشي أهله فان لم يكن من وقعته تلك ولد كان له وصيف في الجنة فان كان من وقعته تلك ولد فان مات قبله كان له فرطا وشفيعا يوم القيامة وإن كان بعده كان له نورا يوم القيامة قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني أن لا آكل اللحم قال مهلا يا عثمان فاني أحب اللحم وآكله إذا وجدته ولو سألت ربي أن يطعمني إياه كل يوم لأطعمني قال يا رسول الله فان نفسي تحدثني أن لا أمس طيبا قال مهلا يا عثمان فان جبريل أمرني بالطيب غبا ويوم الجمعة لا مترك له يا عثمان لا ترغب عن سنتي فمن رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي " ..
فصل
قال المصنف رحمه الله وهذا الذي نهينا عنه من التقلل الزائد في الحد قد انعكس في صوفية زماننا فصارت همتهم في المأكل كما كانت همة متقدميهم في الجوع لهم الغداء والعشاء والحلوى ، وكل ذلك أو أكثره حاصل من أموال وسخة وقد تركوا كسب الدنيا وأعرضوا عن التعبد وافترشوا فراش البطالة فلا همة لأكثرهم إلا الأكل واللعب ، فان أحسن محسن منهم قالوا طرح شكرا وإن إساء مسىء قالوا استغفر ويسمون ما يلزمه إياه واجبا وتسمية ما لم يسمه الشرع واجبا .
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد رأيت منهم من إذا حضر دعوة بالغ في الأكل ثم اختار من الطعام فربما ملأ كمية من غير إذن صاحب الدار وذلك حرام بالإجماع ولقد رأيت شيخا منهم قد أخذ شيئا من الطعام ليحمله معه فوثب صاحب الدار فأخذه منه )
التعليق :
1 ـ ابن الجوزى يحكى حقائق تاريخية عن صوفية عصره في شراهتهم للأكل وتقضية أوقاتهم عالة على من ينفق عليهم من المال السُّحت ، ولا عمل لهم سوى الأكل واللعب .
2 ـ في ردوده على السابقين :
2 / 1 : يرد عليهم بأحاديث مفتراة ، بينما يصف أحاديثهم بالإفتراء . أي هي مبارزة بالأحاديث الباطلة .
2 / 2 : هل من الممكن أن يبقى إنسان حيا بلا ماء مدة عام . إبن الجوزى لم يرد عليهم هنا مما يعنى أنه يُسلّم لهم بهذا .
2 / 3 : لم يعرف أنهم إتّخذوا هذا دينا يتميزون به على غيرهم . جعلوا له أحاديث ، بمثل ما جعل إبن الجوزى لدينه أحاديث مضادة . والأديان الأرضية الشيطانية يملكها أصحابها ، يقولون فيها بأهوائهم ما يوحيه اليهم شياطينهم . يكفى قول ربنا جل وعلا : ( كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ(113) الأنعام ).
أخيرا
لم يستشهد ابن الجوزى بالقرآن الكريم الذى يكفر به . نرجو تدبر قول ربنا جل وعلا :
1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ(88)المائدة )
2 ـ ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(33)الأعراف )
3 ـ ( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ(59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ(60)يونس )
4 ـ ( فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(115) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(117)النحل )
ودائما : صدق الله العظيم .!!


( ج 16)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد
ملاحظة
بلغت ثرثرة ابن الجوزى في هذا الموضوع حوالى 14 الف كلمة . فلا بد من إختصارها رفقا بالقارىء .
( قال المصنف رحمه الله
اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين أحدهما أنه يلهي القلب عن التفكر في عظمة الله سبحانه والقيام بخدمته والثاني أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا في المتجددات ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل ، فلذلك يحث على الزنا ، فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح والزنا أكبر لذات النفس . ولهذا جاء في الحديث ( الغناء رقية الزنا )..
رأي الصوفية في الغناء
قال المصنف رحمه الله:
وقد تكلم الناس في الغناء فأطالوا فمنهم من حرمه ومنهم من أباحه من غير كراهة ومنهم من كرهه مع الاباحة .وفصل الخطاب أن نقول ينبغي أن ينظر في ماهية الشيء ثم يطلق عليه التحريم أو الكراهة أو غير ذلك والغناء اسم يطلق على أشياء منها غناء الحجيج في الطرقات فان أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام وربما ضربوا مع إنشادهم بطبل فسماع تلك الأشعار مباح وليس إنشادهم إياها مما يطرب ويخرج عن الاعتدال .
أخبرنا أبو الحصين نا ابن المذهب نا احمد بن جعفر ثنا عبد الله بن احمد ثني أبي ثنا أسود بن عامر نا أبو بكر عن أجلح عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله لعائشة رضي الله عنها أهديتم الجارية إلى بيتها قالت نعم قال فهلا بعثتم معها من يغنيهم يقول # أتيناكم أتيناكم % فحيونا نحييكم فإن الأنصار قوم فيهم غزل
قال المصنف رحمه الله .. ومن ذلك أشعار ينشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إلى ذكر الآخرة ويسمونها الزهديات ، فهذا مباح أيضا ...
فصل
قال المصنف رحمه الله ..
.. فنذكر ما قيل في الغناء: مذهب الامام أحمد .. فانه كان الغناء في زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها .. وروى عنه ..أنه سئل عن استماع القصائد فقال أكرهه هو بدعة ولا يجالسون .. وأما مذهب أبي حنيفة .. كان أبو حنيفة يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ويجعل سماع الغناء من الذنوب قال وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة إبراهيم والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا أختلاف بينهم في ذلك قال ولا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهة ذلك والمنع منه إلا ما روى عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا . مذهب الشافعي .. قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغيير يشغلون به الناس عن القرآن ...
حكم الغناء عند الصوفية
وقد اعتقد قوم من الصوفية .. القشيري قال حدثنا أبي قال سمعت أبا علي الدقاق يقول السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم مباح الزهاد لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم
فصل قال المصنف رحمه الله وقد ادعى قوم منهم أن هذا السماع قربة إلى الله عز وجل قال أبو طالب المكي حدثني بعض أشياخنا عن الجنيد انه قال تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواطن عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة وعند المذاكرة لأنهم يتجاوزون في مقامات الصديقين وأحوال النبيين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون ..وقال ابن عقيل قد سمعنا منهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخدة مجاب وذلك أنهم يعتقدون أنه قربة يتقرب بها إلى الله تعالى قال وهذا كفر لأن من اعتقد الحرام أو المكروه قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا.
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الوجد
قال المصنف رحمه الله هذه الطائفة إذا سمعت الغناء تواجدت وصفقت وصاحت ومزقت الثياب وقد لبس عليهم إبليس في ذلك ..
قال المصنف رحمه الله .. واحتج لهم أبو عبد الرحمن السلمي على جواز الرقص ..
فاذا تمكن الطرب من الصوفية في رحال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد فاذا قام قام الباقون تبعا له فاذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له
فصل: فاذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني فمنهم من يرمي بها -$- صحاحا ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها ..ولقد رأيت شابا من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وهو يبربر ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة ..
قال المصنف رحمه الله :
أنظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من تلبيس إبليس إلى تلاعب هؤلاء الجهلة بالشريعة وإجماع مشايخهم الذي لا يساوي أجماعهم بعرة فان مشايخ الفقهاء أجمعوا على أن الموهوب لمن وهب له سواء كان مخرقا أو سليما ولا يجوز لغيره التصرف فيه ثم إن سلب القتيل كل ما عليه فما بالهم جعلوه ما رمي به ثم ينبغي أن يكون الأمر على عكس ما قاله الأنصاري لأن المجروح من الثياب ما كان بسبب الوجد فينبغي أن يكون المجروح المغني دون الصحيح وكل أقوالهم في هذا محال وهذيان .. وقد حكى لي أبو عبد الله التكريتي الصوفي عن أبي الفتوح الاسفرايني وكنت أنا قد رأيته وأنا صغير السن وقد حضر في جمع كثير في رباط وهناك المخاد والقضبان ودف بجلاجل فقام يرقص حتى وقعت عمامته فبقي مكشوف الرأس قال التكريتي إنه رقص يوما في خف له ثم ذكر أن الرقص في الخف خطأ عند القوم فانفرد وخلعه ثم نزع مطرفا كان عليه فوضعه بين أيديهم كفارة لتلك الجناية فاقتسموه خرقا ...
فصل
وأما تقطيعهم الثياب المطروحة خرقا وتفريقها فقد بينا أنه إن كان صاحب الثوب رماه إلى المغني لم يملكه بنفس الرمي حتى يملكه إياه فإذا ملكه إياه فما وجه تصرف الغير فيه. ولقد شهدت بعض فقهائهم يخرق الثياب ويقسمها ويقول هذه الخرق ينتفع بها ، وليس هذا بتفريط فقلت وهل التفريط إلا هذا . ورأيت شيخا آخر منهم يقول خرقت خرقا في بلدنا فأصاب رجل منها خريقة فعملها كفنا فباعه بخمسة دنانير. فقلت له إن الشرع لا يحيز هذه الرعونات لمثل هذه النوادر ..وأعجب من هذين الرجلين أبو حامد( الغزالى ) الطوسي فانه قال يباح لهم تمزيق الثياب إذا خرقت قطعا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات فإن الثوب يمزق حتى يخاط منه قميص ولا يكون ذلك تضييعا. ولقد عجبت من هذا الرجل كيف سلبه حب مذهب التصوف عن أصول الفقه ومذهب الشافعي فنظر إلى إنتفاع خاص ثم ما معنى قوله مربعة فان المطاولة ينتفع بها أيضا ، ثم لو مزق الثوب قرامل لانتفع بها ولو كسر السيف نصفين لانتفع بالنصف غير أنالشرع يتلمح الفوائد العامة ويسمي ما نقص منه للانتفاع إتلافا ولهذ ينهي عن كسر الدرهم الصحيح لأنه يذهب منه قيمه بالإضافة إلى المكسور.. وليس العجب من تلبيس إبليس على الجهال منهم بل على الفقهاء الذين اختاروا بدع الصوفية على حكم أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين
فصل
ولقد أغربوا فيما ابتدعوا وأقام لهم الأعذار من إلى هواهم مال .. ولقد ذكر محمد بن طاهر في كتابه باب السنة في أخذ شيء من المستغفر واحتج بحديث كعب بن مالك في توبته يجزئك الثلث ثم قال باب الدليل على أن من وجبت عليه غرامة فلم يؤدها ألزموه أكثر منها واستدل بحديث معاوية بن جعدة عن النبي أنه قال في الزكاة من منعها فانا آخذها وشطر ماله
قال المصنف رحمه الله
قلت فانظر إلى تلاعب هؤلاء وجهل هذا المحتج لهم وتسمية ما يلزم بعضهم بما لا يلزمه غرامة وتسمية ذلك واجبا وليس لنا غرامة ولا وجوب إلا بالشرع ومتى اعتقد الإنسان ما ليس بواجب واجبا كفر
ومن مذهبهم الرؤوس عند الاستغفار وهذه بدعة تسقط المروءة وتنافي الوقار ولولا ورود الشرع بكشفه في الإحرام ما كان له وجه وأما حديث كعب بن مالك فإنه قال إن من توبتي ان انخلع من مالي فقال له رسول الله يجزئك الثلث لا على سبيل الالزام له وإنما تبرع بذلك فأخذه منه وأين إلزام الشرع تارك الزكاة فما يزيد عليها عقوبة من إلزامهم المريد غرامة لا تجب عليه فاذا امتنع ضاعفوها وليس إليهم الإلزام إنما ينفرد بالالزام الشرع وحده وهذا كله جهل وتلاعب بالشريعة فهؤلاء الخوارج عليها حقا )
التعليق
أولا :
1 ـ ذكر حقائق تاريخية عن السماع الصوفى فى عصره ، وما يحدث فيها من ( وجد ) أي زعم التأثر بالغناء الى درجة الصياح ، وتمزيق الثياب والرقص . وبعض هذا لا يزال يحدث الآن في مجتمعات الصوفية . ـ
2 والمهم أنهم إتخذوا هذا دينا يتميزون به عن غيرهم . وكان واجبا أن يرد عليهم إبن الجوزى بالقرآن الكريم ، وفيه الكفاية ، ولكنه كان يكفر بالقرآن الكريم وحده حديثا .
ثانيا :
الرد عليهم بالقرآن الكريم
في موضوع الغناء
1 ـ الغناء العادى ( العلمانى ) ليس حراما . فالمحرمات جاءت في قوله جل وعلا : ضمن الوصايا العشر ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (151)الانعام )
ومحصورة في قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(33)الأعراف ).
لوكان في هذا الغناء فُحش وتحريض على الفاحشة فهو يدخل ضمن الّلمم . نتدبر قول ربنا جل وعلا :
1 / 1 ـ ( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(32)النجم )
1 / 2 ـ الذين يجتنبون الكبائر مع وقوعهم في الصغائر من السيئات ( اللمم ) قال في حقهم جل وعلا : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا(31)النساء )
ثالثا :
في الغناء الدينى وملحقاته :
هو كُفر ، فالعبادات في الإسلام مؤسسة على الخشوع ، والخروج عن الخشوع فيها يكون إستهزائا برب العزة جل وعلا وإعتداءا على شرعه . قال جل وعلا:
1 ـ ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(56)الأعراف )
2 ـ عن مقياس التضرع : ( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(63) الانعام )
3 ـ عن عبادة الاستماع للقرآن الكريم ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) 204 ) الأعراف )
4 ـ الآية التالية عن التضرع في ذكر الرحمن جل وعلا : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ(205)الأعراف )
5 ـ المثال في دعاء زكريا عليه السلام . قال جل وعلا : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4)مريم ).
5 ـ في النهى عن الذين إتخذوا دينهم لعبا ولهوا قال جل وعلا :
5 / 1 : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) (70)الانعام )
5 / 2 : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ(58)المائدة )
5 / 3 : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(83)الزخرف )
5 / 4 : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ(44)المعارج ).
6 ـ عنهم وهم في النار قال جل وعلا : ( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 51 ) الأعراف ). تدبر الاية التالية : قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)الأعراف )
ودائما :
صدق الله العظيم .!!

( 17):
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس على كثير من الصوفية في صحبة الأحداث
ملاحظات قبل أن تقرأ :
1 ـ للصوفية مصطلحاتهم الخاصة في هذا الموضوع :
1 / 1 : ( صحبة الأحداث ) تعنى الشذوذ الجنسى بالأطفال والشباب الصغير .
1 / 2 : ( الشاهد ) يعنى أن الذى يقومون بالشذوذ معه هو الذى يجسّد عندهم ( الله جل وعلا ) . عليهم لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين .
1 / 3: ( الحلولية ) اى الذين يؤمنون بحلول الله جل وعلا في البشر .
1 / 4 : ( المردان / المُرد ) جمع ( أمرد ) ويعنى المفعول به من الصبيان والشباب الصغير، ومثله قولهم : ( الحدث )
2 ـ إختصارا : سنحذف الإسناد والعنعنة والكثير من الثرثرة المعتادة لابن الجوزى .
ماذا قال إبن الجوزى :
( قال المصنف: اعلم أن أكثر الصوفية المتصوفة قد سدوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب لبعدهم عن مصاحبتهن وامتناعهم عن مخالطتهن واشتغلوا بالتعبد عن النكاح واتفقت صحبة الأحداث لهم على وجه الإرادة وقصد الزهادة ، فأمالهم إبليس إليهم .
( واعلم أن الصوفية في صحبة الأحداث على سبعة أقسام :
القسم الأول :أخبث القوم وهم ناس تشبهوا بالصوفية ويقولون بالحلول . أخبرنا ..قال بلغني أن جماعة من الحلولية زعموا أن الحق تعالى اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية ، ومنهم من قال هو حال في المستحسنات . وذكر أبو عبد الله بن حامد من أصحابنا أن طائفة من الصوفية قالوا انهم يرون الله عز وجل في الدنيا وأجازوا أن يكون في صفة الآدمي ، ولم يأبوا كونه حالا في الصورة الحسنة حتى استشهدوه في رؤيتهم الغلام الأسود .
القسم الثاني : قوم يتشبهون بالصوفية في ملبسهم ويقصدون الفسق .
القسم الثالث : قوم يستبيحون النظر إلى المستحسن .
القسم الرابع : قوم يقولون نحن لا ننظر نظر شهوة وإنما ننظر نظر اعتبار فلا يضرنا النظر . أخبرتنا شهدة بن أحمد الأبري .. قال : كنت جالسا مع أبي النضر الغنوي وكان من المبرزين العابدين فنظر إلى غلام جميل فلم تزل عيناه واقعتين عليه حتى دنا منه فقال سألتك بالله السميع وعزة الرفيع وسلطانه المنيع الا وقفت على أروي من النظر اليك فوقف قليلا ثم ذهب ليمضي فقال له سألتك بالحكيم المجيد الكريم المبدي المعيد ألا وقفت فوقف ساعة فأقبل يصعد النظر اليه ويصوبه ثم ذهب ليمضي فقال سألتك بالواحد الأحد الجبار الصمد الذي لم يلد ولم يولد إلا وقفت فوقف ساعة فنظر اليه طويلا ثم ذهب ليمضي فقال سألتك باللطيف الخبير السميع البصير وبمن ليس له نظير إلا وقفت فوقف فأقبل ينظر اليه ثم اطرق رأسه إلى الأرض ومضى الغلام فرفع رأسه بعد طويل وهو يبكي فقال قد ذكرني هذا بنظري اليه وجها جل عن التشبيه وتقدس عن التمثيل وتعاظم عن التحديد والله لأجهدن نفسي في بلوغ رضاه بمجاهدتي أعدائه وموالاتي لأوليائه حتى أصير إلى ما أردته من نظري الى وجهه الكريم وبهائه العظيم ولوددت أنه قد أراني وجهه وحبسني في النار ما دامت السموات والأرض ثم غشي عليه . وحدثنا.. قال سمعت خيرا النساج يقول: كنت مع محارب بن حسان الصوفي في مسجد الخيف ونحن محرمون فجلس الينا غلام جميل من أهل المغرب فرأيت محاربا ينظر اليه نظرا أنكرته فقلت له بعد أن قام انك محرم في شهر حرام في بلد حرام في مشعر حرام وقد رأيتك تنظر إلى هذا الغلام نظرا لا ينظره إلا المفتونون فقال لي تقول هذا يا شهواني القلب والطرف ألم تعلم أنه قد منعني من الوقوع في شرك إبليس ثلاث فقلت وما هي قال سر الإيمان وعفة الإسلام وأعظمها الحياء من الله تعالى أن يطلع علي وأنا جاثم على منكر نهاني عنه ثم صعق حتى اجتمع الناس علينا ... وقد حدثني بعض العلماء أن صبيا أمرد حكى له قال قال لي فلان الصوفي وهو يحبني يا بنى : " لله فيك اقبال والتفات حيث جعل حاجتي اليك . " . وحكى أن جماعة من الصوفية دخلوا على احمد الغزالي وعنده أمرد وهو خال به وبينهما ورد ، وهو ينظر إلى الورد تارة وإلى الأمرد تارة، فلما جلسوا قال بعضهم : " لعلنا كدرنا " فقال : "أي والله" فتصايح الجماعة على سبيل التواجد . وحكى أبو الحسين بن يوسف انه كتب اليه في رقعة انك تحب غلامك التركي فقرأ الرقعة ، ثم استدعى الغلام فصعد اليه النظر فقبله بين عينيه وقال : " هذا جواب الرقعة. " وأخبرنا .. قال : بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع انها تضيف اليه النظر الى وجه الأمرد وربما زينته بالحلى والمصبغات من الثياب والحواشي وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع ...
القسم الخامس : قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش يعتقدون ذلك مجاهدة وما يعلمون أن نفس صحبتهم والنظر اليهم بشهوة معصية.
قال المصنف رحمه الله: .. ومنهم من تلاعب به المرض من شدة المحبة أخبرتنا شهدة الكاتبة .... كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوههم فنظر إلى غلام حسن في بعض الأسواق فبلى به وكاد يذهب عقله عليه صبابة وحبا وكان يقف كل يوم في طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا أنصرف فطال به البلاء وأقعده عن الحركة .. قال أبو حمزة ونظر محمد بن عبد الله بن الأشعث الدمشقي وكان من خيارعباد الله إلى غلام جميل فغشي عليه فحمل إلى منزله واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه وكان لا يقوم عليهما زمانا طويلا فكنا نأتيه نعوده ونسأله عن حاله وأمره وكان لا يخبرنا بقصته ولا سبب مرضه وكان الناس يتحدثون بحديث نظره فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش اليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته فسأله الغلام يوما أن يسير معه إلى منزله فأبى أن يفعل ذلك فسألني أن أسأله أن يتحول اليه فسألته فأبى أن يفعل فقلت للشيخ وما الذي تكره من ذلك فقال لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي الشيطان محنة فتجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين .. وفيهم من همت نفسه إلى الفاحشة فقتل نفسه، حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني قال كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلى بحدث فلم يملك نفسه ان دعته إلى فاحشة فراقب الله عز وجل ثم ندم على هذه الهمة وكان منزله على مكان عال ووراء منزله بحر من الماء فلما أخذته الندامة صعد السطح ورمى نفسه إلى الماء ..
فصل : وفيهم من فرق بينه وبين حبيبه فقتل حبيبه . بلغني عن بعض الصوفية أنه كان في رباط عندنا ببغداد ومعه صبي في البيت الذي هو فيه فشنعوا عليه وفرقوا بينهما فدخل الصوفي إلى الصبي ومعه سكين فقتله وجلس عنده يبكي .. ومن هؤلاء من قارب الفتنة فوقع فيها ولم تنفعه دعوى الصبر والمجاهدة ..
القسم السادس : قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة
القسم السابع : قوم علموا أن صحبة المردان والنظر إليهم لا يجوز غير أنهم لم يصبروا عن ذلك.. قال يوسف بن الحسين كل ما رأيتموني أفعله فأفعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا ففسخها علي حسن الحدود وقوام القدود وغنج العيون ...
وقد ورد الشرع بالنهي عن مجالسة المردان وأوصى العلماء بذلك . والحديث بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله : لا تجالسوا أبناء الملوك فإن النفوس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق ."والحديث بإسناده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال لا تملأوا أعينكم من أولاد الملوك فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى . والحديث بإسناد عن الشعبي قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي وراء ظهره وقال كانت خطيئة داود عليه السلام النطر وعن أبي هريرة قال نهي رسول الله أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الأمرد.. وبإسناد عن أبي الأديان وقال كنت مع أستاذي وأبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه فقال يا بني لتجدن غبة ولو بعد حين فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي فما أجد ذلك الغب فنمت ذات ليلة وأنا مفكر فيه فأصبحت وقد أنسيت القرآن كله .. وعن أبي بكر الكتاني قال رأيت بعض أصحابنا في المنام فقلت ما فعل الله بك قال عرض علي سيئاتي وقال فعلت كذا وكذا فقلت نعم ، ثم قال وفعلت كذا وكذا فاستحييت أن أقره فقلت اني استحي أن أقر . فقال اني غفرت لك بما أقررت فكيف بما استحييت فقلت له ما كان ذلك الذنب فقال مر بي غلام حسن الوجه فنظرت اليه . وقد روى نحو هذه الحكاية عن أبي عبد الله الزراد انه رؤى في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي كل ذنب أقررت به في الدنيا إلا واحدا فاستحييت أن أقر به فوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي فقيل له ما الذنب فقال نظرت إلى شخص جميل .. وقد بلغنا عن أبي يعقوب الطبري انه قال كان معي شاب حسن الوجه يخدمني فجاءني انسان من بغداد صوفي فكان كثير الإلتفات إلى ذلك الشاب فكنت أجد عليه لذلك فنمت ليلة من الليالي فرأيت رب العزة في المنام فقال يا أبا يعقوب لم لم تنهه وأشار إلى البغدادي عن النظر إلى الأحداث فوعزتي اني لا اشغل بالأحداث إلا من باعدته عن قربي قال أبو يعقوب فانتبهت وأنا أضطرب فحكيت الرؤيا للبغدادي فصاح صيحة ومات فغسلناه ودفناه واشتغل عليه قلبي فرأيته بعد شهر في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال وبخني حتى خفت أن لا أنجوا ثم عفا عني . )
التعليق :
1 ـ لم يكن الشذوذ الجنسى معروفا حتى نهاية العصر الأموى . ثم بدأ تدريجيا في العصر العباسى ، وإنتشر مع شهرة بعض الخلفاء به مثل الخليفة الأمين إبن الرشيد وزبيدة والشاعر أبى نواس . ولكن لم يكن مرتبطا بدين، ( أي شذوذ علمانى .! ) . ثم جرى ربطه بعقائد التصوف في العصر العباسى الثانى ، وخصوصا عقيدة الحلول ، وأصبح معتادا وصف المفعول به بكلمة ( الشاهد ) أي الشاهد على الجمال الإلهى . وورد هذا في الرسالة القشيرية التي كتبها القشيرى ( عبد الكريم بن هوازن ( 376 : 465 ) في إصلاح الصوفية في عصره
2 ـ لجأ إبن الجوزى كعادته الى إختلاق الأحاديث في الرد عليهم . وتجاهل ما جاء في القرآن الكريم عن قوم لوط ، وعذابهم . والتهديد في قوله جل وعلا : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ(82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83)هود ) تدبر قوله جل وعلا : ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد).
3 ـ لقد تكرر في القرآن الكريم قصة قوم لوط ، وعذابهم . ومنه قول لوط لهم : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ(80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ(81)الأعراف ) ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ(28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(29)العنكبوت ). كانوا سابقين في هذا . مع ذلك كان الشذوذ الجنسى عندهم بلا زعم دينى كما فعل الصوفية . أي إن الصوفية قالوا وفعلوا واعتقدوا ما لم يسبقهم به أحد من العالمين . وابليس نفسه لم يقل هذا لرب العالمين . ونتصوره يتعجب من حضيض كفرهم .!!


( ج 18)
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ادعاء التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز في الأموال
( أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي بإسناد عن احمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول لو توكلنا على الله تعالى ما بنينا الحيطان ولا جعلنا لباب الدار غلقا مخافة اللصوص. وباسناد عن ذي النون المصري انه قال سافرت سنين وما صح لي التوكل إلا وقتا واحدا ركبت البحر فكسر المركب فتعلقت بخشبة من خشب المركب فقالت لي نفسي ان حكم الله عليك بالغرق فما تنفعك هذه الخشبة فخليت الخشبة فطفت على الماء فوقعت على الساحل ... وقال سهل بن عبد الله من طعن في الإكتساب فقد طعن على السنة ومن طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان .
قال المصنف : قلت قلة العلم أوجبت هذا التخطيط ولو عرفوا ماهية التوكل لعلموا أنه ليس بينه وبين الأسباب تضاد ، وذلك أن التوكل اعتماد القلب على الوكيل وحده وذلك لا يناقض حركة البدن في التعلق بالأسباب ولا ادخار المال ..
قال المصنف رحمه الله : فان قال قائل كيف أحترز مع القدر قيل له وكيف لا تحترز مع الأوامر من المقدر فالذي قدر هو الذي أمر وقد قال تعالى : وخذوا حذركم .
فصل : وفي معنى ما ذكرنا من تلبيسه عليهم في ترك الأسباب انه قد لبس على خلق كثير منهم بأن التوكل ينافي الكسب . أخبرنا سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول : من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ومن طعن على الكسب فقد طعن على السنة . أخبرنا .. يقول سأل رجل أبا عبد الله بن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أم بالتوكل فقال التوكل حال رسول الله والكسب سنة رسول الله ، وإنما سن الكسب لمن ضعف عن التوكل وسقط عن درجة الكمال التي هي حاله فمن أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا كسب معاونه لا كسب اعتماد عليه ومن ضعف عن حال التوكل التي هي حال رسول الله أبيح له طلب المعاش في الكسب لئلا يسقط عن درجة سنته حين سقط عن درجة حاله . أنبأنا .. يقول سمعت يوسف بن الحسين قال إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص والكسب فليس يجيء منه شيء .
قال المصنف رحمه الله :
قلت هذا كلام قوم ما فهموا معنى التوكل وظنوا أنه ترك الكسب وتعطيل الجوارح عن العمل وقد بينا أن التوكل فعل القلب فلا ينافي حركة الجوارح ولو كان كل كاسب ليس بمتوكل لكان الأنبياء غير متوكلين ، فقد كان آدم عليه السلام حراثا ونوح وزكريا نجارين وإدريس خياطا وابراهيم ولوط زراعين وصالح تاجرا وكان سليمان يعمل الخوص وداود يصنع الدرع ويأكل من ثمنه وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة صلوات الله عليهم أجمعين . وقال نبينا : كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط فلما أغناه الله عز وجل بما فرض له من الفيء لم يحتج إلى الكسب . وقد كان أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة رضوان الله تعالى عليهم بزازين وكذلك محمد بن سيرين وميمون بن مهران بزازين وكان الزبير بن العوام وعمرو بن العاص وعامر بن كريز خزازين وكذلك أبو حنيفة وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل وكان عثمان بن طلحة خياطا وما زال التابعون ومن بعدهم يكتسبون ويأمرون بالكسب .
قال المصنف رحمه الله :
قلت لو قال رجل للصوفية من أين أطعم عيالي لقالوا قد أشركت ولو سئلوا عمن يخرج إلى التجارة لقالوا ليس بمتوكل ولا موقن وكل هذا لجهلهم بمعنى التوكل واليقين .ولو كان أحد يغلق عليه الباب ويتوكل لقرب أمر دعواهم لكنهم بين أمرين أما الغالب من الناس فمنهم من يسعى إلى الدنيا مستجديا ومنهم من يبعث غلامه فيدور بالزنبيل فيجمع له وإما الجلوس في الرباط في هيئة المساكين وقد علم أن الرباط لا يخلو من فتوح كما لا تخلو الدكان من أن يقصد للبيع والشراء . قال المصنف رحمه الله قلت وقد كان السلف ينهون عن التعرض لهذه الأشياء ويأمرون بالكسب . .. سألت أحمد بن حنبل وقلت ما تقول في رجل جلس في بيته أو في مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمعت قول رسول الله : " جعل الله رزقي تحت ظل رمحي " وحديث الآخر في ذكر الطير تغدو خماصا فذكر أنها تغدو في طلب الرزق " قال تعالى : وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله . وقال : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم . قال قلت لأبي عبد الله : " هؤلاء المتوكلة يقولون نقعد وأرزاقنا على الله عز وجل فقال هذا قول ردىء أليس قد قال الله تعالى : " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ؟ قال الخلال وأخبرنا المروزي انه قال لأبي عبد الله أن ابن عيينة كان يقول : " هم مبتدعة " فقال أبو عبد الله: " هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا" وقال الخلال ..سألت أبا عبد الله عن رجل جلس في بيته وقال اجلس واصبر واقعد في البيت ولا أطلع على ذلك أحدا. فقال : " لو خرج فاحترف كان أحب إلي فاذا جلس خفت أن يخرجه جلوسه الى غير هذا قلت الى أي شيء يخرجه قال يخرجه إلى أن يكون يتوقع أن يرسل اليه. " قال الخلال ..قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله أحمد بن حنبل اني في كفاية قال : " إلزم السوق تصل به الرحم وتعود به على عيالك " وقال لرجل آخر: " إعمل وتصدق بالفضل على قرابتك" وقال احمد بن حنبل : " قد أمرتهم يعني أولاده أن يختلفوا إلى السوق وأن يتعرضوا للتجارة . " قال الخلال وأخبرني .. قال سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق ويقول ما أحسن الاستغناء عن الناس . "
وقال الخلال .. قال سمعت احمد بن حنبل يقول: " أحب الدراهم إلي درهم من تجارة وأكرهها عندي الذي من صلة الإخوان "
قال المصنف رحمه الله:
قلت وكان ابراهيم بن أدهم يحصد وسلمان الخواص يلقط وحذيفة المرعشي يضرب اللبن " وقال ابن عقيل : " التسبب لا يقدح في التوكل لأن تعاطى رتبة ترقى على رتبة الأنبياء نقص في الدين " ولما قيل لموسى عليه السلام إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك خرج ولما جاع واحتاج إلى عفة نفسه أجر نفسه ثمان سنين ، وقال الله تعالى : ^ فامشوا في مناكبها "، وهذا لأن الحركة استعمال بنعمة الله وهي القوى فاستعمل ما عندك ثم أطلب ما عنده وقد يطلب الإنسان من ربه وينسى ما له عنده من الذخائر فاذا تأخر عنه ما يطلبه يسخط فترى بعضهم يملك عقارا وأثاثا فاذا ضاق به القوت واجتمع عليه دين فقيل له لو بعت عقارك قال كيف أفرط في عقاري وأسقط جاهي عند الناس ، وإنما يفعل هذه الحماقات العادات ، وإنما قعد أقوام عن الكسب استثقالا له ، فكانوا بين أمرين قبيحين إما تضييع العيال فتركوا الفرائض أو التزين باسم انه متوكل فيحن عليهم المكتسبون فضيقوا على عيالهم لأجلهم وأعطوهم . وهذه الرذيلة لم تدخل قط إلا على دنيء النفس الرذيلة ، وإلا فالرجل كل الرجل من لم يضيع جوهرة الذي أودعه الله إيثارا للكسل أو لإسم يتزين به بين الجهال ، فان الله تعالى قد يحرم الانسان المال ويرزقه جوهرا يتسبب به إلى تحصيل الدنيا بقبول الناس عليه .
فصل :
وقد تشبث القاعدون عن التكسب بتعليلات قبيحة منها :
أنهم قالوا : لا بد من أن يصل الينا رزقنا . وهذا في غاية القبح فان الإنسان لو ترك الطاعة وقال لا أقدر بطاعتي أن أغير ما قضى الله علي فان كنت من أهل الجنة فانا إلى الجنة أومن أهل النار فأنا من أهل النار قلنا له هذا يرد الأوامر كلها ولو صح لأحد ذلك لم يخرج آدم من الجنة لأنه كان يقول ما فعلت إلا ما قضى علي ، ومعلوم أننا مطالبون بالأمر لا بالقدر.
ومنها أنهم يقولون : " أين الحلال حتى نطلب " وهذا قول جاهل لأن الحلال لا ينقطع أبدا لقوله : الحلال بين والحرام بين ومعلوم أن الحلال ما أذن الشرع في تناوله . وإنما قولهم هذا احتجاج للكسل .
ومنها أنهم قالوا : إذا كسبنا أعنا الظلمة والعصاة مثل ما أخبرنا به.. قال سمعت ابراهيم الخواص يقول طلبت الحلال في كل شيء حتى طلبته في صيد السمك فأخذت قصبة وجعلت فيها شعرا وجلست على الماء فألقيت الشص فخرجت سمكة فطرحتها على الأرض وألقيت الثانية فخرجت لي سمكة فأنا اطرحها ثالثة اذا من ورائي لطمة لا أدري من يد من هي ولا رأيت أحدا وسمعت قائلا يقول : أنت لم تصب رزقا في شيء إلا أن تعمد إلى من يذكرنا فتقتله قال فقطعت الشعر وكسرت القصبة وانصرفت .
قال المصنف رحمه الله قلت : وهذه القصة ان صحت فان في الروايتين بعض من يتهم فان اللاطم إبليس وهو الذي هتف به لأن الله تعال أباح الصيد فلا يعاقب على ما أباحه ، وكيف يقال له تعمد الى من يذكرنا فتقتله وهو الذي أباح له قتله . وكسب الحلال ممدوح ولو تركنا الصيد وذبح الأنعام لأنها تذكر الله تعالى لم يكن لنا ما يقيم قوى الأبدان لأنه لا يقيمها إلا اللحم ، فالتحري من أخذ السمك وذبح الحيوان مذهب البراهمة. فانظر إلى الجهل ما يصنع وإلى إبليس كيف يفعل . أخبرنا .. قال سمعت شيخا يكنى أبا تراب يقول قيل لفتح الموصلي : " أنت صياد بالشبكة ولم تصد شيئا إلا وتطعمه لعيالك فلم تصد وتبيع ذلك الناس ؟ فقال : "أخاف أن أصطاد مطيعا لله تعالى في جوف الماء فأطعمه عاصيا لله على وجه الأرض .
قال المصنف رحمه الله قلت : أن صحت هذه الحكاية عن فتح الموصلي فهو من التعلل البارد المخالف للشرع والعقل لأن الله تعال أباح الكسب وندب اليه . فإذا قال قائل ربما خبزت خبزا فأكله عاص كان حديثا فارغا لأنه لا يجوز لنا إذا أن نبيع الخبز لليهود والنصارى .
التعليق :
1 ـ إنتشر التواكل مع إنتشار التصوف في عصر إبن الجوزى ، وتأسّست مؤسّسات يعيش فيها الصوفية بلا عمل عالة على الحكام الظالمين وأموالهم السُحت . وكان منتظرا أن يجدوا تبريرا شرعيا في دينهم الذى يملكونه . وقد إخترعوه . وإبن الجوزى يردُّ عليهم بجعبته من الأحاديث والأقاويل والحكايات ، والقليل جدا جدا من القرآن الكريم . بعض الآيات التي إستشهد بها ضاعت وسط أكوام من الروايات التي جعل لها أسانيد مطولة ، وأجهد نفسه في إثباتها أو نفيها حسب هواه . لو آمن إبن الجوزى بالقرآن الكريم وحده حديثا لأراحنا من هذه الثرثرة .
لمحة قرآنية :
1 ـ كان يعقوب عليه السلام يأتيه الوحى يخبره بما حدث ويحدث . ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب . نرجو تدبر الآيات الكريمة التالية من سورة يوسف :
1 /1 ـ ( فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (15) وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ(17) وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18).
1 / 2 ـ ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ(67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) 68))
1 / 3 ـ ( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(87)يوسف ). هذا عن يعقوب عليه السلام فكيف بغيره ؟
2 ـ في قصة موسى وفرعون ، كلاهما أخذ بالأسباب . كانت لفرعون قوته وجنده ، وكان لموسى آياته ومنها العصا . لم يقعد موسى وإنما تحرك بقومه آخذا بالأسباب . وغرق فرعون وجنده ونجا موسى وقومه .
3 ـ النبى محمد لم تكن له معجزة ( آية حسية ). قام بكل شيء بجهده الشخصى ومعه أصحابه ، سواء في الهجرة أو تكوين الدولة أو القتال الدفاعى .
يكفى قوله جل وعلا في موضوع الشورى أو الديمقراطية المباشرة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)آل عمران ) . هنا التوكل على الله جل وعلا بعد الأخذ بالأسباب . وتكرر قوله جل وعلا في مناسبات مختلفة : ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(122) ( 160 ) آل عمران ) ، ( المائدة 11 ) ( التوبة 51 )( المجادلة 10 ) ( التغابن ). وقبله قالت الرسل لأقوامهم في أزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة وبألسنة مختلفة ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(11)إبراهيم ).
أخيرا
العالم المتقدم القوى يأخذ بالأسباب . والمحمديون متواكلون .
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 19) : كتاب ( الفقه الوعظى )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :

أولا :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك التداوي :
قال المصنف رحمه الله :
لا يختلف العلماء أن التداوي مباح، وإنما رأى بعضهم أن العزيمة تركه ، وقد ذكرنا كلام الناس في هذا وبينا بما اخترناه في كتابنا ( لقط المنافع في الطب ). والمقصود ههنا انا نقول إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع مندوب اليه عند بعض العلماء ، فلا يلتفت إلى قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل ، لأن الإجماع على انه لا يخرج من التوكل . وقد صح عن رسول الله انه تداوى وأمر بالتداوي ولم يخرج بذلك من التوكل ولا أخرج من أمره أن يتداوى من التوكل . وفي الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي رخص إذا أشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر. قال ابن جرير الطبري : ( وفي هذا الحديث دليل على فساد ما يقوله ذوو الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج علة به في جسده بدواء إذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضر والنفع وفي إطلاق النبي للمحرم علاج عينه بالصبر لدفع المكروه أدل دليل على أن معنى التوكل غير ما قاله الذين ذكرنا قولهم ، وان ذلك غير مخرج فاعله من الرضا بقضاء الله ، كما أن من عرض له كلب الجوع لا يخرجه فزعه إلى الغذاء من التوكل والرضا بالقضاء لأن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت ، وجعل أسبابا لدفع الادواء كما جعل الأكل سببا لدفع الجوع ، وقد كان قادرا أن يحيى خلقه بغير هذا ، ولكنه خلقهم ذوي حاجة فلا يندفع عنهم أذى الجوع إلا بما جعل سببا لدفعه عنهم فكذا الداء العارض والله الهادي ).
التعليق :
كعادته أعرض إبن الجوزى عن القرآن الكريم ، مستشهدا بغيره من أحاديث مفتراة واقأويل ل . من المفيد هنا أن نعرض لموضوع المرض والشفاء والتداوى قرآنيا . نقول :
مصطلحات المرض والشفاء جاءت فى القرآن الكريم على نوعين : المرض الحسى البدنى الجسدى ، والشفاء منه بالتداوى العادى ، والمرض المعنوى بمعنى الضلال والكفر و النفاق والانحلال ، والشفاء منه بالهداية بالقرآن الكريم.
والى التفاصيل :
أولا:المرض الحسى الجسدى
جاء المرض ضمن الأعذار المقبولة فى تأدية العبادات ، حيث قامت تشريعات الاسلام التعبدية على رفع الحرج والتاكيد على اليسر وعدم العسر ، وبالتالى كان للمريض رخصة فى الآتى :
1 ـ الافطار فى رمضان:( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)البقرة )
2 ـ تقديم الفدية عند حلق الرأس فى حالة الاحرام بالحج أو العمرة:
( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ( البقرة 196 )
3 ـ التيمم بدلا من الغسل والوضوء:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( النساء 43 ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا )(المائدة 6 )
4 ـ التخفف من حمل السلاح عند قصر الصلاة وقت الخوف ، او القتال أو المطاردة:
(وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) ( النساء 102 )
5 ـ عدم الخروج للجهاد
( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( التوبة 91 )
( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) ( الفتح 17 )
6 ـ التخفف من قيام الليل:
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المزمل 20)
7 ـ التخفف من الآداب الاجتماعية:
( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ( النور 61 ).
نلاحظ أن الأسلوب هنا في التشريعات تقريرى لا مجال فيه للمجاز .
ثانيا:
الشفاء من المرض الحسى الجسدى
1 ـ مرجعه الحقيقى الى الله جل وعلا . دعاء إبراهيم عليه السلام : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) ( الشعراء ـ 80 ـ )
2 ـ وقد أشار رب العزة الى بعض أنواع الدواء الطبيعى الذى ليست له آثار جانبية ، وهو عسل النحل : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )( النحل 68 ـ 69 )
ثالثا:
المرض المعنوى ( الضلال والكفر و الشرك )
هنا يأتى المرض المعنوى بالأسلوب المجازى مرتبطا بالقلب ، والقلب فى مصطلحات القرآن الكريم هو النفس والفؤاد والصدر، وليس تلك العضلة التى تضخ الدماء فى الأوردة و الشرايين . وبالتالى فالمرض هنا يعنى الضلال و الكفر والنفاق والرغبة فى الزنا بحيث لا يراعى ذلك الشخص حرمة البيوت التى يدخلها.
ونعطى أمثلة:
1 ـ عن المنافقين الذين يخفون الكفر و يتظاهرون بالايمان يقول جل وعلا (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ) هذا عن تصرفاتهم فى الخداع، ومنبع هذا الخداع هو ما وقر فى قلوبهم من ضلال وكفر ، أو مرض بالتعبير القرآنى ، وبالتالى فلن يزيدهم الله تعالى إلا كفرا ومرضا ، يقول جل وعلا : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) (البقرة 10).
2 ـ ويأتى الوصف بالمرض القلبى مرادفا للمنافقين معطوفا عليه عطف بيان ، مما يفيد التوضيح والبيان والتأكيد على أن المرض القلبى من لوازم النفاق ومن ملامح المنافقين النفسية ، يقول جل وعلا : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ) ( الانفال 49 ) فالمتحدثون هنا ليسوا طائفتين بل هم طائفة واحدة جمع بينهم وجود مرض الضلال فى نفوسهم وقلوبهم وعقائدهم.
3 ـ ويقول جل وعلا عن أدوار المنافقين وطوائفهم وقت محنة حصار المدينة فى غزوة الأحزاب ، أو ( الخندق ) : (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) ( الأحزاب 60 ). هم هنا اقتربوا من الخط الأحمر ، فكان لا بد من تحذيرهم ، فلهم حق المعارضة ولكن ليس الى درجة التآمر والتحالف مع العدو الذى يحاصر المسلمين.
4 ـ ونفس الحال حين تحالفوا مع اليهود و النصارى فى اعتداءاتهم على المسلمين ، وهنا إشارة الى وقائع حربية أهملتها ما تسمى بالسيرة النبوية ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ )( المائدة ـ 52 ). تكرر النهى للمؤمنين عن التحالف مع العدو المعتدى على المؤمنين ، ولكن لم يطع المنافقون لأن فى قلوبهم مرضا.
5 ـ وعن موقفهم من القرآن كان الضلال أو المرض المستقر فى قلوبهم يجعلهم يسخرون من نزول القرآن وقت نزول آياته ومعرفة وهداية المسلمين بها ، ونزل قوله جل وعلا يرد عليهم : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( التوبةـ 125 )
6 ـ وبعضهم كان يرتعب عندما يسمع بنزول آية تأمر بالقتال ، ويأتى تصويرهم فى هذه الحالة فى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ) ( محمد 20 )
7 ـ وكان المنافقون يرفضون الاحتكام الى القرآن الكريم ، و يرفضون المجىء للرسول عليه السلام إلا إذا لهم الحق فى تلك المنازعات والخصومات ، يقول جل وعلا : ( أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( النور 50 ).
8 ـ ويأتى وصف الكافرين المشركين عموما بالمرض القلبى أو قسوة القلب بحيث يخلو من مسام يدخل منها ضوء الهدى . وتأتى تلك القسوة فى القلب أو ذلك المرض فى القلب بسبب الايمان بالحديث الشيطانى المعروف الان بالسنة النبوية ،فلا يمكن أن يجتمع الايمان بالقرآن مع الايمان بتلك الأحاديث ، ولا يمكن الايمان بنقيضين ينفى أحدهما الاخر ، فتلك الأحاديث يلقيها الشيطان ليصادر أمنية النبى فى هداية الناس جميعا ، ويأذن الله تعالى بوجودها وكتابتها ونسخها فى نسخ وتدوينها فى كتب وطباعتها فتستمر فتنة واختبارا ، من يتبعها يكفر بالقرآن ويتبع سبيل الشيطان ، ويصاب قلبه بالمرض والضلال ، يقول جل وعلا عن الأحاديث الشيطانية ودورها فى تاريخ كل نبى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ثم يقول جل وعلا عن دورها فى فتنة وضلال الناس حين تجعلهم قاسية قلوبهم مريضة بالضلال والظلم والتفرق : ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ )( الحج ـ 53 )
9 ـ ويقول جل وعلا عن ( سقر ) وهو اسم لجهنم : : (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ) ويقول عن عدد الملائكة القائمين بها : ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ثم يقول عن هذا العدد : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) ( المدثر 31 ). يهمنا هنا قوله جل وعلا : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ ) فهنا عطف بيان بالواو ن يفيد أن الكافرين هم أنفسهم الذين فى قلوبهم مرض.
10 ـ ويأتى المرض القلبى بمعنى شهوة الزنا حين تسيطر على قلب إنسان فيطمع فى الزنا بكل إمرأة يراها أو يتكلم معها ، بحيث لا يراعى حرمة البيوت أو حرمة العلاقات مع الآخرين. نحن هنا أمام مدمن للزنا أفقده هذا الادمان كل مروءة للفرد العادى فأصبح يحمل معه هذا المرض اينما سار ، تتحرك عينه الخائنة أينما سار وفى كل بيت يدخله ومع كل أنثى تتحدث معه . يقول جل وعلا : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ( الاحزاب 32 )
رابعا:
الشفاء المعنوى ( الهداية )

1 ـ القرآن الكريم هو وصفة الهداية من المرض القلبى المعنوى او الضلال ، وهو وصفة ناجحة للناس جميعا ، ولكن ليس كل الناس يرغبون فى هذا الدواء ، فمعظم الناس يصدّ عنه راغبا عنه وليس راغبا فيه ، ولذلك لا يستفيد منه إلا المؤمنون به ، أى فمع أنه شفاء لعموم الناس إلا إن المنتفعين بهذا الشفاء هم المؤمنون وحدهم ، إذ يكون القرآن الكريم لهم هدى للصدور ورحمة يوم القيامة . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس 57 )
2 ـ بل أكثر من ذلك ، فبعض الذى يرفض الشفاء القرآنى يحاول التلاعب بآياته فيزداد بهذا التلاعب مرضا على مرض ، وخسارا على خسار ، وبالتالى يكون القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين به ، وفى نفس الوقت يكون خسارا على الذين يحرفون معانيه ويلحدون فى آياته ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )( الاسراء 82 )
أى إن القرآن شفاء للمؤمنين وعمى على من لا يؤمن به . هذا وهذا يقرؤه ، ولكن هذا يزداد به إيمانا وذاك يزداد به عمى وضلالا : يقول جل وعلا : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) (فصلت 44 ).
ودائما : صدق الله العظيم .. جل وعلا..
( ج 20 ):
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )
موضوعات مختلفة
تحت عنوان :
( ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة )
قال المصنف: كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عن الناس اشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عن جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق وإنما هي عزلة عن الشر وأهله ومخالطة البطالين .
وقد لبس إبليس على جماعة من المتصوفة فمنهم من أعتزل في جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده ففاتته الجمعة وصلاة الجماعة ومخالطة أهل العلم . وعمومهم اعتزل في الأربطة ففاتهم السعي إلى المساجد وتوطنوا على فراش الراحة وتركوا الكسب .
وقد قال أبو حامد الغزالي في كتاب الأحياء : " مقصودة الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوة في مكان مظلم. وقال فان لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو أزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية ".
قال المصنف رحمه الله قلت : أنظر إلى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ؟ ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق ؟ وأن الذي يشاهده جلال الربوبية ؟ وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة ؟ وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل في المطعم فإنه يغلب عليه الماليخوليا . وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس ، إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء ، لأن في الدماغ ثلاث قوى قوة يكون بها التخيل وقوة يكون بها الفكرة وقوة يكون بها الذكر وموضع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ ، وموضع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ ، وموضع الحفظ الموضع المؤخر . فإن أطرق الإنسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها ما ذكر من حضرة جلال الربوبية إلى غير ذلك . نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة .
أخبرنا .. قال كان أبو عبيد التستري إذا كان أول يوم من شهر رمضان يدخل البيت ويقول لامرأته طيني باب البيت وألق إلي كل ليلة من الكوة رغيفا فإذا كان يوم العيد دخلت فوجدت ثلاثين رغيفا في الزاوية ولا أكل ولا شرب ولا يتهيأ لصلاة ويبقى على طهر واحد إلى آخر الشهر .
قال المصنف رحمه الله هذه الحكاية عندي بعيدة عن الصحة من وجهين : أحدها بقاء الآدمي شهرا لا يحدث بنوم ولا بول ولا غائط ولا ريح . والثاني ترك المسلم صلاة الجمعة والجماعة وهي واجبة لا يحل تركها فإن صحت هذه الحكاية فما أبقى إبليس لهذا في التلبيس بقية.
النهي عن الإنفراد :
وقد جاء النهي عن الإنفراد الموجب للبعد عن العلم والجهاد للعدو أخبرنا .. قال : " خرجنا مع رسول الله في سرية من سراياه قال فمر رجل بغار فيه شيء من ماء قال فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه وفيه شيء من ماء ويصيب ما حوله من البقل ويتخلى عن الدنيا ثم قال لو أني أتيت نبي الله فذكرت ذلك له فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل فأتاه فقال
: يا نبي الله اني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى عن الدنيا قال فقال نبي الله اني لن أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة ."
التعليق :
كعادته تجاهل الرد بالقرآن الكريم الذى يكفر به . الآيات القرآنية تخاطب في تشريعاتها المؤمنين مجموعة متماسكة ، لا يعتزل فيها فريق عن البقية ، ويجعل إعتزاله دينا . نكتفى بقوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)آل عمران ). قوله جل وعلا ( ولتكن منكم ) ( من ) هنا ليست تبعيضية ، بل بيانية ، تتحدث عن الجميع طبقا للسياق في الآيات ، ويؤكد ذلك التواصى بالحق وبالصبر في سورة العصر : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)).
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في التخشع ومطأطأة الرأس وإقامة الناموس
قال المصنف رحمه الله :
إذا سكن الخوف القلب أوجب خشوع الظاهر ولا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كانوا يجتهدون في ستر ما يظهر منهم من ذلك وكان محمد بن سيرين يضحك بالنهار ويبكي بالليل ولسنا نأمر العالم بالانبساط بين العوام فإن ذلك يؤذيهم .. وإنما المذموم تكلف التخشع والتباكي ومطأطأة الرأس ليرى الإنسان بعين الزهد والتهيؤ للمصافحة وتقبيل اليد قال المصنف رحمه الله
قلت وقد كان السلف يسترون أحوالهم ويتصنعون بترك التصنع .
التعليق
الأساس هنا أن الأديان الأرضية مؤسّسة على الشقاق والخلاف والتفرّق ، ومع ذلك يجمعها أن كلها تدين سطحى وإحتراف دينى ، وتسابق في الشهرة والرياء .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح
قال المصنف النكاح مع خوف العنت واجب ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء ومذهب أبي حنيفة واحمد ابن حنبل انه حينئذ أفضل من جميع النوافل لأنه سبب في وجود الولد قال عليه الصلاة والسلام تناكحوا تناسلوا وقال رسول الله " النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني " أخبرنا ... عن أنس بن مالك أن نفرا من أصحاب رسول الله سألوا أزواج النبي عليه السلام عن عمله في السر فأخبروهم فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام الليل على فراش وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فحمد الله النبي عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه ثم قال ما بال أقوم قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ." قال ابن سعد .. قال ابن عباس رضي الله عنه إن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء . قال ابن سعد .. قال شداد بن أوس زوجوني فإن رسول الله أوصاني أن لا ألقى الله عزبا . وأخبرنا .. قال دخل على رسول الله رجل يقال له عكاف بن بشر التميمي الهلالي فقال له النبي :" يا عكاف هل لك من زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت موسر بخير قال وأنا موسر قال أنت إذا من إخوان الشياطين لو كنت من النصارى لكنت من رهبانهم إن سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم فما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من ترك النساء ." أخبرنا .. عن أبي هريرة قال لعن رسول الله مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال والمتبتلين من الرجال الذين يقولون لا نتزوج والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك . أخبرنا .. احمد بن حنبل يقول ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء النبي عليه الصلاة والسلام تزوج أربع عشرة امرأة ومات عن تسع
نقد مسالك الصوفية في تركهم النكاح :
وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله عز وجل وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أو بهم نوع تشوق اليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم وان لم يكن بهم حاجة اليه فأتتهم الفضيلة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله Aأنه قال وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ثم قال أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير.
ومنهم من قال النكاح يوجب النفقة والكسب صعب وهذه حجة للترفه عن تعب الكسب . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي انه قال دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار أنفقته في الصدقة ودينار أنفقته على عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته على عيالك .
ومنهم من قال النكاح يوجب الميل إلى الدنيا .. قال المصنف رحمه الله قلت وهذا كله مخالف للشرع .. وكيف لا يتزوج وصاحب الشرع يقول تناكحوا تناسلوا فما أرى هذه الأوضاع الا على خلاف الشرع فأما جماعة من متأخري الصوفية فانهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي اذا لم تكن له زوجة فيقولون ما عرف امرأة قط فهذه رهبانية تخالف شرعنا .. واعلم انه اذا دام ترك النكاح على شبان الصوفية أخرجهم إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول المرض بحبس الماء فان المرء إذا طال احتقانه تصاعد إلى الدماغ منه منيه قال أبو بكر محمد بن زكريا الرازي أعرف قوما كانوا كثيري المنى فلما منعوا أنفسهم من الجماع لضرب من التفلسف بردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم الكآبة بلا سبب وعرضت لهم أعراض الماليخوليا وقلت شهواتهم وهضمهم قال ورأيت رجلا ترك الجماع ففقد شهوة الطعام وصار أن أكل القليل لم يستمره وتقايأه فلما عاد إلى عادته من الجماع سكنت عنه هذه الأعراض سريعا .
النوع الثاني : الفرار إلى المتروك فان منهم خلقا كثيرا صابروا على ترك الجماع فاجتمع الماء فأقلقوا ..فلامسوا النساء ولابسوا من الدنيا أضعاف ما فروا منه فكانوا كمن أطال الجوع ثم أكل ما ترك في زمن الصبر .
النوع الثالث : الإنحراف إلى صحبة الصبيان فان قوما منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم ما اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إلى صحبة المرد .
فصل وقد لبس على قوم منهم تزوجوا وقالوا انا لا ننكح شهوة فان أرادوا أن الأغلب في طلب النكاح إرادة السنة جاز وان زعموا انه لا شهوة لهم في نفس النكاح فمحال ظاهر .
فصل :
وقد حمل الجهل أقواما فجبّوا أنفسهم ( أي قطعوا عضوهم الذكرى )وزعموا انهم فعلوا ذلك حياء من الله تعالى وهذه غاية الحماقة لأن الله تعالى شرف الذكر على الأنثى بهذه الآلة وخلفها لتكون سببا للتناسل . والذي يجُبُّ نفسه يقول بلسان الحال الصواب ضد هذا.
ثم قطعهم الآلة لا تزيل شهوة النكاح من النفس فما حصل لهم مقصودهم
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك طلب الأولاد
أخبرنا.. قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول الذي يريد الولد أحمق لا للدنيا ولا للآخرة ان أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه وان أراد أن يتعبد شغله .
قال المصنف رحمه الله قلت وهذا غلط عظيم وبيانه انه لما كان مراد الله تعالى من إيجاد الدنيا إتصال دوامها إلى ان ينقضي أجلها وكان الآدمي غير ممتد البقاء فيها إلا إلى أمد يسير أخلف الله تعالى منه مثله فحثه على سببه في ذلك تارة من حيث الطبع بايقاد نار الشهوة وتارة من باب الشرع .
التعليق
بغض النظر عن الكثير من ثرثرته ـ وحذفنا منها الكثير ـ فإن إبن الجوزى يعطى حقائق تاريخية عن صوفية عصره ـ مسكوتا عنها .

( ج 21 )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ملاحظة
وصلت ثرثرة إبن الجوزى في هذا الموضوع حوالى 6770 كلمة . نختصرها رفقا بالقارىء
قال :
( ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الأسفار والسياحة
قد لبس إبليس على خلق كثير منهم فأخرجهم إلى السياحة لا إلى مكان معروف ولا إلى طلب علم وأكثرهم يخرج على الوحدة ولا يستصحب زادا ويدعي بذلك الفعل التوكل فكم تفوته من فضيلة وفريضة وهو يرى أنه في ذلك على طاعة وأنه يقرب بذلك من الولاية وهو من العصاة المخالفين لسنة رسول الله . وأما السياحة والخروج لا إلى مكان مقصود فقد نهى رسول الله عن السعي في الأرض في غير أرب حاجة. أخبرنا .. أن رسول الله قال : " لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام . " وروى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله إئذن لي في السياحة فقال النبي : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله .
قال المصنف رحمه الله :..وقد ذكرنا فيما تقدم من حديث ابن مظعون إنه قال يا رسول الله إن نفسي تحدثني بأن أسيح في الأرض فقال النبي له : " مهلا يا عثمان فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة . "
نقد مالك الصوفية في السياحة : وأما الخروج على الوحدة، فقد نهى رسول الله أن يسافر الرجل وحده فأخبرنا .. أن النبي قال : " الراكب شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب ". أخبرنا .. عن أبي هريرة قال : لعن رسول الله راكب الفلاة وحده .
المشي في الليل :
وقد يمشون بالليل أيضا على الوحدة ، وقد نهى النبي عن ذلك . وأخبرنا .. قال النبي : " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل أبدا. " قال .. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله : أقلو الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله تعالى يبث في خلقه ما شاء ."
قال المصنف رحمه الله:
وفيهم من جعل دأبة السفر. والسفر لا يراد لنفسه. قال النبي " السفر قطعة من العذاب فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله . "
التعليق
كانت السياحة وسيلة للتواصل بين أوائل الصوفية ، ثم جعلوها دينا يتميزون به .
وصف السائحين والسائحات يأتي قرآنيا مرادفا للعبادة والتفاعل بالخير في المجتمع والتقوى . نفهم هذا من قول ربنا جل وعلا :
1 ـ ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(112) التوبة )
2 ـ ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا(5)التحريم ).
هذا مخالف للسياحة في الدين الصوفى . وإبن الجوزى وافقهم على هذا المصطلح ، وردّ عليهم ليس بما قلنا قرآنيا ، ولكن بأحاديث مصنوعة . أي هي مبارزة بالأحاديث .
ومن الطبيعى أن تتلوّن هذه الشريعة الصوفية ( السياحة ) بما زعموه بالتوكل . وهذا ما ذكره ابن الجوزى في الموضوع التالى ، وأجهد نفسه بذكر أقاصيصهم والرد عليها .
يقول :
ذكر تلبيسه عليهم في دخول الفلاة ( الصحراء )بغير زاد
قال المصنف رحمه الله :
قد لبس على خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد . وقد بينا فساد هذا فيما تقدم ، إلا أنه قد شاع هذا في جهلة القوم . وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم على سبيل المدح لهم به ، فيتضمن ذلك تحريض الناس على مثل ذلك وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء لهؤلاء ، ففسدت الأحوال وخفيت على العوام طرق الصواب.
والاخبار عنهم بذلك كثيرة ، وأنا أذكر منها نبذة :
أنبأنا .. .. قال : " خرجت حاجا فلما توسطت البادية إذا أنا بغلام صغير فقلت يا عجبا بادية بيداء وأرض قفراء وغلام صغير. فأسرعت فلحقته فسلمت عليه ثم قلت يا بني إنك غلام صغير لم تجر عليك الأحكام . قال يا عم قد مات من كان أصغر سنا مني . فقلت وسع خطاك فإن الطرق بعيد حتى تلحق المنزل. فقال يا عم علي المشي وعلى الله البلاغ ، أما قرأت قوله تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . فقلت له مالي لا أرى معك لا زادا ولا راحلة؟ فقال يا عم زادي يقيني وراحلتي رجائي . قلت سألتك عن الخبزوالماء قال يا عم أخبرني لو أن أخا من إخوانك أو صديقا من أصدقائك دعاك إلى منزله أكنت تستحسن أن تحمل معك طعاما فتأكله في منزله فقلت أزودك فقال اليك عني يا بطّال ( أي يا باطل ) هو يطعمنا ويسقينا . قال فتح : فما رأيت صغيرا أشد توكلا منه ولا رأيت كبيرا أشد زهدا منه ...
أخبرنا .. سمعت أبا عبد الله بن خفيف قال خرجت من شيراز في السفرة الثالثة فتهت في البادية وحدي وأصابني من الجوع والعطش ما أسقط من أسناني ثمانية وانتثر شعري كله .
أخبرنا .. أبو حمزة الصوفي قال اني لا أستحي من الله أن أدخل البادية وأنا شعبان وقد اعتقدت التوكل لئلا يكون شبعي زادا تزودته . ..
سياق ما جرى للصوفية في أسفارهم وسياحاتهم من الأفعال المخالفة للشرع :
أخبرنا .. قال سمعت أبا حمزة يقول سافرت سفرة على التوكل فبينما أنا أسير ذات ليلة والنوم في عيني إذ وقعت في بئر فرأيتني قد حصلت فيها فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها فجلست فيها فبينما أنا جالس إذ وقف على رأس البئر رجلان فقال أحدهما لصاحبه نجوز ونترك هذه البئر في طريق المسلمين السابلة والمارة فقال الآخر فما نصنع قال فبدرت نفسي أن أناديهما فنوديت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إلى سوانا فسكت فمضيا ثم رجعا ومعهما شيء فجعلاه على رأسها غطوها به فقالت لي نفسي أمنت طمها ولكن حصلت فيها مسجونا # فمكثت يومي وليلتي فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه تمسك بي شديدا فمددت يدي فوقعت على شيء خشن فتمسكت به فعلاها وطرحني فوق الأرض فاذا هو سبع فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق من مثله فهتف بي هاتف وهو يقول يا أبا حمزة استنقذناك من البلاء بالبلاء وكفيناك ما تخاف بما تخاف..
وقد أخبرنا .. سمعت مؤملا المغابي يقول كنت أصحب محمد بن السمين فسافرت معه ما بين تكريت والموصل فبينا نحن في برية نسير إذ زأر السبع من قريب منا فجزعت وتغيرت وظهر ذلك على وجهي وهممت أن أبادر فأفر فضبطني وقال يا مؤمل التوكل ههنا ليس في المسجد الجامع .. أخبرنا .. قال خرجنا في سياحة فنمنا في موضع فيه سباع فلما نظر إلي رآني لم أنم طردني وقال لا تصحبني بعد هذا اليوم .
أخبرنا .. سمعت حسنا أخا سنان يقول كنت أسلك طريق مكة فتدخل في رجلي الشوكة فيمنعني ما أعتقده من التوكل أن أخرجها من رجلي فأدلك رجلي على الأرض وامشي . أخبرنا .. قال ..: حج الدينوري اثنتي عشرة حجة حافيا مكشوف الرأس وكان إذا دخل في رجله شوك يمسح رجله في الأرض ويمشي ولا يتطاطىء إلى الأرض من صحة توكله
أخبرنا ..قال : خرجت في وسط السنة إلى مكة وأنا حدث السن في وسطي نصف جل وعلى كتفي نصف جل فرمدت عيني في الطريق وكنت أمسح دموعي بالجل فأقرح الجل الموضع فكان يخرج الدم مع الدموع فمن شدة الإرادة وقوة سروري بحالي لم أفرق بين الدموع والدم وذهبت عيني في تلك الحجة ،وكانت الشمس اذا أثرت في بدني قبلت يدي ووضعتها على عيني سرورا مني بالبلاء ...
وقد روي لنا في ذهاب عين هذا الرجل ما هو أظرف مما ذكرنا ، فأخبرنا .. عن أبي بكر الدقاق قال استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بها اليها .. وقد روي عن بعض عابدات الصوفية مثل هذا ...أخبرنا .. قال أخبرتني شعوانة انه كان في جيرانها امرأة صالحة فخرجت ذات يوم إلى السوق فرآها بعض الناس فافتتن بها وتبعها الى باب دارها فقالت له المرأة أي شيء تريد مني قال فتنت بك فقالت ما الذي استحسنت مني قال : عيناك فدخلت إلى دارها فقلعت عينيها وخرجت إلى خلف الباب ورمت بها اليه وقالت له خذهما فلا بارك الله فيك ...
أخبرنا .. سمعت أبا سعيد الخراز يقول دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعد فسررت بوصولي ثم فكرت في نفسي أني شكيت وأني توكلت على غيره فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن حملت اليها فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري فسمعت صوتا في نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله وليا حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى المرحلة .
أخبرنا .. قال لي جعفر الخلدي : وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون على المذهب فقلت لأبي إسحق وأي شيء أراد بقوله على المذهب فقال يصعد إلى قنطرة الناشرية فينفض كمية حتى يعلم أنه ليس معه زاد ولا ماء ويلبى ويسير ..
وأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر قال أخبرني أبي عن بعض الصوفية أنه قدم عليه من مكة جماعة من المتصوفة فقال لهم من صحبتم فقالوا حاج اليمن فقال أوه التصوف قد صار إلى هذا أو التوكل قد ذهب انتم ما جئتم على الطريقة والتصوف وإنما جئتم من مائدة اليمن إلى مائدة الحرم ثم قال وحق الأحباب والفتيان لقد كنا اربعة نفر مصطحبين في هذا الطريق نخرج إلى زيارة قبر النبي على التجريد ونتعاهد بيننا أن لا نلتفت إلى مخلوق ولا نستند إلى معلوم فجئنا إلى النبي ومكثنا ثلاثة أيام لم يفتح لنا بشيء فخرجنا حتى بلغنا الجحفة ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب فبعثوا إلينا بسويق فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض ويقول لو كنا من أهل هذا الشأن لم يفتح لنا بشيء حتى ندخل الحرم فشربناه على الماء وكان طعامنا حتى دخلنا مكة . ..
اخبرنا ..قال : بلغني أن أبا شعيب المقفع وكان قد حج سبعين حجة راجلا أحرم في كل حجة بعمرة وحجة من عند صخرة بيت المقدس ودخل بادية تبوك على التوكل فلما كان في حجته الأخيرة رأى كلبا في البادية يلهث عطشا فقال من يشتري حجة بشربة ماء قال فدفع إليه إنسان شربة ماء فسقى الكلب ثم قال هذا خير لي من حجي لأن النبي قال في كل ذات كبد حراء أجر. اخبرنا .. قال سمعت الوجهي يقول سمعت أبا علي الروزباري يقول كان في البادية جماعة ومعنا أبو الحسين العطوفي فربما كانت تلحقنا القافلة ويظلم علينا الطريق وكان أبو الحسين يصعد تلا فيصبح صياح الذئب حتى تسمع كلاب الحي فينبحون فيمر على بيوتهم ويحمل إلينا من عندهم معونة . قلت وإنما ذكرت مثل هذه الأشياء ليتنزه العاقل في مبلغ علم هؤلاء وفهمهم للتوكل وغيره ويرى مخالفتهم لأوامر الشرع وليت شعري كيف يصنع من يخرج منهم ولا شيء معه بالوضوء والصلاة وإن تخرق ثوبه ولا إبرة معه فكيف يفعل وقد كان بعض مشايخهم يأمر المسافر بأخذ العدة قبل السفر . فأخبرنا .. كان إبراهيم الخواص مجردا في التوكل يدقق فيه وكان لا تفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض فقيل له يا أبا إسحاق لم تجمع هذا وأنت من كل شيء فقال مثل هذا لا ينقض التوكل لأن الله تعالى فرض علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد فربما يتخرق ثوبه وإن لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلواته وإن لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته . )
التعليق
1 ـ هذه أكاذيب مُضحكة في دين التصوف المبنى على الكذب والإفتراء . وهو لا يختلف في أكاذيبه عن دين السنة الذى يؤمن به إبن الجوزى . لذا نراه يضع لهذه الأكاذيب إسنادا ، ( حدثنى فلان عن فلان ،، أخبرنا فلان عن قال ، ويتردد قوله ( بلغنى ) وليس مهما من أبلغه . فالأتباع يسمعون ويصدقون بلا ذرة عقل .
2 ـ ومع إن أبن الجوزى يحكى عن عصره فإن ما قاله عن الصوفية لا يزال ساريا في مجتمعات التصوف في عصرنا ، فالشيطان لم ولن يقدم إستقالته . ويوم القيامة سيقول جل وعلا : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(64)يس ).
ودائما : صدق الله العظيم


( ج 22 ) :
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ننقل باختصار كالعادة :
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا اقدموا من السفر
قال المصنف رحمه الله من مذهب القوم أن المسافر إذا قدم فدخل الرباط وفيه جماعة لم يسلم عليهم حتى يدخل الميضة ، فإذا توضأ جاء وصلى ركعتين ثم سلم على الشيخ ، ثم سلم على الجماعة . وهذا ما أبتدعه متأخرهم على خلاف الشريعة ,,
ومن مذهب القوم تغميز القادم من السفر مساء . أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد عن أبيه قال : باب السنة في تغميزهم القادم من السفر أول ليلة لتعبه واحتج بحديث عمر رضي الله عنه دخلت على النبي وغلام له حبشي يغمز ظهره فقلت ما شأنك يا رسول الله قال إن الناقة قدر اقتحمتني .
ومن مذهبهم عمل دعوة للقادم قال ابن طاهر باب اتخاذهم العتيرة للقادم .
التعليق :
1 ـ إبن الجوزى يذكر حقائق تاريخية عن صوفية عصره ، وقد جعلوها دينا يتميزون به عن غيرهم ، وإخترعوا لها أحاديث ، وهو يرد عليهم كالعادة بأحاديث مضادة .
2 ـ هذا ( التغميز ) وثيق الصلة بالشذوذ الجنسى الذى جعلوه دينا . وهو من مقدماته .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية اذا مات لهم ميت :
له في ذلك تلبيسان:
الأول: أنهم يقولون لا يبكي على هالك ومن بكى على هالك خرج عن طريق أهل المعارف .
.. الثاني : انهم يعملون عند موت الميت دعوة ويسمونها عرسا ويغنون فيها ويرقصون ويلعبون ويقولون نفرح للميت إذ وصل إلى ربه .
التعليق
لا يبكون على من مات ، بل يرقصون ويغنون .. أي إتخذوا دينهم لهوا ولعبا .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك التشاغل بالعلم :
قال المصنف رحمه الله :
اعلم أن أول تلبيس إبليس على الناس صدهم عن العلم لأن العلم نور فاذا أطفا مصابيحهم خبطهم في الظلم كيف شاء وقد دخل على الصوفية في هذا الفن من أبواب :
أحدها : انه منع جمهورهم من العلم أصلا وأراهم أنه يحتاج إلى تعب وكلف فحسن عندهم الراحة فلبسوا المراقع وجلسوا على بساط البطالة ...ومن الصوفية من ذم العلماء ورأى ان الاشتغال بالعلم بطالة، وقالوا ان علومنا بلا واسطة وإنما رأوا بعد الطريق في طلب العلم فقصروا الثياب ورقعوا الجباب وحملوا الركاء وأظهروا الزهد .
والثاني: انه قنع قوم منهم باليسير منه ففاتهم الفضل الكثير في كثرته فاقتنعوا بأطراف الاحاديث وأوهمهم ان علو الإسناد والجلوس للحديث كله رياسة ودنيا، وان للنفس في ذلك لذة .
والثالث : انه أوهم قوما منهم ان المقصود العمل وما فهموا أن التشاغل بالعلم من أوفى الأعمال .
والرابع : أنه أرى خلقا كثيرا منهم أن العالم ما اكتسب من البواطن حتى ان أحدهم يتخايل له وسوسة فيقول حدثني قلبي عن ربي . وكان الشبلي يقول :
اذا طالبوني بعلم الورق برزت عليهم بعلم الخرق
وقد سموا علم الشريعة علم الظاهر وسموا هواجس النفوس العلم الباطن ، واحتجوا له بما أخبرنا به.. عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي انه قال : " علم الباطن سر من سر الله عز وجل وحكم من أحكام الله تعالى يقذفه الله عز وجل في قلوب من يشاء من أوليائه ." قال المصنف رحمه الله قلت : وهذا حديث لا أصل له عن النبي . .. أنبأنا ..: سمعت إبراهيم سبتية يقول حضرت مجلس أبي يزيد والناس يقولون فلان لقي فلانا وأخذ من علمه وكتب منه الكثير وفلان لقي فلانا ، فقال أبو يزيد: " مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت ."
أنبأنا ...قال : من الصوفية من رأى الإشتغال بالعلم بطالة، وقالوا نحن علومنا بلا واسطة " . وقال أبو حامد الطوسي ( الغزالى ): " اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الالهيه دون التعليمية ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والاقبال على الله تعالى بكنه الهمة وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم ويخلو نفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل في نفسه ولا يكتب حديثا ولا غيره ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ " قال المصنف رحمه الله : قلت عزيز علي أن يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه إنه على الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم.
وقد فرق كثير من الصوفية بين الشريعة والحقيقة وهذا جهل من قائله لأن الشريعة كلها حقائق ...
ذكر تلبيس إبليس على جماعة من القوم في دفنهم كتب العلم وإلقائها في الماء
قال المصنف رحمه الله قد كان جماعة منهم تشاغلوا بكتابة العلم ثم لبس عليهم إبليس وقال ما المقصود إلا العمل ودفنوا كتبهم فقد روى أن أحمد بن أبي الحواري رمى كتبه في البحر.. ولقد طلب احمد بن أبي الحواري الحديث ثلاثين سنة فلما بلغ منه الغاية حمل كتبه إلى البحر فغرقها .. أخبرنا .. سمعت الشبلي يقول : " أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ وقرأ بكذا وكذا رواية يعني بذلك نفسه .
فصل:
قال المصنف رحمه الله: ولا تخلو هذه الكتب التي دفنوها أن يكون فيها حق أو باطل أو قد اختلط الحق بالباطل فان كان فيها باطل فلا لوم على من دفنها وان كان قد اختلط الحق بالباطل ولم يمكن تمييزه كان عذرا في إتلافها فان أقواما كتبوا عن ثقات وعن كذابين واختلط الأمر عليهم فدفنوا كتبهم . وعلى هذا يحمل ما يروى عن دفن الكتب عن سفيان الثوري وان كان فيها الحق والشرع فلا يحل إتلافها بوجه لكونها ضابطة العلم وأموالا وليسأل من يقصد إتلافها عن مقصوده فإن قال تشغلني عن العبادة قيل له جوابك من ثلاثة أوجه أحدها أنك لو فهمت لعلمت أن التشاغل بالعلم أو في العبادات والثاني أن اليقظة التي وقعت لك لا تدوم فكأني بك وقد ندمت على ما فعلت بعد الفوات واعلم أن القلوب لا تبقى على صفائها بل تصدأ فتحتاج إلى جلاء وجلاءها النظر في كتب العلم ، وقد كان يوسف بن أسباط دفن كتبه ثم لم يصبر على التحديث فحدث من حفظه فخلط والثالث أننا نقدر تمام يقظتك ودوامها والغنى عن هذه الكتب فهلا وهبتها لمبتدىء من الطلاب ممن لم يصل إلى مقامك أو وقفتها على المنتفعين بها أو بعتها وتصدقت بثمنها أما أتلافها فلا يحل بحال . وقد روى المرزوي عن احمد بن حنبل انه سئل عن رجل أوصى أن تدفن كتبه فقال ما يعجبني أن يدفن العلم . وأنبأنا .. يقول سمعت احمد بن حنبل يقول لا أعرف لدفن الكتب معنى " .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في إنكارهم من تشاغل بالعلم
قال المصنف رحمه الله :
لما انقسم هؤلاء بين متكاسل عن طلب العلم وبين ظان أن العلم هو ما يقع في النفوس من ثمرات التعبد وسموا ذلك العلم العلم الباطن نهوا عن التشاغل بالعلم الظاهر . أخبرنا .. " سمعت جعفر الخلدي يقول لو تركني الصوفية لجئتكم باسناد الدنيا ، لقد مضيت الى عباس الدوري وأنا حدث فكتبت عنه مجلسا واحدا وخرجت من عنده فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية فقال إيش هذا معك فأريته إياه فقال ويحك تدع علم الخرق وتأخذ علم الورق ثم خرق الأوراق فدخل كلامه في قلبي فلم أعد إلى عباس "
قال المصنف رحمه الله
وبلغني عن أبي سعيد الكندي قال : " كنت أنزل رباط الصوفية وأطلب الحديث في خفية بحيث لا يعلمون فسقطت الدواة يوما من كمي فقال لي بعض الصوفية أستر عورتك " أخبرنا .. قال كان بيدي محبرة فقال لي الشبلي : "غيّب سوادك عني يكفيني سواد قلبي".. أخبرنا .. يقول وقفت ببغداد على حلقة الشبلي فنظر إلي ومعي محبرة فأنشأ يقول :
تسربلت للحرب ثوب الغرق وجبت البلاد لوجد القلق
# ففيك هتكت قناع الغوى وعنك نطقت لدى من نطق
اذا خاطبوني بعلم الورق برزت عليهم بعلم الخرق
قال المصنف رحمه الله قلت :
من أكبر المعاندة لله عز وجل الصد عن سبيل الله وأوضح سبيل الله العلم لأنه دليل على الله وبيان لأحكام الله وشرعه وإيضاح لما يحبه ويكرهه فالمنع منه معاداة لله ولشرعه ولكن الناهين عن ذلك ما تفطنوا لما فعلوا . أخبرنا ابن حبيب .. " سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول اشتغلوا بتعلم العلم ولا يغرنكم كلام الصوفية فاني كنت أخبىء محبرتي في جيب مرقعتي والكاغد في حزة سراويلي وكنت أذهب خفية إلى أهل العلم فاذا علموا بي خاصموني وقالوا لا تفلح ثم احتاجوا إلي بعد ذلك." وقد كان الإمام احمد بن حنبل يرى المحابر بأيدي طلبة العلم فيقول هذه سرج الإسلام، وكان هو يحمل المحبرة على كبر سنه فقال له رجل الى متى با أبا عبد الله فقال المحبرة إلى المقبرة . وقال في قوله عليه الصلاة والسلام لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة فقال احمد " ان لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم "وقال أيضا ان لم يكن أصحاب الحديث الابدال فمن يكون . وقيل له أن رجلا قال في أصحاب الحديث انهم كانوا قوم سوء فقال احمد هو زنديق . وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله :" اذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب رسول الله " وقال يوسف بن أسباط : " بطلبة الحديث يدفع الله البلاء عن أهل الأرض . " أخبرنا .. قال : " رأيت كأن القيامة قد قامت والخلق مجتمعون اذا نادى مناد الصلاة جامعة فاصطف الناس صفوفا فأتاني ملك فتأملته فاذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله فقلت أين النبي فقال مشغول بنصب الموائد لاخوانه الصوفية " فقلت: وأنا من الصوفية فقيل نعم ولكن شغلك كثرة الحديث .
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في كلامهم في العلم :
قال المصنف رحمه الله اعلم أن هؤلاء القوم لما تركوا العلم وانفردوا بالرياضيات على مقتضى آرائهم لم يصبروا عن الكلام في العلوم فتكلموا بواقعاتهم فوقعت الأغاليط القبيحة منهم فتارة يتكلمون في تفسير القرآن وتارة في الحديث وتارة في الفقه وغير ذلك ويسوقون العلوم إلى مقتضى علمهم الذي انفردوا به والله سبحانه لا يخلي الزمان من أقوام قوام بشرعه يردون على المتخرصين ويبينون غلط الغالطين.
تعليق عام :
1 ـ كانت ـ ولا تزال ـ هناك خصومة بين نوعين من الإفتراءات الشيطانية : إفتراءات السنيين ( والشيعة ) وإفتراءات الصوفية . تقوم إفتراءات السنيين والشيعة على الإسناد والعنعنعة ( حدثنا فلان عن فلان ، أخبرنا فلان عن فلان ) أن الرسول قال ( في الحديث النبوى فيما يزعمون ) أو أن الله قال ( في الحديث القدسى ) كما يفترون . ثم إنفرد الصوفية بالتخفّف من هذا العناء ، وإفتروا الوحى الالهى مباشرة بلا واسطة.وهذا هو ( العلم اللدنى ).
والآيات كثيرة في أنهم أظلم الناس لرب الناس جل وعلا ، نكتفى مما جاء في سورة الأنعام . يقول رب العزة جل وعلا :
1 / 1 : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(21).
1 / 2 : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ(93)،
1 / 3 : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(144).
2 ـ بجاحتهم في الكفر وصلت للقاع . نستشهد بالآتى :
2 / 1 : وقال يوسف بن أسباط : " بطلبة الحديث يدفع الله البلاء عن أهل الأرض . " يذكر إبن الجوزى هذا الكفر فخورا به . مع أن معناه أن الله جل وعلا الذى بيده ملكوت كل شيء لا يستطيع دفع البلاء عن سكان الكرة الأرضية إلا بتلاميذ الحديث السنى . أي لولاهم لأضاعهم البلاء .!
2 / 2 : ثم هذا الإفتراء الصوفى : أخبرنا .. قال : " رأيت كأن القيامة قد قامت والخلق مجتمعون اذا نادى مناد الصلاة جامعة فاصطف الناس صفوفا فأتاني ملك فتأملته فاذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله فقلت أين النبي فقال مشغول بنصب الموائد لاخوانه الصوفية " فقلت: وأنا من الصوفية فقيل نعم ولكن شغلك كثرة الحديث .). جعلوا النبى محمدا جرسونا خادما يجهّز المآدب للصوفية .
ألا يستحقون البصق عليهم جميعا ؟
( ج 23 )
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
( ذكر نبذة من كلامهم في القرآن
أخبرنا .. قال حضرت شيخنا الجنيد وقد سأله كيسان عن قوله عز وجل : ( سنقرئك فلا تنسى) ، فقال الجنيد: لا تنسى العمل به ، وسأله عن قوله تعالى : ( ودرسوا ما فيه ) ، فقال له الجنيد : تركوا العمل به. فقال لا يفضض الله فاك .
قلت : أما قوله لا تنس العمل به فتفسير لا وجه له، والغلط فيه ظاهر، لأنه فسره على أنه نهي، وليس كذلك إنما هو خبر لا نهي . وتقديره فما تنس إذ لو كان نهيا كان مجزوما فتفسيره على خلاف إجماع العلماء، وكذلك قوله : ( ودرسوا ما فيه ) ، إنما هو من الدرس الذي هو التلاوة من قوله عز وجل : ( وبما كنتم تدرسون ) لا من دروس الشيء الذي هو اهلاكه .
أخبرنا .. يقول : حضرت أبا بكر الشبلي وسئل عن قوله عز وجل ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) فقال : لمن كان لله قلبه . وأخبرنا .. سمعت أبا العباس بن عطاء وقد سئل عن قوله ( فنجيناك من الغم ) قال : نجيناك من الغم بقومك وفتناك بنا عن من سوانا .
قال المصنف رحمه الله : وهذه جرأة عظيمة على كتاب الله عز وجل ونسبة الكليم إلى الأفتتان بمحبة الله سبحانه وجعل محبته تفتن غاية في القباحة . أخبرنا ...سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في قوله عز وجل ( وأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ) فقال الروح النظر إلى وجه الله عز وجل والريحان الاستماع لكلامه وجنة نعيم هو أن لا يحجب فيها عن الله عز وجل.
قلت هذا كلام بالواقع على خلاف أقوال المفسرين .
وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم الذي أكثره هذيان لا يحل نحو مجلدين سماها حقائق التفسير، فقال في فاتحة الكتاب عنهم انهم قالوا إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فاتحناك به من خطابنا فإن تأدبت بذلك وإلا حرمت لطائف ما بعد .
قال المصنف رحمه الله وهذا قبيح لأنه لا يختلف المفسرون أن الفاتحة ليست من أول ما نزل . وقال في قول الإنسان آمين أى قاصدون نحوك . قال المصنف رحمه الله وهذا قبيح لأنه ليس من أم لأنه لو كان كذلك لكانت الميم مشددة . وقال في قوله :( وان يأتوكم أسارى ) قال قال أبو عثمان غرقى في الذنوب. وقال الواسطي غرقى في رؤية أفعالهم ، وقال الجنيد أسارى في أسباب الدنيا . ( تفدوهم ) إلى قطع العلائق .
قلت وإنما الآية على وجه الإنكار ومعناها إذا أسرتموهم فديتموهم وإذا حاربتموهم قتلتموهم وهؤلاء قد فسروها على ما يوجب المدح . وقال محمد بن علي : ( يحب التوابين ) من توبتهم وقال النووي : ( يقبض ويبسط ) أي يقبضك باياه ويبسطك لاياه . وقال في قوله: ( ومن دخله كان آمنا ) أي من هواجس نفسه ووساوس الشيطان . وهذا غاية في القبح لأن لفظ الآية لفظ الخبر ومعناه الأمر وتقديرها من دخل الحرم فأمنوه ، وهؤلاء قد فسروها على الخبر ثم لا يصح لهم لأنه كم من داخل إلى الحرم ما أمن من الهواجس ولا الوساوس . وذكر في قوله : ( ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) قال أبو تراب هي الدعاوي الفاسدة . ( والجار ذي القربى ) قال سهل هو القلب ( والجار الجنب ) النفس ( وابن السبيل ) الجوارح . وقال في قوله : ( وهمّ بها ) قال أبو بكر الوراق : الهم لها ، ويوسف ما همّ بها . قلت هذا خلاف لصريح القرآن . وقوله ( ما هذا بشرا ) قال محمد بن علي : ما هذا بأهل أن يدعى إلى المباشرة ، وقال الزنجاني ( الرعد) صعقات الملائكة و( البرق ) زفرات أفئدتهم و( المطر) بكاؤهم .وقال في قوله: ( ولله المكر جميعا ) قال الحسين لا مكر أبين فيه من مكر الحق بعباده حيث أوهمهم ان لهم سبيلا اليه بحال أو للحدث اقتران مع القدم .
قال المصنف رحمه الله : ومن تأمل معنى هذا علم أنه كفر محض لأنه يشير إلى أنه كالهزء واللعب. ولكن الحسين هذا هو الحلاج وهذا يليق بذلك . وقال في قوله لعمرك أي بعمارتك سرك بمشاهدتنا . قلت وجميع الكتاب من هذا الجنس .
وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع قال للصوفية استنباط منها قوله: (ادعو الى الله على بصيرة ) قال الواسطي معناه لا أرى نفسي . .. وقد أخبرنا .. قال رسول الله ( من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ) . أخبرنا .. قال رسول الله : ( من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)...
قال السهلكي .. يذكر أن أبا يزيد قال من عرف الله عز وجل صار للجنة بوابا وصارت الجنة عليه وبالا ... قال سمعت طيفور وهو أبو يزيد يقول : العارفون في زيارة الله تعالى في الآخرة على طبقتين طبقة تزوره متى شاءت وانى شاءت وطبقة تزوره مرة واحدة ثم لا تزوره بعدها أبدا .
قال المصنف رحمه الله وتفسير السراج قبيح لأنه يوجب أن لا يعاقب فرعون ولا غيره .... أخبرنا .. قال سمعت الشبلي يقول وقد سئل عن المعرفة فقال ويحك ما عرف الله من قال الله والله لو عرفوه ما قالوه. قال ابن باكويه .. سمعت الشبلي يقول يوما لرجل يسأله ما اسمك قال آدم قال ويلك أتدري ما صنع آدم باع ربه بلقمة ثم كان يقول سبحان من عذرني بالسوداء قال ابن باكويه .. يقول كان للشبلي جليس فأعلمه أنه يريد التوبة فقال بع مالك واقض دينك وطلق امرأتك ففعل فقال أيتم أولادك بأن تؤيسهم من التعلق بك فقال قد فعلت فجاء بكسر قد جمعها فقال اطرحها بين يدي الفقراء وكل معهم . أنبأنا .. سمعت أبا الحسن الحرفاني يقول لا إله إلا الله من داخل القلب محمد رسول الله من القرط ) أخبرنا .. قال رأى الشبلي في الحمام غلاما شابا بلا مئزر فقال له يا غلام ألا تغطي عورتك فقال له اسكت يا بطال ان كنت على الحق فلا تشهد إلا الحق وإن كنت على الباطل فلا تشهد إلا الباطل لأن الحق مشتغل بالحق والباطل مشتغل بالباطل .أنبأنا .. قال حضرت بشيراز عند قاضيها أبي سعيد بشر بن الحسن الداودي وقد ارتفع اليه صوفي وصوفية قال وأمر الصوفية هناك مفرط جدا حتى يقال أن عددهم الوف فاستعدت الصوفية على زوجها إلى القاضي فلما حضرا قالت له أيها القاضي ان هذا زوجي ويريد أن يطلقني وليس له ذلك فان رأيت أن تمنعه قال فأخذ القاضي أبو سعيد يتعجب وحنق على مذاهب الصوفية ثم قال لها وكيف ليس له ذلك قالت لأنه تزوج بي ومعناه قائم بي والآن هو يذكر ان معناه قد انقضى مني وأنا معناي قائم فيه ما أنقضى فيجب عليه أن يصبر حتى ينقضي معناي منه كما انقضى معناه مني. فقال لي أبو سعيد : كيف ترى هذا الفقه . ثم أصلح بينهما وخرجا من غير طلاق . وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب الأحياء ان بعضهم قال : " للربوبية سر لو أظهر بطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم . وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام ." قلت فاظهروا إخواني إلى هذا التخليط القبيح والادعاء على الشريعة أن ظاهرها يخالف باطنها . قال أبو حامد : ضاع لبعض الصوفية ولد صغير فقيل له : لو سألت الله أن يرده عليك " فقال : اعتراضي عليه فيما يقضي أشد على من ذهاب ولدي . قلت طال تعجبي من أبي حامد كيف يحكي هذه الأشياء في معرض الإستحسان والرضى عن قائلها وهو يدري أن الدعاء والسؤال ليس باعتراض. وقال احمد الغزالي دخل يهودي إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي فقال له أريد أن أسلم على يديك فقال لا ترد فاجتمع الناس وقالوا يا شيخ تمنعه من الإسلام فقال له تريد بلا بد قال نعم قال له برئت من نفسك ومالك قال نعم قال هذا الإسلام عندي احملوه الآن إلى الشيخ أبي حامد يعلم لالا المنافقين يعني لا إله إلا الله . قلت وهذا الكلام أظهر عيبا من أن يعاب فانه في غاية القبح ومما يقارب هذه الحكاية في دفع من أراد الإسلام ..أخبرنا .. قال كان الحسن والحسين ابنا عيسى بن ماسر خس اخوين يركبان فيتحير الناس من حسنهما وزيهما فاتفقا على ان يسلما فقصدا حفص بن عبد الرحمن ليسلما على يده فقال لهما حفص أنتما من أجل النصارى وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة الحج وإذا اسلمتما على يده كان ذلك أعظم عند المسلمين فانه شيخ أهل المشرق والمغرب فانصرفا فمرض الحسين ومات على نصرانيته قبل قدوم ابن المبارك فلما قدم أسلم الحسن . قلت : وهذه المحنة إنما جلبها الجهل فليعرف قدر العلم لأنه لو كان عنده حظ من علم لقال أسلما الآن ولا يجوز تأخير ذلك لحظة وأعجب من هذا أبو سعيد الذي قال لليهودي ما قال لأنه يريد الإسلام . وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع لمع المتصوفة قال : كان سهل بن عبد الله اذا مرض أحد من أصحابه يقول له إذا أردت أن تشتكي فقل أوه فهو اسم من أسماء الله تعالى يستريح اليه المؤمن ولا تقل افرج فانه اسم من أسماء الشيطان .
فهذه نبذة من كلام القوم وفقههم نبهت على علمهم وسوء فهمهم وكثرة خطئهم .. )
التعليق :
يضيق الصدر عن نقل كل الهراء الذى توسع فيه إبن الجوزى. وهو يرد على هرائهم بالهراء السنى . وأديان المحمديين الشيطانية تشترك في مقولة ( التفسير ) يتهمون رب العزة جل وعلا أنه أنزل كتابا مبهما يحتاج البشر الى تفسيره . هذا كُفر مبين . ونتوقف قرآنيا في الرّدّ عليهم :
أولا :
تفسير القرآن في القرآن نفسه .
قال جل وعلا : ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا(33)الفرقان )
ثانيا :
القرآن الكريم كتاب مبين بذاته، أي هو الذى يبين ما فيه.
قال جل وعلا :
( حم(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) الزخرف)( الدخان 2 )
( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ(1)الحجر )
( تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ(1)النمل )
( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)الشعراء )( القصص 2 )
( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ(69)يس )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا(174)النساء )
( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ(15) المائدة )
ثالثا :
بيان القرآن الكريم يكون بتلاوته ، وبعدم كتمانه ، فآياته بينات بنفسها بمجرد نطقها . نتدبر قول ربنا جل وعلا : (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ(159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)البقرة )
رابعا :
في آيات التشريع يأتي في ختامها أن الله جل وعلا كذلك يبين آياته :
سورة النور أول سورة مدنية ، وحفلت بتشريعات جديدة ، وبدأت بقوله جل وعلا :
( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1 ) النور). بعد كل تشريع يأتي التنبيه على أن هذا تبيين من الله جل وعلا . مثل :
( وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) (18)النور )
( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ) 34)النور)
( لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ) ٍ(46)النور )
( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) (58) النور )
( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) (59)النور )
خامسا :
بيان القرآن الكريم هو مُتاح فقط للذين يؤمنون به وحده حديثا ، ويطلبون منه وحده الهداية . غيرهم يكون القرآن الكريم عليهم خسارا لأنهم يتلاعبون به تبعا لأهوائهم ، وهذا ما ينطبق على أئمة المحمديين من سنة وشيعة وصوفية . قال جل وعلا :
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا(82( الاسراء ). يكون الشفاء والرحمة للذين يعلمون ، والذى يبحثون عن الهداية فيهديهم ربهم جل وعلا القائل :
( وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(105)الانعام )
( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ(16)الحج ).
سادسا :
1 ـ منهج البحث في القرآن الكريم أن تدخل عليه بلا فكرة مسبقة تريد إثباتها أو نفيها ، بل بقلب مخلص يريد معرفة الحق ، مع إستعداد مسبق للتخلى عن أي معتقد يظهر مخالفته للقرآن الكريم . ولأن للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة والمختلفة عن المصطلحات الدينية اللاحقة في أديان المحمديين الأرضية الشيطانية فلا بد من البدء بتحديد معنى ومعانى المصطلح القرآن الكريم في السياق المحلى للآية وما قبلها وما بعدها ثم في السياق العام للموضوع في القرآن كله ، وأيضا ما يرتبط به . ثم يوضع كل هذا معا فتتضح الصورة القرآنية كاملة . أولئك المتلاعبون بالقرآن الكريم الذين يزيدون به خسارا ، ينتقون من ظواهرالآيات ما يوافق أهواءهم ، ويتجاهلون ما يخالفها .
2 ـ يقول جل وعلا : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(7) آل عمران ). هنا معرفة المحكم والمتشابه . الآية المحكمة تأتى بأسلوب تقريرى ، بينما تاتى الآيات المتشابهة تشرح وتفصل . الذين في قلوبهم زيغ يتتبعون المتشابه يتلاعبون به ، أما الراسخون في العلم القرآنى فهم يؤمنون بأن المتشابه والمحكم يفسر بعضه بعضا ، وكل من عند الله جل وعلا .
3 ـ لا بد من التأهيل العلمى ، ففي القرآن الكريم أساليب مختلفة ، منها مثلا الأسلوب العلمى التقريرى في التشريعات والأسلوب المجازى في الوعظ وفى صفات الرحمن جل وعلا . الموضوع طويل معقد . يكفينا منه كلمة ( أعمى ) ، تأتى وعظا بأسلوب مجازى في قول ربنا جل وعلا : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) (19)الرعد ). وتأتى بأسلوب تقريرى في قوله جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ ) (61)النور) ، (الفتح 17 ).
أخيرا
تدبر القرآن الكريم فريضة على من يستطيع . والتدبر يعنى أن يكون المتدبر خلف الآية يجعل الآيات أمامه وإمامه . من أسف أن إنتشار السوشيال ميديا جعل القرآن الكريم مجالا لصعاليك الانترنت يهرفون بما لا يعرفون .
( ج 24 )
نستكمل الحديث ..
نختصرما قاله بقدر الإمكان
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
ذكر تلبيس إبليس في الشطح والدعاوى
قال المصنف رحمه الله
.. أخبرنا .. يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول وددت ان قد قامت القيامة حتى أنصب خيمتي على جهنم فسأله رجل ولم ذاك يا أبا يزيد فقال اني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق .
أخبرنا .. سمعت أبا يزيد يقول إذا كان يوم القيامة وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فاسأله أن يدخلني النار فقيل له لم قال حتى تعلم الخلائق أن بره ولطفه في النار مع أوليائه .
أخبرنا .. .. أبي يزيد انه قال وما النار والله لئن رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي أو نحو هذا أنبأنا .... سمعت أبا يزيد يقول سبحاني سبحاني ما أعظم شأني ..
أنبأنا .. سمعت أبا يزيد يقول كنت أطوف حول البيت أطلبه فلما وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي. قال .. سمعت أبا يزيد يقول حججت أول حجة فرأيت البيت وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت وحججت الثالثة فلم أر البيت ولا صاحب البيت..
قال .. سمعت أبا يزيد وسئل عن اللوح المحفوظ قال أنا اللوح المحفوظ .
.. وقرأ رجل عند أبي يزيد ^ إن بطش ربك لشديد ^ فقال أبو يزيد وحياته أن بطشي أشد من بطشه .
وقيل لأبي يزيد بلغنا أنك من السبعة قال أنا كل السبعة ، وقيل له إن الخلق كلها تحت لواء سيدنا محمد فقال والله ان لوائي أعظم من لواء محمد ، لوائي من نور تحته الجن والإنس كلهم مع النبيين.
وقال أبو يزيد سبحاني سبحاني ما أعظم سلطاني ليس مثلي في السماء يوجد ولا مثلي صفة في الأرض تعرف أنا هو وهو أنا وهو هو ..
أنبأنا .. دخل أبو يزيد مدينة فتبعه منها خلق كثير فالتفت اليهم فقال إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني.
أنبأنا .. حكي عن أبي يزيد أنه قال أراد موسى عليه الصلاة والسلام أن يرى الله تعالى وأنا ما أردت أن أرى الله تعالى هو أراد أن يراني .
التعليق :
1 ـ بسبب فساد الخليفة عثمان بن عفان جاء الأعراب من مصر والشام والعراق وحاصروا داره وتزعمهم محمد بن أبى بكر ، وإقتحموا الدار وقتلوه وحاولت زوجته الدفاع عنه فضربوها بالسيف فقطعوا أصابعها ، ونهبوا الدار وأراد بعضهم إغتصاب زوجة عثمان . هذا الحادث الجلل يسمونه ( يوم الدار ). تسمية دبلوماسية .
تلى ذلك حروب أهلية ضروس بين ( على ) و عائشة وطلحة والزبير ، ثم بين (على ) ومعاوية ، ثم بين على ومن خرج عليه من أصحابه . يسمونها تسمية دبلوماسية : ( الفتنة الكبرى ).
الثائرون على ( على ) من أصحابه كانوا يقتلون الأطفال والنساء ويبقرون بطون الحوامل .. أطلقوا عليهم تسمية دبلوماسية : ( الخوارج ).
في عصرنا في عام 1967 هزمت إسرائيل جيوش مصر وسوريا والأردن ، واحتلت سيناء والقدس وبقية فلسطين ومرتفعات الجولان السورية . هزيمة لا نظير لها ، وأطلقوا عليها من باب الدلع ( نكسة ) .
هو نفس الحال مع ذلك الكفر الفظيع يقولون عنه تخفيفا ( الشطح ). إبن الجوزى يوافقهم في تعبير الشطح ، ويرد عليهم بدينه السنى الحنبلى .
لفظ الشطح لم يرد في القرآن الكريم ، وإن جاء في مثل شعبى مصري يقول ( اول ما شطح نطح ) . هذا عن أول ما شطح ، فماذا بعده ؟
2 ـ لم يكن التصوف قد وصل الى مرحلة التسيّد في عصر إبن الجوزى . وصل لها لاحقا في العصر المملوكى ، وفيه أصبح ( الشطح ) من لوازم الولاية ، وكل من ( يشطح ) يتزايد إعتقاد الناس في وتأليهه ، خصوصا إذا زعم ( الجذب ) أو صار بزعمهم ( مجذوبا ).ونعطى لمحات :
1 ـ الشعرانى ( أكبر صوفى في العصرين المملوكى والعثمانى ـ يقول : عن ( العارفين ) أى ( الأولياء الصوفية ) :( منهم من تهب على قلبه نفحات إلهية لو نطقوا بها كفّرهم المؤمن ). فالشطح أصبح عند الشعراني ( نفحة إلهية ) . ويقول عن المجذوب : ( ( لا يطالب بأدب من الآداب .. مع وجود الكشف - ( علم الغيب ) – وبقائه عليه ).أي أن المجذوب لا يسأل عما يفعل ومهما قال وفعل فهو متمتع بعلم الغيب مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى .
2 ـ وأصبح الشطح من لوازم الولي الصوفي يحفظ عنه ويكتب في ترجمته ، وإذا حدث وشذّ صوفي عن هذه القاعدة قيل عنه ( لم يحفظ عنه شطح ) كما في ترجمة المرشدي ت737 . ويزداد التقدير والتقديس للصوفي المجذوب إذا بالغ في شطحه كما قال أبو المحاسن في ترجمة السطوحي 865 المجذوب ( إذا بدأ في الشطح يتغير كلامه كله بالسفه والإساءة المفرطة بغير سبب ، رحمه الله ونفعنا ببركة أوليائه ). .أى مع مبالغته فى الإساءة المفرطة فى حق الله جل وعلا يقول المؤرخ أبو المحاسن عن ذلك المجذوب (رحمه الله ونفعنا ببركة أوليائه ).!!
3 ـ وتوصف الشطحات بالكثرة ، كما ورد في ترجمة الشعراني لعبد القادر السبكي إذ قال عنه ( كان رضي الله عنه .. كثير الشطح ). أى كثير التلفظ بالكفر وسوء الأدب فى حق الله جل وعلا ، ومع ذلك يقول الشعرانى عنه ( رضى الله عنه). وأحمد الكعكي يقول عنه الشعراني ( وكان كثير الشطح تبعاً لشيخه سيدي الشيخ محمد الكعكي .. حتى كان لا يقدر على صحبته كل أحد ). أى كان الناس لا يتحملون شطحاته .! . وقد قال الشعرانى عن الشيخ أبي السعود الجارحي ( وكان رضي الله عنه له شطحات عظيمة.. )،فوصف شطحه بالعظمة . وقد كان أولئك معاصرين للشعراني .وهنا يصف الشعرانى سوء الأدب المفرط من أبى السعود الجارحى بالعظمة ، وأنه ( رضى الله عنه ).
ويقول المناوي في ترجمة الشيخ عبيد ( كانت له خوارق مدهشة ، وشطحات موحشة ،وكان مثقوب اللسان لكثرة ما ينطق به من الشطح الذي لا يمكن تأويله ) . فلم يمنع وصفه للشطحات بهذا الشكل من وصف صاحبها بالخوارق والكرامات ، أى أصبح سبُّ رب العزة من سمات الولاية والألوهية لشيوخ الصوفية.!!..
4 ـ وقد أورد الشعراني طائفة من الشطحات في معرض فخره بأشياخه الصوفية لا تختلف عن أقاويل الرافضين للإسلام ..
4 / 1 : منها ما أستهدف الاستهزاء ببيوت الله بالقول والفعل ، كما قال في ترجمة الشيخ إبراهيم العريان ( كان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عرياناً فيقول : " السلطان ودمياط وباب اللوق وبين القصرين وجامع طيلون الحمد لله رب العالمين " فيحصل للناس بسط عظيم ) ( وكان رضي الله إذا صحا يتكلم بكلام حلو ).فصاحبنا المجذوب يتمتع بتأييد الناس حتى أنه ( يحصل للناس بسط عظيم ).
4 / 2 : وبعضهم كان يجد مجال الاستهزاء في القرآن الكريم كشعبان المجذوب ، يقول فيه الشعراني ( كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد ، وكان العامي يظنها من القرآن الكريم لشبهها بالآيات في الفواصل وقد سمعته مرة على باب دار ( على طريقة الفقهاء الذين يقرأون في البيوت ) فصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول : " وما أنتم في تصديق هود بصادقين ".. ولقد أرسل الله لنا قوماً بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين " ثم قال اللهم أجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال ..وكانت الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً ، لم أسمع قط أحداً ينكر عليه شيئاً من حاله ، بل يعدون رؤيته عيداً عندهم ).أي تنزه بجذبته عن الإنكار عليه وحظى بتقديس الناس فجعلوا رؤيته عيدا ، حتى أن الشعراني يقول عن تخريفاته أنه (كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن ) فجعل تخريفاته ( سوراً قرآنية )..
4 / 3 : وبعضهم كان يسب الأنبياء كالشيخ محمد الخضري ، وقد ترجم له الشعراني فقال ( كان يتكلم بالغرائب والعجائب من دقائق العلوم والمعارف ما دام صاحياً ، فإذا قوي عليه الحال تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء وغيرهم .. ) ( وأخبرني الشيخ أبو الفضل السرسي أنه جاءهم يوم الجمعة فسألوه الخطبة فقال بسم الله . فطلع المنبر فحمد الله واثني عليه ومجده ثم قال ( وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام ) فقال الناس : كفر .. فسلّ السيف ونزل فهرب الناس كلهم من الجامع فجلس عند المنبر إلى آذان العصر وما تجرأ أحد أن يدخل ) . ويحس القارئ نبرة الفخر في حديث الشعراني عن ذلك الخضري عندما هدد المنكرين عليه بالسيف فهربوا .. ويعنينا أن نذكر أن الخضري المتوفي 897 كان من أصحاب الاتحاد العارفين بدقائق العلوم والمعارف ولم يجد لعقيدته مجالا إلا في ادعاء الجذب الوقتي أو بتعبير الشعراني ( فإذا قوي عليه الحال تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء وغيرهم .. )
6- أخيرا:
جدير بالذكر أن بعض عتاة الجاهلين استهزأ بيوم القيامة وأعلن أنه سيُعطي في الآخرة أجرا كما أعطى في الدنيا المال والولد ، واعتبر القرآن مقالته إثما بالغاً يستحق مزيد العذاب ، مع أن ما قاله لا يقاس بأي حال بشطح أي صوفي مهما بلغ اعتداله . واقرأ قوله سبحانه وتعالى ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً{77} أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً{78} كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً{79} وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً{80} مريم ).والمشركون السابقون لم يقولوا كالصوفية ( وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام – أو أن النجاسة والكلاب الميتة والحمير والروث هي عين الله ) .. وكل ما هنالك أنهم قالوا بأن الله اتخذ ولداً . واعتبر رب العزة هذا القول كفراً هائلا ، تكاد السماوات يتفطرن منه:( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً{88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً{89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً{90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً {91} مريم ) وقال جل وعلا : ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) الكهف ). فأين هذا من ذلك القائل ( طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك – بطشي أشد من بطشك- لأن تراني مرة خير لك من أن ترى الله ألف مرة ... )؟؟..!! إبليس اللعين لم يقل ذلك لرب العزة جل وعلا . !!
والى عهد قريب إعتاد الصوفية في حفلات الذكر الجهر بالشطحات ، يحثهم عليها الذى يقود الذكر بقوله : أُكفر يا صوفى .. فيكفر الصوفى . ويحسب أنه يُحسن صنعا .
ثم يجعلون أنفسهم مسلمين .
آه يا بقر .!!
آخر الكلام :
وتعجبون من سقمى ؟؟ صحتى هي العجب !!


( ج 25 )
نستكمل الحديث ..
ننقل بإختصار :
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
بيان جملة مروية على الصوفية من الأفعال المنكرة

قلت قد سبق ذكر أفعال كثيرة لهم كلها منكرة وإنما نذكر ههنا من أمهات الأفعال وعجائبها.
أخبرنا .. .. كان بين أحمد بن أبي الحواري وبين أبي سليمان عقد أن لا يخالفه في شيء يؤمره به فجاءه يوما وهو يتكلم في المجلس فقال ان التنور قد سجرناه فما تأمرنا فما أجابه فأعاد مرة أو مرتين فقال له الثالثة أذهب واقعد فيه ففعل ذلك فقال أبو سليمان ألحقوه فإن بيني وبينه عقدا أن لا يخالفني في شيءآمره به فقام وقاموا معه فجاؤا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش . ..
أخبرنا .. كنت جالسا عند خير النساج فأتته امرأة وقالت له اعطيني المنديل الذي دفعته اليك قال نعم فدفعه اليها قالت كم الأجرة قال درهمان قالت ما معي الساعة شيء وأنا قد ترددت اليك مرارا فلم أراك وأنا آتيك به غدا إن شاء الله تعالى. فقال لها خير ان أتيتني بهما ولم تجديني فارمى بهما في دجلة فإني إذا جئت أخذتهما . فقالت المرأة كيف تأخذ من دجلة فقال لها خير هذا التفتيش فضول منك أفعلي ما أمرتك به قالت إن شاء الله فمرت المرأة قال أبو الحسين فجئت من الغد وكان خير غائبا وإذا المرأة قد جاءت ومعها خرقة فيها درهما فلم تجده فرمت بالخرقة في دجلة وإذا بسرطان قد تعلقت بالخرقة وغاصت وبعد ساعة جاء خير وفتح باب حانوته وجلس على الشط يتوضأ وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجابته إلى ذلك . ..
أخبرنا .. يقول دخلت على النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين فسألته عن أمره فقال طالبتني نفسي بأكل الثمر فجعلت أدافعها فتأبى علي فخرجت فاشتريت فلما ان أكلت قلت لها قومي فصلي فأبت علي فقلت لله علي ان قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت .
أنبأنا .. قال كان رجل من أهل بسطام لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد لا يفارقه فقال له ذات يوم يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي من هذا الذي نذكره شيئا البتة فقال له أبو يزيد لو صمت ثلاثمائة سنة وقمت ثلاثمائة سنة وأنت على ما آراك لا تجد من هذا العلم ذرة. قال ولم يا أستاذ قال : لأنك محجوب بنفسك فقال له : أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب قال نعم ولكنك لم تقبل قال بلى أقبل واعمل ما تقول قال أبو يزيد أذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وأنزع عنك هذا اللباس وابرز بعباءة وعلق في عنقك مخلاة واملأها جوزا وأجمع حولك صبيانا وقل بأعلا صوتك يا صبيان من يصفعني صفعة أعطيته جوزة وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه فقال يا أبا يزيد سبحان الله تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا فقال أبو يزيد قولك سبحان الله شرك قال وكيف قال لأنك عظمت نفسك فسبحتها فقال يا أبا يزيد هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله ولكن دلني على غيره حتى أفعله فقال أبو يزيد ابتدر هذا قبل كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك ما يصلح لك قال لا أطيق هذا قال انك لا تقبل ..
وحكى أبو حامد أن أبا تراب النخشبي قال لمريد له لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة ..
وقد تسمى قوم من الصوفية بالملامتية فاقتحموا الذنوب فقالوا مقصودنا أن نسقط من أعين الناس فنسلم من آفات الجاه والمرائين .
وبإسناد قال ربما كان الشبلي يلبس ثيابا مثمنة ثم ينزعها ويضعها فوق النار قال . وذكر عنه أنه أخذ قطعة عنبر فوضعها على النار يبخر بها ذنب الحمار وقال بعضهم دخلت عليه فرأيت بين يديه اللوز والسكر يحرقه
بالنار قال السراج إنما أحرقه بالنار لأنه كان يشغله عن ذكر الله .
وقال الشبلي يوما في مجلسه إن لله عبادا لو بزقوا على جهنم لأطفأوها .
وقد حكى أبو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها في دجلة وقال ما أعزك أحد إلا أذله الله
وبإسناد أحمد بن إسحاق العماني قال: رأيت بالهند شيخا وكان يعرف بالصابر قد أتى عليه مائة سنة قد غمض إحدى عينيه فقلت له يا صابر ما بلغ من صبرك قال إني هويت النظر إلى زينة الدنيا فلم أحب أن أشتفي منها فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها
وقد حكى لنا عن آخر انه فقأ احد عينيه وقال النظر إلى الدنيا بعينين إسراف.
.. وقال كنت أخدم في الخلاء ، فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي إذهبت عمرك في هذا فقلت انت تأنفين من خدمة عباد الله فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها وجعلت أدخل النجاسة في فمي ، فجاءوا وأخرجوني وغسلوني .
وباسناد ..أن بشيراز رجل يعرف بابن خفيف البغدادي شيخ الصوفية هناك يجتمعون إليه ويتكلم عن الخطرات والوساوس ويحضر حلقة ألوف من الناس وأنه فاره فهم حاذق فاستغوى الضعفاء من الناس إلى هذا المذهب قال فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية فاجتمع النساء الصوفيات وهن خلق كثير ولم يختلط بمأتمهن غيرهن فلما فرغوا من دفنه دخل ابن خفيف وخواص أصحابه وهم عدد كثير إلى الدار وأخذ يعزي المرأة بكلام الصوفية إلى أن قالت قد تعزيت فقال لها ههنا غير فقالت لا غير قال فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم ولأي معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار وتصفو الأرواح ويقع الاخلافات وتنز البركات قال فقلن النساء إذا شئت، قال فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم فلما كان سحر خرجوا . قال المحسن قوله ههنا غير أي ههنا غير موافق المذهب فقالت لا غير أي ليس مخالف وقوله نترك الامتزاج كناية عن الممازجة في الوطء وقوله لتلتقي الأنوار عندهم أن في كل جسم نورا الهيا وقوله اخلافات أي يكون لكن خلف ممن مات أو غاب من أزواجكن . قال المحسن وهذا عندي عظيم ولولا أن جماعة يخبروني يبعدون عن الكذب ما حكيته لعظمه عندي واستبعاد مثله أن يجري في دار الإسلام . قال وبلغني أن هذا ومثله شاع حتى بلغ عضد الدولة فقبض على جماعة منهم وضربهم بالسياط وشرد جموعهم فكفوا.
.. ولقد حدثني أبو الفتح بن السامري قال جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط وقال يعز علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط قلت على هذا كان أشياخنا فأما في زماننا هذا فقد أصطلح الذئب والغنم .
قال ابن عقيل نقلته من خطه وأنا أذم الصوفية لوجوه يوجب الشرع ذم فعلها منها : أنهم اتخذوا مناخ البطالة وهي الأربطة فانقطعوا إليها عن الجماعات في المساجد فلا هي مساجد ولا بيوت ولا خانات وصمدوا فيها للبطالة عن أعمال المعاش وبدنوا أنفسهم بدن البهائم للأكل والشرب والرقص والغناء، وعولوا على الترقيع المعتمد به التحسين تلميعا والمشاوذ بألوان مخصوصة أوقع في نفوس العوام والنسوة من تلميع السقلاطون بألوان الحرير، واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ، ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال كالعداد والأجناد وأرباب المكوس ، ويستصحبون المردان في السماعات يجلبونهم في الجموع مع ضوء الشموع ، ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ، ويستحلون بل يوجبون أقتسام ثياب من طرب فسقط ثوبه، ويسمون الطرب وجدا والدعوة وقتا واقتسام ثياب الناس حكما، ولا يخرجون عن بيت دعوا إليه إلا عن إلزام دعوة أخرى يقولون أنها وجبت . ..ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم فان عولوا إلى مرتبة شيخه قيل الشيخ لا يعترض عليه ..فان قبّل أمردا قيل رحمة وإن خلا بأجنبية قيل بنته وقد لبست الخرقة... وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون ، والغناء المحرم سموه السماع والوجد .. قال ابن عقيل والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية قال وأنا أقول وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب فاذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض فصارت الدعوة عرسا للشخصين فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص ومال طبع إلى طبع وتتغير المرأة على زوجها فإن طابت نفس الزوج سمي بالديوث وإن حبسها طلبت الفرقة إلى من تلبس منه المرقعة والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع ويقال تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة وقد صارت من بناته. )
التعليق :
أولا :
ابن الجوزى هنا شاهد على الصوفية في عصره ، وقد جاء بحقائق تاريخية لم يذكرها المؤرخون في كتبهم التاريخية . وهو منهم . أهم هذه الحقائق التاريخية :
1 ـ الانحلال الخلقى للتصوف ، ومنها حفلات الجنس الجماعى فيما بينهم فيما يحكيه عن إبن خفيف البغدادى ، وتحويله مناسبة العزاء الى حفلة جنس صاخبة ، والتعبير عن ذلك جاء بقوله ( فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم ).
2 ـ إغواء النساء خارج دائرة التصوف . مثل قوله ( واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ) ( ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ) ( والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية قال وأنا أقول وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب فاذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض فصارت الدعوة عرسا للشخصين فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص ومال طبع إلى طبع وتتغير المرأة على زوجها فإن طابت نفس الزوج سمي بالديوث وإن حبسها طلبت الفرقة إلى من تلبس منه المرقعة والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع ويقال تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة وقد صارت من بناته. )
3 ـ الشذوذ الجنسى بمن اطلقوا عليه لقب ( المُردان ، المُرد ) . قال : ( واستمالوا النسوة والمردان )( فان قبّل أمردا قيل رحمة ).
4 ـ بهم بدأ ظهور الحشيش في عصر ابن الجوزى : ( وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون ). وبتسيّد التصوف في العصر المملوكى أصبح تناول الحشيش شريعة صوفية ، وأطلقوا عليه ( لقيمة الفكر والذكر )
5 ـ عبودية المريدين لشيخهم الصوفى : ( ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم فان عولوا إلى مرتبة شيخه قيل الشيخ لا يعترض عليه ). وقد إستشرى هذا في العصر المملوكى ، وتبارى شيوخ التصوف في تقعيده وتنافس المريدون في طاعته .
6 ـ ظهور طائفة الملامتية ، وقد انتشروا في العصر المملوكى ، واشتهروا بالشذوذ في معابدهم الخاصة.
ثانيا :
أورد ابن الجوزى خرافات عنهم جعل لها أسانيد ، ولم يردّ عليها كما ينبغي ، مثل : (فجاؤا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش . ..) ( .. وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجابته إلى ذلك . ..) ( ..فقلت لله علي ان قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت .)
( .. فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها ..وقد حكى لنا عن آخر انه فقأ احد عينيه وقال النظر إلى الدنيا بعينين إسراف... .. كنت أخدم في الخلاء ، فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي إذهبت عمرك في هذا فقلت انت تأنفين من خدمة عباد الله فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها وجعلت أدخل النجاسة في فمي ، فجاءوا وأخرجوني وغسلوني . )
أخيرا :
شهد عصر ابن الجوزى إنتشار التصوف وخفوت الحنبلية السنية . يقول ( جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط وقال يعز علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط . قلت على هذا كان أشياخنا فأما في زماننا هذا فقد أصطلح الذئب والغنم .). راهن الصوفية على العوام إجتذبوهم للتصوف باللهو واللعب والانحلال الخلقى . كان الناس قد ضاقوا ذرعا بالتشدد الحنبلى ودينهم في تغيير المنكر وتسلطهم على الناس والحكام . إختلف الوضع بحكام جُدد يقيمون للصوفية معابد وينفقون عليهم ، فهم قادة للعوام ؛ الأكثرية التي لا تعقل ولا تفكر .

( ج 26 )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
الباب الحادي عشر:
في ذكر تلبيس إبليس على المتدينين بما يشبه الكرامات
قد بينا فيما تقدم أن إبليس انما يتمكن من الإنسان على قدر قلة العلم فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس منه وكلما كثر العلم قل تمكنه منه . ومن العُباّد من يرى ضوءا أو نورا في السماء فان كان رمضان قال رأيت ليلة القدر وإن كان في غيره قال قد فتحت لي أبواب السماء . وقد يتفق له الشيء الذي يطلبه فيظن ذلك كرامة وربما كان اتفاقا وربما كان اختبارا وربما كان من خدع ابليس والعاقل لا يساكن شيئا من هذا ولو كان كرامة . .. وكم اغتر قوم بما يشبه الكرامات فقد روينا بإسناد عن حسن عن أبي عمران قال قال لي فرقد يا أبا عمران قد أصبحت اليوم وأنا مهتم بضريبتي وهي ستة دراهم وقد أهل الهلال وليست عندي فدعوت فبينما أنا أمشي على شط الفرات اذا أنا بستة دراهم فأخذتها فوزنتها فإذا هي ستة لا تزيد ولا تنقص .. وبإسناد عن ابراهيم الخراساني أنه قال احتجت يوما إلى الوضوء فاذا أنا بكوز من جوهر وسواك من فضة رأسه ألين من الخز فاستكت بالسواك وتوضأت بالماء وتركتهما وأنصرفت .. ولما علم العقلاء شدة تلبيس إبليس حذروا من أشياء ظاهرها الكرامة وخافوا أن تكون من تلبيسه روينا بإسناد عن أبي الطيب يقول سمعت زهرون يقول كلمني الطير وذاك أني كنت في البادية فتهت فرأيت طائرا أبيض فقال لي يا زهرون أنت تائه فقلت يا شيطان غر غيري فقال لي أنت تائه فقلت يا شيطان غر غيري فوثب في الثالثة وصار على كتفي وقال ما أنا بشيطان أنت تائه أرسلت اليك ثم غاب عني ...حدثتني زلفى عن رابعة إنها أصبحت يوما صائمة في يوم بارد قالت فنازعتني نفسي إلى شيء من الطعام السخن أفطر عليه وكان عندي شحم فقلت لو كان عندي بصل أو كراث عالجته فإذا عصفور قد جاء فسقط على المثقب في منقاره بصلة فلما رأيته أضربت عما أردت وخفت أن يكون من الشيطان . وبالإسناد عن محمد بن يزيد قال كانوا يرون لوهيب أنه من أهل الجنة فإذا أخبر بها أشتد بكاؤه وقال قد خشيت أن يكون هذا من الشيطان وبالإسناد عن أبي عثمان النيسابوري يقول خرجنا جماعة مع أستاذنا أبي حفص النيسابوري إلى خارج نيسابور فجلسنا فتكلم الشيخ علينا فطابت أنفسنا ثم بصرنا فإذا بأيل قد نزل من الجبل حتى برك بين يدي الشيخ فأبكاه ذلك بكاء شديدا فلما سكن سألناه فقلت يا أستاذ تكلمت علينا فطابت قلوبنا فلما جاء هذا الوحش وبرك بين يديك أزعجك وأبكاك فقال نعم رأيت اجتماعكم حولي وقد طابت قلوبكم فوقع في قلبي لو أن شاة ذبحتها ودعوتكم عليها فما تحكم هذا الخاطر حتى جاء هذا الوحش فبرك بين يدي فخيل لي أني مثل فرعون الذي سأل ربه أن يجري له النيل فأجراه قلت فما يؤمنني أن يكون الله تعالى يعطيني كل حظ لي في الدنيا وأبقى في الآخرة فقيرا لا شيء لي فهذا الذي أزعجني الحكايات الموضوعة في الكرامات .
وقد لبس إبليس على قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم .. أخبرنا .. دخلت على أبي يزيد فإذا بين يديه ماء واقف يضطرب فقال لي تعالى ثم قال إن رجلا سألني عن الحياء فتكلمت عليه بشيء من علم الحياء فدار دورانا حتى صار كذا كما ترى وذاب ..قال الجنيد .. بقي معه قطعة كقطعة جوهر فاتخذت منه فصا فكلما تكلمت بكلام القوم أو سمعت من كلام القوم يذوب ذلك الفص حتى لم يبق منه شيء .
.. أنبأنا .. كنت أنظر في حكايات الصوفية فصعدت يوما السطح فسمعت قائلا يقول وهو يتولى الصالحين فالتفت فلم أر شيئا فطرحت نفسي من السطح فوقفت في الهواء.
وقد اندس في الصوفية أقوام وتشبهوا بهم وشطحوا في الكرامات وادعائها وأظهروا للعوام مخاريق صادوا بها قلوبهم . وقد روينا عن الحلاج أنه كان يدفن شيئا من الخبز والشواء والحلوى في موضع من البرية ويطلع بعض أصحابه على ذلك فاذا أصبح قال لأصحابه إن رأيتم أن نخرج على وجه السياحة فيقوم ويمشي والناس معه فاذا جاءوا إلى ذلك المكان قال له صاحبه الذي أطلعه على ذلك نشتهي الآن كذا وكذا فيتركهم الحلاج وينزوي عنهم إلى ذلك المكان فيصلي ركعتين ويأتيهم بذلك وكان يمد يده إلى الهواء ويطرح الذهب في أيدي الناس ويمخرق . وقد قال له بعض الحاضرين يوما هذه الدراهم معروفة ولكن اؤمن بك إذا أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك وما زال يمخرق إلى وقت صلبه . وقد كان من المتأخرين من يطلي بدهن الطلق ويقعد في التنور ويظهر أن هذا كرامة . قال المصنف رحمه الله وقد رأينا في زماننا من يشير إلى الملائكة ويقول هؤلاء ضيف مكرمون يوهم أن الملائكة قد حضرت ويقول لهم تقدموا الى . وأخذ رجل في زماننا ابريقا جديدا فترك فيه عسلا فتشرب في الخزف طعم العسل واستصحب الإبريق في سفره فكان إذا غرف به الماء من النهر وسقى أصحابه وجدوا طعم العسل . وما في هؤلاء من يعرف الله ولا يخاف في الله لومة لائم نعوذ بالله من الخذلان )
التعليق :
1 ـ ضمن تأليه الولى الصوفى الزعم بأن له ( معجزة ) أو ( تصريفا ) في الكون ، بدأ هذا مع بداية التصوف ، وأنتشر على مهل ، وصار معروفا ب ( الكرامات ) ، وتكاثر هذا في عصر إبن الجوزى الى درجة أنه يعلّق عليه هنا موافقا على تسميته بالكرامات . ثم مع تحكم التصوف وتسيده في العصر المملوكى وصل الإيمان بكرامة الصوفية الى درجة أن القارىء لها في مصادر هذا العصر التاريخية والصوفية يتعجب من الحضيض الذى وصلت اليه ذهنية الناس . على أن إبن الجوزى في ردوده على مزاعم الكرامات لم يقدم رؤية قرآنية ، وهذا منتظر منه .
2 ـ نقدم رؤية قرآنية .
أولا :
1 ـ المصطلح القرآنى ليس ( الكرامات ) ولا ( المعجزات ) بل هو الآية والآيات . ونعرف أن القرآن الكريم هو الآية الوحيدة للنبى محمد عليه السلام ، ولقد تقسمت فقراته الى ( آيات ).
2 ـ وطبقا للقرآن الكريم فهناك آيات تأتى في إطار التحدى ، كالآيات التي يطلبها قوم كفرة من نبيهم ، وهناك آيات ليست للتحدى ، مثل إنقاذ إبراهيم عليه السلام من النار : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ(68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)الأنبياء )، ومثل الإسراء بالنبى محمد عليه السلام من مكة الى المسجد الأقصى في طور سيناء ، ورؤيته القلبية لجبريل حيث تم طبع القرآن الكريم مكتوبا في قلبه ، ومنشور لنا هنا كتاب عن أن ليلة القدر هي ليلة الإسراء ، وأن المسجد الأقصى هو جبل الطور في سيناء . وممكن أن نضيف الى هذا سفينة نوح التي نجا بها نوح والمؤمنون معه من الطوفان الذى غمر الكرة الأضية ، وجعلها الله جل وعلا آية للعالمين ( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ(15)العنكبوت ).
ثانيا :
الأنبياء السابقون كانوا مبعوثين لقوم في مكان محدد وزمن محدد . لذا كانت الآيات أيضا لأولئك القوم فقط في زمنهم فقط . الرسالة كانت محلية وكذلك الآيات . كانت حسية مادية تنتهى بوقتها وبقومها . المثال في قصة موسى ، وفى قصة المسيح . القرآن الكريم رسالة إلاهية عقلية عالمية للإنس والجن من وقت محمد عليه السلام الى نهاية الزمان ، و( إعجازاته ) متجدّدة ومستمرة للعالم كله ، إنبهر العرب بفصاحته ، وينبهر العالم الآن بإشاراته العلمية وإعجازاته العددية الرقمية . وستظهر إعجازات في المستقبل في صدق ما أنبأ به رب العزة جل وعلا في كتابه الكريم عن علامات الساعة .
ثالثا :
إعتاد الكفار طلب آية ( معجزة ) ، بديلا عن القرآن الكريم . وكان الرّدُّ الالهى بالرّفض مع بعض التعليل لهذا الرفض . نتدبر الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7) الرعد )
2 ـ ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ(27)الرعد )
3 ـ ( وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(20)يونس )
4 ـ ( وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(118)البقرة )
5 ـ ( وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(37) )الانعام )
6 ـ ( وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى(133)طه )
7 ـ ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(203) الأعراف )
8 ـ ( وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً(93)الاسراء )
رابعا :
هناك أسباب رئسية لمنع إنزال آية حسية .
1 ـ الآيات للأمم السابقة لم تفلح في هدايتهم ، إذ كانوا يطلبونها عنادا . نرجو تدبر الآيات الكريمة التالية :
1 / 1 : إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ(96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ(97)يونس
1 / 2 : ( وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ(109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ(111)الانعام )
1 / 3 : ( فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ(5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ(6) الأنبياء )
1 / 4 : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ(58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ(60)الروم )
1 / 5 : ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ(15)الحجر )
2 ـ الآيات السابقة كانت نذير إهلاك للكافرين جميعا ، يأتي الاهلاك العام لهم بعد كفرهم بالآية . المثال في إهلاك قوم صالح بعد آية الناقة . ولم يعد الإهلاك العام واردا في رفض الرسالة القرآنية التي هي الكلمة الإلهية النهائية للبشر جميعا الى قيام الساعة . قال جل وعلا عن ( منع ) إنزال آية حسية : ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا(59)الاسراء ). لذا كان طلبهم آية مرتبطا بطلبهم عذابا . الآيات كثيرة ، منها : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(55)العنكبوت ) ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(31) وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(32) الانفال )
3 ـ الإكتفاء بالقرآن الكريم . وهذا ما يكفر به المحمديون . قال جل وعلا : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 51 ) العنكبوت )
أخيرا
بسبب إلحاحهم على آية حسية كان النبى محمد عليه السلام يحزن بسبب عدم إنزال آيات حسية . فقال له ربه جل وعلا يواسيه : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(3) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ(4)الشعراء ) وقال له ربه جل وعلا يزجره : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ(34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(35) الأنعام ) .
ودائما : صدق الله العظيم .!!
( ج 27 )
نستكمل الحديث ..
ننقل عنه بإختصار :
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
الباب الثاني عشر في ذكر تلبيس إبليس على العوام
قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل وقد أفتن فيما فتن به العوام وحضر ما فتنهم ولبس عليهم فيه لا يمكن ذكره لكثرته وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه والله الموفق .
فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته فيتشكك .. ..وتارة يلبس إبليس على العوام عند سماع صفات الله عز وجل فيحملونها على مقتضى الحس فيعتقدون التشبيه ، وتارة يلبس عليهم من جهة العصبية للمذاهب فترى العامي يلاعن ويقاتل في أمر لا يعرف حقيقته ... وقد يحس العامي في نفسه نوع فهم فيسول له إبليس مخاصمة ربه ..ومنهم طائفة تشكر على النعم فاذا جاء البلاء أعترض وكفر . ومنهم من يقول أي حكمة في هدم هذه الأجساد يعذبها بالفناء بعد بنائها ، ومنهم من يستبعد البحث ومن هؤلاء من يحتل عليه مقصوده أو يبتلى ببلاء فيكفر .. وكل هذه الآفات تمكن بها منهم إبليس لبعدهم عن العلم والعلماء . ..
ومن تلبيسه عليهم تقديمهم المتزهدين على العلماء ..فلو رأوا جبة صوف على أجهل الناس عظموه خصوصا إذا طأطأ رأسه وتخشع لهم ..
من تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات ..
تعظيم المتزهدين : وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إلى قبول دعاويهم وان خرقوا الشريعة وخرجوا عن حدودها فترى المتنمس يقول للعامي أنت فعلت بالأمس كذا وسيجري عليك كذا فيصدقه ويقول هذا يتكلم على الخاطر ولا يعلم أن إدعاء الغيب كفر ثم يرون من هؤلاء المتنمسين أمورا لا تحل كمؤاخاة النساء والخلوة بهن ولا ينكرن ذلك تسليما لهم أحوالهم اطلاق النفس في المعاصي .
ومن تلبيسه على العوام اطلاقهم أنفسهم في المعاصي فاذا وبخوا تكلموا كلام الزنادقة .
ومن تلبيسه عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من اولاد أبو بكر وهذا يقول أنا من اولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو الحسين أو يقول أنا قريب النسب من فلان العالم أو من فلان الزاهد ..
ومن تلبيسه عليهم أن يعتمد أحدهم على خلة خير ولا يبالي بما فعل بعدها فمنهم من يقول أنا من أهل السنة وأهل السنة على خير ثم لا يتحاشى عن المعاصي ...
تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس
ومن هذا الفن تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس فانهم يسمون بالفتيان ويقولون الفتى لا يزني ولا يكذب ويحفظ الحرم ولا يهتك ستر امرأة ومع هذا لا يتحاشون من أخذ أموال الناس وينسون تقلى الأكباد على الأموال ويسمون طريقتهم الفتوة
وربما حلف أحدهم بحق الفتوة فلم يأكل ولم يشرب ويجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة وربما يسمع أحد هؤلاء عن أبنته أو أخته كلمة وزر لا تصح ولا بما كانت من محرض فقتلها ويدعون أن هذه فتوة وربما أفتخر أحدهم بالصبر على الضرب . ..
ومن العوام من يعتمد على نافلة ويضيع فرائض مثل أن يحضر المسجد قبل الأذان ويتنفل فإذا صلى مأموما سابق الإمام ومنهم من لا يحضر في أوقات الفرائض ويزاحم ليلة الرغائب .
ومنهم من يتعبد ويبكي وهو مصر على الفواحش لا يتركها فإن قيل له قال سيئة وحسنة والله غفور رحيم. وجمهورهم يتعبد برأيه فيفسد أكثر ما يصلح ورأيت رجلا منهم قد حفظ القرآن وتزهد ثم جبّ نفسه وهذا من أفحش الفواحش.
حضور مجالس الذكر
وقد لبس إبليس على خلق كثير من العوام يحضرون مجالس الذكر ويبكون ويكتفون بذلك .. وأني لأعرف خلقا يحضرون المجلس منذ سنين ويبكون ويخشعون ولا يتغير أحدهم عما قد اعتاده من المعاملة في الربا والغش في البيع والجهل بأركان الصلاة والغيبة للمسلمين والعقوق للوالدين وهؤلاء قد لبس عليهم إبليس فأراهم أن حضور المجلس والبكاء يدفع عنه ما يلابس من الذنوب ..
وقد لبس إبليس على أصحاب الأموال من أربعة أوجه
أحدها من جهة كسبها فلا يبالون كيف حصلت وقد فشا الربا في أكثر معاملاتهم وأنسوه حتى أن جمهور معاملاتهم خارجة عن الإجماع...
والثاني : من جهة البخل بها فمنهم من لا يخرج الزكاة أصلا إتكالا على العفو ، ومنهم من يخرج بعضا ثم يغلبه البخل فينظر أن المخرج يدفع عنه ، ومنهم من يحتال لإسقاطها مثل أن يهب المال قبل الحول ثم يسترده ومنهم من يحتال بإعطاء الفقير ثوبا يقومه عليه بعشرة دنانير وهو يساوي دينارين ، ويظن ذلك الجهل أنه قد تخلص ، ومنهم من يخرج الردىء مكان الجيد ، ومنهم من يعطي الزكاة لمن يستخدمه طول السنة فهي على الحقيقة أجره ومنهم من يخرج الزكاة كما ينبغي فيقول له إبليس ما بقي عليك فيمنعه أن يتنفل بصدقة حبا للمال فيفوته أجر المتصدقين ويكون المال رزق غيره . وبإسناد عن الضحاك عن ابن عباس قال أول ما ضرب الدرهم أخذه إبليس فقبله ووضعه على عينه وسرته وقال بك أطغى وبك اكفر رضيت من ابن آدم بحبه الدينار من ان يعبدني . وعن الأعمش .. قال إن الشيطان يرد الإنسان بكل ريدة فإذا أعياه اضطجع في ماله فيمنعه أن ينفق منه شيئا .
والثالث : من حيث التكثير بالأموال فإن الغني يرى نفسه خيرا من الفقير ..
والرابع: في إنفاقها فمنهم من ينفقها على وجه التبذير والإسراف ..
ومنهم من إذا تصدق أعطى الفقير والناس يرونه فيجمع بين قصده مدحهم وبين إذلال الفقير .. ومنهم من يفق على الأوقات والرقص ويرمي الثياب على المغني ويلبس عليه إبليس بأنك تجمع الفقراء وتطعمهم .. ومنهم من يجوز في وصيته ويحرم الوارث ويرى أنه ماله يتصرف فيه كيف شاء وينسى أنه بالمرض قد تعلقت حقوق الوارثين به ..
وقد لبس إبليس على الفقراء فمنهم من يظهر الفقر وهو غني فان أضاف الى هذا السؤال والأخذ من الناس فانما يستكثر من نار جهنم ..
فصل ومن تلبيس إبليس على الفقراء أنه يرى نفسه خيرا من الغني إذ قد زهد فيما رغب ذلك الغني فيه ..
تلبيس إبليس على جمهور العوام
وقد لبس إبليس على جمهور العوام بالجريان مع العادات وذلك من أكثر أسباب هلاكهم فمن ذلك أنهم يقلدون الآباء والإسلام في اعتقادهم على ما نشئوا عليه من العادة .... ومن جريانهم مع العادات كثرة الإيمان الحانثة التي أكثرها ظهاروهم لا يعلمون فأكثر قولهم في الإيمان حرام علي ان بعت . ومن عاداتهم لبس الحرير والتختم بالذهب .. ومن عاداتهم إهمال إنكار المنكر حتى أن الرجل يرى أخاه أو قريبه يشرب الخمر ويلبس الحرير فلا ينكر عليه ولا يتغير بل يخالطه مخالطة حبيب . ومن عاداتهم أن يبني الرجل على باب داره مصطبة يضيق بها طريق المارة ، وقد يجتمع على باب داره ماء مطر ويكثر فيجب عليه إزالته .. ومن عاداتهم دخول الحمام بلا مئزر وفيهم من إذا دخل بمئزر رمى به على فخذه فيرى جوانب اليتيه ويسلم نفسه إلى المدلك فيرى بعض عورته ويمسها بيده لأن العورة من السرة إلى الركبة ، ثم ينظر هؤلاء إلى عورات الناس ولا يكاد يغض ولا ينكر.
ومن عاداتهم ترك ترك القيام بحق الزوجة وربما اضطروها إلى أن تسقط مهرها ويظن الزوج أنه قد تخلص بما قد اسقطته عنه وقد يميل الرجل إلى إحدى زوجتيه دون الأخرى فيجوز في القسم متهاونا بذلك ظنا أن الأمر فيه قريب ...
ومن عاداتهم اثبات الفلس عند الحاكم ويعتقد الذي قد حكم له بالفلس أنه قد سقطت عنه بذلك الحقوق وقد يؤسر ولا يؤدي حقا ...
ومما جروا فيه على العادة دفن الميت في التابوت ....ويقيمون النوح على الميت ..
ومن عاداتهم يلبسون بعد الميت الدون من الثياب ويبقون على ذلك شهرا أو ستة وربما لم يناموا هذه المدة في سطح.
ومن عاداتهم زيارة المقابر في ليلة النصف من شعبان وإيقاد الدار عندها وأخذ تراب القبر المعظم . ..
تلبيس إبليس على النساء
وأما تلبيس إبليس على النساء فكثير جدا .. فمن ذلك أن المرأة تطهر من الحيض بعد الزوال فتغتسل بعد العصر فتصلي العصر وحدها وقد وجبت عليها الظهر وهي لا تعلم ، وفيهن من يؤخر الغسل يومين وتحتج بغسل ثيابها.. وقد تؤخر غسل الجنابة في الليل إلى أن تطلع الشمس فإذا دخلت الحمام لم تتزر بمئزر.. وقد تصلي المرأة قاعدة وهي تقدر على القيام فالصلاة حينئذ باطلة ، وقد تحتج بنجاسة في ثوبها من بول طفلها وهي تقدر على غسله ولو أرادت الخروج إلى الطريق لتهيأت واستعدت ، وإنما هان عندها أمر الصلاة ، وقد لا تعرف من واجبات الصلاة شيئا ولا تسأل . وقد ينكشف من الحرة ما يبطل صلاتها وتستهين به .
وقد تستهين المرأة بإسقاط الحبل ولا تدري أنها إذا أسقطت ما قد نفخ فيه الروح فقد قتلت مسلما .. وقد تسيىء الزوجة عشرتها مع الزوج وربما كلمته بالمكروه .. وتخرج بغير إذنه وتقول ما خرجت في معصية ولا تعلم أن خروجها بغير إذنه معصية ثم نفس خروجها لا يؤمن منه فتنة. وفيهن من تلازم القبور وتحد لا على الزوج .. ومنهم من يدعوها زوجها إلى فراشه فتأبي وتظن هذا الخلاف ليس بمعصية وهي منهية عنه، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فباتت وهو عليها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح ) .. وقد تفرط المرأة في مال زوجها ولا يحل لها أن تخرج من بيته شيئا إلا أن يأذن لها أو تعلم رضاه ، وقد تعطي من ينجم لها بالحصى ويسحر .. وقد تستجير ثقب آذان الأطفال وهو حرام، فان أفلحت وحضرت مجلس الواعظ فربما لبست خرقة من يد الشيخ الصوفي وتصافحه ..
التعليق :
أولا :
رائع ما ذكره إبن الجوزى من تفاصيل عن حياة من أطلق عليهم ( العوام ) أي معظم الناس في عصره ، عن النساء، والعياريين ( أي اللصوص ) ، والزهاد ، والصوفية ، والمتخذين شعار الفتوة الخ . وهو كالعادة يردّ عليهم بدينه السُنّى الحنبلى بأحاديث مفتراة ينسب فيها للنبى محمد أن يعلم الغيب ، بل أحاديث يتكلم فيها إبليس نفسه ، أي إنه يعظ الناس يخوفهم من إبليس ثم يستشهد بإبليس .
ثانيا : الرد القرآنى :
قال جل وعلا :
1 ـ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113)أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114) الانعام ). لكل نبى عدو ، هم الذين يؤلفون وحيا شيطانيا يجعلونه دينا ـ وهؤلاء هم القادة ، ومعهم أتباعهم الذين يسمعون لهم . هم معا الأكثرية الساحقة في كل زمان ومكان ومهما إختلف اللسان . لو أطاعهم النبى نفسه لأضلُّوه . قال جل وعلا في الآية التالية : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ(116)الانعام ). ونعلم من القرآن الكريم أن أكثرية الناس لا تعقل ولا تعلم ولا تؤمن بالله جل وعلا إلا وهى مشركة .
2 ـ تتضمن القيادات كل الذين يكذبون على الله جل وعلا من ( أصحاب القداسة ) و( أصحاب الفضيلة ) من البابوات وشيوخ الأزهر والبخارى ومسلم والشافعى وإبن حنبل والكافى وشيوخ ( قُم ) ..وإبن الجوزى ..يقول عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ(60)الزمر )
3 ـ ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ(94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) الشعراء ). وهم فيها يختصمون ، الأتباع يقولون لأولياهم الذين عبدوهم : ( تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98). ثم يلتفتون الى علماء السوء فيقولون لهم : ( وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99).!
4 ـ وتفصيلات أخرى في خصوماتهم وهم النار . قال جل وعلا :
4 / 1 : ( وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ(21) إبراهيم )
4 / 2 : ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ(47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ(48)غافر )
4 / 3 : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ(32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(33) سبأ ).
5 ـ في النهاية يقول جل وعلا عن الأتباع : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا(68)الأحزاب ) .
ودائما : صدق الله العظيم .!!
الباب الأخير
الفقه الوعظى في كتابات ابن تيمية وابن القيم وابن الحاج العبدرى
الفصل الأول
الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 الوعظى
مقدمة :
إبن تيمية الحرانى الشامى مولود عام 661 وتوفى عام 728 من الهجرة ، الموافق 1263 : 1328 ) ميلادية . هو أشهر فقيه في العصر المملوكى مع كونه حنبليا .شهرته سببها موقفه الإيجابى ضد الصوفية المسيطرين في عهده ، وهم عملاء الإستبداد العسكرى المملوكى .
أصحاب السلطان الذين سجنوا إبن تيمية انتهى أمرهم الى زبالة التاريخ ، لا يعرفهم سوى المتخصصين في التاريخ المملوكى . من الذى يعرف السلطان بيبرس الجاشنكير أو السلطان الناصر محمد بن قلاوون ؟ . ماتوا ومات ابن تيمية ، ولكن لا يزال إبن تيمية حيا بكتاباته مهما كان إختلافنا مع كتاباته . هذا يؤكد أن الإضطهاد من السلطة هو الذى يعطى الفكر إستمرارية حتى لو لم يكن إصلاحيا ، فكيف إذا كان إصلاحيا يبرىء الإسلام من أوزار أئمة المحمديين ، وأبرزهم إبن الجوزى وابن تيمية وابن القيم ؟ مع قسوة الإضطهاد ظل فكر إبن تيمية الحنبلى نارا متقدة تحت الرماد إلى أن بعثته من مرقدة الدعوة الوهابية ، والتي تأسست بها الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة الراهنة . مبكرا أسّس أتباع الملك المؤسس عبد العزيز جماعة ( الإخوان المسلمين ) وهم الذين نشروا التنظيمات الوهابية الساعية للوصول الى الحكم ، وصار لها فروع إقليمية وعالمية ، ما ظهر منها وما بطن ، وآخرها داعش وأخواتها في الشام والعراق. وبقطار النفط السريع نشر الملك فيصل الوهابية في مجتمعات المحمديين إقليميا وعالميا ، فأصبح الإسلام موصوما بالإرهاب . وظهر أهل القرآن يدعون الى إصلاح سلمى ، ويدفعون الثمن .
2 ـ فى كتابات إبن تيمية الفقهية الوعظية الجيد والردىء ـ هذه وجهة نظرنا ـ وعموما فهو كان خصما عنيفا للشيعة والصوفية ، وكان يرد عليهم بالقرآن الكريم ، وهذا جيد جدا ، وكان يرد بالأحاديث . وليس هذا جيدا . وعموما كان أفضل من الثرثار إبن الجوزى .
3 ـ ونعرض بإختصار لبعض ما قال عن الصوفية :
أولا :
عن تسمية الصوفية أنفسهم بالفقراء والفقير :
رد عليهم بمعنى الفقراء والمساكين مستحقى الصدقة في القرآن الكريم ، وحسنا فعل . ثم قال عن صوفية عصره : ( وأما المستأخرون فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى كما هو الصوفي في عرفهم أيضاً )
ثانيا :
ثم عن مصطلحات المراتب الصوفية مثل القطب الغوث والأقطاب السبعة والأوتاد والأبدال فقد نفى وجودها في القرآن الكريم و في السُنّة الصحيحة في رأيه . يقول :
( وأما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي يكون بمكة والأوتاد الأربعة والأقطاب السبعة والأبدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة فهذه الأسماء ليست موجودة في كتاب الله ولا هي أيضاً مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم .. إلا لفظ الأبدال فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد ..وأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله تعالى فهو غياث المستغيثين لا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة بهم إلى الثلاثمائة والثلاثمائة إلى السبعين والسبعين إلى الأربعين والأربعين إلى السبعة والسبعة إلى الأربعة والأربعة إلى الغوث فهو كاذب ضال مشرك ..وهذا من جنس دعوى الرافضة ( الشيعة ) ..)
( وأما القطب فيوجد في كلامهم أيضاً‏:‏ فلان من الأقطاب وفلان قطب فكل من دار عليه أمر من أمور الدين والدنيا باطناً أو ظاهراً فهو قطب ... وكذلك لفظ البدل جاء في كلام كثير منهم .. والذين تكلموا باسم البدل أفردوه بمعان منها أنهم أبدال ومنها أنهم كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلاً.. فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة ‏"‏‏.‏
فصل :
( وليس في أولياء الله المتقين بل ولا أنبياء الله ولا المرسلين من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس بل هذا من جنس قول القائل بأن علياً في السحاب وأن محمداً بن الحنفية في جبال رضوى وأن محمد بن الحسن في سرداب سامراء وإن الحاكم في جبل مصر وأن الأبدال رجال الغيب في جبل لبنان فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان ... )
( وأما هؤلاء القلندرية المحلقين اللحى فمن أهل الضلالة والجهالة وأكثرهم كافرون بالله ورسوله لا يرون وجوب الصلاة والصيام ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق بل كثير منهم أكفر من اليهود والنصارى وهم ليسوا من أهل الملة ولا من أهل السنة وقد يكون فيهم من هو مسلم لكن مبتدع ضال أو فاسق فاجر ومن قال إن قلندر كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب وافترى ... وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذه الأزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان ..)
( وأما النذر للقبور أو لسكان القبور أو العاكفين على القبور سواء كانت قبور الأنبياء أو الصالحين فهو نذر حرام باطل يشبه النذر للأوثان ..ومن اعتقد أن بالنذور لها نفعاً أو أجراً ما فهو ضال جاهل ..والقرآن من أوله إلى آخره وجميع الكتب والرسل إنما بعثوا بأن يعبد الله وحده لا شريك له وأن لا يجعلوا مع الله إلها آخر ..)
( وأما من زعم أن الملائكة والأنبياء تحضر سماع المكاء والتصدية محبة له ورغبة فيه فهو كاذب مفتر بل إنما تحضره الشياطين .. وآثار الشيطان تظهر على أهل السماع الجاهلي مثل الإزباد والإرعاد والصرخات المنكرة ونحو ذلك ‏"‏‏.‏
( وأما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى أبي بن كعب ، والمشهد الذي في ظاهرها المضاف إلى أويس القرني ، والمشهد الذي في سفح لبنان المضاف إلى نوح عليه السلام ، والمشهد الذي بمصر المضاف إلى الحسين - كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح فيها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبت غيره قبر الخليل عليه السلام أيضاً ..وأما اتخاذ القبور أوثاناً فهو من دين المشركين .
عن عقيدة الصوفية في وحدة الوجود . قال إبن تيمية :
هذه الأقوال المذكورة تشتمل على أصلين باطلين مخالفين لدين المسلمين واليهود والنصارى مخالفتهما للمعقول والمنقول‏ .. لأن الحلول والاتحاد العام يتناول هذا كله وقد قال مرة شيخهم الشيرازي لشيخه التلمساني وقد مر بكلب أجرب ميت‏:‏ هذا أيضاً من ذات الله فقال‏:‏ وثم خارج عنه ومر التلمساني ومعه شخص فاجتاز بكلب فركضه الآخر برجله فقال‏:‏ لا تركضه فإنه منه‏.‏ وهذا مع أنه من أعظم الكفر والكذب الباطل في العقل والدين ..وقوله‏:‏ خلق من نوره آدم وجعله كالمرآة وأنا ذلك النور وآدم هو المرآة - يقتضي أن يكون آدم مخلوقاً من المسيح والمسيح خلق من مريم ومريم من ذرية آدم فكيف يكون آدم مخلوقاً من ذريته وإن قيل المسيح هو نور الله فهذا القول وإن كان من جنس قول النصارى فهو شر من قول النصارى فإن النصارى يقولون‏:‏ إن المسيح هو الناسوت واللاهوت الذي هو الكلمة هي جوهر الابن وهم يقولون‏:‏ الاتحاد اتحاد اللاهوت والناسوت متجدد حين خلق بدن المسيح لا يقولون أن آدم خلق من المسيح إذ المسيح عندهم اسم اللاهوت والناسوت جميعاً وذلك يمتنع أن يخلق منه آدم وأيضاً فهم لا يقولون إن آدم خلق من لاهوت المسيح‏.‏
وأيضاً فقول القائل إن آدم خلق من نور الله الذي هو المسيح إن أراد به نوره الذي هو صفة لله فذاك ليس هو المسيح الذي هو قائم بنفسه إذ يمتنع أن يكون القائم بنفسه صفة لغيره وإن أراد بنوره ما هو نور منفصل عنه فمعلوم أن المسيح لم يكن شيئاً موجوداً منفصلاً قبل خلق آدم فامتنع على كل تقدير أن يكون آدم مخلوقاً من نور الله الذي هو المسيح وأيضاً فإذا كان آدم كالمرآة وهو ينظر إلى ذاته المقدسة فيها لزم أن يكون الظاهر في آدم هو مثال ذاته لا أن آدم هو ذاته لا أن آدم هو ذاته ولا مثال ذاته ولا كذاته وحينئذ فإن كان المراد بذلك أن آدم يعرف الله تعالى فيرى مثال ذاته العلمي في آدم فالرب تعالى يعرف نفسه فكان المثال العلمي إذا أمكن رؤيته كانت رؤيته للعلم المطابق له القائم بذاته أولى من رؤيته للعلم القائم بآدم وإن كان المراد أن آدم نفسه سأل الله فلا يكون آدم هو المرآة بل يكون هو كالمثال الذي في المرآة‏.‏ وأيضاً فتخصيص المسيح بكونه ذلك النور هو قول النصارى الذين يخصونه بأنه الله وهؤلاء الاتحادية ضموا إلى قول النصارى قولهم بعموم الاتحاد حيث جعلوا في غير المسيح من جنس ما تقوله النصارى في وأما قول ابن الفارض‏:‏ وشاهد إذا استجليت ذاتك من ترى بغير مراء في المرآة الصقيلة أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر إليك بها عند انعكاس الأشعة فهذا تمثيل فاسد وذلك أن الناظر في المرآة مثال نفسه فيرى نفسه وكذا المرآة لا يرى نفسه بلا واسطة فقولهم بوجود باطل وبتقدير صحته ليس هذا مطابقاً له وأيضاً فهؤلاء يقولون بعموم الوحدة والاتحاد والحلول في كل شيء فتخصيصهم بعد هذا آدم أو المسيح يناقض قولهم بالعموم وإنما يخص المسيح ونحوه من يقول بالاتحاد الخاص كالنصارى والغالية من الشيعة وجهال النساك ونحوهم وأيضاً فلو قدر أن الإنسان يرى نفسه في المرآة فالمرآة خارجة عن نفسه فرأى نفسه أو مثال نفسه في غيره والكون عندهم ليس فيه غير ولا سوى فليس هناك مظهر مغاير للظاهر ولا مرآة مغايرة للرائي‏.‏
وهم يقولون‏:‏ إن الكون مظاهر الحق فإن قالوا المظاهر غير الظاهر لزم التعدد وبطلت الوحدة وإن قالوا المظاهر هي الظاهر لم يكن قد ظهر شيء في شيء ولا ظهر شيء لشيء وكان قوله‏:‏ وشاهد إذا استجليت نفسك أن ترى‏ ‏كلاماً متناقضاً لأن هنا مخاطِباً ومخاطَباً ومرآة تستجلى فيها الذات فهذه ثلاثة أعيان فإن كان الوجود واحداً بالعين بطل هذا الكلام وكل كلمة يقولونها تنقض أصلهم‏. ) إنتهى مع الاختصار .
التعليق :
أولا :
أجاد إبن تيمية في الرد عليهم بالقرآن الكريم ، وكان ينبغي أن يكتفى بالقرآن الكريم وحده حديثا وحكما . قال جل وعلا :
1 ـ ( أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(185) مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(186)الأعراف )
2 ـ ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ(49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50)المرسلات )
3 ـ ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6)الجاثية )
4 ـ (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ(114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)الأنعام ).
ثانيا :
مع غلبة الجانب الفكري في ردود إبن تيمية فإنه :
1 ـ أورد بعض نواحى الحياة الواقعية في عصره شاهدا عليها ، كقوله ( وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذه الأزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان ) ( ( وأما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى أبي بن كعب ، والمشهد الذي في ظاهرها المضاف إلى أويس القرني ، والمشهد الذي في سفح لبنان المضاف إلى نوح عليه السلام ، والمشهد الذي بمصر المضاف إلى الحسين - كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح فيها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبت غيره قبر الخليل عليه السلام أيضاً ) .
هنا نراه مؤمنا بالقبر الرجسى الكاذب المنسوب زورا للنبى محمد عليه السلام .
ومنها نتعرف على نفوذ التصوف ونشاط الشيعة أو كما كان يقال عنهم ( الرافضة ) ومعتقداتهم ، وقبورهم المقدسة ، ومنهم من لا يزال بيننا حتى الآن مثل شيعة سوريا .
2 ـ لم يأت بجديد في عرض عقائد التصوف في وحدة الوجود ، ولم يأت يجديد في نقدها ، هو فقط أضاف اليهم ما ظهر منهم بعد موت إبن الجوزى مثل مقالات إبن عربى وقصائد إبن الفارض وعفيف الدين التلمسانى وابن سبعين ..
3 ـ ومع ذلك يظل إبن تيمية الحنبلى في فقهه الوعظى أفضل من الثرثار إبن الجوزى الحنبلى .
ج2 : ( نقد الأحاديث ) كتاب الفقه الوعظى
مقدمة :
في الأحاديث الموضوعة كتب إبن الجوزى وإبن تيمية وإبن القيم والسيوطى . ولكل منهم أسلوبه . ولكنهم جميعا يتفقون في :
1ـ الايمان بالحديث و ( السنة ) ولا يؤمنون بالقرآن الكريم وحده حديثا .
2 ـ لا يقتربون بالنقد للكتب المقدسة لديهم مثل صحيح البخارى ومسلم وغيرهما.
3 ـ يوجهون النقد لأحاديث راجت في عهدهم من الفرق الأخرى كالصوفية والشيعة.
نعطى أمثلة من كتاب إبن تيمية ( حديث القُصّاص )
أولا :
مشهور حديث الولى الذى ذكره البخارى حديثا قدسيا بزعمه ، ليؤسّس لدين التصوف وهو : ( يقولُ اللهُ تعالى : من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربةِ ، وما تقرب إليّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افترضته عليه ، ولا يزالُ عبدي يتقربُ إليّ بالنوافلِ حتى أحبَّه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به وبصرَه الذي يُبصِرُ به ويدَه التي يَبطشُ بها ورجلَه التي يمشي بها ، فبي يسمعُ وبي يُبصرُ وبي يَبطشُ وبي يمشي ، ولئن سألني لأُعطينه ولئن استعاذني لأُعيذنه ، وما ترددت في شيءٍ أنا فاعلُه ترددي في قبضِ نفسِ عبدي المؤمنِ يكرهُ الموتَ وأكرهُ مساءتَه ولابدَّ له منه ) زعم البخارى أنه مروى عن أبى هريرة، يعنى أن أبا هريرة ـ بسلامته ــ سمعه من الله جل وعلا . إبن تيمية ذكره في ( مجموع الفتاوى ) مؤمنا به وبأبي هريرة أيضا !.
ثانيا :
نعرض لنماذج إعترض عليها إبن تيمية في كتابه ( حديث القُصّاص ) يعتبرها أحاديث موضوعة كاذبة :
منها أحاديث كوميدية مضحكة . مثل :
( أَنَّهُ مَدَّ رِجْلَيْهِ* فِي الْمَسْجِدِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ:
يَا مُحَمَّدُ! مَا أَنْتَ فِي مَنْزِلِ عَائِشَة»).
قال عنه : هذا الحديث لا يعرف له إِسناد.
ونقول : إبتسم من فضلك !
( العازب فراشه من نار ) .
لم يعلق عليه .
( مسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة امرأة بلا رجل)
ونقول : كان ينبغي أن يرد إبن تيمية : فهل كان نبى الله يحيى مسكينا ؟
( من بات في حراسة كلب بات في غضب الله )
كان ينبغي أن يرد إبن تيمية : فماذا عن أصحاب الكهف الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى . قال جل وعلا : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا(18) الكهف )
( أَنَّهُ أَمَرَ النِّسَاءَ بِالْغُنْجِ لِأَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ الْجِمَاعِ ).
قال إبن تيمية : ( ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.)
وأقول : هل من لا تفعل ذلك تكون عاصية وتدخل النار أم تدخل السينما ؟
( مصر كنانة الله في أرضه، ما طلبها عدو إلا أهلكه الله) .
قال : هذا مأْثورٌ، لكن ما أَعرف إسناده.
أقول : سهل صناعة إسناد له . هذا مع علمه ان مصر تعرضت لحملات صليبية في العصر المملوكى وقبله . وهى أكثر دولة تعرضت للإحتلال من الهكسوس الى إسرائيل .
( الجنة تحت أقدام الأمهات )
لم يرد إبن تيمية بالقرآن الكريم الذى يساوى بين الوالدين في الميراث والوصية والاحسان حتى مع ذكر معاناة الأم في الحمل . ألا يكفى قوله جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(14) لقمان ) ؟
( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) .
أقول : ما هو عنوان هذه المدينة الآن ؟
ثالثا
منها عن مزاعم الصوفية :
أحاديث في عقائد التصوف ، مثل :
»- مَا وَسِعَنِي سَمَائِي* وَلَا أَرْضِي، بَلْ** وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ» .
قال عنه : هذا مذكورٌ في الإسرائيليات. وليس له إسناد معروفٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم. .
- «القلب بيت الرب»
قال عنه : هذا الكلامُ مِنْ جنس الأَول: [فإن] * القلب بيتُ الإيمان بالله ومعرفته ومحبته**.
وليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
( كُنْتُ كَنْزًا لَا أُعْرَفُ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ فَخَلَقْتُ خَلْقًا. فَعَرَّفْتُهُمْ بِي، فَبِي عَرَفُونِي)
قال : ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له إسنادٌ صحيح ولا ضعيف.
( أَنَا مِنَ [اللهِ] ، وَالمُؤْمِنُونَ مِنِّي ).
هذا اللفظ لا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم
( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين). هذا عن ( الحقيقة المحمدية ) وتأليه محمد عندهم .
عن كرامات الأولياء المزعومة :
( الدنيا خطوة رجل مؤمن)
عن لقب الصوفية : الفقراء :
(- اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم في غد دولة وأي دولة)
(الفقر فخري، وبه أفتخر)
( مَنْ بُورِكَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ )
قال : كلاهما كذبٌ، لا يُعرف في شيءٍ من كتب المسلمين المعروفة.
هل يكفى هذا ردّا ؟ هل كتابات ( المسلمين ) دين ؟ أم هو القرآن الكريم وكفى ؟
( يعتذر إلى الفقراء يوم القيامة ويقول - يعني الله تعالى -: وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي، ولكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم. انطلقوا إلى الموقف، فمن أحسن إليكم بكسرة، أو سقاكم شربة من ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به إلى الجنة):
أقول : هل رب العزة جل وعلا ـ الكبير المتعال الجبار ـ يعتذر لبعض خلقه ؟ كان ينبغي أن يقول هذا إبن تيمية .!
( فقراؤكم حسناتكم)
أقول : هل بدونهم لا حسنات للمتقين أصحاب الجنة ؟
عن حفلات السماع الصوفية :
( أن أبا محذورة أنشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم: قد لسعت حية الهوى كبدي ... فـ لا طبيب لها ولا راقي إلى آخرها. وتواجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت البردة عن كتفيه، فتقاسمها فقراء الصفة وجعلوها رقعا في ثيابهم )
عن العلم اللدنى المزعوم :
( من أخلص لله عز وجل أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه )
( أن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم مع أبي بكر كنت بينهما كالزنجي الذي لا يفهم ) . هل الزنوج لا يفهمون ؟
الولائم الصوفية :
(- مَنْ أَكَلَ مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ غُفِرَ لَهُ).
هذا ليس له إِسناد عند أهل العلم*، ولا هو في شيءٍ من كتب المسلمين. إِنما يروونه عن سنان**. وليس معناه صحيحًا على الإطلاق؛ فقد يأْكل مع المسلمين الكفار والمنافقون.
أقول : سهل جدا أن يجعلوا له إسنادا .
( مَنْ أَشْبَعَ جَوْعَةً أَوْ سَتَرَ عَوْرَةً ضَمِنْتُ لَهُ عَلَى اللهِ الْجَنَّةَ).
قال : هذا لفظٌ لا يعرف عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
أقول : هل يضمن النبى لأحد الجنة ؟ ماذا عن : ( قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)الانعام ) ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(13) الزمر ) ( نِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) يونس )
وماذا عن قوله جل وعلا أن يعلن : ( قلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(9) الأحقاف )
( البركة مع أكابركم )
( من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة)
نقول إن النبى لم يكن يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه. لا نتصور إبن تيمية يقول هذا لأنه يؤمن بأحاديث باطلة عن الغيبيات .
( يأتي على أمتي زمان، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر) النبى لم يكن يعلم الغيب ، رغم أنف إبن تيمية وغيره .
(أكرموا ظهوركم فإن فيها منافع للناس)
هذا عن شهرتهم بالشذوذ الجنسى
( الشيخ في قومه كالنبي في أمته )
نقول : هذا تواضع منهم ، لأنهم يؤلّهون شيوخهم .
( اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين) .
قال : يُرْوَى لكنه ضعيف لا يثبت. ومعناه: أحيني خاشعًا متواضعًا. لكنَّ اللفظ لم يثبت.
نقول : كان ينبغي أن يرد بأن المسكنة تأتي بمعنى الذُّل : قال جل وعلا : ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(112) آل عمران )
( حسنات الأبرار سيئات المقربين)
قال : هذا من كلام بعض الناس، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول :
كل الأحاديث كلام الناس وليس كلام الرسول أو كلام رب الناس . وكان ينبغي عليه أن يعلم أن الأبرار هم المقربون . قال جل وعلا : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ(18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ(21)المطففين ) وأنه لا يمكن أن تكون الحسنات سيئات .
( لَوْ كَانَ الْمُؤْمِنُ فِي ذرْوَةِ جَبَلٍ قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُؤْذِيهِ، أَوْ شَيْطَانًا يُؤْذِيهِ)
قال : ليس هذا معروفًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول : هذه إساءة للّطيف بعباده .( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ) (19)الشورى )
أخيرا
1 ـ إبن تيمية كان يؤمن بالتصوف ، وبروّاده الأوائل ـ مثل الجنيد ــ منخدعا بنفاقهم . هو فقط كان خصما لشيوخ التصوف الصرحاء مثل إبن عربى وإبن الفارض وابن سبعين ..يقول ابن تيمية ــ عدو الصوفية ــ عن الصوفية في رسالة ( الصوفية والفقراء ) ( 16 : 17 )( إن الصوفية مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم ، ففيهم السابق بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين .. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد سيد الطائفة وغيره )
2 ـ أرجو ألّا يسبب هذا المقال مغصا للسلفيين الذين يقدسون إبن تيمية .
ج 2
الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) . الاستتابة او القتل .
أولا :
تعطّف ابن تيمية فجعل الإستتابة ( توبة المتهم ) سبيلا للنجاة من القتل . ننقل عنه بإيجاز:
في العبادات
( الذى يجهر بالنيّة في الصلاة ، ومن لا يلتزم بالصلاة في وقتها والذى يحضر المسجد ولا يشارك في صلاة الجماعة . )
( ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة‏:‏ كالصلوات الخمس،وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة‏:‏كالفواحش، والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرةالمتواترة‏:‏ كالخبز واللحم والنكاح ـ فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإنأضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا ،لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة،إذا ظهر ذلك منه‏.‏)
( والرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس، أو تركبعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ )
( فمن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى في مسجده ؛ وصلى في مسجد قباء وزار القبور كما مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي عمل العمل الصالح . ومن أنكر هذا السفر فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل .)
( سُئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولايدخل، ويصلي في بيته، ولا يشهد الجماعة، وإذا خرج إلى الجمعة يخرج مغطى الوجه، ثم إنه يخترع العياط من غير سبب، وتجتمع عنده الرجال والنساء، فهل يسلم له حاله ‏؟‏ أو يجب الإنكار عليه‏؟‏ فأجاب ‏:‏ ( هذه الطريقة طريقة بدعية، مخالفة للكتاب والسنة، ولما أجمع عليه المسلمون‏.‏.. فإن التعبد بترك الجمعة والجماعة، بحيث يرى أن تركهما أفضل من شهودهما مطلقًا كفر، يجب أن يستتاب صاحبه منه، فإن تاب وإلاقتل‏.‏ )
( ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة‏:‏ كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة‏:‏كالفواحش، والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة‏:‏ كالخبز واللحم والنكاح ـ فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن أضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا ،لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه‏.‏)
( ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين‏:‏ هل يباح له ذلك‏؟‏ قال‏:‏نعم، فإذا قيل‏:‏ إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة، قال‏:‏ إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل‏.‏)
في المعتقدات
الذى يقول عن البيت الحرام انه الصنم المعبود ( ولو قال هذا من قاله لكان كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قتل )
( من ادعى أن شيخًا من المشايخ يخلص مريديه يوم القيامة من العذاب فقد ادعي أن شيخه أفضل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل)
( وكذلك من يقول بالحلول ..فهو ملحد ضال، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. )
( من قال‏:‏ إن الله لا يقدر على مثل إماتة الخلق وإحيائهم من قبورهم وعلى تسيير الجبال وتبديل الأرض غير الأرض فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل‏.‏)
( الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينيه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه أو ضاجعه‏!‏ وربما يعين أحدهم آدميًا؛ إما شخصًا، أو صبيًا،أو غير ذلك، ويزعم أنه كلمهم، يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفارا . )
( فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح ..، وجعل فيه نوعًا من الإلهية ..فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ ..فمن اعتقد في بشر أنه إله، أو دعا ميتًا، أو طلب منه الرزق والنصروالهداية، وتوكل عليه أو سجد له ـ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه‏.‏ومن فضَّل أحدًا من المشائخ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتقد أن أحدًا يستغنى عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه‏.‏ وكذلك من اعتقد أن أحدًا من أولياء الله يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم، كما كان الخضر مع موسى ـ عليه السلام ـ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه )
( من اعتقد أن في أولياء اللّه من لا يجب عليه اتباع المرسلين وطاعتهم فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، )
( ‏ أصحاب جهم يريدون أن يقولوا‏:‏إن اللّه لم يكلم موسى، ويريدون أن يقولوا‏:‏ ليس في السماء شيء، وأن اللّه ليس على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا‏.‏)
ـ ( ومن قال‏:‏ إن آدم ما عصى فهو مكذب للقرآن، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل، )
ـ ( ..وأما قول القائل‏:‏هذا السجود لله تعالى فإن كان كاذبًا في ذلك فكفى بالكذب خزيا، وإن كان صادقًا في ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، )
( ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش‏:‏ كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن، زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن وإن كان محرمًا في الشريعة‏.‏ وكذلك من يستحل ذلك من المردان ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهمهو طريق لبعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول‏:‏ إن التلوط مباح بملك اليمين‏.‏ فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين، وهم /بمنزلة من يستحل قتل المسلمين بغير حق، ويسبي حريمهم ويغنم أموالهم، وغير ذلك من المحرمات، التي يعلم أنها من المحرمات تحريمًا ظاهرًا متواترًا‏.‏)
( بل إذا فهم مضمون قوله‏:‏ من لم يقرأها فهو كافر، وأصر عليه بعد العلم، كان هو الكافر المستحق لأن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ )
( فأما الشرع المنزل‏:‏ فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، .. ومنلم يلتزم هذا الشرع، أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل‏.‏)
عن حفلات الرقص الدينى في التصوف : ( فأما ‏[‏السماع‏]‏ المشتمل على منكرات الدين فمن عده من القربات استتيب فإن تاب وإلا قتل‏.‏ )
عن إستحلالهم المحرمات : ( من ادعى أن المحرمات تحريمًا عامًا‏:‏ كالفواحش، والظلم والملاهي، حرام على الناس حلال له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، )
( ولم يكن أحد من الصحابة يستخف بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر‏.‏ ومن فعل ذلك فهو كافر ومن اعتقد هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ .)
( جميع هذه الأحاديث ( احاديث أهل الصفة ) أكاذيب مختلقة، ليتبوأ مفتريها مقعده من النار‏.‏لا خلاف بين جميع علماء المسلمين ـ أهل المعرفة وغيرهم ـأنها مكذوبة مخلوقة، ليس لشيء منها أصل؛ بل من اعتقد صحة مجموع هذه الأحاديث فإنهكافر؛ يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل .)
(. إذا فهم مضمون قوله‏:‏ من لم يقرأها فهو كافر، وأصر عليه بعد العلم، كان هو الكافر المستحق لأن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ والله أعلم‏.‏)
( ومن هؤلاء‏:‏ من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله، ولا يعرف أنهيجب عليه أن يتوب من هذا، وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه، فإنه يستتاب، فإن تابوإلا قتل؛
الاعتقاد في الوسائط ( الأولياء الصوفية ) ( ..‏.‏ فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ .. ( وأما فعل ذلك تدينًا وتقربًا فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة، وتدينًا فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏) ( فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ ) ( ‏ دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضًا نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين‏.‏ ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدًا‏.‏ )
ثانيا :
هذا الهُراء
1 ـ أصله إفتراء ( حد الردة ) ، أو قتل المرتد إن لم يتب . ولنا كتاب في نفى ( حدّ الردة ) منشور هنا .
2 ـ ردّده فقهاء الاخوان المسلمين والسلفيين في عصرنا .
الشيخ سيد سابق فى كتابه (فقه السنة) يقول بوجوب استتابة المرتد ولو تكررت ردته ويمهله فترة زمنية يراجع فيها نفسه وتفند وساوسه وتناقش فيها أفكاره ، فإن عدل عن موقفه وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام قبلت توبته وإلا أقيم عليه حد الردة وقتل..ويقول (وقدر بعض العلماء هذه الفترة بثلاثة أيام وترك بعضهم تقدير ذلك مع تكرير التوجيه والنقاش حتى يغلب على الظن أنه لن يعود إلى الإسلام، وحينئذ يقام عليه الحد وقيل يجب قتله فى الحال..).
3 ـ وقد جعلوا السبب الموجب للاتهام بالردة مائعاً غير محدد يسهل تفسيره حسب الهوى، وهو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة. (والمعلوم من الدين بالضرورة) مصطلح فقهى متأخر غير محدد وغير متفق عليه، ولم يكن معروفا قبل العصر المملوكى . ولا توجد قائمة محددة ومتفق عليها بذلك المعلوم من الدين بالضرورة في كتابات الفقهاء أنفسهم.. والدليل على ذلك أن كل فقيه يضع أمثلة للمعلوم من الدين بالضرورة، مجرد أمثلة قابلة للزيادة والنقصان، ومجرد قائمة تعبر عن رأى ذلك الفقيه وعصره ومستواه وعقليته..
4 ـ والشيخ سيد سابق فى كتابه (فقه السنة) أورد أمثلة للمعلوم من الدين بالضرورة يعبر فيها عن آرائه وموقفه من بعض مظاهر حياتنا السياسية المعاصرة ، يقول فى المرتد الذى ينكر المعلوم من الدين بالضرورة والذى يستحق القتل،(.. إنه يستحل المحرم الذى أجمع المسلمون على تحريمه ويحرم الحلال الذى أجمع المسلمون على حله، أو يسب النبى ويسب الدين ويطعن فى الكتاب والسنة ويترك الحكم بهما ويفضل القوانين الوضعية عليهما، أو يدعى الوحى، أو يلقى المصحف فى القاذورات أو كتب الحديث مستهيناً بهما مستخفاً بهما..إلخ). ولم يكن من بنود المعلوم من الدين بالضرورة فى العصور السابقة وفى كتابات الفقهاء السابقين الحكم بالكتاب والسنة على القوانين الوضعية، لأن تطبيق الشريعة لم يكن شعاراً سياسياً فى العصرين العباسى والمملوكى، أى أن الشيخ سيد سابق جاء بمعلوم جديد من الدين بالضرورة لم يعرفه الفقهاء السابقون، لأن عصر السيد سابق يموج بحركة علمانية تتخذ موقفاً من دعوة التيار الدينى لتطبيق الشريعة، وحينئذ نفهم لماذا يهددهم الشيخ بحد الردة لأنهم ــ عنده ـ أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة ، وهى فى الحقيقة قائمة تزيد وتنقص حسب الأحوال وحسب رأى كل فقيه وكل عصر، وتبدأ من الإلحاد والكفر لتشمل إلقاء كتب الحديث فى القاذورات. كما قال الشيخ سيد سابق أو إلقاء كتب الفقه أيضاً كما يقول الشيخ الجزري فى كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) الذى يضيف أن البصاق على كتب الفقه أو تلطيخها به من مسوغات الاتهام بالردة وبالتالي القتل، حتى لو كان البصاق طاهراً!!
وليس عجيباً بعد هذا أن يتضمن المشروع المقدم لمجلس الشعب لتطبيق الشريعة الإسلامية حد الردة، ويضع تعريف حد الردة بأنه (إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة).. ويظل ذلك المفهوم المطاط سيفاً على رقبة كل من يخالف الفقهاء، إلا أن المشروع كان كريماً مع الضحايا فأعطى ثلاثين يوماً لاستتابة المرتد قبل قتله أو بمعنى آخر إعلان عبوديته للفقهاء والكهنوت وإلا فالقتل بتهمة الردة..
إلا أن خطورة الاتهام بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة لا تتوقف على مجرد إنه اتهام مطاط وليس محدداً ببنود معينة معلومة للكافة لا تقبل الزيادة والنقصان والإضافة والحذف، ليس ذلك هو وجه الخطورة الوحيد.ولكن يضاف إليه أن مفردات الاتهام نفسها قابلة أيضاً للتفسير والتأويل والمط حسب الهوى..
فالشيخ سيد سابق يقول مثلاً أن المرتد هو الذى يطعن فى الكتاب والسنة، وذلك اتهام مطاط فى حد ذاته ففى القرآن الكريم قضايا فكرية وكلامية اختلف فيها المسلمون ولا يزالون مثل قضية الاستواء على العرش ورؤية الله والقضاء والقدر وكل فريق يستشهد بما يؤيد وجه نظره من القرآن وكل فريق يمكن أن يتهم الآخر بأنه يطعن فى الكتاب.وبالنسبة لمدلول السنة فإنه أكثر غموضاً، فأئمة الحديث كل منهم جمع وصحح من الأحاديث ما اعتبره سنة الرسول، وكلهم مختلفون، ثم جاء من بعدهم فكانوا أكثر اختلافاً وذلك يعطى كل فريق الحجة فى أن يتهم خصومه بأنهم يطعنون فى السنة.
أخيرا :
1 ـ إبن تيمية أورد حقائق تاريخية عن عصره المملوكى حيث سيطر التصوف وتحكّم شيوخه ، وكان هو من ضحاياهم . ومن هنا نفهم :
1 / 1 ـ حدّته في الهجوم عليهم بإستغلال حدّ الردة ــ الذى كان معلوما من دينهم السنى بالضرورة .
1 / 2 ـ إستحالة تنفيذ حدّ الردة على الأغلبية العظمى من ( الناس )، وإلّا فربما لن يبقى ( ناس ). لذا كان المخرج هو بالاستتابة .
2 ـ قلنا سابقا إن إبن تيمية وصل الى حضيض الكفر بقوله بقتل الزنديق وإن تاب . وقلنا إن فقهاء السلفية ردّدوا هذا الهُراء في عصرنا . نقول هنا إن موضوع الإستتابة يثبت أيضا أنه هبط الى حضيض الكفر .
3 ـ موعدنا في المقال القادم والأخير عن إبن تيمية .. فقد مللنا منه ومن حضيض كفره . عليه لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين ، ذلك الذى جعلوه ( شيخ الإسلام ) وهو شيخ الضلال .!
ج 3 الاستتابة حضيض الكفر لابن تيمية . لماذا :
مقدمة :
وعدنا في المقال السابق بالتعرض لموضوع الإستتابة عند إبن تيمية دليلا على حضيض كفره . وهنا ننبه على أن :
1 ـ المقصود هنا هو الكفر العقيدى ، وهو ما يقصده إبن تيمية في وجوب الإستتابة . وقلنا ونكرر أن هناك الإسلام السلوكى بمعنى السلام والإيمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان ، والكفر السلوكى بمعنى الاعتداء الحربى . وهذا السلوك الظاهرى هو مجال التطبيق في الشريعة الإسلامية . أما ما يخص العقائد فالاختلاف فيها قائم ومتجذر ، ومرجع الحكم فيه لله جل وعلا . نرجو تدبر الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(46)الزمر )
2 ـ ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)هود )
فيما يخص الاعتداء السلوكى فالتوبة فيه بالكفّ عن الاعتداء .
نرجو تدبر قول ربنا جل وعلا :
1 ـ ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(192) البقرة )
2 ـ ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)التوبة ) . هنا إخوان في الدين السلوكى ، بمعنى السلام .
3 ـ ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2)النصر ) . النبى محمد عليه السلام رأى دخول العرب أفواجا في الإسلام السلوكى ( بمعنى السلام ). لم يكن يعلم غيب القلوب . وإنما يرى السلوك فقط .
نأتى بعدها للموضوع الأساس :
هل الإستتابة كما كرّر إبن تيمية حق واجب للبشر ؟ أم هي لله جل وعلا وحده ؟
ندخل في التفصيلات توضيحا :
أولا :
التوبة تكون في الدنيا ، وإذا كانت مقبولة يترتب عليها الغفران في الآخرة ، وهو يعنى ( تكفير الذنوب ) أي تغطيتها فلا يتم التعذيب بها . بل يبدلها ربنا جل وعلا بحسنات .
نتدبر قول ربنا جل وعلا :
1 ـ ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(71) الفرقان )
2 ـ ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9) غافر ) تتحول السيئات الى عذاب في الآخرة .
3 ـ ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(52)يونس )
4 ـ ( وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(90)النمل )
5 ـ ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ(20)الاحقاف )
6 ـ ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(16)الطور )
7 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(7)التحريم )
بالتالى فالتوبة هي من البشر في الدنيا ، وإذا كانت توبة نصوحا مقبولة من الله جل وعلا فيترتب عليها الغفران يوم الدين . قال جل وعلا للمؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8)التحريم ).
ثانيا :
وهناك ملامح لهذا التوبة النصوح التي سينجو بها المؤمن من الخلود في الجحيم :
1 ـ أن تكون مبكرة تتيح للتائب فرصة زمنية لعمل الصالحات التي تغطى على معاصيه السابقة
نتدبر قول ربنا جل وعلا :
1 ـ ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ(54) الزمر )
2 ـ ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18)النساء )
ونتذكر توبة فرعون عند الغرق ، ولم يقبلها رب العزة جل وعلا : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92)يونس )
3 ـ ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ(88) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ(89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ(91)آل عمران ) .
أي الصلاح .. الصلاح .!! قال جل وعلا :
1 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ(159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)البقرة )
2 ـ ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(119)النحل )
3 ـ ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82)طه )
4 ـ ( فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ(67)القصص )
واضح فيما سبق أن الدعوة عامة للبشر جميعا للتوبة العاجلة النّصوح مهما بلغت معاصيهم . يقول جل وعلا أيضا :
1 ـ ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(25)الشورى )
2 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق(10)البروج )
يشمل هذا المنافقين الصرحاء . قال جل وعلا :
1 ـ ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(146)النساء )
2 ـ ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ(74)التوبة ) .
ولا يشمل هذا :
1 ـ المنافقين الذين ماتوا على نفاقهم دون توبة . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ(13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ(14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(15)الحديد )
2 ـ هؤلاء المنافقون انضموا الى الذين مردوا على النفاق من جواسيس قريش من الخلفاء الفاسقين وصحابة الفتوحات الذين لم يكن النبى يعرفهم ، وقد توعدهم الله جل وعلا بعذاب مرتين في الدنيا ، ثم بعذاب عظيم في الآخرة ، لأنهم لم يتوبوا بل إزدادوا كفرا بفتوحاتهم الكافر وبحروبهم الأهلية . قال جل وعلا : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ(101) التوبة )
3 ـ أهل الكتاب ممّن يؤله المسيح . قال عنهم جل وعلا : ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(74)المائدة )
4 ـ الخلف العُصاة بعد الأنبياء . قال جل وعلا : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا(60)مريم )
ثالثا :
أمثلة قرآنية لتوبة أعظم البشر لله جل وعلا :
ـ ( آدم ) :( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)البقرة ) ، ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى(122)طه)
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)البقرة )
موسى عليه السلام : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ(143)الأعراف )
محمد عليه السلام :
نتدبر الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ( 128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 129 ) آل عمران ). هنا خطاب مباشر له أنه ليس له أن يستتيب أحدا فليس له من الأمر شيء . التوبة من البشر للرحمن جل وعلا وحده .
2 ـ ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(54)الانعام ) خطاب مباشر آخر له . إذا جاءه أصحابه فليس له أن يستتيبهم ، بل عليه أن يخبرهم بالتوبة السريعة النصوح للرحمن جل وعلا .
3 ـ الأمر له بالتوبة والاستقامة والاستغفار . قال له جل وعلا :
3 / 1 : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) هود )
3 / 2 : ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)النصر )
3 / 3 : ثم ما أروع قوله جل وعلا له : ( كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ(30)الرعد ). عليه وحده هو يتوكل ، وإليه وحده هو يتوب .!
3 / 4 : ثم قوله جل وعلا عن توبته على النبى وبعض أصحابه في أواخر ما نزل : ( لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ(117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118)التوبة )
3 / 5 : ( إنا َّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا(1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا(2)الفتح )
3 / 6 : ( لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(89) التوبة ).
أخيرا
إبن تيمية في حضيض كفره هو متسق مع الديانات الأرضية الشيطانية ، حيث يكون أئمتها آلهة يستتيبون من يخافهم ، وهم الذين يملكون الدين ، وهم الذين يشرّعون لأنفسهم وعلى غيرهم ما تهواه أنفسهم . والويل لوطن أو لشعب يتحكّم فيه دين أرضى .

الفقه الوعظى عند إبن القيم الجوزية ( 691 : 751 ) هجرية .
ج1
مقدمة :
هو أبرز تلميذ لإبن تيمية ـ تأثر به ، وتعرض مثله للإضطهاد .
ونعرض للفقه الوعظى عنده . وسبق ان عرضنا لابن القيم في وعظه الفقهى، ونضيف هنا :
أولا : في نقد الأحاديث
تميز إبن القيم فى كتابه ( المنار المنيف فى الصحيح و الضعيف ) بنقد متن الحديث ، وقد وضع لها قواعد : يقول :
1 ـ إن من علامات بطلان الحديث أن يكون باطلا في نفسه فيدل بطلانه علي أنه ليس من كلام الرسول .. مثل حديث :" إذا غضب الله تعالي أنزل الوحي بالفارسية ، وإذا رضي أنزله بالعربية" ( المنار المنيف 120).
نقول : والواضح أن واضع هذا الحديث يتعصب للعربية ضد اللغة الفارسية.
ويستشهد ابن القيم بحديث آخر ضمن الأحاديث الباطلة ، يقول : " من لم يكن له مال يتصدق به فليلعن اليهود والنصارى". ويقول ابن القيم في تعليل بطلانه إن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبدا (المنار المنيف121).
ونقول إنه من الواضح إن واضع هذا الحديث كان متعصبا ضد اليهود والنصارى.
وقد رد عليه آخرون بوضع حديث آخر يقول :" من أذى ذميا فقد آذاني" ، وقد عد ابن القيم هذا الحديث ضمن الأحاديث الموضوعة المكذوبة أيضا ( المنار المنيف 178 ).
2 ـ ويجعل ابن القيم من علامات الوضع في الحديث ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها ، ويذكر أمثلة منها: أحاديث ذم الحبشة والسودان ، وكلها كذب مثل:" الزنجي إذا شبع زنى وإذا جاع سرق "، " إياكم والزنجي فإنه خلق مشوه " ، " دعوني من السودان ، إنما الأسود لبطنه وفرجه".ومنها أحاديث ذم الترك وأحاديث ذم الخصيان وأحاديث ذم المماليك ، ومنها أحاديث " لو علم الله في الخصيان خيرا لأخرج من أصلابهم ذرية يعبدون الله". " شر المال في آخر الزمان شراء المماليك " (المنار المنيف 155: 157).
ونقول إن الأغلب أن وضع هذه الأحاديث كان أثناء سيطرة الأتراك علي الدولة العباسية ، وشراء المماليك قبيل العصر المملوكي في الدول الأيوبية والنورية والسلجوقية بالإضافة إلي شيوع استخدام الخصيان في هذه الأزمنة فجاءت هذه الأحاديث تعبر عن استنكار الوضع القائم.
3 ـ ونعود إلي ابن القيم حيث يقرر بجرأة أن من الأحاديث الباطلة " ما وضعه جهلة المنتسبين إلي السنة في فضائل أبي بكر وعمر "، وما وضعه الشيعة في فضائل "علي" وما وضعه بعض جهلة أهل السنة في فضائل معاوية ، والأحاديث الموضوعة في ذم معاوية وذم عمرو بن العاص وبني أمية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وأولاده ، والأحاديث التي تمدح خلفاء بني العباس كأبي جعفر المنصور والسفاح والمهدي والرشيد، والأحاديث التي تحرم ولد العباس علي النار ، والأحاديث التي تذكر خلافة بن العباس وعدد الخلفاء العباسيين.ويضيف إليها " ما وضعه الكذابون في مناقب أبي حنيفة والشافعي وما وضعه الكذابون أيضا في ذمهما "( المنار المنيف 169: 174).كما يضيف الأحاديث التي وضعوها في مدح وفي ذم المدن المشهورة مثل بغداد والبصرة والكوفة ومرو وأنطاقية وعسقلان وإسكندرية ونصيبين .أي أن التعصب الديني والطائفي والوطني كان من أسباب وضع هذه الأحاديث.
4 ـ مناقضة الحديث للسنة الصريحة مناقضة بينة كاشتماله على فساد او ظلم او مدح باطل او ذم حق .
5 ـ ومنها كل حديث ذكر فيه حسان الوجوه او الثناء عليهم او الأمر بالنظر إليهم او ان النار لا تمسهم. الخ ...
6 ـ اشتماله على مجازفات مثل من فعل كذا أعطى في الجنة كذا وكذا .
7 ـ ومنها تكذيب الحس مثل الباذنجان منه شفاء لكل داء وحديث اذا عطس الرجل فهو دليل صدقه .
8 ـ ومنها سماجة الحديث وكونه ما يسخر منه مثل (لو كان الأرز رجلا لكان حليما.و لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهبا ، بئست البقلة الجرجير ، وفضل الكرات على سائر البقول كفضل البر على الحبوب ،و ان للقلب فرحة عند أكل اللحم، وربيع امتى العنب والبطيخ ، ومن اتخذ ديكا ابيض لم يغوه شيطان ولا سحر.. ومنها الأحاديث في مقدار الدنيا ،
8 ـ والأحاديث التي يذكر فيها الفقر ، وكل الأحاديث فى حياة الخضر كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد .
10 ـ ويصل ابن القيم الى نقطة جوهرية ـ وإن أشار اليها عرضا ــ وهى عدم علم النبى بالغيب ، ومعلوم ان أحاديث الغيبيات تشمل حوالى ثلث الأحاديث . إكتفى ابن القيم بقوله : ( ومنها مخالفة الحديث صريح القرآن كمقدار الدنيا وأنها كذا، فلا يعلم الساعة إلا الله )
11 ـ ونقطة أخرى خطيرة في تقديس المسجد الأقصى الذى بناه عبد الملك بن مروان في القدس على أنقاض الهيكل الاسرئيلى أثناء صراعه مع ابن الزبير ليصرف اتباعه من اهل الشام عن الحج الى البيت الحرام . وكتبنا في هذا . تكاثرت الروايات في الحج الى ما جعله عبد الملك بن مروان ( المسجد الأقصى )، وفى فضائله . ونشكر لابن القيم قوله ضمن الاحاديث الباطلة : ( والحديث الذي يروي في صخرة بيت المقدس وأنها عرش الله الأدنى ),
12 ـ ومنها صلوات الأيام والليالي كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد يوم الاثنين ويوم الاثنين ليلة الثلاثاء وليالي الأسبوع، كل احاديثها كذب، كمثل من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة كذا ... وكذلك في الرغائب ليلة اول الجمعة من رجب كلها كذب ، وقد وضع ابن جهضم حديثا يقول فيه (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر امتي ) وكل حديث في ذكر شهر رجب وصومه وفضائل الأعمال فيه موضوع قال ابن حجر في كتابه( تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) ، ومنها احاديث صلاة النصف من شعبان.
13 ـ وحديث يمدح العدس والأرز والباقلاء والباذنجان والرمان والزبيب والهندياء والكرات والجزر والجبن والهريسة والبطيخ والأزهار ،ومنها احاديث اللحوم كالنهي عن قطع اللحوم بالسكين وانه من صنع الاعاجم ،والنهى عن الأكل من السوق .
14 ـ ومنها أحاديث الابدال والاقطاب والاغنياث والنقياء والنجياء والاوتاد (طبقات الصوفية) وكلها باطلة ، وأحاديث المهدى المنتظر .
ثانيا
إفتراءات إبن القيم الجنسية
الجانب ( الجنسى ) في كتابات إبن القيم
هذا يظهر في بعض مؤلفاته، وأهمها "الروح" و "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" ، والكتاب الأخير ـ كما يظهر من عنوانه ـ يتحدث عن الحب والعشق، ويتطرق أحياناً إلى الجنس و(الوصال) بطريقة دينية، وقد وضع فى كتابه هذا قصيدة طويلة يتغزل فيها بالحور العين بألفاظ مكشوفة نستحى من ذكرها .
ونقتطف من كتاب "روضة المحبين" بعض الروايات التي حكاها ابن القيم، ـ ونعتذر عن ذلك مقدماً ـ
1 ـ يقول إن الإمام الليث بن سعد، أول فقيه في مصر ، كان إذا أراد الجماع خلا في منزل في داره ، وارتدى ثوباً يقال له (الهركان) ، فإذا لبسه علم أهل الدار أنه يريد أمراً، وكان إذا غشىّ أهله يدعو قائلاً " اللهم شد لي أصله، وارفع لي صدره، وسهل علىّ مدخله ومخرجه، وارزقني لذته، وهب لي ذرية صالحة تقاتل في سبيلك"، وكان يقول ذلك بصوت جهوري يكون مسموعاً .أي كأنه في معركة حربية.ولا نعرف كيف عرف ابن القيم هذه الخصوصية في حياة الليث بن سعد المصرى مولدا ووفاة ، وقد عاش بين 94 : 175 ) هل ابن القيم ركب آلة الزمن واقتحم على الليث بن سعد خلوته الجنسية . المهم إنه على رأى ابن القيم فإن الإمام الليث بن سعد كان يطلب المدد من الله جل وعلا ، وهذا قبل إختراع الفياجرا.!
2 ـ ونتابع ابن الجوزية فيما إفتراه في كتابه "روضة المحبين"عن ( بعض السلف الصالح ) من التابعين ذوي الفحولة الجنسية، مع الاعتذار للقاريء كالعادة : يقول : ( كان عبد الله بن ربيعة من خيار قريش صلاحا وعفة، وكان ذكره لا يرقد فلم يكن يشهد لقريش خيراً ولا شراً) أى يظل فى حالة هياج جنسى دائم بحيث لا يستطيع أن يخرج للشارع بهذا المنظر الفضيحة ، لذا أخذها من قصيرها و اعتزل الناس ليجلس مع عضوه الذكرى يهدئه . يقول ابن القيم ( وكان يتزوج المرأة فلا تمكث معه إلا أياماً حتى تهرب إلى أهلها ، فقالت زينب بنت عمر بن أبي سلمة: " ما لهن يهربن من ابن عمهن؟ "، فقيل لها: " إنهن لا يطقنه"، قالت :" فما يمنعه مني؟ فأنا والله العظيمة الخلق، الكبيرة العجز، الفخمة الفرج "، فتزوجها، فصبرت عليه، وولدت له ستة من الولد) هنا رجل هائج دائما لا تطيق النساء فحولته ، فانتهى به الأمر الى زواجه من امرأة فدائية استوعبت كل هياجه.!!
3 ـ ونعود الى ابن القيم وهو يقول (وكان محمد بن المتكدر يدعو في صلاته فيقول: اللهم قوي لي ذكري، فإن فيه صلاحاً لأهلي ) . وواضح هنا ان الأخ ابن المنكدر هذا كان يعانى ضعفا استلزم هذا الدعاء.
4 ـ ولكن على النقيض منه كان خادم ـ أو غلام ـ الصحابى أنس بن مالك، يقول ابن القيم (وروى محمد بن سيرين أنه كان لأنس بن مالك غلام ،وكان شيخاً كبيراً ، فشكته امرأته إلى أنس ، وقالت لا أطيقه، ففرض له عليها ستة في اليوم والليلة.) فهذا الشيخ العجوز كان هائجا لا يرحم زوجته، كان يواصل معها الجنس رغم أنفها فكانت ترفع ( رجليها ) وتدعو عليه !!..وهو لا يكفُّ ولا يعفُّ ولا ينهدّ ولا يرتدّ ، فاضطرت الى أن تشكوه الى سيده أنس بن مالك ، فتوسط بينهما أنس بن مالك على اساس ستة أشواط فقط فى اليوم والليلة.!!. وابكوا على حالكم يا شباب اليوم..!
5 ـ وحتى لا يسقط الشباب فريسة الاحباط نبشرهم بأن رائحة الكذب تفوح من هذه الرواية حتى لو صدقها ابن القيم ، فقد روى ابن القيم ما هو أكذب منها ، وهى تلك الرواية التى يقول فيها خالد الحذاء: (لما خلق الله آدم ، وخلق حواء قال له : يا آدم اسكن إلى زوجك ـ أى باشرها جنسيا ـ ، وبعدها قالت له حواء : يا آدم ما أطيب هذا، زدنا منه!!)
أي كان الراوي (الكذاب) خالد الحذاء حاضراً لأول لقاء جنسي بين آدم وحواء ؟!!فهل قام بتصويره فيديو ؟
أخيرا
1 ـ أمثال تلك الروايات هي التي شكلت ثقافة السلفيين في فقه النصف الأسفل ( النظرى و الوعظى )، خصوصاً وهم الذين أشاعوا أحاديث كاذبة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنتهك حرمته الخاصة، وعلاقته بأمهات المؤمنين ، وتفتري تلك الأحاديث الضالة أن النبي عليه السلام قد أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع. ثم جاء الغزالي فأفاض في هذا الإفك بطريقة أخرى مغايرة تؤكد دعوته فى اعتزال النساء، فيزعم في "إحياء علوم الدين" أن النبي محمدا عليه السلام شكا إلى جبريل ضعفه عن الوقاع، فدله "على أكل الهريسة"!! فاصبح أكل الهريسة دواء لكل عليل منكوب فى أعز ما يملك. وهذا طبعا قبل اختراع الفياجرا..
2 ـ ولم يكتف الصوفية بهذه الروايات المختلفة عن الجنس بل أضافوا عليها عقيدتهم في الحلول والإتحاد بالله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) خصوصاً فيما كتبه ابن عربي في " فصوص الحكم " الذي اعتبر اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة شهوداً لله ( تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ) وقد فصلنا هذا فى الجزء الثالث من كتابنا عن التصوف المملوكى..
سؤال برىء جدا جدا :
إذا كان هذا حال الإصلاحيين من المحمديين ، فهل هناك من هم أشد كفرا من المحمديين ؟
قالتها أم كلثوم في حديث ( صفيح ) : يا عطارين دلًُونى ! .
الفصل الثالث
الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج1 )
مقدمة
1 ـ ابن الحاج العبدري "ت 737 هـ " فقيه مغربي ارتحل إلى مصر ونظر في أحوالها بعين الرحالة والفقيه، أي جمع بين دهشة الرحالة وانتقاد الفقيه، ووضع كتابه المشهور "المدخل" في أربعة أجزاء وهو من أروع ما كُتب فيما نسميه ب ( الفقه الوعظى ) كما إنه لا يزال من أعمدة التراث الفقهي حتى الآن.
2 ـ وفي كتابه "المدخل" سلك ابن الحاج منهجاً جديداً في التأليف الفقهي ، فلم يكتف بتكرار الأحكام الفقهية النظرية وإنما عمد إلى رصد المخالفات السلوكية في عصره ثم قام بالتعليق عليها والحكم عليها من وجهة نظره الفقهية .
3 ـ وبذلك فإن ابن الحاج قد أدى – وبدون أن يدري – خدمة جليلة للمهتمين بالتاريخ والحضارة حين عرض في ثنايا كتابه للأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي لم يهتم بها الكثير من المؤرخين، كما أنه أدى خدمة أخرى في البحث الفقهي حين جعله مشتبكاً مع الواقع الاجتماعي بالتعليق والنقد والاحتجاج والفتوى .
4 ـ من خلال ما أورده الفقيه ابن الحاج في كتابه ( المدخل) من إنكار علي ما يحدث في عصره نتوقف مع سطور متفرقات تشير إلي طرق الغش في الأسواق المملوكية في القرن الثامن الهجري .
5 ـ في البداية نشير إلي أن الأسواق في ذلك الوقت كانت حافلة بشتى السلع الغذائية والمطبوخة والمصنوعة ولكل الأغراض ، وصاحب الغش ذلك الازدهار التجاري ، إلا أنه لم يكن ظاهرة تسترعي الانتباه اللهم إلا عقل الفقيه المالكي ابن الحاج العبدرى الذي كان مهتما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسبما يبدو في كتابه "المدخل ".
6 ـ وواضح من سطوره أن مظاهر الغش التي استفزته كانت بدائية بسيطة ، ولا تصل غالبا إلي درجة الخطورة علي الصحة العامة بنفس القدر الذي نعاني منه اليوم في عصرنا .. عصرنا الذي يحتاج إلي مئات من الفقهاء من أمثال الفقيه الثائر ابن الحاج العبدرى ومئات من كتب الفقه الوعظي أمثال "المدخل ".
نعطى نماذج مما كتب :
عن الغش في الأسواق في القاهرة :
1 ـ ماذا قال ابن الحاج عن أساليب الغش في الأسواق القاهرية في القرن الثامن الهجري ؟ واضح إنه إكتسب خبرة في أساليب الغش ، تظهر فيما قال . و الواضح أن أساليب الغش شملت كل أنواع السلع وشملت أيضاً كل الطرق المعروفة في أساليب الغش مثل خلط الجيد بالرديء وإضافة الماء وزيادة الوزن بالرطوبة . وبعضهم كان يعمد إلى بيع بضاعته في أوان المغرب أو يعمد إلى تقليل الضوء في الدكان , وكان بائع القماش يفعل ذلك لتحسن بضاعته في عين المشتري و لا يفطن لما فيها من عيوب .
2 ـ وبعضهم يبيع البضاعة في الخيش ويحسب الخيش – أو الفوارغ – ضمن البضاعة وضمن وزنها ويكسب بذلك . وباعة الفلفل والزعفران والحرير – وسائر البضاعة التي تزيد بالرطوبة والندى – كانوا يضعونها في الندى ليزيد وزنها .
3 ـ والعطار كان أكثر قدرة على الغش , إذ يأخذ العود الرديء وبرادته ويعجنه بالعنبر الخام ويبيعه على أنه كله جيد, ويأخذ الزعفران الجنوي ( المستورد من مدينة جنوه الإيطالية )والبرشنوني والهمداني ويخلط الجميع ويبيعه على أنه كله من جنوه ، وكذلك يفعلون مع باقي أصناف العطارة كالورد والكارم .
4 ـ وبعضهم تكون السلعة عنده صنفين: جيد ورديء ، فيعرض على المشتري الجيد فإذا اشترى منه ذلك الجيد أسرع فدس فيه الصنف الرديء دون أن يشعر المشتري.
5 ـ وبعضهم يبيع السلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم يخبر المشتري بالثمن الذي اشتراها به و لا يذكر له الأجل ويوقعه في الدين ويلزمه بسداده .
6 ـ والوراق – أو بائع الورق – يبيع الدست من الورق الذي يساوي ثلاثة دراهم على أنه من الدست الذي يساوي أربعة دراهم ، ويستغل جهل المشتري بأنواع الورق. وكان الروق حينئذٍ مختلفاً في الجودة حسب البياض ودرجة الصقل والنعومة .والأبيض المصقول الناعم كان أجودها ويتوقف ذلك علي موسم صنعه ، فالمصنوع في الصيف أجود من غيره ، ويتفاوت الثمن تبعا للجودة ولكن بالغش كانوا يخلطون الجيد بالرديء.
7 ـ وكانت هناك انواع من الزيوت أجودها زيت الزيتون يليه زيت السمسم "السيرج" ثم زيت القرطم ثم زيت الشلجم ثم زيت بذر الكتان. ومع اختلاف أنواعها ومذاقها واستعمالاتها فقد كان الزيات يخلط بينها .
8 ـ وباعة السمن كانوا يخلطونه بالشحم . ويقول ابن الحاج والسمن ثلاثة أنواع : بقري وهو أطيبه وجاموسي وغنمي فالبقري علامة الخالص منه أنه أصفر خلقه، والجاموسي والغنمي أبيض خلقه. وبعض الناس يغش بأن يجعل في الجاموسي والغنمي صبغاً يصير به كل واحد منهما أصفر وكذلك يفعلون في الزبد .
9 ـ وكانت الملوخية أهم أنواع الخضروات حينئذٍ . وكما يحدث الآن كان سعرها يرتفع في أول موسمها ويجعلها التجار حزماً كل حزمة مربوطة بالقش أو بالحلفاء , وفيها من الطين والماء ما يزيد مجموعه على الملوخية نفسها, ويرى ابن الحاج في ذلك ما يمنع صحة البيع بسبب الجهالة في الوزن . ويتعجب من إقبال الفقهاء والعلماء على شرائها وأكلها دون الاعتراض على الغش فيها .
10 ـ وكانوا يأكلون رؤوس القلقاس وأطرافه ، ويعتبرون الأطارف أطيب مذاقاً ، ولذلك كان التجار يقشرون الرؤوس ويخلطونها بالأطارف ويبيعونها على أساس أنها من الأطراف .
11 ـ وكان الغش في أنواع الأشربة أسهل وأكثر شيوعاً . ويرى ابن الحاج أن الغش في الأشربة أشد حرمة لأنه قد يؤدي إلى إزهاق النفوس والزيادة في الأمراض . ويتحدث عن خلط أصناف من الدواء كالبيرخشنك والشيرخشنك, وخلط أصناف الزنجبيل بأنواع أخرى بقصد الغش ، وقد يخلطون الزنجبيل المربي بغيره فتقل منفعته . والأشربة المستعملة في الغذاء كانوا لا يتورعون عن غشها بتقليل نسبة الفاكهة أو الورد فيها أو بخلطها بأنواع من السكر الرديء . والسكر النقي الجيد يكون أبيض اللون ، ولكن كانوا يغشون الأصناف الرديئة فيجعلون ظاهر السكر أبيض اللون فإذا وصل المشتري بقمع السكر إلى بيته وكسره وجده من الداخل أحمر اللون .
12 ـ والجزار يخلط اللحم الطازج باللحم البائت . وفي ذلك الوقت كانوا يميلون للحوم البيضاء ويفضلونها على اللحوم الحمراء ، فإذا لم تكن الذبيحة سمينة وكثيرة الشحم احتاج الجزار إلى استعارة شحم من ذبيحة أخرى حتى يستطيع أن يبيع ذبيحته .وقد اعتبر ابن الحاج ذلك نوعا من الغش والتدليس .
13 ـ ويتحدث عن الغش في صنع الذهب والفضة في الحلي. وكانوا يبيعون الفضة الخالصة مخلوطة بالدراهم المغشوشة ، ويأخذون أجرة على ما يصنعون . ويقول ابن الحاج "وهذا أمر قد عمت به البلوى في هذا الزمان .. بل يفعلونه جهاراً وينادون عليه على رؤوس الناس . و كثير ممن ينسب إلى العلم يمر بهم ويرى ما هم فيه و يسمع ثم مع ذلك لا يغيرون . فإنا لله وإنا إليه راجعون .. " .
14 ـ من طرق الغش في الحرير أنهم يبيعونه حين يقبل الظلام حتي لا يظهر عيبه وليحسن في عين المشتري ، وحتى لا يتمكن المشتري من تقليب الحرير في الشمس ورؤية عيوبه وبعضهم كان يبيع وقت الظهيرة وكأنه يجلس في بيت مظلم أو قليل الضوء لنفس الغرض . وفي القماش كانوا يشترون الخام الأبيض منه من بلاد مختلفة ولكن يقترب شكلا من قماش الإسكندرية وهو أرقي الأنواع ، ويشكلونه ويبيعونه علي أنه قماش الإسكندرية .
15 ـ وفي الفلفل كانوا يضعونه في الندي ليثقل في وزنه ، وكذلك كانوا يفعلون في الحرير والزعفران وغيرها مما يقبل الزيادة بالندي والرطوبة ، وبعضهم إذا تيبس عنده التمرهندي يعجنه بالماء حتي يكون طريا .. وإذا ابتل عنده اللبان أو الصمغ يكسره ويخلط معه السالم من البلل..
16 ـ والمسك كان سلعة مشهورة .. وأنواعه كثيرة وكانوا يخلطون المسك البداوي الهندي الرديء بالمسك العراقي الجيد . والعطار الغشاش يخلط العود الرديء بالجيد ويبيعه علي أنه طيب جيد ، ويفعلون ذلك مع العنبر. ،
17 ـ والزيت كان يظهر الغش فيه سريعا ، فالزيت الجيد يظهر صافيا نقيا ، وإذا خلطوه بصنف رديء ظهر فيه الكدر والغش وكان زيت الزيتون أجودها ويليه زيت السمسم أو الشيرج ثم زيت القرطم ثم زيت الشلجم ، ثم زيت الكتان .. ولم يقتصر الغش علي المزج بين الأنواع المختلة وإنما تعدي ذلك إلي بيع الزيت المستعمل في القلي بعد تصفيته وعرضه علي أنه لم يسبق استعماله .
18 ـ وكانوا يغشون الخل بنفس الأسلوب . فأحسن أنواع الخل وقتها كان خل العنب ، وكانوا يأخذون بعضه ليضعوه في أنواع أخري من الخل أقل جودة ، وبعضهم كان يبيع الخل وفيه بقية من تخمير ، أي قبل أن ينضج . ويقول ابن الحاج عن ذلك وهذا النوع مما عمت به البلوى في هذا الزمان .
19 ـ والشرابي هو الذي يبيع الأشربة ومنها ماهو للتداوي ومنها ماهو للغذاء ، وكانوا يغشون الشراب بتقليل الفاكهة فيها أو باستعمال حثالة السكر والأصناف الرديئة .
20 ـ وكان السكر يصنع علي شكل أقماع وأجوده ما كان أبيض اللون ، فإذا كان قمع السكر أحمر اللون فيغشونه بأن يحكوا ظاهر السكر الأحمر بالسكر الأبيض حتي يستعير لونه الأبيض فيظن المشتري أن باطنه مثل ظاهره .
21 ـ وكانوا يخلطون الدقيق بقليل من الكركم ليحسن في عين المشتري وكان الخباز الغشاش يخرج الخبز قبل النضج حتي يكون أثقل في الميزان ، وقد كان الخبز يباع بالوزن .
أخيرا
1 ـ و مع دقة ابن الحاج في الوصف و اجتهاده في النقد فإن كتابه المشهور لم يكن مؤثراً في عصره . و لا في العصور التي جاءت بعده فظل الغش سائداً واستمر التحايل سارياً لأن أكثرية التجار في الأسواق نظروا للربح السريع وراهنوا على سرعة النسيان عند المشترين . و لا نعجب إذا رأينا كثيراً من المظاهر التي احتج عليها ابن الحاج منذ سبعة قرون لا تزال تعيش بيننا .. وكلها تؤكد أن أمراض الجشع قد أصبحت تستعصي على الشفاء عند بعض الناس .
2 ـ وابن الحاج مع عبقريته في النقد فقد تجاهل أن السلطة المملوكية نفسها كانت تقوم بغش الدنانير التي تصكها ، وتخلطها بنسب أكبر من الإضافات . وكان الدينار الجنوى الايطالى أعلى جودة فكانوا يخلطونه بالدينار المملوكى . وإشتهر هذا ب ( الزُّغل ) . وكانت السلطة المملوكية تعاقب من يفعل ذلك من الناس ، بينما تمارسه حقا لها وحدها. كانت هذه ثقافة العسكر المملوكى ، وهى نفس ثقافة العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 .!
3 ـ الأهم من ذلك كله : هو التدين السطحى والاحتراف الدينى ، الذى سيطر على مجتمعات المحمديين قبل وأثناء العصر المملوكى ، ولا يزال . فالمحمديون هم الأكثر تدينا ، وهم أيضا الأكثر فسادا ونفاقا . تمتلىء المساجد بالناس كما تمتلى الأسواق بالغش وتمتلىء الطرقات بالتحرش .. تنتشر اللحى والجلباب والخمار والنقاب ، لتكون من عوامل الفساد . وقد كتبنا في هذا كثيرا . وما نكتبه يدخل في الفقه الوعظى الاصلاحى . ونتقرب به لربنا جل وعلا .
أحسن الحديث
قال جل وعلا :
( وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ(9)الرحمن )
( وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) الانعام)
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(35)الاسراء )
( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(85)الأعراف )
( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ(181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183)الشعراء )
ودائما : صدق الله العظيم

الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج2 )
في وعظه للمرأة وزوجها في العصر المملوكي يعطى تفصيلات تاريخية ثمينة مسكوتا عنها . يقول :
1 ـ ( الكلام هنا على لبس أهله: فليحذر من هذه البدعة التى أحدثها النساء فى لباسهن... فمن ذلك ما يلبسن من هذه الثياب الضيقة القصيرة وهما منهى عنهما ، لأن الضيق من الثياب يصف من المرأة أكتافها وثدييها وغير ذلك .. وأما القصير فإن الغالب منهن أن يجعلن القميص إلى الركبة فإن انحنت أو جلست أو قامت انكشفت عورتها .
2 ـ ( وينبغى له أن ينهاهن عن هذه العمائم التى يعملنها على رؤسهن .)
3 ـ ( ويجب عليه أن يمنعهن من توسيع الأكمام التى أحدثنها مع قصر الكم فإنها إذا رفعت يدها ظهرت أعكانها ونهودها وغير ذلك ، وهذا من فعل من لا خير فيه من المتبرجات . وكذلك ما يفعله بعضهن من لبس الثوب القصير على الصفة المذكورة وترك السراويل ، وتقف على هذه الحالة فى باب الريح على هذه السطوح وغيرها فمن رفع رأسه أو التفت رأى عورتها )
4 ـ ( .. فتقعد المرأة فى بيتها على ما هو معلوم من عادتهن بحفش ثيابها وترك زينتها وبحملها وبعض شعرها نازل على جبهتها إلى غير ذلك من أوسخاها وعرقها ، حتى لو رأها رجل أجنبى لنفر بطبعه منها غالبا فكيف بالزوج الملاصق لها . فإذا أرادت إحداهن الخروج تنظفت وتزينت ونظرت إلى أحسن ما عندها من الثياب والحلى فلبسته وتخرج إلى الطريق كأنها عروس تجلى وتمشى فى وسط الطريق وتزاحم الرجال . ولهن صنعة فى مشيهن حتى أن الرجال ليرجعون مع الحيطان حتى يوسعوا لهن فى الطريق أعنى المتقين منهم وغيرهم يخالطوهن ويزاحموهن ويمازحوهن قصدا )
5 ـ ( وينبغى له إن كانت لأهله حاجة من شراء ثوب أو حلى أو غيرهما فليتول ذلك بنفسه إن كانت فيه أهلية لذلك ، أو بمن يقوم عنه بذلك ..ولا يمكنهن من الخروج البتة لهذه الأشياء ، إذ أن ذلك يفضى إلى المنكر البين الذى يفعله كثير منهن اليوم جهارا ، أعنى فى جلوسهن عند البزازين ( تجار الحرير) والصواغين (تجار الصاغة) وغيرهما ، فإنها تناجيه وتباسطه وغير ذلك مما يقع بينهما ، وربما كان ذلك سببا إلى وقوع الفاحشة الكبرى ... وهذه المفاسد كلها حاصلة فى خروجهن على تقدير علمهن بأحكام الشريعة فيما يتعاطونه من أمر البيع والشراء والصرف وكيفية حكم الربا وغير ذلك . فكيف بهن مع الجهل بذلك كله بل أكثر الرجال لا يعلم ذلك ... ومن اتصف بهذه الصفة وقع بينه وبين نساء الافرنج شبه فإن نساءهن يبعن ويشترين ويجلسن فى الدكاكين والرجال فى البيوت .)
6 ـ ( وينبغى له أن يمنعهن من السكنى على البحر مهما استطاع جهده .. ومن كان فى دار على البحر فهو كالجالس على الطريق لأن البحر طريق للمرور فيه بالمراكب فإذا نظر كشف على عورات المسلمين، إذ أن ذلك الموضع يشتمل على عورات كثيرة منها كشف عورات النواتية كما هو واقع مرئى ، وكذلك كشف عورات غيرهم من المغتسلين فيه ، والكلام الفاحش الذى يمنع للرجال سماعه فكيف بالمرأة ؟ . ومنها أن بعضهم يكون معهم المغانى فى الشخاتير ( مراكب النزهة ) وغيرها فإحداهن تضرب بالطار وأخرى بالشبابة ومعهن من يصوت بالمزمار مع رفع أصواتهن بالغناء إلى غير ذلك من ظهور هذه العورات المذكورات وغيرها . وذلك أن النساء يلبسن ويتحلين فى بيوتهن التى على البحر على ما اعتدنه من العوائد الذميمة فى الخروج إلى الطرقات وعليهن من جمال الزينة والتحلى ما تقدم ذكره ، لأنهن يبالغن فى هذه الأشياء إذا شعرن أن العيون تنظر إليهن ، فقد يراها من يشغف قلبه بصورتها فلا يقدر على الصبر عنها، فيحتال الحيل الكثيرة على الوصول إليها ، إما بالطواعية منها إن قدر أو يأتى بالليل قهرا . فإن وصل إليها وقعت الفاحشة الكبرى ، وإن علم به وقعت الفتنة . وقد يفضى ذلك إلى سفك الدماء . وقد يشغف آخر بما عليها من الحلى فيكون ذلك سببا لنزول المناسر ( اللصوص ) عليهم بالليل وما يقاربه من السرقة والخلسة. وقد تشغف هى ببعض من تراه من الشباب كما تقدم فى الرجل . وأقل ما فى ذلك أن القلوب تتعلق غالبا بما رأت والغالب عدم العلم عندها فإذا قرب زوجته قد يجعل بين عينيه الصورة التى تعلق خاطره بها ، وكذلك هى ، فيكون ذلك حراما . )
7 ـ ( فمن ذلك ما يفعله بعض النساء فى زيارة القبور فى ركوبهن على الدواب فى الذهاب والرجوع وفى مسّ المكارى ( سائق الحمار ) لهن وتحضينه للمرأة فى اركابها وإنزالها وحين مضيها ، يجعل يده علي فخذها وتجعل يدها على كتفه ، مع أن يدها ومعصمها مكشوفان لا ستر عليهما ، سيما مع ما ينضاف إلى ذلك من الخواتم والأساور من الذهب أو الفضة أو هما معا مع الخضاب فى الغالب ، وتقصد مع ذلك اظهار ذلك كله . وهذا كله لو فعله من النساء من لا يعرف لأخذ عليهن ومنعن من ذلك فكيف يراه الزوج أو ذو محرم أو العالم أو غيرهم فيسكتون؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.! مع أنها تناجى المكارى وتحدثه كأنه زوجها أو ذو محرم منها ، بل العجب أن زوجها وغيره ممن ذكر يشاهد ذلك بالحضرة ويعلمونه بالغيبة وهذا فيه من المحرمات وجوه كثيرة وكل من يعاينهم من الناس سكوت لا يتكلمون ولا يغيرون ولا يجدون لذلك غيرة إسلامية فى الغالب فإذا كان العالم ينهى عن ذلك إذا رآه وينبه عليه من يجالسه ويراه تنبه الناس لهذه المحرمات . وقلّ فاعلها فإن قدّرنا أن أحدا بقى على ذلك فهو يعلم بسبب إشاعة العالم ذلك كله أنه عاص ، وكفى بهذه نعمة لأنهم إذا علموا ذلك رجى لهم التوبة . وهذا الكلام فى ذهابهن وعودتهن .
وأما فى حال زيارتهن القبور فأشنع وأعظم لأنها اشتملت على مفاسد عديدة : فمنها مشيهن بالليل مع الرجال فى زيارة القبور ، مع كثرة الخلوات هناك وكثرة الدور المتيسرة ، وكشفهن لوجههن وغيرها حتى كأنهن مع أزواجهن خاليات فى بيتهن ، وينضم إلى ذلك محادثتهن مع الرجال الأجانب ومزحهن وملاعبتهن وكثرة الضحك مع الغناء فى موضع الخشوع والاعتبار والذل ... وخروجهن على هذه الأحوال لو كان بالنهار لخيف عليهن من المفسدة الكبرى فكيف به ليلا ؟ وينضاف إلى ذلك ما أحدثوه من الوعاظ على المنابر والكراسى والمحدثين من القصاص بين المقابر فى الليالى المقمرة وغيرها، واجتماع الرجال والنساء جميعا مختلطين . وكذلك القراء الذين يقرؤن القرآن بالترجيع والزيادة والنقصان فى كتاب الله عز وجل ورفع الأصوات الخارجة عن حد السمت والوقار والتمطيط والمدّ فى غير موضعه وتخفيف المشدد وعكسه وترتيبها على ترتيب هنوك الغناء والطرائق التى أحدثوها وغير ذلك مما هو معلوم ومشاهد ، وذلك كله ممنوع. وسواء كان الزوار رجالا أو نساء فكل ذلك ممنوع لما فيه من المفاسد المذكورة وغيرها . وقد تقدم صفة زيارة القبور المشروعة أعنى للرجال إذ ليس للنساء نصيب فى زيارة القبور . وكذلك زيارتهن فى النهار ممنوعة أيضا بل النهار أشد كشفا لما يظهرنه من الزينة وكشفها وعدم الحياء فى ذلك كله .
ثم انظر رحمة الله وإياك إلى ما قرره النساء فى هذه الزيارة التى ابتدعنها لأنفسهن: فإنهن جعلن لكل مشهد يوما معلوما فى الجمعة ، حتى اتين على أكثر أيام الجمعة ليجدن السبيل إلى وصلوهن إلى مقاصدهن الذميمة فى أكثر الأيام . فجعلن يوم الاثنين للسيد الحسين رضى الله عنه ، ويوم الثلاثاء والسبت للسيدة نفسية ، ويوم الخميس والجمعة للقرافة لزيارة الشافعى وغيره لأمواتهن . ثم انظر رحمك الله تعالى إلى هذه المفسدة التى ترتبت بسبب هذه المفاسد ، وذلك أن الرجل الدين الغيور منهم على زعمه لا يمكن زوجته أن تخرج وحدها لما يعلم من المفاسد وتأبى عليه إلا الخروج أو تفارقه إلى غير ذلك من التشويشات التى يتوقعها منها من الامتناع وغيره بسبب منعه لها فيخرج معها لئلا يفارقها، فيباشر ما ذكر أو بعضه أو زيادة عليه أو يسمع ويرى وهى كذلك . وقد يكون معها ، ويقع استمتاع الاجانب بزوجته بالمزاج والبسط والملاعبة معها واللمس لها بحضوره . وقد يرى هذا من حسن الخلق والسياسة والستر على نفسه وعلى عرض زوجته وعلى عرض من باشر ذلك من زوجته . وقد يرى أن ذلك قربة ، وهذا بلاء عظيم وخسف باطن أسال الله العافية بمنّه . هذا أن احتمل الزوج ما رأى مما وقع فيما تقدم ذكره من المنهيات العديدة ، وإن غلبته الغيرة وضاق ذرعه على من فعل شيئا مما فعل مع زوجته من المفاسد فيقع الضرب والخصام . وقد يؤول ذلك إلى الوالى والحاكم والحبس وغير ذلك . وقد قال لى بعض المشايخ من أهل العراق وكان ورد إلى مدينة مصر:" والله ما عندنا أحد ببغداد يفعل هذا ولا يرضى به ولا يقول به أحد عندنا " . ونفر النفور الكلى من إقامته بأقليم مصر ، وكان يدعو الله تعالى أن يرده إلى بغداد ، إذ أنها عنده أقل مفاسد من مصر ، فإذن كانت بغداد على هذا أقل مفاسد من مصر وهى مقام التتار.
8 ـ ( وينبغى له أن يمنعهن من الخروج إلى الدور التى على البركة وما كان فى معناها ، إذ أنها احتوت على جملة من المفاسد . فمنها ركوبهن إليها على الدواب فى الذهاب والعود على الصفة المتقدمة ، ومنها خروج بعضهن من البيوت التى هناك على شاطىء البركة فى الطريق متبرجات متزينات مختلطات بالرجال ، وبعضهن يغتسلن فى البركة وبعض الرجال ينظرون فى الغالب إليهن ، وما يفعلن أيضا من تبرجهن إن كان فى تلك البيوت من ينظرهن من الطاقات وأبواب الريح والاسطحة وغير ذلك ويظهرن ما بهن من الزينة وما عليهن من حسن الثياب والحلى وغير ذلك ، وممازحتهن للرجال فى الغالب على ما تقدم .
وكذلك يمنعهن من الخروج فى أيام الخضير، لأن ذلك الموضع محل لفرجة الرجال وفسحتهم فقل من تراه هناك إلا وهو رافع رأسه إلى الطاقات والغالب عليهن الزينة والتبرج كما تقدم . والغالب على بعض المتفرجين أنهم لا يغضون أبصارهم عن المحارم، ولا يتفكرون فى ذلك بل يرتكبون المحرم جهارا ، فيمشون فى زروع الناس قصدا ويتخذونها طريقا ومجالس ، وربما عملوا فيها السماع ( حفلات الرقص الصوفى ) وانشاد الشعر الرقيق المشتمل على التغزلات التى تميل قلوب الرجال فكيف بالنساء وذلك لضعفهن عن سماع الصوت الحسن فكيف به مع التغزلات
9 ـ ( فصل فى خروجهن إلى المحمل ):
أقول : هو خروج الحجاج المصريين في حفل ضخم بكسوة الكعبة والصدقات للفقراء هناك . وكان الحجاز تابعا لمصر . وهناك كانت بركة خارج القاهرة تعتبر محطة للذهاب والإياب ، هي بركة الحاج . وكان الحجاج من شمال أفريقيا يأتون الى مصر يصحبون الحجاج المصريين ، والكتيبة العسكرية التي تحمى ركب الحجاج .
يقول إبن الحاج :
( وينبغى له أن يمنعهن من الخروج إلى شهود المحمل حين يدور، ويمنعهن من الخروج فى تلك الأيام التى يستعد فيها لدوران المحمل ، إذ فى ذلك من المفاسد وارتكاب المحرمات ومخالفة السنة أشياء عديدة ، فمنها : تزيين الدكاكين فى الأسواق وغيرها بالقماش من الحرير والحلى وغيرهما . وفى بعض ذلك من الصور المحرمة ما هو معلوم مشاهد لا ينازع فيه وتحريمه لا خفاء فيه ، وذلك كله قبل دورانه إلى أن ينقضى . ويقع فى تلك الأيام من المفاسد استمتاع الرجال بالحرير المحرم عليهم إلا ما استثنى فى الشرع لحكة أو جهاد .
10 ـ ( ومن ذلك ما يزعم بعضهم أنه إذا دخل الحمام أربعين أربعاء متواليات فإنه يفتح عليه بالدنيا وذلك قبح عظيم وسخافة ولا شك أن هذا وما أشبهه من تسويل اللعين حتى يوقعهم فى أرتكاب ما لا ينبغى . وذلك أن دخول الحمام فيه أشياء مستهجنة فى الشرع . )
التعليق :
هو مجرد تذكير بأن
1 ـ الدين الأرضى الشيطانى يركزعلى الجانب السطحى المظهرى . وتحته فساد من كل نوع . ناقشنا هذا في مقالات سابقة عن النقاب والحجاب ، منها ( يسألونك عن النقاب ) و ( البكاء غدا على أطلال وطن ).
2 ـ كان النقاب مفروضا على المرأة في العصر المملوكى ، يُخفى وجهها وشخصيتها ، فكان ـ ولا يزال ـ أهم وسيلة للإنحلال الخلقى .
3 ـ المتنقبة التي تجعل النقاب دينا تزايد على رب العزة جل وعلا في تشريعه . قلنا كثيرا إن كشف وجه المراة مباح . وقلنا أيضا إن من تلبس المايوه أقل عصيانا ممّن ترتدى النقاب على أنه تشريع إسلامى .


خاتمة كتاب ( الفقه الوعظى )
1 ـ هناك ما سميته الفقه النظرى ، وهو بعيد الصلة عن الواقع التاريخى المُعاش ، ومبنى على إفتراض إن الشخص إذا فعل كذا فالحكم كذا . بدأ هذا بكتاب ( الأم ) للشافعى ، ووصل ذروته بكتاب القاشانى الحنفى : ( بدائع الصنائع ) ، ثم إنحطّ الى دركات التخلف في عصور التقليد بدءا من العصر المملوكى ووصل الى القاع في العصر العثمانى .
وفى عصور التخلف هذه ساد القول بأكاذيب مضحكة مثل:
( الإجماع : أجمعت الأمة على كذا ) ، أي تم تجميع الأمة من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والشباب ومن الشرق والغرب والشمال والجنوب ومع إختلاف الزمان واللسان فإنحشروا في مكان واحد ( مثل إستاد القاهرة )، وأجمعوا على قول واحد. وإذا كانوا قد أجمعوا على كل شيء فلماذا انقسموا الى سُنّة وشيعة وصوفية ؟ ولماذا انقسم السنيون الى مذاهب وانقسم الشيعة الى طوائف وانقسم الصوفية الى طُرُق وطرائق ؟ وكان أكثر ما يغيظنى هو تكرار جملة ( إختلف فيها العلماء ) ربما في كل صفحة من كتاب الفقه المقرر علينا في الثانوى الأزهرى . وكنت أقول : إذا كانوا قد إختلفوا في كل شيء فأين ( أجمعت الأمة على كذا )؟ أم أن هؤلاء ( العلماء ) ليسوا من الأمّة ؟ . أم إنهم ( إتّفقوا على الاختلاف ، وإتفقوا على ألّا يتفقوا ؟ .).
و هناك اسطورة : ( المعلوم من الدين بالضرورة ) ، وكنت وأنا طالب في الثانوى الأزهرى أقولها ( المعلوم من الدين بالضروطة ).! وكنت أتساءل إذا كان معلوما بهذا الشكل وبالضرورة فلماذا لا يحددون عدده ولماذا لا يتفقون عليه؟ . كان الفقه المقرر علينا في التعليم الأزهرى في الستينيات من نتاج هذه المرحلة المتخلفة . وكان يحظى بإحتقارى وأنا طالب وقتها ، وكنتُ أسميه ( فقه النصف الأسفل ).
على أي حال فإن الفقه النظرى مع كونه بعيد الصلة عن حياة الناس فهو مقياس لعقلية الفقهاء ـ شأن الأحاديث المُفتراة والتي لا شأن لها بالنبى محمد عليه السلام ، وهى نتاج ثقافى لعقلية من صنعها ، على إفتراض أن لهم عقلية .!
2 ـ في أثناء الإعداد لرسالة الدكتوراة عن ( أثر التصوف في مصر العصر المملوكي ) تعين أن أقرأ وبصورة نقدية كل ما تمت كتابته في العصر المملوكى ، وهو العصر الذى شهد إعادة كتابة المؤلفات السابقة بعد تدمير المغول لبغداد . لم يقتصر على مجرد التدوين بل الشرح والتلخيص . شمل البحث والتنقيب كتب التاريخ والتصوف والأحاديث والفقه والأدب والأمثال وكتابات الرحالة والوثائق ، وعثرت على نوعية جديدة من الكتابات الفقهية ، فقهاء ينتقدون ما يجرى في عصرهم ، فيكتبون حقائق تاريخية إجتماعية وإقتصادية مسكوتا عنها . بدأت الدهشة بكتاب المدخل لابن الحاج وهو أروعها ، ثم كتابات الشعرانى ، وهو من مخضرمى العصرين المملوكى والعثمانى . كتابات مختلفة عن الفقه النظرى المألوف ، فسميته ( الفقه الوعظى ). ولأن منهج البحث في رسالة الدكتوراة كان يستلزم البحث في المؤلفات السابقة في التصوف وتاريخ العصر العباسى الثانى فقد كان حتما قراءة كتب ابن عربى والغزالى وابن الجوزى ، وتعرفت على الفقه الوعظى لابن الجوزى والغزالى .
بعد رفض جامعة الازهر لمناقشة الرسالة لمدة ثلاث سنوات تم الوصول لحلّ وسط هو حذف ثلثى المكتوب والاقتصار على الثُّلُث فقط دون تغيير فيه . ثم فيما بعد أصدرت المحذوف من الرسالة في كتب منشورة هنا . وجاء الوقت ـ في الشيحوخة ـ لنشر هذا الكتاب عن الفقه الوعظى .
3 ـ وأقول إن كتابات الفقهاء الحنابلة أسوأ من كتابات الغزالى في الفقه الوعظى . وعموما فكل منهم ينتقد غيره من موقع الخصومة ، ولا ينتقد نفسه . ولكن تميز الحنابلة في فقههم الوعظى بمنح أنفسهم مهمة إنقاذ غيرهم من ( تلبيس إبليس ) كما فعل إبن الجوزى ، أو من ( مكائد الشيطان ) كما زعم إبن القيم ، بينما هم عملاء لابليس والشيطان ، ويتقولون على الله جل وعلا ودينه ورسوله ما لم يتفوّه به إبليس في حواره مع ربه جل وعلا حين عصاه .
لدينا في الفقه الوعظى ثلاثة من أعلام الحنابلة ؛ أكثرهم كذبا هو ابن الجوزى ، وأكاذيبه تتعدى الى رواياته التاريخية في تاريخ ( المنتظم ) حتى فيما ينقله عن السابقين كالطبرى وغيره ، وفيما يكتبه في تاريخ عصره إفتخارا بنفسه ، وفيما يفتريه من أحاديث ( نبوية وقدسية ) ثم يكتب في الاحاديث الموضوعة .ّ!! وعلى نهجه سار السيوطى في كتبه ورسالاته الكثيرة ، وقد تعرضنا لسرقاته من السابقين ، ووجدت انه لا يستحق أن أذكره مجددا في هذا الكتاب ، فهو ناقل عن غيره ، ثم فيما يكتبه بنفسه هو جاهل جهول . أقول هذا بكل إنصاف ، وقد راجعت كل مؤلفاته المخطوط منها والمنشور وما تم تحقيقه . ولا زلت أتعجّب ممّن يكتب عنه باعجاب مأخوذا بشهرته وكثرة مؤلفاته ( أو منحولاته ) . ولا عجب ، فنحن في عصر السطحية وصعاليك البحث . وكلما تصعلكت وتسطّحت زدت شهرة . يكفى أن إبن تيمية لا يزال يحظى بالتقديس ، ولا يزال إلاها عند السلفية ، وهو بمؤلفاته الوعظية الدموية يفتى بقتل الناس جميعا ، ثم يردد أكاذيبه فقهاء السلف في عصرنا الكئيب مثل سيد سابق وابى بكر الجزائرى والجزرى . الميزة الكبرى للغزالى وأولئك الحنابلة أنهم يثبتون بمؤلفاتهم الوعظية الإصلاحية أن المحمديين هم شرُّ أمّة أُخرجت للناس .!!
أخيرا
ليس مدحا في الذات ، هو مجرد وصف تقريرى محايد : أننى الذى أكتب في الإصلاح بمنهج قرآنى وببحث تاريخى متعمق ، ثم لا أزعم انى أملك الحقيقة المطلقة ، بل أؤكد ان ما أقوله هو وجهة نظر تقبل النقد والتصحيح . كل ما أتمناه أن يجعلنى رب جل وعلا من الشهداء على قومى يوم الدين .
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(42)النساء )
ودائما : صدق الله العظيم
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
التعليقات (2)
1 تعليق بواسطة حمد حمد في الأحد ١٩ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً
أدعوا الله جل وعلا أن يبارك بعمرك وعلمك دكتورنا المحترم ، لا شك إن هذا الكتاب كباقي كتبك المميزة الرائعة والتي لها الأثر الكبير في فضح مايسمي علماء الأمة وكشف زيف عقيدتهم وفكرهم الشيطاني وترويجه كعلم رباني ، كنت في شبابي ممن إنخدع بهؤلاء وخاصة هذا الملعون السيوطي الذي أصبح لايفارق اي خطبة او درس ديني في حلقات المسجد او في وسائل الإعلام ولازال. حفظكم الله جل وعلا وجعلك شاهدا على قومك يوم الدين، والله المستعان.
2 تعليق بواسطة آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٠ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً
شكرا جزيلا استاذ حمد حمد ، وأقول :
أرجو ان تستمر بكم المسيرة استاذ حمد وبقية الأحبة من اهل القرآن ، هى مسيرة اصلاحية سلمية تبرىء الاسلام من اوزار المحمديين . بفضل لله جل وعلا تم تعبيد الطريق وتم فينا تفجير الألغام او معظمها ، وسيحميكم الله جل وعلا . يكفى اننى بعد نضال استمر نصف قرن لا زلت حيا حتى برمت من الحياة . مهما كان نعيم الدنيا فما عند الله جل وعلا خير وأبقى. وفى هذا فليتنافس المتنافسون.
كم كنت اتمنى لقاءكم ورؤيتكم فى حياتى .
أدعو الله جل وعلا ان يجمعنا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن ( أرحام / أمه هاوية )
- خاتمة كتاب ( الفقه الوعظى )
- عن ( النقاب وسكينة بنت الحسين )
- الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج2 ) من ...
- عن ( استغفار النبى)
- الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج1 ) من ...
- عن ( متخصّص في السيئات )
- الفقه الوعظى عند إبن القيم الجوزية ( 691 : 751 ) هجرية .
- عن ( اللباس والرداء / وقريب )
- الاستتابة حضيض الكفر لابن تيمية . لماذا : ( كتاب الفقه الوعظ ...
- عن (ولد / الوالدين )
- الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 / 2 ). الاستتابة او ا ...
- عن دير الجماجم
- الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 / 1 ). كتاب الفقه الو ...
- عن القداسة والبركة
- التهجير القسرى للمصريين فى حكم العسكر الذى يحتل مصر من عام 1 ...
- عن( المسيحية ) سألونى .!
- الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج2 : ( نقد الأحاديث ) ك ...
- عن الفضل :
- الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 ـ كتاب الفقه الوعظى


المزيد.....




- مصر.. احتفالات بذكرى -قدوم رأس الإمام الحسين- بمشاركة 80 طري ...
- السيد الحوثي: أين هي الجيوش العربية والإسلامية التي عددها أك ...
- مستندة إلى -تجربة أميركا مع بن لادن-.. وزيرة إسرائيلية تقترح ...
- فيديو.. عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة ا ...
- بعد خروجه من سجن إسرائيلي.. محمد أبو موسى يصدم بفقدان عدد كب ...
- الشرطة الإسرائيلية تشتبك مع يهود متدينين احتجوا على تجنيدهم ...
- مادورو: البابا فرانسيس أخبرني بأن الأميركيين يريدون قتلي
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودية أمام قبة ...
- الجهاد الاسلامي: الاحتلال ارتكب جريمة منظمة في غزة بعد وقف ا ...
- الكنيسة الكلدانية بمواجهة « بابليون» .. صراع النفوذ بين الصل ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - الفقه الوعظى : الكتاب كاملا