|
عن ( النقاب وسكينة بنت الحسين )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 20:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إسمح لى يا أستاذ أنا نشأت وتربيت في مجتمع النقاب . وتأثرت جدا بكتاباتك في هذا الموضوع . لك أن تتخيل إننا أسرة نعيش في بيت واحد والنسوان منقبات . زوجتى منقبة ، وزوجة أخى بنت عمى منقبة ، وزوجة أخى الآخر بنت خالتى ومنقبة . غير مسموح لأى واحد من الأخوة أن يرى زوجة أخيه سافرة . كل زوجة ملثمة تشبه مقاتلين حماس ، ناقص نعيش في أنفاق وبأسلحة رشاشة . إسمح لى أيضا أحكى عن أسعد ايامى لما عشت في مصر . سكنت في شقة على السطح في عمارة يملكها تاجر إسمه الحاج مدكور . ونعم الرجال . والسيدة زوجته ونعم الستات . وبناته ونعم البنات . غمرومى بحبهم وعطفهم . عفاف البنت الكبيرة تطلع لى بالأكل ، تخبط على الباب وتنتظر لما أفتح الباب تبتسم لى وتنزل . لازم يعزمونى عندهم آكل الطبخ المصرى الأصيل . وأحس معاهم انى فعلا وسط أهلى . وتخرجت وتعينت في بلدى ، وعشت مصيبة النقاب والتباعد بين الأهل في البيت الواحد ومشاعر التوجس والارتياب . كل ما أشعر بالاختناق أسافر لمصر لأسرتى عيلة الأستاذ مدكور . وهم بيدعونى في المناسبات . في جواز عفاف ( أختى عفاف ) كنت أنا ضيف الشرف ، وبقى جوزها صديقي ، وزى ما بتقولوا في مصر ( صاحبى الروح بالروح ). وكل مرة أزورهم آخذ معايا عمى مدكور ونزور بناته اللى إتجوزوا ، ونزور مقبرة الحاجة أم عفاف . العيلة دى أجمل حاجة في حياتى . مفيش أحسن من مصر والعيشة في مصر . نيجى للسؤال : هل فيه في القرآن الرد على بتوع النقاب ؟ وهل فيه في تاريخ السلف الصالح الرد عليهم . أنا عارف إنك كتبت كثير جدا لكن مقالاتك عبارة عن غابة مترامية الأطراف ، من الصعب العثور على شيء معين . ولك الشكر الجزيل . الإجابة شكرا ، فقد أيقظت في قلب مغترب مثلى الحنين لمصر والحنين لرؤية أهلى وأحبتى هناك ، وقد أصبح مستحيلا تحقيق الأمل . ولله جل وعلا الحمد والشكر . وأقول لك : أولا : يكفى تدبر قول ربنا جل وعلا : ( وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) النساء ) . (36). الاحسان هنا ليس مجرد الإحسان المالى بالصدقات ، بل يشمل الإحسان المعنوى بالمودة المتبادلة والكلمة الطيبة . والإحسان هنا ليس فقط للوالدين ، بل أيضا الأقارب والجيران والأصحاب وأبناء السبيل ( الأغراب ). ليس مهما الديانة على الاطلاق ، ليس مهما أن يكون الجار أو الصاحب مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا ، إنما هم بالوصف وفقط . في مجتمع النقاب لا يمكن تحقيق ذلك على الإطلاق . ثانيا : في موضوع السلف الصالح كما يحلو لهم القول . سأستشهد لك ببعض ما جاء في تاريخ السيدة سكينة بنت الحسين ، حفيدة السيدة فاطمة الزهراء بنت خاتم النبيين عليهم جميعا السلام : في الطبقات الكبرى لابن سعد ( ج 8 ص 348 ـ ) تزوجها ( مصعب بن الزبير بن العوام ) فولدت له فاطمة ثم قتل عنها. ثم تزوجت بعده ( عبد الله بن عثمان ) فولدت له عثمان . بعد موته تزوجت ( إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف )، فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب الخليفة هشام بن عبد الملك إلى واليه بالمدينة أن يفرق بينهما ، ففرق بينهما . وتزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان . ليس عيبا تعدد الزواج . الأيّم تتزوج . وهذا ما جاء في تاريخ حفيدة فاطمة الزهراء . وفى تاريخ المنتظم لابن الجوزى ( ج 7 ص 175 ـ وفيات 117 ) زيادات هامة تدخل في موضوعنا : 1 ـ كان الحسين يقول : لعمرك إنني لأحب دارًا **تكون بها سكينة والرباب أحبهما وأبذل جل مالي **وليس بعاتب عندي عتاب ولست لهم وإن عابوا مطيعًا ** حياتي أو بغيبتي الركاب 2 ـ وكانت سكينة من الجمال والأدب والفصاحة بمنزلة عظيمة كان منزلها مألف الأدباء والشعراء. 2 / 1 : ( ..أن الفرزدق خرج حاجًا، فلما قضى حجه عدل إلى المدينة، فدخل إلى سكينة بنت الحسين ، فسلّم فقالت: " يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال:" أنا " قالت: " كذبت أشعر منك الذي يقول: بنفسي من تجنبه عزيز عليّ ومن زيارته لمام ومن أمسي وأصبح لا أراه ويطرقني إذا هجع النيام فقال: " والله لو أذنت لي لأسمعنك أحسن منه" . قالت:” أقيموه." فأخرج، ثم عاد إليها من الغد ، فدخل عليها فقالت: " يا فرزدق من أشعر الناس "؟ قال:" أنا " قالت: " كذبت صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول: لو لا الحياء لهاجني استعبار ** ولزرت قبرك والحبيب يزار كانت إذا هجر الضجيع فراشها ** كتم الحديث وعفت الأسرار لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ليل يكر عليهم ونهار فقال: " والله إن أذنت لي أسمعتك أحسن منه " فأمرت به فأخرج ، ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها ، وبهت ينظر إليها. فقالت له سكينة: " يا فرزدق من أشعر الناس ؟ " قال: " أنا " قالت: " كذبت وصاحبك جرير" : إن العيون التي في طرفها **مرض قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك ** به وهن أضعف خلق الله أركانا أتبعتم مقلة إنسانها غرق هل ** ما ترى تارك للعين إنسانا فقال: " والله لئن تركتني لأسمعنك أحسن منه" . فأمرت بإخراجه فالتفت إليها وقال: " يا بنت رسول الله إن لي عليك حقًا عظيمًا صرت من مكة إرادة التسليم عليك فكان جزائي من ذلك تكذيبي وطردي وتفضيل جرير عليّ ومنعك إياي أن أنشدك شيئًا من شعري وبي ما قد عيل صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فإذا مت فمري بي أن أدرج في كفني وأدفن في حرّ هذه الجارية "- يعني التي أعجبته - فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية. فخرج بها ، وأمرت بالجواري فدفعن في أقفيتهما ونادته:" يا فرزدق احتفظ بها وأحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي." 2 / 2 : إجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين: جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب . فمكثوا أيامًا ثم أذنت لهم فدخلوا عليها فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ثم أخرجت وصيفة لها وضيّة قد روت الأشعار والأحاديث فقالت: أيكم الفرزدق القائل : هما دلتاني من ثمانين قامة كما ** أنقض باز أقتم الريش كاسره فلما استوت رجلاي في الأرض ** قالتا أحيُّ فيرجى أم قتيل نحاذره قال: نعم قالت: ما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك هلا سترتها وسترت نفسك خذ هذه الألف والحق بأهلك . ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت: " أيكم جرير " فقال: "ها أنا ذا" .فقالت: " أنت القائل: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ** حين الزيارة فارجعي بسلام قال: نعم قالت: فهلا رحبت بها ؟ خذ هذه الألف وانصرف. ثم دخلت وخرجت فقالت: أفيكم كثير؟ قال: "ها أنا ذا" . قالت: أنت القائل: فأعجبني منك يا عز خلائق ** كرام إذا عد الخلائق أربع دنوك حتى يطمع الطالب الصبا ** ورفعك أسباب الهوى حين يطمع فو الله ما يدري لريم مماطل ** أينساك إذ باعدت أم يتضرع قال: نعم قالت: ملحت وشكلت خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت: أيكم نصيب قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل: ولو لا أن يقول صبا نصيب ** لقلت بنفسي النساء الصغار قال: نعم. قالت: رثيتنا صغارًا ومدحتنا كبارا فخذ هذه الأربعة آلاف درهم والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت: يا جميل مولاتي تقرئك السلام وتقول: والله مازلت مشتاقة لرؤيتك منذ سمعت قولك : ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** بوادي القرى إني إذا لسعيد لكل حديث بينهن بشاشة ** وكل قتيل بينهن شهيد جعلت حديثنا بشاشة وقتلانا شهداء، فخذ هذه ألف دينار والحق بأهلك. 2 / 3 : اجتمع راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية الأحوص وراوية نصيب فافتخر كل واحد منهم بصاحبه وقال: صاحبي أشعر ، فحكموا سكينة بنت الحسين لما يعرفون من عقلها وبصرها بالشعر، فاستأذنوا عليها فأذنت. فذكر لها الذي كان من أمرهم فقالت لراوية جرير: أليس صاحبك يقول: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ** حين الزيارة فارجعي بسلام فأي ساعة أحلى الزيارة من الطروق قبح الله صاحبك وقبح شعره ألا قال فادخلي بسلام. ثم قالت لراوية كثير: أليس صاحبك الذي يقول: وليس بعينيها أقر من النكاح أيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك وقبح شعره. ثم قالت لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول: فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ** ولكن طلبتها لما فات من عقلي عما أرى صاحبك هوي إنما يطلب عقله قبح الله صاحبك وقبح شعره. ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ** فوا حزني من يهيم بها بعدي فما أرى له همة إلا من يتعشقها بعده قبحه الله وقبح شعره ألا قال: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت **فلا صلحت دعد لذي حيلة بعدي ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول: من عاشقين تواعدا وتراسلا ** حتى إذا نجم الثريا حلقا باتا بأنعم ليلة وألذها حتى ** إذا وضح الصباح تفرقا قال: نعم قالت: قبحه الله وقبح شعره ألا قال: تعانقا. فلم تثن على أحد يومئذ ولم تقدمه. المهم : كانت السيدة سكينة ( صاحبة صالون أدبى في القرن الأول الهجرى ) يرتاده الشعراء والرواة .. وبدورى أسأل : هل مجتمعات النقاب أكثر إسلاما من السيدة سكينة بنت الحسين ؟ هذا مثل ساطع يطيح بالتخلف الذى تحكى عنه شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور ) https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج2 ) من
...
-
عن ( استغفار النبى)
-
الفقه الوعظى في كتاب ( المدخل ) لابن الحاج العبدرى ( ج1 ) من
...
-
عن ( متخصّص في السيئات )
-
الفقه الوعظى عند إبن القيم الجوزية ( 691 : 751 ) هجرية .
-
عن ( اللباس والرداء / وقريب )
-
الاستتابة حضيض الكفر لابن تيمية . لماذا : ( كتاب الفقه الوعظ
...
-
عن (ولد / الوالدين )
-
الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 / 2 ). الاستتابة او ا
...
-
عن دير الجماجم
-
الوعظ قتلا في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 / 1 ). كتاب الفقه الو
...
-
عن القداسة والبركة
-
التهجير القسرى للمصريين فى حكم العسكر الذى يحتل مصر من عام 1
...
-
عن( المسيحية ) سألونى .!
-
الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج2 : ( نقد الأحاديث ) ك
...
-
عن الفضل :
-
الفقه الوعظى في كتابات ( إبن تيمية ) ج 1 ـ كتاب الفقه الوعظى
-
عن ( الفساد والاستبداد )
-
الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى (5 / ج 27 )
...
-
عن ( العرش والكرسى )
المزيد.....
-
ميرتس: لا تعاون مع -حزب البديل- ما دمت رئيسا لحزب الاتحاد ال
...
-
قائد الثورة الاسلامية يعزي بوفاة العميد علي رضا أفشار
-
الاحتلال يعتدي على شبان في كفل حارس شمال سلفيت
-
بسبب الإخوان.. تغريم بنك شهير 20 مليون دولار لصالح سودانيين
...
-
تفكيك نفوذ الإخوان في أوروبا.. المواجهة تصل إلى أيرلندا
-
الزاوية المصمودية.. وقف آوى فقراء وصوفية المغاربة في القدس
-
بعد انقطاع شهور.. صلاة الجمعة في غزة على أنقاض المساجد
-
بعد انقطاع شهور.. صلاة الجمعة في غزة على أنقاض المساجد
-
إصابة مزارع جراء اعتداء مستعمرين عليه أثناء قطفه الزيتون جنو
...
-
دعوات للتحقيق في نفوذ الإخوان في أيرلندا
المزيد.....
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
المزيد.....
|