أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 20:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أسئلة كثيرة ، جعلت لها هذا العنوان . وأجيب فأقول :
أولا :
الاسلام و السلام : الدولة الاسلامية دولة مسالمة قوية
1 ـ كتبنا كثيرا في أن القتال في الإسلام دفاعى فقط وأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين . ووصفنا الفتوحات التي قام بها الخلفاء بأنه أفظع كفر ، وأنها التي أسّست أديانا شيطانية ل ( المحمديين )
2 ـ مشهور عن المسيحية المسالمة ، مع أن ما فعله الأوربيون المسيحيون في العالم القديم والجديد لا مثيل له . وحتى لا يقال إن هذا لا يتفق مع المسيحية نستشهد بما جاء فى أنجيل متى ، فى الأصحاح العاشر عدد 34 ــ :
" لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض ، ما جئت لألقى سلاما ، بل سيفا ، فأنى جئت لأفرق الأنسان ضد أبية والأبنة ضد أمها والكنة عن حماتها وأعداء الأنسان أهل بيته ، من أحب أبا أو أما أكثر منى ، فلا يستحقنى ، ومن أحب أبنا أو أبنة أكثر منى فلا يستحقنى ومن لا يأخذ صليبة ويتبعنى فلا يستحقنى ومن وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " .
ثانيا :
التوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى كانا موجودين في الجزيرة العربية وقت نزول القرآن الكريم . وأهل الكتاب المؤمنون والذين آمنوا بالقرآن الكريم كانوا هناك ، وكذلك من كفر منهم بالقرآن الكريم حسدا .
الآيات كثيرة نكتفى منها بقوله جل وعلا :
1 ـ (كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة )
2 ـ ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) 48 ) المائدة ) . الذى حدث أن الخليفة الفاسق عمر بن الخطاب أجلى أهل الكتاب من الجزيرة العربية ، فخرجوا بالتوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى . وربما لا يزالان في سراديب الفاتيكان .
ثالثا :
كان عيسى عليه السلام رسولا محليا لبنى إسرائيل . قال جل وعلا : ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) آل عمران ) .
ولكن إنقلابا حدث تحول به الإسلام الذى جاء به عيسى الى تأليه لعيسى ، منهم من جعله الله جل وعلا ومنهم من إتّخذ الثالوث . ردّا عليهم قال جل وعلا :
1 ـ ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 76 ) المائدة )
2 ـ ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 17 ) المائدة ).
رابعا :
بولس هو أصل هذا الانحراف عن الإسلام الذى جاء به عيسى عليه السلام :
1 ـ كان بولس يهوديا متعصبا ضد المسيحية مثقفا بالثقافة اليونانية مشبعا بالجو الديني المنتشر في موطنه والمتأثر بالحضارة الدينية المصرية حيث اشتقت الآلهة في الشام من أصول مصرية . وقد وفد بولس من دمشق للقدس يحمل رسالة للفتك بالمسيحيين وعلى الطريق تقول الأساطير أن المسيح ظهر له في النهار فانقلب من التعصب ضد المسيحية للتعصب لها . وبه انتقلت المسيحية إلى العالمية ، ودخلتها العقائد الوثنية من الثالوث المقدس والكهنوت والرهبنة والطقوس الأخرى من التعميد والعشاء الرباني , وكلها من أصول وثنية فرعونية .
2 ـ نورد عن بولس كتابات الباحثين المسيحيين لنتعرف على الانقلاب الذي أحدثه في المسيحية .
2 / 1 : يقول كاتب مصري مسيحي ( كافح بولس كفاحا مريرا مع بني جلدته من اليهود ومع المتزمتين من متنصري اليهودية لجعل المسيحية دينا جامعا متحررا من قيود الشرعية اليهودية وقد افلح في ذلك , حتى قال بعض المعلقين : أنه واضع أركان اللاهوتية المسيحية .. ولا نكران أن بولس أدخل على علم اللاهوت المسيحي الشيء الكثير من اليهودية واختباراته اليونانية .. ويمكن القول أن بولس اللاهوتي يرسم للمسيح صورة تختلف نوعا عن صورته في بشائر الإنجيل . أي حوله من رسول إلى اله .. ( حبيب سعيد : تاريخ المسيحية 45 )
2 / 2 : ويتحدث جون لوريمر عن اثر بولس في المسيحية فيقول ( نأتي الآن إلى شخصية عملاقة في تاريخ المسيحية .. هذه الشخصية هي الرسول بولس الذي كتب حوالي ثلث العهد الجديد – الأناجيل – وصارت أفكاره اللاهوتية نهائية لكل العصور ، أي اتبع الناس مقولته بتأليه المسيح عليه السلام . ( جون لوريمر : : تاريخ الكنيسة 61 . من فصل بعنوان ( الرسول بولس ومسيحية الأمم )
2 / 3 : وهناك أستاذ فرنسي متخصص في الأديان أسهب في توضيح المؤثرات التي حملها بولس من بيئته وطبع بها المسيحية ونشرها على هذه الصورة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية . انه الأستاذ شارل جينيبير رئيس قسم الأديان بجامعة باريس. وفي كتابه ( المسيحية : نشأتها وتطورها ) يتحدث عن بولس وأثره في المسيحية من خلال ثلاثة فصول , ويؤكد فيها على عدة حقائق منها : أن بولس لم يلتق بعيسي مدة حياته , وأن أفكاره اللاهوتية وليدة البيئة التي عاش فيها والثقافة اليونانية اليهودية التي تشربها وخصوصا فكرة (النجاة ) القائمة على شفاعة اله يموت ثم يبعث – وتلك فكرة مصرية الأصل – ويقول ( والشيء الذي يبدو لنا غير قابل للجدل هو أن تطور بولس نحو المسيحية لم يتم بالقدس وأن مذهبه لم ينشأ من الاتصال بالحواريون) ويقول عن رؤيا بولس التي تحول بها من عدو للمسيحية إلى أكبر داعيا لها ( ولنؤكد هنا أن رؤيا طريق دمشق لم تغير من ذات بولس بل دفعته فحسب إلى تطبيق مبادئه القديمة في اتجاه جديد ..) .ويشير جينيبير إلى حقيقة خطيرة تحول بها المسيح من عبد الله إلى ابن الله في العقيدة المسيحية التي نشرها بولس فيقول أن اليهود كانوا يطلقون عبارة ( خادم يهوه) على كل أنسان يظنون لديه إلهاما من لدن الله، وحين ترجمت هذه العبارة إلى اليونانية ترجمت إلى لفظ يحتمل معينين في وقت واحد هما (خادم) أو(طفل) وتحول بذلك (خادم الله) الذي يلهمه الله إلى (طفل الله ) وذلك باختيار بولس . ( المسيحية : نشأتها وتطورها : شارل جينيير , ترجمة عبد الحليم محمود : 89 , 90 , 103 , 111 ,112 , 127 . 135)
2 / 4 : وفي فصل عن تطور المسيحية المذهبية يتحدث (ويلز) عن دور بولس في نشر المسيحية وانحرافها فيقول (وكان القديس بولس من أعظم من انشأوا المذهب المسيحي وهو لم ير عيسي قط ولا سمعه يبشر الناس , وكان اسم بولس في الأصل شاؤول وكان في بادي الأمر من أبرز و انشط المضطهدين لفئة الحواريين القليلة العدد ثم اعتنق المسيحية فجأة وغير اسمه فجعله بولس , أوتى ذلك الرجل قوة عقلية عظيمة كما كان شديد الاهتمام لحركات زمانة الدينية فتراه على علم عظيم باليهودية المثيرائية وديانة ذلك الزمان التي تعتنقها الإسكندرية فنقل إلى المسيحية كثيرا من فكراتهم ومصطلح تعبيرهم ولم يأت إلا بالقليل في توسيع أو تنمية فكرة يسوع الأصلية .. ولكنه علم الناس أن موت عيسي كان تضحية – مثل سمات الضحايا القديمة المقربة للالهة في الحضارات البدائية من أجل خلاص البشرية ) . ثم يتحدث عن بعض نواحي التأثر بالعقائد الوثنية فيما أضافه بولس فيقول (أنها استعارت أشياء شكلية كالقسيس الحليق وتقديم النذور والهياكل والشموع والتراتيل والتماثيل التي كانت لعقائد متراس والإسكندرية بل تبنت أيضا حتى عباراتها وأفكارها للاهوتية ) ثم يشير الكاتب إلى الصلة بين مسيحية بولس والعقائد الفرعونية فيقول ( وراح القديس بولس يقرب إلى عقول تلاميذه الفكرة الذاهبة إلى أن شأن عيسى كشأن اوزيريس كان ربا مات ليبعث حيا وليمنح الناس الخلود . ( ويلز : موجز تاريخ العالم :178 : 179 )
وأقول :
لم يدر بولس أنه بنشره فكرة ألوهية المسيح قد أوقع أتباعه في انقسام لابد منه حول طبيعة المسيح ومدى حظه من الألوهية . وهي مشكلة هائلة لدى المسيحيين، سبّبت عقد مجامع زادت الخلافات ، وسبّبت اضطهادات تاريخية ، ولا يمكن أن يصلوا من خلالها إلى حل طالما أن البداية خاطئة وهي اعتبارهم المسيح إلها واتباعهم لبولس الذي حرف المسيحية وأنحرف بها ونشرها بتلك الصورة فكانت تجديدا للعقائد الوثنية ولكن تحت أسماء وشعارات جديدة ولولا ذلك ما انتشرت بين الناس ، إذ أن أكثر الناس كفرة مشركون .
أخيرا :
برغم اختلاف الزمان والمكان واللسان فإن :
1 ـ كل الأنبياء جاءوا بدين واحد ( الإسلام ) : ( لا إله إلا الله ).
2 ـ لا يلبث أن يقع الناس في الضلال ، يؤلهون الأنبياء ويجعلون للخالق جل وعلا شركاء . وهو ما وقع فيه المسيحيون والمحمديون ..الخ .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟