أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سامي خويص - بين التعاطف والتفهم: هل تخفي اللغةُ الجريمة؟














المزيد.....

بين التعاطف والتفهم: هل تخفي اللغةُ الجريمة؟


سامي خويص

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 20:48
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


بدايةً: مع كامل الحب والاحترام لكل من جعلته شدة الألم يختار الصمت، وكلِّ من كتب حرفا أو نطق بكلمة حق وحب وتضامن مع السويداء، لكن...

بعد صمت طويل من معظم الكتاب السوريين، وبعد أن وزعوا وزر الجريمة بالتساوي بين القاتل والقتيل، تأتي المرحلة الثالثة تحت عنوان التفهم والتعاطف مع الضحية، تتزامن مع نشاط محموم للسلطة/القاتل الحقيقي، لتلميع صورتها وغسل الدم عن الياقات البيضاء الجديدة.

في كل مرة تُرتكب فيها جريمة كبرى بحق جماعة من السوريين، تتداعى الأقلام سريعا لتكتب بصدقٍ وألمٍ عن "المأساة الإنسانية"، عن "الخصوصية الثقافية" للضحايا، عن عمق جراحهم، وتاريخهم الطويل في الخوف والاضطهاد، تَدبِجُ المقالاتِ بأناقة ضماد، وتحقن تحته مضاد التهاب وحفنة مسكنات.

لكن، يا للمفاجأة... هذا النوع من الكتابة لا يواسي الضحية بقدر ما يبرّئ المجرم. فحين تتحول اللغة إلى وسيلة للتفهم بدل الإدانة، "لن يكون أمامها إلا أن تخرج إلى الشرفة مثل ماري انطوانيت لتحي الشعب المتدافع أمامها"، فتُحوّل القتل إلى سوء فهم ثقافي، والمجزرة إلى سوء تواصل بين مكوّنات "لا تفهم بعضها"، وكأنّ الدم السوري انسكب لأننا لم نحسن الإصغاء إلى خصوصيات بعضنا، لا لأن هناك من قرّر القتل.
هذا الخطاب "الإنساني" الذي يزدهر بعد كل مأساة، يقوم - دون وعي - على منطقٍ مراوغ: يغفل الحديث عن الجاني المباشر، ليطرح تفسيرا نفسيا أو ثقافيا للحدث، فيغدو القاتل شخصا متخلفا منفلتا أعماه الحماس لا قاتلًا، ويصبح الجمهور المحرض "جاهلًا بثقافة الآخر" لا شريكا في الجريمة، وتتحول الضحايا من رجال ونساء وأطفال قُتلوا ظلما إلى "كائنات فريدة ذات خصوصيةٍ ثقافيةٍ لم تُفهم جيدًا". وبالعطف على ذلك، تصبح السلطة التي خططت وأشرفت على الجريمة شبحا طيبا لا يجوز المساس به ولو بنظرة (مخافة الحسد).
بعد المجزرة التي استهدفت السويداء مؤخرا، رأينا هذا الخطاب يتكرّر بصيغٍ متعددة:
كُتّابٌ وصحفيون ومحلّلون راحوا يصفون ويشرحون "النفسية الجبلية"، و"ذاكرة الخوف التاريخية"، و"الانكفاء الدرزي الموروث"، وكل ذلك بِنيَّة صافية هدفها: التفهم، والبحث عن الأسباب. لكن هل يحتاج من يُحرق أبناؤه ويُلقى بهم من الشرفات إلى من يشرح خصوصيته؟
أم إلى من يصرخ مرددا: يلي بيقتل شعبو خاين"
في لحظة الجريمة ننتظر أن تكون اللغة صرخة، لا بلاغة شعرية، نتوقع ألا يكون الكاتب مراقبا مخبريا يقيس المدخلات وينتظر مخرجات التفاعل، أو كاهنا يقدّم طقسا للتطهير الجماعي بدل أن يصرخ: "ولكن الإمبراطور عار".

ما تحتاجه السويداء هو الصوت الذي احتاجت إليه المدن السورية خلال الخمس عشرة سنة الماضية، الصوت الذي ملأ الشوارع: "يا ... حنا معاك للموت". تحتاج كاتبا يفضح من قتلها، واختطف أبناءها وبناتها وأهان رجالها واستباح بيوتها وأغراضها. كاتبا لا يروي قصص التاريخ، ويتغزل بالقيم والأخلاق، بل يسمّي القاتل باسمه، ويطالب بعدالةٍ لا تعرف المواربة. فأكثر ما يؤلم الضحايا هي الكلمات المراوغة التي تصف جراحهم.. كلمات كلمات كلمات يا هاملت.

التاريخ لا يُكتَب بالعواطف، بل بالشهود الذين يضعون الجريمة في سياقها السياسي، ويجرؤون على القول: ليست مأساة ثقافية، ولا صدمة حضارية، بل جريمةٌ مكتملة الأركان.



#سامي_خويص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين ستوضع المسطرة الصراع على حدود النفوذ في سورية
- الوطن كمفهوم قسري/ صناعة الوطنية الإقصائية في سوريا
- مبادرة معاذ الخطيب… لغة تصالحية وهروب من المواجهة
- مديح الكراهية… من الرواية إلى مشفى السويداء
- حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإ ...


المزيد.....




- الكشف عن قيمة المسروقات من متحف اللوفر
- -مسار الأحداث- يناقش أسباب زيارة دي فانس وكوشنر وويتكوف لإسر ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. إسرائيل تفحص جثتي أسيرين وحماس تؤكد ...
- البرلمان التركي يقر تمديد إرسال قوات إلى العراق وسوريا
- فرنسا تعلن قيمة -كنوز اللوفر- المسروقة.. وتوجه تحذيرا إلى ال ...
- ترامب عن لقاء بوتين: -لا أريد أن أضيع وقتي-
- نتنياهو يُقيل تساحي هنغبي: خلافات غزة والرهائن تُطيح بمستشا ...
- كيف وجد الرئيس ساركوزي نفسه وراء القضبان، ومن هو الملياردير ...
- بين شهادة المرحوم مصطفى البراهمة و مسلسل “حين يرونا”: خاطرة ...
- شاهد..برشلونة يحقق مكاسب بالجملة بعد الفوز على أولمبياكوس


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سامي خويص - بين التعاطف والتفهم: هل تخفي اللغةُ الجريمة؟