أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي خويص - مبادرة معاذ الخطيب… لغة تصالحية وهروب من المواجهة














المزيد.....

مبادرة معاذ الخطيب… لغة تصالحية وهروب من المواجهة


سامي خويص

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 21:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر الشيخ أحمد معاذ الخطيب الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة، على منصة إكس مبادرة للحل في سورية، توزعت المبادرة على اثنتين وعشرين فقرة، عرض فيها رؤيته للوضع، مع مقترحات لوقف تدحرج سورية إلى المصير المأساوي الذي ينتظرها. وقد تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تلك المبادرة، واحتفت بها.
في إطار الحوار والنقاش العام أعرض قراءتي وملاحظاتي حول هذه المبادرة.

جاءت مبادرة الشيخ أحمد معاذ الخطيب الأخيرة بشأن ما يجري في السويداء بلغة هادئة، وحرصٍ واضح على تماسك ما بقي من النسيج الوطني. وفي محاولته لرفض حملات التحريض الطائفي التي يتعرض لها أبناء السويداء، شدّد في أكثر من موضع على تاريخ بني معروف الوطني، وعلى ضرورة رفض الفتنة الطائفية، قائلاً: "لا إكراه في الدين ومن يقول عن نفسه أنه مسلم فهو مسلم..."، كما رفض استدعاء فتاوى التكفير لتأجيج الصراع، معتبراً أن "أساس المشكلة سياسي ويتم الدفع له وتحريكه بقوى إقليمية عديدة". مذكرا بتاريخ ومواقف أبناء السويداء الوطنية، وتمسكهم بوحدة البلاد، ومشاركتهم في الثورة ضد نظام بشار الأسد. هذه الإشارات التاريخية التي تقصد وضع الأمور في نصابها، وتسعى إلى عرض محفزات للمصالحة، تستحق الاحترام، خاصة في وقت تتكاثر فيه الأصوات الداعية للكراهية والتقسيم.
لكن، ورغم هذه النوايا الطيبة، فإن مبادرة الشيخ معاذ جاءت متأخرة أكثر من شهر، أي كان من الممكن أن تكون مناسبة قبل تطور الأحداث الأخير، ووقوع المأساة في السويداء، وبالتالي فهي لا تأخذ بالاعتبار عمق الهوة التي خلّفها الهجوم البربري القتل الوحشي، الاغتصاب، الحرق، القصف المدمر، الانتهاكات الجسيمة، وإهانة كرامات الناس وحرمات بيوتهم وعائلاتهم مع حصار مستمر حتى اليوم. فحين يقول: "الإشكالات التي تحصل في المنطقة كل عدة سنوات كان يجري حلها ببساطة..." فإنه يتجاهل أن ما حدث هذه المرة لم يكن "إشكالاً عابراً"، بل كارثة إنسانية وسياسية أودت بحياة المئات وشرّدت آلاف العائلات وتركت جرحا عميقا في كرامة مجتمع بأسره.
الأكثر خطورة أن خطاب الشيخ معاذ يوزّع المسؤولية بالتساوي تقريباً بين الجميع. فهو يتحدث عن "أخطاء مشتركة"، وعن "الدعوة للنفير العام التي سببت فوضى عارمة"، دون أن يشير إلى مسؤولية السلطة الانتقالية التي قادت الهجوم، ساهمت في التحريض، رعت إعلان النفير العام، سهلت وصول عشائر البدو وفصائل داعش التكفيرية وغطت على جرائمهم، حتى أن رئيس السلطة الانتقالية شكر عشائر البدو على وقوفها إلى جانب الدولة في هذه الحرب. إن التهرب من تحميل المسؤولية للسلطة، بل ومحاولة المساواة بين المجرم والضحية، لا يساهم في الحل، بل على العكس، يشجع على تكرار المأساة ما دام يمكن في النهاية طيّ الصفحة بالاكتفاء بلغة "المصالحة".
ذكر الشيخ معاذ أن "أساس المشكلة سياسي" وهو أمر صحيح ولذا يجب أن يعالج في إطار سياسي، وبلغة وتوصيفات سياسية شديدة الوضوح، لا بلغة مراوغة تلين عندما يتحدث عن السلطة، فيصف الخطأ السياسي الجسيم الذي ارتكبته السلطة الانتقالية بإبعاد المكونات السورية عن المشاركة في النقاش العام لإدارة البلاد بـ "التعجل في بعض القرارات". لقد اعتدنا على مدى سنوات أن نسمع من الشيخ معاذ خطابًا إصلاحيا تصالحيا مماثلا تجاه السلطة السابقة، ولم يُجدِ نفعا. واليوم، حين نواجه سلطة انتقالية أكثر شراسة وراديكالية من سابقتها، فإن تكرار اللغة نفسها يعني ببساطة إعادة إنتاج الفشل.
يستعير الشيخ معاذ مصطلحات السلطة الانتقالية نفسها ليخفف من هول الجريمة الوطنية والإنسانية التي ارتكبتها، والتي ترقى إلى مستوى جريمة تطهير وإبادة، ينبغي أن تحاسب عليها، كسلطة وأفراد، في المحاكم الدولية، وحسب المبدأ الذي أعلنته الثورة السورية "يلي بيقتل شعبو خاين". لكن مع الأسف يصف الشيخ معاذ هذه الجريمة بأنها مجرد خطأ في الحل "تصور الحل لم يكن ناجحاً وحصلت أخطاء كبيرة".
من المؤسف أن يغيب عن نص الشيخ معاذ أي ذكر للأرقام المأساوية: الضحايا، المهجّرين، القرى المحروقة، البيوت المدمرة، النساء المختطفات، الجوع والحصار.... فهو يقول: "حصلت جرائم وانتهاكات وإهانات خطيرة والمعول على ما ستقدمه لجان تحقيق..." وكأنها أخطاء إدارية قابلة للمعالجة باللجان، لا جريمة سياسية كبرى بحق مجتمع كامل. هذا الغياب للتوثيق، وللاعتراف بالكارثة يجعل خطابه أقرب إلى بيان سياسي عام، لا إلى صوت متعاطف مع الضحايا.
أما اقتراحه على مجلس الإفتاء بلعب دور الوسيط، فذلك يزيد من ضعف المبادرة. لأن هذه المؤسسة ارتبطت مباشرة بالسلطة، وهي ببنيتها -وليس أفرادها- تابعة للسلطة، ناطقة باسمها، ومبررة لأفعالها. وقد فقدت ثقة قطاعات واسعة من السوريين، لأنها لم تعلن موقفها من أخطاء السلطة سواء في الساحل أو في السويداء، وبالتالي فإن الرهان عليها لحل أزمة بهذا الحجم يبدو بعيدا عن الواقع.
إن الوضع السوري أخطر من أن يُعالج بأسلوب المهادنة أو بالتغاضي عن المسؤوليات. ما نحتاجه اليوم ليس لغة التسكين، بل جرأة في تسمية الأشياء بمسمياتها، ومصارحة واضحة بأن السلطة الانتقالية تتحمل المسؤولية الكبرى فيما جرى ويجري. فالمصالحة الحقيقية لا تُبنى على المجاملة أو طمس الحقائق، بل على محاسبة الفاعل ومعالجة أصل الداء، لا الاكتفاء بالطلب من المريض أن يصبر ويتحمل.
إننا ننتظر من الشيخ معاذ، وهو الذي يملك مكانة في وجدان السوريين، أن يتجاوز هذه اللغة التوفيقية التقليدية، وأن يوجه إصبعه بوضوح نحو الخلل والمسؤول عنه. ففي لحظة حرجة كالتي تعيشها البلد، لا يكفي أن ندعو إلى وحدة السوريين فحسب، بل علينا أن نواجه الحقيقة المرّة: أن السلطة التي لم تُدان بجرأة ستعود لارتكاب الجريمة مرة أخرى.



#سامي_خويص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مديح الكراهية… من الرواية إلى مشفى السويداء
- حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإ ...


المزيد.....




- أصالة في بيروت وأحمد حلمي وعمرو يوسف يخطفان الأنظار بحفل للـ ...
- ميكرفون مفتوح يلتقط لحظة حديثه مع ماكرون عن بوتين.. ماذا قال ...
- ترامب بعد لقائه بزيلينسكي: -التوصل إلى وقف إطلاق النار ليس ش ...
- بصفقة دواك.. ليفربول يتخطى 227 مليون إسترليني من بيع لاعبيه ...
- زفاف جندي إسرائيلي مبتور الساقين: حقيقة أم مجرد دعاية؟
- -الجميع يترقب نهاية الحرب-.. هل بات وقف إطلاق النار بغزة وشي ...
- مصر تحقق المليون السكاني الأخير بأبطأ وتيرة منذ سنوات
- ترامب يوضح موعد حسم الضمانات الأمنية لأوكرانيا لتأمين اتفاق ...
- أمن الدولة تخلي سبيل ماهينور المصري بكفالة 50 ألف جنيه في ال ...
- بعد توتر مع فرنسا وأستراليا.. نتنياهو يعقد اجتماعا طارئا بشأ ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي خويص - مبادرة معاذ الخطيب… لغة تصالحية وهروب من المواجهة