أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي خويص - مديح الكراهية… من الرواية إلى مشفى السويداء














المزيد.....

مديح الكراهية… من الرواية إلى مشفى السويداء


سامي خويص

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 23:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



قبل سنوات طويلة، عندما سمعت أول مرة بعنوان رواية خالد خليفة "مديح الكراهية" استغرقتني التداعيات الدلالية لطرفي الجملة، ورأيتهما يتزاحمان على صدارة التلقي، فكل منهما يمتلك طاقة حضور متوترة تجعل من السهل انزلاقه إلى شرفة المعنى. حينها سمح لي جهلي بالسياق أن أتعامل مع العنوان ككائن وحشي بدائي، وُجِد فجأة في شارع مزدحم فملأه صخبا، أو كقصيدة تكثف كامل تجربتها في كلمتين. لاحقا بعد أن قرأت الرواية ازداد ذلك الكائن حضورا وهيمنة، لكن اليوم في سورية صيف 2025، أصبح هو نفسه أليفا وكأنه أحد معالم المدينة.
لم تعد الكراهية تحتاج مديحا وتشجيعا فقد نضجت وامتلكت فضاءها، في اللغة، السياسة، الأغاني، وفي نشرات الأخبار الصباحية مع فنجان القهوة، على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، نستقبلها كما نستقبل نشرات الطقس: غدًا، أمطار غزيرة في الشمال… وتحريض غزير في الجنوب.
الآن يضاف إلى حضور العنوان، حضور خالد خليفة نفسه ليس كروائي، بل كعرّاف، تقمص عبر مئة جيل، ليشهد الانهيار معنا. يراقب تلك الدلالات الشرسة التي أطلقها قبل عقدين، وظن أنه حين جمع المتناقضين معا في عنوان واحد، قد ضحى بهما على مذبح ما، لكنه يكتشف مع سوريتنا الراهنة أن الآلهة لم تقبل الأضحية، بل رمتها بأقصى نتنها في وجوهنا.
أظن أن الرواية تستند بكامل ثقلها إلى منظور فينومينولوجي، حاول تشريح تجربة الكراهية من الداخل: كيف تسكن الوعي، كيف تُعيد تشكيل إدراك العالم، كيف تُبرّر ذاتها أمام صاحبها، كيف تهيمن، كيف تتحول إلى طاغية ومعبود، وكيف تجعلنا نمتدحها ونسير خلفها كالمنومين. البطلة في "مديح الكراهية" لا ترى نفسها شريرة، فهي واثقة أنها تدافع عن الحقيقة والحق، وتعتقد أنه من الطبيعي أن تكره وتكره وتكره، طالما الآخر ظل آخرا. هنا تكتمل القصدية (Intentionality) أحادية الاتجاه التي لا تدرك الخارج سوى كتهديد مستمر. وها هو الواقع السوري الحالي يعيد إنتاج هذه البنية النفسية والفكرية، لكن على نطاق اجتماعي واسع. وفي تكرار نشط لا يتوقف، وبسرعة خيالية، فيبدو أن ظروف الخلق مواتية.
المشهد الذي ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا – مقتل شاب يعمل متطوع ضمن الفريق الطبي في مشفى السويداء على أيدي عناصر "قوات الأمن العام" أثناء إحدى مراحل حرب الإبادة الدينية المستمرة هناك منذ شهر بحق الأقلية الدرزية الصغيرة – يقدّم نسخة مسرحية مكتملة الأركان للكراهية وقد تحولت إلى عرض علني: لدينا مكان يصلح كمنصة عرض، جمهور أُحضر بالقوة وأُرغم على الجلوس (الأصح الركوع) على الأرض، ممثلون مع كل الاكسسوارات اللازمة (لباس عسكري، مسدسات، كلاشينكوف)، يبدأ العرض، الجنود يحاولون إذلال الشاب الأعزل وإرغامه على الركوع، يضربه أحدهم بمقبض مسدسه على رأسه. الشاب يقف بين الجمهور لكن الجنود (يكسرون الجدار الرابع) ويسحبونه نحو منصتهم، يتصاعد الصراع الدرامي يقاوم الشاب، يدافع عن نفسه، عن إنسانيتنا، لكن ينتهي الصراع سريعا بقتله بطلقات من مسدس وبندقية، ثم تسحب جثته على الأرض نحو الكواليس والدماء تسيل منها لتصبغ الخشبة بلونها، إضاءة حمراء تخفت ببطء ثم ظلام، ظلام ثقيل وطويل أسود أسود... يصفق الجمهور ويضاء المسرح، يعود الممثلون إلى الخشبة ليتلقوا مدائح الجمهور عبر السوشيال ميديا وينحنون أمامه، لكن لا يعود ذلك الممثل الشاب معهم لأنه مشغول بموته الحقيقي. هذا العرض الذي سجلته صدفة كاميرات المراقبة في المشفى هو واحد من عشرات الجرائم التي وثقت ومن مئات المجازر التي لم تجد كاميرا تصورها. (هذا رابط مجاني لمن فاته رؤية العرض: https://youtu.be/RH33eTtS4wY?si=qj0W9udPVDykE9W6)
سهولة فعل القتل في هذا المشهد، تجعله أمرا عابرا يشبه نفث الدخان أثناء الكلام، أو ارتشاف الشاي مع الطعام، وتكشف عن مدى اندماج أو تماهي القتلة مع رؤية الجماعة التي ينتمون إليها. القاتل هنا لا يتصرف كمن يرتكب جريمة، بل كمن ينفذ فعلًا مشروعًا، وربما واجبًا، تمامًا كما كانت بطلة الرواية ترى عنفها في سياق الفضيلة. الكراهية في هذه اللحظة ليست انفجارًا عاطفيًا، بل إدراكًا مشوَّهًا للواقع يشرعن العنف ويمنحه لباس الحق. إنها طريقة ناجحة لممارسة الجريمة دون ملحقات فكرية أو أخلاقية أو دينية، فالقاتل ينحي جانبا جميع الافتراضات حول وجود العالم الخارجي. ليس بقصد إنكار وجوده، بل بهدف تثبيت تصوراته وأحكامه الخاصة دون تدخلات خارجية.
هكذا، يتحول الوعي الفردي إلى وعي جمعي مبرمج، يرى الكراهية في كل مكان، يسمعها في الخطب، ويشاهدها في الأفعال، يخبئها في أعماقه مثل كنز ثمين، حتى تصبح جزءًا من طريقة فهمه للعالم. وهذا هو أخطر ما في الأمر فالكراهية لم تعد مجرد عاطفة طارئة، بل إطارًا ذهنيًا دائمًا، لا يمكن تمييزه عن الواقع.
قد يكون خالد خليفة كتب روايته كرسالة تحذير أدبي، تنبهنا كيف يمكن أن تتسلل الكراهية إلى الوعي وتعيد صياغة العالم، لكننا، في نسختنا السورية المعاصرة، أخذنا هذا التحذير وحولناه إلى خطة حياة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإ ...


المزيد.....




- علي الأمين: إيران ربما تفعل الورقة الشيعية للدفاع عن سلاح حز ...
- ’مادونا’ تحث بابا الفاتيكان على زيارة قطاع غزة المحاصر
- مستشار رئيس فلسطين في مؤتمر الإفتاء: سنصلي جميعًا في القدس و ...
- إسبانيا تلغي حظر خوميا الاحتفال بأعياد إسلامية في الأماكن ال ...
- حماس تدعو الدول العربية والإسلامية لتفعيل قوّتها بوجه الاحتل ...
- حماس تدعو الدول العربية والإسلامية لتفعيل قوّتها بوجه الاحتل ...
- مفتي الأردن: الفتوى تتغير بتغيُّر الأشخاص والظروف ولا يمكن ل ...
- -لم يعد هناك وقت- - مادونا تحث بابا الفاتيكان على زيارة غزة ...
- حكومة إسبانيا تلغي حظر خوميا للاحتفالات الإسلامية في الأماكن ...
- وزير الشؤون الدينية بالجزائر: دمج الذكاء الاصطناعي في الفتوى ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي خويص - مديح الكراهية… من الرواية إلى مشفى السويداء