عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 16:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غاب العراق كخاصية مجتمعية وعن الفعالية منذ القرن الثالث عشر، عندما انتهت الدورة الازدواجية الامبراطورية الثانيه، العباسية القرمطية الانتظارية، بسقوط عاصمة الامبراطورية عام 1258، بعد الدورة الاولى السومرية البابلية الابراهيميه المنتهية بسقوط بابل، وهو مايوافق ويستجيب للقانون الناظم لتاريخ هذه البقعه من المعمورة، باعتبارها ارض الدورات والانقطاعات المرهونه للاصطراعية الازدواجية، الارضوية/ اللاارضوية التي ميزت ابتداء ارض مابين النهرين وآليات تشكلها ودينامياتها.
ونحن نتحدث هنا عن الانقطاعية الثانيه بعد الاولى التي تبدا مع سقوط بابل، ولها ماميزها عن الثانيه المستمرة الى الان، والتي حكمها كمظهر رئيسي الوقوع تحت طائلة "البرانيه" بطورين: الاول شرقي يدوي يبدأ مع هولاكو، واخر غربي اوربي آلي، يبدا مع القرن العشرين وعشريته الثانيه تحديدا، وهو يختلف نوعا عن الاول الاطول، بكونه حالة مرهونه للانقلابيه الآليه الحالة بشوطها الاول ابتداء في اوربا.
ولم يكن الانقطاع الحالي بلا آليات تشكل ذاتي تبدا كما هي العادة والخاصيات البنيوية في ارض السواد، وهي عملية تشكل سابقة على الانقلاب الالي الاوربي، بدات مع القرن السادس عشر، سبقتها فترة من الفوضى الانتاجية المجتمعية حلت على ارض السواد من سقوط بغداد حتى تبلور الصيغة القبلية اللاارضوية مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك"1530، تبعتها فترة اخرى انتظارية نجفية، بدات مع القرن الثامن عشر في اعقاب الثورة الثلاثية عام 1787 التي حررت المنطقة الممتدة من بغداد الى الفاو، واتسمت بكونها عملية تشكل يدوي في غير اوانه على افتراض ضرورة تجاوز الطور اليدوي موضوعيا، وهو مالم يكن ممكنا على المستويين الاسفل حيث عملية التشكل الحديث، وفي المركز البراني حيث العاصمة الامبراطورية المنهاره والمتحولة الى مركز تعاقب الدول واشباه الامبراطوريات التي ماتزال يدوية هي الاخرى.
ومن الواضح ان متابعتنا الراهنه لاتستجب للمتعارف عليه من مفاهيم في التاريخ وفي حركة المجتمعات، والقانون والمآلات المنتظرة من العملية التاريخيه المجتمعية، وعلى وجه التحديد منها تلك التي كرستها اوربا بعد الانقلاب الالي بصيغته المصنعية من منظور لمايعرف ب " الحضارة" وماترافق مع تاسيس "علم الاجتماع" اخر العلوم، مع الغائب الاخر المماط عنه اللثام، والاهم :"صراع الطبقات"، وهي كلها مفاهيم ظلت متداولة بالاخص مع ماعرف ب "الحداثة الغربيه"، مادام المفهوم او الموضوعه الاهم غائبة عن النظر مثلها مثل الصراع الطبقي الذي لم يكتشف قبل القرن التاسع عشر، ليصبح مرتكز نظرية في التاريخ ترهنه لقانون سائر الى نتيجه وحصيلة مجتمعية مفترضة، فلم يخطر على البال لاسباب موضوعية خاصة بنوع المجتمعات التي حصل فيها الانقلاب الالي الافتتاحي، حيث استحالة تجاوز نطاق النوع المجتمعي المذكور عقليا ادراكيا، الى ماهو غيرها ومختلف عنها نوعا مقابلا ضمن الحقيقة المجتمعية الاصل، الازدواجية اللااارضوية/ الارضوية الاشمل، بمقابل الاصطراعية الجزئية "الطبقية".
وهذا يجعل من الانقلاب الالي عملية متعددة المحطات تبدا في اوربا الطبقية الاعلى ديناميات ضمن صنفها لاسباب بنيوية، لتنتقل الى "المجتمعية" الامريكيه المفقسه خارج الرحم التاريخي بلا بنية يدوية مجتمعية ولا طبقات، حيث الانتقال من الالة المصنعية الى التكنولوجيا الانتاجية، في وقت تراجع الغرب بصنفية الاليين الاول الاعرق الراسمالي، ومقابله الذي يطلق على نفسه اسم "الاشتراكي"، في حين تشتد حالة التازم الانتقالي الفاصل والحاسم على مشارف وبحكم اليات الانتقال المتوقع الى "التكنولوجيا العليا " العقلية، ولاتعود متبقيات الانتاجية اليدوية قابله للاستمرار، مايوقظ تحت طائله التازم المتعاظم انتاجيا ومجتمعيا، ضرورات الافصاحية الانتقالية المغفله الحالة على المعمورة مع الاله بما هي عملة متعددة المحطات، جوهرها الانتقال الى اللاارضوية ومفهومها الانقلابي الاعظم المغفل.
ولامجال للشك بان اعادة قراءة السردية الانتقالية الاليه هي لحظة على مستوى الافصاحية العقلية والخروج من وطاة الجسدية اليدوية، ظلت منتظرة، وهي بحد ذاتها انقلاب فاصل في وظيفة العقل وممارسته لمهمته، بما يضعنا لهذه الجهه ايضا وبالحكم، امام نوعين من المقاربة العقلية للمرحله الحالة على المجتمعات البشرية، الاولى الحالية السائرة والمستمرة منذ انبجاس الاله في اوربا، وهي من متبقيات العقل اليدوي الجسدي، كان لابد من الانتظار عبر التفاعل قبل ان ينتقل العقل، من الدائرة اليدوية ومتبقياتها وقصوريتها، كي نصبح امام مسار الانتقالية المقصودة في الجوهر، من المجتمعية الجسدية الى العقلية، فالذي حصل مع الاله ليس تطورا من المجتمعية اليدوية انتاجا الى الاليه، بل هو عملية انتقال شامله منتظرة من المجتمعات الراهنه الى نوع وصنف من الوجود الحياتي مختلف نوعا، محوره عقلي تنتهي عنده غلبة الجسد على العقل، وصولا الى انتفاء الحاجة للحامل الجسدي وتحرر العقل، بغض النظر عما يظل يلازم المنظور البشري ابتداء من توهمية، تتحول بفعل المنجز الالي الى كبرى شامله تضطلع بها اوربا، مقابل استمرار المجتمعات الاخرى تحت طائلة الطور المنقضي .
هل بريطانيا ياترى التي جاءت عام 1914 الى الفاو بغرض احتلال العراق، هي ارقى منه او يمكن ان تقارن به من اية زاوية، ماعدا من ناحية الالة التي منحتها اليوم صفة "الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس"، لتتجرأ وتفكر باحتلال مكان هو الامبراطورية الاولى في التاريخ، عندما خرج سرجون الاكدي 2371/ 2316 ق م، من اقصى جنوب ارض مابين النهرين شرقا ليحتل عيلام، وغربا ساحل الشام والاناضول، ويعبر الى جزيرة كريت، ويصرح " انا حاكم زوايا الدنيا الاربع"، وهو ماكان وقع تاريخيا ليس في الزمن الالي بل اليدوي حيث اعلى الاليات المجتمعية الكيانيه، في الوقت الذي وضع كوراجينا اول شريعة له لتظهر لاول مرة في التاريخ كلمه "حرية"، وكل حقوق الانسان التي يتغنى بها اليوم ونعها حقوق المستضعفين، وصولا الى بابل عاصمة العالم القديم، ولن نعدد لغزارة منجز هذا المكان الاصطراعي المجتمعي المحكوم لقانون الدورات والانقطاعات، والاعلى ديناميات مجتمعية ابان الطور الاول الانتاجي اليدوي، لكن لابد من تذكر الدورة الثانيه العباسية القرمطية ومنجزها العالمي الامبراطوري، عندما كرر هارون الرشيد القول مخاطبا الغيوم في السماء "امطري حيثما تشائين فانت في ارضي "، وعادت المساواتية بارفع صيغها المشاعية القرمطية مع العشرات من التيارات للتشابك في ارض السواد دوله بلا كيانيه، معتزله واخوان صفا واسماعيلية وخوارجية وحلاجية...الخ
ولنقف عند ظاهرة من نوع الاعتقاد بالتقدم والعلو المجتمعي الديناميكي في الحالة اعلاه، حين لم يخطر ببال بريطانيا "العظمى" في حال كانت عظمى بالفعل، ام انها عظمى بالاله، وانها بما هي عليه وبالمقارنه اقل جدارة بان تكون وافية بالغرض بالنسبة للالة نفسها ،المستحدثة مقارنه بارض مابين النهرين بما في ماضيها وحقيقتها المطوية الغائبة الان، بما يعني مالايمكن تخيله من نتائج ومترتبات يجب توقعها بحال صارت الالة متفاعلة مع الاشتراطات الرافدينيه المتاخرة حتى الساعه كبدئية ثانيه غير تلك اليدوية.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟