أحمد جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 20:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
البروليغارشيا وماغا: حِلف، محور أم اندماج؟
ترقيع الأزمة البنيوية للرأسمالية المُفترِسة
تنويه
ظلَّ رأسي يضجُّ بالفكرة منذ "تنصيب" دونالد ترامب في سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية ولا أعرف كيف أصوغها، أو ما إذا كانت الصياغة دقيقة و"علمية" أم خَربَشات من بنات أفكاري. أُحاول وأُحاول، أكتب مسودات وأشطبها وأُعيد كتابتها، أبحث عن تحليلات وبحوث أميركية وأطَّلع على بعضها وأستعين به. وفي نهاية المطاف أعجزُ عن التوصل إلى صيغة ناجزة. خشيتُ أن يقتل اليأس الفكرة وتذهب هباءً، فقررتُ تقديمها بإيجاز كما ترونها هنا بهدف إخضاعها للمناقشة العامة من فضلكم لعلَّ لدى آخرين وجهة نظر أخرى تؤيدها أو تُثريها أو تُفنِّدها أو تشطبها كليَّا وتُلقيها في سلة المهملات.. عندئذ سيهدأ ضجيج رأسي.
تعريف بطرفيِّ الحلف/المحور
Broligarch: مصطلح منحوت من كلمتين، Broism ، أي الأخوية، و oligarch ، أي الأوليغارشيا أو الطغمة المالية، ليصبح معناه "الأخوية الأوليغارشية"، ويمثِّلها ملياردير التكنولوجيا الرقمية إلون ماسك.
MAGA: اختصار لاسم حركة Make America Great Again "لنجعل أميركا عظيمة مُجدَّدا" وشعاره الانتخابي الشهير. ويمثِّلها ويقودها رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب.
هكذا بِتنا نعرف المكتوب من عنوانه كما يُقال. فالبروليغارشيا هنا هي الطُغمة المالية التي تضم كبار الأثرياء في شركات التكنولوجيا العملاقة المهيمنة على الولايات المتحدة والعالم، بينما حركة "ماغا" حركة يمينية متطرفة عنصرية وصلَ ممثلها إلى سُدة هرَم الدولة الأعظم ويريد أن يجعلها أعظم فأعظم وأوحد باستخدام سلطة الدولة العميقة القائمة عن طريق إضعافها- وهنا تكمن المفارقة الكبرى- كي يتمكن من السيطرة عليها لبلوغ الهدف النهائي المرسوم له من قبل الأوليغارشيا المالية المتربعة على عرش جبل أولمب الكوكب.
خطة الحلف/المحور وأهدافه
يرى كثيرون في هذا العالم أنِّ خطط الرئيس ترامب وأقواله وأفعاله الغرائبية "السريالية" المتتالية والمتناقضة كما تبدو ليست سوى ضرب من الجنون، بيد أنها في الحقيقة خطط مدروسة ومتقنة التصميم غايتها في النهاية حل الأزمة الرأسمالية البنيوية و"إنقاذ" الأُحادية القطبية المهدَّدة بالأفول، وتنطلق من نظريات وتستند إلى استراتيجيات برأي ستيف بانون المستشار السابق للرئيس ترامب، يذكر منها:
• استراتيجية الدخان والمرايا Smoke and Mirrors
تقوم هذه الا ستراتيجية على خلق ضجيج إعلامي ضخم حول أمر غير حقيقي بهدف تحقيق أهداف غير معلنة. ففي حالة العدوان الصهيوني الهمجي على غزة، يتم تحويل النقاش من وقف العدوان والانسحاب من غزة إلى البدائل المطروحة على الفلسطينيين والعرب.
• استراتيجية إغراق الساحة Flood the Zone
تعتمد هذه الاستراتيجية على إغراق وسائل الإعلام والرأي العام بوابل من التصريحات والقرارات ، بغض النظر عن واقعيتها بهدف السيطرة على السردية السياسية. فكلما ازداد الضجيج، أصبح من الأسهل تمرير القرارات الخطيرة وسط الفوضى.
• استرايجية صناعة القبول Manufacturing Consent
يعتقد أصحاب هذه الاستراتيجية أن التكرار يصنع القبول (وعندنا مَثل مشابه، وهو "التكرار يعلم الحمار" - عدم المؤاخذة- هكذا ينظرون إلى الشعوب). وتقوم الاستراتيجية على إعادة طرح الأفكار بشكل متكرر من زوايا متعددة حتى تصبح مألوفة، وبالتالي أقل صدمًا وأكثر قبولاً بشكل غير مباشر. ويتحول النقاش من هل هذا ممكن؟ إلى ما هي الطريقة الأفضل لتنفيذه؟ ومن ثمَّ تحويل المستحيل إلى واقع.
إن الخطر الأكبر لا يتمثل في قدرة ترامب على تنفيذ مخططاته، بل في جعل الآخرين يتعاملون معها كأمر ممكن ، ثم مُلزِم، ثم لا مَفرَّ منه.
القُطبة المخفية
من بَدهيات الماركسية أن جهاز الدولة في المجتمع الطبقي ليس مُحايدًا أو فوق الطبقات، بل منحاز للطبقة الحاكمة وأداة في يدها، أي أنَّ الرأسمال هو الذي يأتي بالحاكم وينصِّبه حاكمًا ويشغِّله لتحقيق مصالحه، وليس العكس. فهل تُعتبر حالة الرئيس دونالد ترامب شاذَّة عن هذه القاعدة؟ وما تفسير ما فعَله إذن؟ ففوْرَ جلوسه على كرسي المكتب البيْضوي، شرع ترامب في اتخاذ إجراءات "راديكالية" غير مألوفة، حيث استحدثَ حقيبة أسماها "هيئة الكفاءة الحكومية"DOGE ، وعيَّن ملياردير التكنولوجيا الشهير إلون ماسك رئيسًا لها ومنَحه كامل الصلاحيات، وأهمها وأخطرها امتلاك البيانات الخاصة بأجهزة الدولة كافة التي استخدمها لتفكيك ما يسمى بـ "الدولة العميقة" المناهضة لترامب، حتى اعتبره معارضوه الرئيس الفعلي للولايات المتحدة. وهو أحد أكبر مليارديرات تكنولوجيا الاتصالات الذين يتحكَّمون في أميركا والعالم على الأرض وفي الفضاء:
- إلون ماسك:منصة x، تَسلا ، سبيس x؛
- زوكربيرغ: ميتا، فيس بوك، واتسأب، إنستغرام (وهو الذي منع ترامب نفسه من الوصول إلى منصاته أثناء الدورة الانتخابية السابقة التي فاز بها بايدن)؛
- جيف بيزوس: أمازون، بلو أوريجن سبيس، بيزوس أيرث... وغيرهم.
هنا يبرز سؤال كبير ومُهم بحاجة إلى إجابة لا أدَّعي امتلاكها: لَطالما أعلن ترامب أنه عدو العولمة التي اعتنقها منافسه وخصمه جو بايدن، ووصَفه بأنه "عميل" العولمة، فما هو تفسير تعاونه/ تحالفه مع أقطاب العولمة البروليغارشية، مع العِلم بأن الأوليغارشيا المالية كبيرة الآلهة المتربعة على عرش العالم في جبل الأولمب هي أُم العولمة وأبوها؟
مَن الذي يوظِّف الآخر، حركة "ماغا" أم طُغمة "البرولغارشيا"؟ ترامب أم ماسك"؟
ما مِن شك لديَّ أن هذا المبدأ الرأسمالي البديهي في الحوكمة لم يتغير، بل اتَّخذ شكلاً جديدًا، بمعنى أن بروليغارشيا التكنولوجيا هم الذين جاءوا بترمب بصفتهم فرع أو مخلب من مخالب الأوليغارشيا/الطغمة المالية المتسيِّدة على العالم في جبل الأولمب كما ذكرنا. وقد وجدتْ البروليغارشيا ضالَّتها الأثيرة في منظمة "ماغا" التي يتزعمها دونالد ترامب، فنصَّبوه رئيسًا للولايات المتحدة لفرض دكتاتورية مطلقة وحكم أميركا والعالم من خلاله، وذلك بتفكيك ما يسمى بـ "الدولة العميقة" وإعادة تشكيلها على صورتهم من أجل تحقيق الهدف النهائي وهو تشييد عصر جديد تسوده الفوضى، حيث تتحكم الشركات العملاقة بالدول لمصلحتها، كما يقول ستيف بانون.
وبما أن كل نظام حُكم، حتى لو كان حُكم عصابة، لديه مشروع/طُموح، حتى لو كان فاسدًا، يطمح إلى ويعمل على تحقيقه بشتى الوسائل مهما كانت وحشية وغير أخلاقية. ويعتقد البروليغارشيا أنهم بما وصلوا إليه من قُدرة على التحكُّم بالبشر أجمعين وجعلهم فرائس عراة تمامًا، أصبحوا كائنات فوق بشرية، كآلهة أو أنصاف آلهة يُحيون ويُميتون، ويتصرفون على هذا النحو، إذ يطمحون إلى احتلال مقعد في مجلس/بلاط الأوليغارشيا المالية المفترسة تحت عرش كبير الآلهة "زيوس/ جوبيتر".
الحلف/المحور: تبعية أم منافَسة أم اندماج؟
هل ما يحدث حاليًا هو تشكيل حلف/محور / اندماج بين بروليغارشيا التكنولوجيا الرقمية ومنظمة ماغا، أم تَبعيَّة ماغا للبروليغارشيا؟
أيَّا كانت الإجابة، فإن تفاقم الأزمة البنيوية للرأسمالية إلى الحد الحرج في هذه المرحلة التاريخية التي تشهد خطرًا داهمًا عليها من بوادر ومحاولات حثيثة على المستوى الدولي لإحداث تغيير في النظام العالمي الأحادي القطبية الحالي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية وإنشاء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، مما اضطُرَّ بروليغارشيا التكنولوجيا الرقمية إلى النزول إلى ساحة المعركة وخوضها بنفسها مستخدِمةً سلطة الدولة العميقة بعد تفكيكها على يديْ رئيس الدولة وإلحاقها بها.
لقد فهمَ كارل ماركس مبكرًا أن الرأسمالية كلَّما وصلت إلى ذروة وخَشيَتْ السقوط عنها، سارعتْ إلى البحث عن وسيلة لإنقاذ نفسها، وتسمي ذلك تجديدًا للرأسمالية كي تُقنع الطبقات والشعوب التي تحكمها وتستغلها بأنها حيَّة لا تموت إلى الأبد، وأنها تمثل النظام الأخير الذي لا نظام بعده. لكنَّ ماركس فنَّد أُكذوبتها بمقولته الشهيرة إن الرأسمالية تحفر قبرها بيدها. بيْد أن ذلك لا يحدث تلقائيًّا، بل ينبغي توفُّر الشروط الموضوعية وتوفير الشروط الذاتية لها.
أحمد جردات
تشرين الأول/أكتوبر 2025
#أحمد_جرادات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟