أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جرادات - عناقيد الأدب : يوميات الحرب والمقاومة















المزيد.....



عناقيد الأدب : يوميات الحرب والمقاومة


أحمد جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 6306 - 2019 / 7 / 30 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


(في الذكرى الثالثة عشرة للانتصار على عدوان تموز 2006: مقال قديم)
 
عناقيد الأدب[1]: يوميات الحرب والمقاومة
ملخَّص
تمهيـــد
تتناول هذه الورقة النصوص الأدبية- وليس المقالات الصحفية- التي كُتبت بأقلام لبنانية في إدانة العدوان ودعم المقاومة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/ يوليو-آب/أغسطس 2006 على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً، والتي قمتُ بجمعتها أثناء زيارتي إلى بيروت، بما فيها الضاحية، والجنوب اللبناني في أعقاب العدوان الإسرائيلي لغايات إعداد بحث حول هذا الموضوع. ويضمُّ البحث نصوصاً للكتاب والشعراء: أدونيس، جودت فخر الدين، سماح إدريس، شريف عبد النور، شوقي بزيع، عباس بيضون، غسان مطر، طارق ناصر الدين، كيرستين شايد، محمد علي شمس الدين، وهدى ميقاتي.
 
وتُلقي هذه الورقة الضوء على النصوص الأدبية المختارة من دون الدخول في معايير تصنيف الألوان أو الأشكال الأدبية، شعراً أم قصةً أم مسرحاً، وتشمل ضمن نطاق اختصاصها الخواطر الأدبية، بالإضافة إلى اليوميات نظراً للأهمية البالغة التي يرتديها هذا الشكل الأدبي في ما كُتب وقتئذٍ كما سنرى. ولكنها لا تحاول أن تقدم نقداً أدبياً للنصوص المختارة، وإنما هي أشبه بأنثولوجيا مصغَّرة تضمُّ بين طياتها مقتطفات من النصوص الأدبية التي تمكَّنتُ من جمعها في فترة قصيرة.
 
بيد أنها لا تُعنى بمعالجة النصوص من الناحية الفنية، فلذلك مكان آخر وأوان آخر كما يقول الشاعر غسان مطر في مقدمة ديوانه "لمجدك هذا القليل":
"هذه اليوميات لا أُحاكمها فنياً اليوم؛ إن لذلك أواناً آخر. اليوم أحملها كما هي، كما وقعتْ من قلبي وأنشُرها دون تردد. وفي هذه اليوميات لا تهمُّني كل النظريات حول القصيدة، يهمُّني الصدق الذي تحمله الكلمات، يهمُّني كيف انهمرت هذه الكلمات بعشوائية كما انهمرت علينا القذائف. يهمُّني أنني كتبتُها في وقت كان مطلوباً من الأقلام أن تنكسر وتخرس..."
 
ثم إنني أتساءل: هل من الإنصافاستخدام المعايير الأدبية نفسها وانتظار التوقعات نفسهابخصوص عمل أدبي خرجَ مباشرةً من تحت القصف ومن بين الأنقاض وأشلاء الأطفال، وآخرَ وُلد ولادة طبيعية في سرير ناعم وبعد اختمار التجربة ووضوح الرؤية؟
 
وهنا يطرح سماح إدريس في افتتاحية عدد مجلة الآداب المجمَّع- السابع والثامن والتاسع 2006- الذي صدر بعد العدوان سؤالاً خطيراً: "هل يعني ذلك موت الأدب والشعر والقصة في زمن الحرب؟"
يجيب إدريس عن سؤاله: "طبعاً لا، ولكن [مجلة] الآداب تحاول أن تظل وفية لخط مؤسسها الذي يؤمن بأن الأدب الفعال هو الذي يتعاطى مع المجتمع.... لقد خرجنا من حرب إسرائيل على لبنان وملابسنا عابقة بغبار الدمار ورائحة اللحم المحروق، ولذا فإن أكثر الصفحات هنا تحمل آثار الحرب وآثار المقاومة."هذا ما أحاول إبرازه في هذه الورقة: أنَّ هذه النصوص تحمل آثار الحرب  والمقاومة. 
 
السِمات الأساسية المشتركة للنصوص المنظورة
 
السمة الأولى: المقاومة المدنية
إن السمة الأساسية المشتركة الأولى لهذه النصوص، شعراً ونثراً، هي أنها جميعاً تُعتبر جزءاً من "المقاومة المدنية" المتعددة الأشكال، شأنها شأن غوث المهجَّرين أو إيواؤهم، أو العناية بالأطفال الأيتام والمنكوبين وإطعامهم من جوع وأمانهم من خوف، وظهيراً للمقاومة العسكرية. فهي تمجِّد المقاومة الشعبية وتتصدى لمشاعر الرعب واليأس والاستسلام التي حاول العدو الإسرائيلي وأوساط لبنانية وعربية بثَّها في نفوس اللبنانيين والعرب، وتتحدى القوة التدميرية الهائلة لدبابات الميركافا والبوارج الحربية والطائرات المزودة بالتكنولوجيا الأمريكية الذكية. إنها كلمات تبزغ من تحت أكوام الدمار، حاملةً رائحة أشلاء الضحايا ومطوِّفةً على القرى المهدمة والمدارس والخيام والساحات العامة التي تكتظ بالمهجرين، كي تغرس الأمل في نفوس الناس وترفع روحهم المعنوية. وهي غير قابلة للتدمير، لأنها ما أن تخرج من أفواه أصحابها حتى تصبح أرواحاً طائرة فضاؤها السماوات والأرض.
 
مسرح تحت القصف- شريف عبدالنور
في هذا السياق أودُّ أن ألفت الانتباه إلى عمل مسرحي جدير بالاهتمام، وهو بعنوان: "ضحك تحت القصف" من تأليف وإخراج شريف عبد النور. هل قلتُ إنه "عمل مسرحي"؟ ربما ينبغي أن أقول: "تجربة مسرحية تفاعلية" مهمة بذاتها وبمقاصدها. فالنص عبارة عن "هيكل عظمي" كما يسميه مؤلفها ومخرجها، خلَقَه هو، وتركَ اللحم والدم والعروق والأعضاء لارتجال الجمهور والممثلين، حيث يتغير في كل ليلة أو عرض ويختلف باختلاف المؤدِّين والجمهور. وربما لهذا السبب، كتب ذلك "الهيكل العظمي" للمسرحية باللغة الإنجليزية. ولذا يجدر الإشارة إلى أن الباحث عن نص ثابت للمسرحية لن يجده، بل سيجد نصاً مختلفاً في كل ليلة.
 
أُجريت "بروفات" المسرحية وتم أداؤها في الفترة بين يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2006 إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان. وقد أُعدَّت البروفات في الطوابق السفلية (التسوية) للمباني مع أطفال وشباب من العائلات المهجَّرة خلال النهار لأنه كان على المخرج ورفاقه بعد ذلك أن يساعدوا عدداً من العائلات المهجَّرة على المبيت في المسرح.
 
المسرحية يجب أن تشبه البروفة، والجمهور يجب أن يشاهد مسرحية في طور التشكُّل. أماالمقاصد فهي تسلية الأطفال وإشغالهم وإبعاد شبح الرعب عن قلوبهم الصغيرة وحمايتهم من التعرض للصدمة والآثار النفسية للحرب المدمرة والمَشاهد الرهيبة، إلى جانب المحافظة على إنسانيتهم والرد على وحشية العدو بالفن الراقي كشكل من أشكال المقاومة المدنية:
[النص "الأوَّلي" الكامل باللغة الإنجليزية وترجمتي له إلى العربية متوفران لديَّ، ويمكن طلبهما بواسطة بريدي الإلكتروني الوارد أدناه.]
 
السمة الثانية: اليوميات: هل صيَّرتها الحرب والمقاومة لوناً إبداعياً جديداً؟
يُلاحَظ بسهولة أن الأيام الثلاثة والثلاثين من الحرب والمقاومة قد فرضت تجلِّياتها الأدبية (أقصد شكلها أو لونها الأدبي أو أسلوبها أو طريقة تقديمها، أي كونها "يوميات") على النصوص التي كُتبت خلالها، بدءاً بيوميات المقاتلين على أرض المعركة وانتهاءً بالشعر، حتى كاد معظم تلك النصوص يرتدي طابع "اليوميات". بل إن ذلك في الحقيقة هو ما فرض أو أوحى بعنوانها الفرعي: "يوميات الحرب والمقاومة"، إلى جانب العنوان الرئيسي "عناقيد الأدب".
 
لمجدك هذا القليل[2]: غسان مطر
في مقدمة ديوانه" لمجدك هذا القليل"، الذي يضمُّ خمساً وعشرين قصيدة كتبها أثناء العدوان الإسرائيلي، يصف الشاعر غسان مطر بأن الديوان عبارة عن قصيدة واحدة أسماها " يوميات غاضبة" لأنها بالنسبة له عصارة انفعالات ثلاثين يوماً من الحرب الإسرائيلية على لبنان، بدأت في اليوم الثالث لشن العدوان وانتهت صبيحة وقف إطلاق النار، معلنةً انتصار المقاومة ومجيبةً في قصيدة الإهداء عن السؤال "النار" الذي هبَّ في هشيم بعض الأوساط السياسية اللبنانية والعربية في حينه ولم يكن بريئاً من الخبث والخوف والتخويف: "لمن سيُهدى النصر؟"
 
والخائفون من انتصارك يسألون:
"لِمَن ستُهدي النصر؟"
...
النصر للأيدي التي صنعت بهاءَ النصر
للشهداءِ
للجرحى،
لدمع الأُمهات وجدْنَ في النصر العزاء،
لقبور من ملأُوا القبور،
لمجد من قُتلوا وما وَجدوا القبور،
لنازحين من القرى افترشوا كرامَتهم
وناموا في العراء،
...
للساهرين على جراح الناسِ
أيديهم مباركةٌ
وتنضحُ بالشهامة والإباء،
النصر للأطفال في " قانا"،
لحقل التبغِ،
للزيتونِ،
للدمِ،
للعصافيرِ التي مِن حولها سرقوا الهواء
للأرز تعشقُهُ النسور،
على اخضرار يديه
تبني الشمسُ شرفَتها
وفي أحضانه يغفو الضياء،
النصر مُلك المؤمنين بهِ
وليس هديةً
للراكعين بباب "عوكَرَ"[3]
يسألون متى النهاية؟
 
صيف بين المطر والرعد- يوميات الحرب: كرستين شايد[4]
تحت هذا العنوان سجَّلت كرستين شايد حياتها اليومية ومشاهداتها وانطباعاتها وانفعالاتها ومعاناتها أثناء الحرب مع أسرتها سماح وسارية وناي. وتبداً اليوميات من السبت الموافق 16  تموز/ يوليو 2006 حتى الثلاثاء 15 آب/أغسطس 2006. وفي بعض يومياتها ترصد شايد بشعور بالهول عالَميْن متناقضيْن على أرض واحدة وتحت سماء واحدة وفي ظل خطر واحد- أو هكذا يُفترض- يتبدَّى أمام الجميع في إزهاق أرواح المدنيين، وبينهم العديد من الأطفال والنساء، وفي تدمير البيوت والمنشآت وتهجير السكان إلى العراء وإبادة كثير من مظاهر الحياة، ويحاول أن يقتل أو يهزم روح الصمود والمقاومة في النفوس:
 
"الأربعاء 19/7/2006
في "فقرا" شعرنا، أنا وسماح، بالرغبة في المشي. صعدنا الجبل وركنَّا السيارة قرب الإنتركونتيننتال. هناك رأينا منظراً غريباً: بركةً تشع اخضراراً وسط الظلام، وباراً تتدلى فوقه عرائش الكرمة، ومَنقلاً يُشوى عليه اللحم. ثمة مراهقون في أوائل عشرينياتهم أو أصغر يَحملون كؤوساً من الشراب، ويتحدّثون بصوت عالٍ: "بِدنا نخلص منهم بَقَا"، "إيه، أنا بفتكِر إنو حزب الله..." وتَبع ذلك كلام بالإنجليزية. مشاعرهم واضحة تماماً: بودِّهم أن "يخلصوا" من حزب الله."
 
الخميس 3/8/2006
نصل إلى "المربع الأمني". يستحيل تمييز الشوارع من المباني! الركام أمامي في مستوى رأسي. أتسمَّر في مكاني. لقد سبق أن شاهدتُ ذلك على التلفزيون، ولا يجعله قُربي منه الآن أكثر حقيقيةً. وفيما أتلمَّس طريقي بين الحطام، خطرَ لي أن ما نشاهده هو النسخة المعولمة ما بعد الحداثية للبراكين التي أنتجت الأشكال الصخرية الغريبة التي أتسلّقها في فاريا.
 
أحاول أن أدرس الحطام، كما يفعل علماء الآثار: قوالبُ الخبز، مصافي العصير، الدمى المحشوة، الصنادل، الحواسيب، كتابٌ عن حزب الكتائب، فرشات نوم، أُطر أسرَّة خشبية، منفضة سجاد، سجادة ملفوفة... المخلوقات الوحيدة التي ما تزال حية هنا: قطط هزيلة، وكلبان، ودجاجة تنقر دُراقة على الرصيف.
حوالي السابعة مساء. على حين غِرة، قَصفُ رعدٍ تكنولوجي. إنها الشيّاح تُقصف قبل الأوان. أتُراني قفزتُ لأنني لم أتوقع ذلك في هذه الساعة؟ انفجاران قريبان آخران، لكن التلفزيون يقول إنهما في الشياح أيضاً. أطلبُ من البنتين أن تتمرنا على آلتيهما الموسيقيتين. تحتج سارية بأنها لا تستطيع التركيز. أطلب منها أن تدع الموسيقى تأخذها إلى مكان مِن خَلْقِها هي، حيث يعجز الإسرائيليون عن تقرير سير الأمور. أقول لها إنها لو استطاعت أن تتعلم التركيز على هذا النحو، فلن يهزها شيء، وستصبح عازفة مدهشة؛ وحين يسألها الناس كيف تعلمتِ العزف، فستجيبهم: "كان ذلك أثناء حرب الإسرائيليين على لبنان، لقد تعلمتُ كيف أتغلبُ عليهم بالموسيقى."
 
الوعد الصادق- يوميات الحرب السادسة[5]
كتاب يضم مقالات ويوميات ومقابلات لصحفيين، سجَّل بعضُها يوميات المقاتلين على أرض المعركة، ونُشرت في عدد من الصحف أيام الحرب، ثم جُمعت في هذا الكتاب:
 
بنت جبيل: ...ولكن الله رمى
"هذه مشاهد منسوخة عن إحدى الحربين العالميتين. الحجارة التي تملأ الشوارع ، الأبنية المحترقة، المتاجر المخلَّعة الأبواب، تلال الحجارة الصخرية، الصاروخ الذي لم ينفجر، الحفر الهائلة، كل شيء ركام في سوق بنت جبيل التجاري وفي الحارات القديمة المحيطة به. هل مر شهر واحد على هذه الحرب؟ لا، فهذا الدمار يحتاج إلى أعوام طويلة. لا شرير تحت هذه السماء له مخيلة تتسع لمثل هذا الإجرام. لا شرير إلا هذا الذي عجز عن إسقاط المدينة "الملعونة" كما سمَّاها، فانتقم من حجارتها حجراً حجرا.
...البيوت كانت مفتوحة وحتى الدكاكين حوَتْ رسائل إلى المجاهدين بأخذ كل ما يحتاجون منها.. وليس صحيحاً أن الحرب دمار وبؤس فقط لأن المقاومين حملوا معهم مشاعرهم وأحلامهم الرومانسية."
 
 
خمسة وعشرون يوماً[6]: أدونيس
لقدأرختْ يوميات الحرب رداءها أيضاً على شكل وعنوان القصيدة التي كتبها أدونيس أثناء الحرب، فأعطاها عنوانها هذا: "خمسة وعشرون يوماً"، وقسَّمها إلى خمسة وعشرين مقطعاً من 1 إلى 25، أقتطفُ منها:
 
-1-
بتباريحه، بأشلائه
 يتموَّج في غزةٍ
وتؤاخيه صوُر، كما صُوِّرت
في أساطيرها.
وتؤاخيه بيروت-معجونةً بالشرر
يتموَّج، يعلو
ويبقِّع أرض البشر.
-2-
تتساءل عن طفلها، أين؟ ماذا؟
الرمادُ جواب.
أخذتْ حفنةً من تراب المكانِ
انحنتْ، قبَّلتها
وبكتْ فوقها
بين هذا التراب وأهدابها
عهدُ حبٍّ ووعد.
-3-
إرفعوا هذه القماشةَ عنها
أزيحوا
عن تقاسيمها الغطاء:
إنها أسلمتْ وجهها للسماء.
-8-
يكتبون الحديد وأكتبُ أنشودةً
للطفولة. يا مَيُّ،
لا تُشعلي الضوءَ في البيتِ
هذا المساء.
الحديد يفتِّش عنا،
يُغِير علينا،
يفجِّر بركانه، ويغطِّي الفضاء.
-9-
لا سرير، فخذْني كما شئتَ
 في هذه الكرة الحائرة.
أين نمضي إذاً؟ لا طريقٌ
 ولكنْ... ها هو القصف، هذي جهنمُ-
مجنونةٌ دائرة.
-21-
بعد هذا الشتاتِ سأفوِّض جرحي إلى جسمه،
وأحيِّي العصاة.
-24-
إنه القاتل يسترسلُ في قتلك،
يجتثُّ جذور الأغنية، لا تسلْ يا أيها الشاعرُ،
لن يوقظَ هذي الأرضَ غيرُ المعصية.
 
السمة الثالثة: نصوص مقاوِمة في فضاء مقاوِم
تَعرِض النصوص المنظورة صوراً فظيعة للخراب والدمار وأهوال الحرب، ولكنها لا تتسمَّر عندها وتندب حظها، بل تتجاوزها وتردُّ عليها بالرفض والتحدي والأمل، وليس بالخوف والإحباط وفقدان الحول والقوة والإذعان لمشيئة المعتدي. وهي بذلك إنما تمثِّل أدباً مقاوماً، بمعنى أنه يعبِّر عن فعل مضاد وليس مجرد رد فعل سلبي على الوحشية الإسرائيلية.
 
وتتحرك هذه النصوص في فضاء فسيح مأهول بالإنسان والمكان والتاريخ. الإنسان فيه هو الفرد العادي والمقاتل والرمز: أحمد وحنان وقاسم وجهاد ونصر الله والحسين؛ والمكان هو أسماء القرى والجبال والأودية والشجر والصخر التي تعرضت للقصف والتدمير ولكنها أيضاً صمدت أمام العدوان وتصدَّت له بشرف وتسامٍ ونكران ذات بلغ حد التماهي مع الأرض والقضية والعقيدة: بنت جبيل وعيترون وعيتا الشعب وقانا؛ أما التاريخ فقد وسِع كرسيُّه أربعة عشر قرناً امتدت أحداثه من كربلاء في محرم من عام 61 بعد الهجرة إلى مارون الراس والضاحية الجنوبية في تموز من عام 2006 بعد الميلاد.
 
قانا حدودك وردتان- طارق ناصر الدين
 
جيش الدفاع أتى، بأطفال اليهود ليرسموا فوق القذائف
شوقَهم لفَناء أطفال الجنوب..
رسموا بلونٍ أسودٍ، فاللونُ يعكسُ
ما تجيش به القلوبْ..
رسموا كما التلمودُ شاء، دماً وغرباناً وأشلاءً
تغصُّ بها الدروب..
رسموا ذئاباً تأكل الأطفال ثم تعود
تلعق ما تبقَّى من دمٍ فوق النيوب..
رسموا القنابل.. والغبيّةُ حُرّة بالقتل
لكنّ الذكية تقصف القمر المسافر للغروب..
وجميع ما رسموه كان هديّة وصَلَت..
وها أطفال قانا كالورودِ تغوصُ في دمها وتُطلق
كل أنواع الطيوب..
أطفالنا أيضاً يحبون الرسوم ويقهرون الخوف
أحياناً بفيروزٍ وأحياناً بألوان تعبِّر
عن أرقِّ مواجعِ الأطفال أيامَ الخطوب..
رسموا تلال الأرز تحرسها الثلوج
وبلبلاً يشدو على.. وشك الغروب..
 
لكن آخر لوحة كانت بقبضة طفلةٍ
قُطعت يداها واستراحت
حينما فتحوا أناملها اشرأبَّت وردتان
تفوح من أوراقها أغلى الطيوب..
الوردة الأُولى موقَّعةٌ ومهداةٌ
إلى أترابها في غزّةٍ
والوردة الأُخرى موقّعةٌ ومهداةٌ
لأطفال الجنوب."
 
تحت أي السقوف سأغفو إذن؟: شوقي بزيع
(إلى زبقين، قريتي المهدَّمة)
 
لم تقدْني إليها الخطى
حين عدتُ،
ولا أملٌ يائسٌ بالعثورِ
على صرخةٍ أقفرتْ
أو نجومٍ تشظّت على ضفتيْ
جنةٍ من دخان
لم يقدْني الهواءُ
الذي لم يزل بعدُ حياً،
ولا حفنةٌ من روائحَ غائرةٍ
في جروح المكان
ولا مشْيَتي القهقرى
كي أرى من جديدٍ
قوافل موتاي
عائدةً كالثمار إلى جوفِ
أثلامها الأمِّ.
...
ولكنني رحتُ أمشي مع العائدين
لعلي أراني هناك
لعلي أرى جسدي طائراً سابحاً
في فضاء الوهاد
التي شيَّعتني صغيراً
وعادت إلى حيث كنتُ
مكوِّرةً نفسَها كالأجنةِ
في ظلمات الرحمْ.
...
رحتُ أمشي مع العائدين
ولكن: إلى أين؟
يسأل كهلٌ سماءً أشاحتْ بسكانها عنهُ،
والناس يستنطقون الركامَ الذي كان قريتهم،
قبل شهر وعشرين قبراً،
ولا يبصرون
سوى قطعٍ من جذوع الحياة
التي انتصبت فجأةً في المكان
ولا يسمعون
سوى الحشرجات التي علّقوها على سفح أعمارهمْ
وهي تهرمُ،
لم تبقَ كسرة دمعٍ
لكي يمضغوها مع الخبز،
لم تبقَ خابيةٌ لادِّخار الحنينِ
إلى ما سيمضي
ولا رقعةٌ من قماشٍ
لتضميد جرح الأملْ.
...
غير أني،
وقد غامت الذكرياتُ بعينيَّ،
لم أجدِ البيتَ،
لم ألْقَني عند بوابة البيت،
لم ألقَ ضحكةَ أختي الصغيرةِ
راكضةً نحو شرفته
كي تقول وقد عدتُ:
"أهلاً وسهلاً"
وحذوة رجل الحصان التي
ألصقتْها
يد الأم ذاتَ خريفٍ
على حاجب الباب
لم يبق منها سوى رعشة عالقة
في رؤوس الأصابعْ.
...
فماذا تُراني إذن فاعلاً
في لقاء كهذا؟
أأبقر أمعاء تلك الحجارةِ
كيما أرى تحتها
صورتي يافعاً؟
أم أُحدِّق في التيهِ
معتذراً عن عقوق الصبيِّ
الذي ضلَّ درب الوصول إلى البيت
خمسين عاماً
وجاء ليرمي على قبر أحلامه
باقةً من ندمْ.
أي شيءٍ سأفعلُ
في مثل هذا النهار الأصمْ
سوى أن أصيخ طويلاً
لأسمعَ صوت انهمارالأعاصير
قادمةً من سماواتها
كي تهدِّيء – من حيث لا عِرقَ ينبضُ-
هذا الألم.
 
قصيدة ممكنة عن الضاحية: عباس بيضون
 
"لا أعرف شاعراً كتب قصيدة عن الضاحية، ولا أظن أن قصيدة تغنِّي دمارها ممكنة. سنقرأ بالطبع قوافي وأوزاناً لكل من ينتبه. العيون التي فتحتها الصواريخ في المباني ستبقى لفترات طويلة ذات نظرة رهيبة لن يستطيع الشعراء مقابلتها. لن يعرفوا ماذا يفعلون بضلع اسمنتي مكسور. كيف يرون جناحاً باطونياً هاوياً. كيف يتأملون تلك المجلدات الحجرية النائمة على بعضها بعضاً. سيخافون أكثر من هذه الديناصورات المعمارية التي اختفت بدون صراخ. ولن يستطيعوا بالطبع أن يجدوا قافية لأوديسة الردم التي لا تنتهي، لتسونامي وموجاتها المقلوبة على بعضها. للقلوع المهتزة في أعالي البنايات، وللأسمال الحجرية التي تنازع فوق، ولليباب الهائل الذي ظهر فجأة. سيفزعون إذ يسمعون النداءات التي لا تزال تغرغر والتي تحولت إلى نشيد حجري أصم. سيفزعون لأن الموت لا يزال أخضر هنا ويمكن أن ينفجر فجأة كربيع جنوني، لأن شيئاً يمكن أن يدبَّ في هذه التجاويف القمرية، شيئاً من الروح يمكن أن يسري في هذا الكوكب المنهار. أين نجد قافية بهذا الحجم يقول شاعر اعتاد على ورد الجنائن. أين نجد وزنا لهذا الزلزال. سيفتش شاعر بحق عن عشبة في الشقوق، عن منديل وسجادة مهدَّبة، عن مسبحة وعصا مكسورة، فحساب الزلازل والانفجارات الكوكبية وهيجانات الطبيعة أمور لا مفردات لها...
لنبحث الآن وسط كل ذلك عن عشبة بين الشقوق، عن دمية، عن مسبحة، عن عباءة، عن مكحلة، عن أدوات زينة. كان هذا هنا بالتأكيد، أنه يلمع بالكاد فوق التراب، لا تحسبوه دموعاً، لا تحسبوه خداعاً صيفياً. كان هنا نساء جميلات وغير جميلات، رجال رائعون وغير رائعين، أطفال تتكرر ضحاكتهم في المنازل، كان هناك بخار شاي وحساء ومَخادع تصيح بالرغبة وصبايا أجمل من العنقود. كان هؤلاء هنا وقد زالوا الآن فهل يمكن اختراعهم. هل هناك آلة للذاكرة تعيدهم صوراً أو أوهاماً أو أفكاراً أو أغاني أو أساطير؟"
 
شظايـــــــــــــا: جودت فخر الدين
 
1- طريق:
طريقٌ إلى بيتنا في الجنوبْ
سلكتْهُ الحروب كثيراً
ونحن نُرمِّمه كل يومٍ
نرمِّم أعمارنا فوقهُ،
لنتابع سير الحروبْ.
 
-2 سماء:
السماءُ التي انبثقت من جحيم المخاوف،
لم ترتفعْ
سقطتْ كلُها في الحديقةِ،
وانتثرت كالزجاج المحطمِ،
عاصفةُ القصف ألقتْ ببعض النوافذِ،
فوق تراب الحديقةِ،
فارتعشتْ نجمةٌ في السياج،
صار السياجُ حدود السماء.
 
-3 تين:
شجرٌ نالنا منه كل الوفاء،
نشأنا على حبِّه،
كان يقوى على يأسنا، كلما نالنا اليأسُ،
تصْفرُّ أثمارُه إذ يرى خوفَنا،
فنرى عطفَهُ وصفاءَ سريرته...
إنه التينُ، أصل الحديقةِ،
تيْبس أغصانُه،
فيُفرِّخ جذعُ الحديقة من أصله.
...
إنه التينُ، أصلُ الحديقة، بهجتُها.
عندما جاءه القصفُ،
أطرق مُنخطفاً، لا يقولْ،
ثم أومأ للصيف،
أن يتنكر كالمتشرد بين الحقولْ.
 
-4 نحلة:
نحلةٌ جثمت قرب حوض الزهور التي ذبلتْ
والطنين الذي أطفأتْه الشظايا
تململَ كالشوك فوق الترابْ.
 
5- ضباب:
إلى مَن تحدَّث ذاك الضبابُ؟
 ضبابُ الوهاد التي تتنفس فجراً؟
إلى مَن تحدّث حين أتى
وتبيّنَ وجه القرى غائراً في حطام البيوت؟
تُرى هل تغلغل بين الحطام؟
ترى هل تناهى إليه أنينُ البيوتِ،
 التي انقبضتْ كالأجنة؟
هل ضاع فوق الترابِ
يحاول أن يتلاشى، فلا يستطيع؟
...
6- شُرفة:
شرفةٌ هزَّها العصفُ،
كادت تنوء بأهوال ما شهدتْه،
ولكنها صمدت في مكان لها مشرفٍ
فتراءى لها السهلُ والليلُ،
والشجر المستباحُ وعشبٌ
يقاوم في كل منعطفٍ.
وتراءى لها الخوف والبأسُ
واليأسُ والأمل المتجددُ
في كل خوفٍ وفي كل يأسٍ.
تراءى لها كل شيء ولم ترَ شيئاً.
وظلتْ هنالك من حيث تشرف
تهفو لظلٍ، لغصنٍ، لطيرٍ...
تحدِّق في السهل بين الغروب وبين الشروق،
فلا السهلُ سهلٌ،
ولا الليل ليلٌ.
تراءى لها كل شيء، ولم ترَ شيئا.
وظّلت تطلُّ، وتهفو..
يمرُّ بها زمنٌ عطَّلتهُ الحروبُ،
فتعلو عليه،
وتسبح في غيمِ وحشتها...
شرفةٌ هالها العصفُ،
لكنها صمدت في مكانٍ لها مشرفٍ،
صمدت في الزمان المعطّل،
ظلت تطلُّ، وتهفو، وتعلو..
لعلَّ زماناً جديداً يلامسُ وحشتها العالية.
شرفةٌ تتقصَّى الحياة،
فتصعدُ في برهةٍ نائيه...
 
عرس القاسم:محمد علي شمس الدين
(1)
تجمَّعوا
لكي يزفُّوه إلى القرى
تناقلَ الرواةُ خبراً
يقول إنه المسيح عادْ
ولم يكن صليبه أقلَّ من بلادْ
وإنهم رأوه
عارياً وواقفاً بوجهه الحزين
عند مدخل المغارة
وإنَّ قانا جمَّعت صغارها
لمقدم البشارة
كأنها الإله.
وقال آخرون:
إنه سواه
فكيف يستطيع أن يعود
والجسور قُطِّعتْ
كما تُقطَّع الأوصال
والبلاد قُوِّرت
كأنها الذبيحة!
(2)
تجمّعوا من القرى
وكان خوفهم يقودهم
عشرون
أربعون
أو مئة
ولكنهم
وهم رعاةُ خوفهم
تناقلوا
بأنه في عرسه المؤمَّل الغريب
ربما يقودهم إلى الحياة.
...
(3)
تقول أمه
التي تخاف أن يموت
يوم عرسه
عودوا إلى دياركم
فإنني نذرتُه للموت وحده
وإنني أجَّلت عرس ابنيَ الحبيب
لآخر الزمان.
(4)
يا سيدي
يا أيها الجميل
 والقتيل
 والغريب
والمؤجل القريب
يا أيّها القاسم الذي
قسمتَ بين الموت والحياة
قسمةً لطالبيها
يُقام عرسك العجيب
في القرى المبعثرة
غداً أو بعده
وفوق ساحةٍ
مضاءةٍ بأعين الصغار في القبورِ
والبراءةِ الموطوءة الأردان
تظلُّ أنت واقفاً
لتحرس المكان
كشبحٍ
على تخوم صاحب الزمان.
 
لن تدري الهوى: هدى ميقاتي
 
مَن أنتَ غيرَ الهوى.. رَفرِفْ على نَغَمي
يا طائر الحُبِّ من أَسراك في حُلُمــي
 
أعلى من الوجد ما حاولتُ ألمسهُ
أقصى من العشق ما تسعى له قدمي
 
ما هاجَ في الروح صعبٌ أن تناورَهُ
بعض الحروف وأن تقتادَهُ لفمي
 
فاصمتْ إذا شئتَ صمت العارفين وقلْ
أحلى الكلام صرير الصمت يا قلمي.
 
ماذا تقولُ إذا شاهدْتَ ثاكلــــــةً
تستقبل الموتَ بالتهليل والنغـــــمِ
 
أو حين تلمسُ أُمٌ كفَ طفلتـــــها
تحت الركامِ: لكِ الحوراءُ فابتسمــي
 
أُصمتْ فكل كلامٍ ينمحي خجــــلاً
وانْطُق بثغر شهيدٍ ناطقٍ بـــــدم
...
أرضَ الجنُوب سَمائي أَنتِ مُذ سَقَطَتْ
كلُّ السماواتِ وانشّقَّتْ إلى حِطَـــمِ
 
هنا البطولاتُ لونُ الكبريــــاءِ دمٌ
يُقْضى الوضوءُ به في سَجدَةِ القِيَــمِ
 
حبُّ الحسين مدام الروح.. ساكبُهــا
يدري الغرامَ ويدري العشقَ بالألــم
 
فاهتِفْ بحبِّ حسينٍ كلَّما عَشِقَـــتْ
هذي القلوبُ وصِلْ في حُبِّهِ رَحِمــي
 
من نعمة الله أن يُهدي لناصــــرهِ
نصراً عزيزاً بكلتا الحالتين نُمـــي
 
نصر الشهادةِ أو نصر البقاءِ.. بكــمْ
يا أُمة النصر يُهدى أَجمل الكَلِــــم
 
لمجدك هذا القليل:غسان مطر
19-
"قانا" تعانق "عيترون"
وعند "بنت جبيل"
أوقفتِ النساءُ بكاءَها
واستبدلتْ في موكب الشهداء
آهاتِ التفجع بالحداءْ.
للنصر أعراسٌ وأقواسٌ
وللبلدِ الأمينِ صباحهُ الآتي
وغارُ القادمين من الخنادقِ
بين أيديهمْ بيارقُهمْ
وتهزجُ في عروقِهمُ الدماءْ.
من "كربلاءَ" تسلَّلوا
قبل الصباحِ
وأقسموا أنَّ الحسينَ
هنا يقاتلُ
بعدما ضاقتْ عليهِ
كربلاء.
 
الغيوم التي في الضواحي: محمد علي شمس الدين
تقول التي وجهها كالقمر:
أريدُ الحياةْ
أقول لها: وأنا..
غيرَ أنّي على غير ما ترغبينْ
لم أكُنْ أعرفُ الطقسَ
ولأعترفْ
لم أقدِّرْ كما ينبغي ما يكون
شممتُ قليلاً من الدم في أوّلِ الصيفِ
...فوق الترابْ
ولكنني قلتُ: ريح وتمضي
وأبصرتُ شيئاً من الذعرِ
في وشوشات الطيورِ
التي في الحديقةْ
ولكنني ما رأيتُ الحريقةْ
ولستُ نبيّاً
ولستُ بعرّاف هذا الزمان
ولو كنتُ أدري
لهرَّبت تحت قميصي بلادي
وخبأتُ في القلب كلّ الصغارْ
ولكنّها الحربُ
أقوى
وأعظمُ من كل ما يكتبُ الشعراءُ
وما يحلم الحالمون
فاعذروني إذن
أيها الذاهبون إلى الموتِ
أو أيها الذاهبون إلى الانتصار
ويا أيها الصامدون على الحدّ
أو في بطون الديارْ
ليسَ في قدرتي أن أُغنّي
ولا أن أصيحْ
وما كنت يوماً
لأصدحَ فوق القبورِ
كديك فصيحْ
أنا، مثلما تعلمونَ، ضعيف
وأوهنُ من عشبة في الجدار
ولكنني لا أخونُ الوطن
ولستُ أخونُ الذي شئتُهُ
مثلما شئتُهُ أن يكون
تلمَّستُه بيدي
وهو يكبو وينهضُ
كالمُهرِ في ساحة المعركة
وقبَّلته فوق عينيه
حتى كأن الينابيعَ
سالت دموعاً على صدرنا
وطِرتُ به طارَ بي
دخلنا معاً في بساتين موتِ الزمانْ.
...
يا إخوتي
أنا الآنَ
منكشفٌ كالفضاءْ
أطيرُ هنا وهناكْ
سابحاً في أعالي السماءْ
جميلاً
وحرّاً
وممتلئاً بالعناقيد
ودمي كالنبيذ
يسيل على الأرض
ويشربه شعب جلعاد كما يشربُ السمَّ
فيهوي صريعاً
على وجهِهِ...
في شهر تموز
من عام جرحٍ
وألفين بعد المسيحْ
وسبعين مجزرة في القرى
في طريق الإمام الذبيحْ
سجِّلوا في دفاتركم ما يلي:
أزَفَ الوقتُ
واكتملت كربلاءْ
مثلما شاءها الأقوياءْ.
 
السمة الرابعة: يا لَذُلّ العرب...يا لَعزّ المقاومة!
 حين تأتي هذه النصوص على ذكر العرب- المقصود أنظمة الحكم العربية التابعه- فإنها تعمد إلى فضح ذُلِّهم وهوانهم وتواطئهم، وتعبِّر عن إدانتهم وازدرائهم وعن اليأس من صلاحهم، وتُبرز بالمقابل البديل المنشود والمعشوق للواقع العربي المزري: المقاومة، السبيل الوحيد لإحراز النصر وإنهاء حالة الذل والمَهانة.
 
(إلى وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في بيروت): غسان مطر
 
14
عُذراً إذا لم نرفعِ الأقواس،
كنا نجمعُ الأشلاء في الأكياس،
كنا نستجير من القذيفةِ
 بالشظية.
عذراً...
وكنّا عائِدين من الجنازة،
لم نجد ورداً،
وَضَعنا جثةً في المزهريّة
هم أهلُنا قلنا،
وقد تعبوا وزارونا.
يا أهلنا
لا تشربو دَمنا لِتُخفُوا عارَكم،
لا تأكلوا لحمَ الضحية،
قاتلٌ لحمُ الضحية
قولوا كلاماً رائعاً
عَزُّوا بنا
شُدُّوا على الأيدي
اذرفوا بعضَ الدموعِ
لكي نصفقَ في ختام المسرحيةْ.
...
15
ويا مصطفى قدِّم الشاي
فالناس أتعَبَهم سَيرُهم في الجنازةِ،
يا مصطفى
لا تقلْ قد فقدتَ يديكَ
فقدِّم بنعليكَ
فالناس أهلٌ لنا،
وهم موفَدون من الأمةِ الفاجعَةْ
فقدِّم بنعليكَ،
(هل قدَّموا غيرَ قبرٍ؟)
 
أبا هادي[7]: طارق ناصر الدين
 
زلزِلْ أبا هادي وأَطلقْ رعدَك الشادي
فقد صمتَ الحمامُ.
لا تسترحْ سلمتْ يداك ولا تُرحْ
وفداك من خافوا ولاموا..
...
بارود نصر الله حين تشمُّه الأقلامُ
ينفجر الكلامُ...
عربٌ سواك تمتعوا بحريمهم وحرامهم
أكلوا.. وناموا..
ومجاهدوك توضّأوا بدمائهم
جاعوا وصاموا..
لكنهم لن يرجعوا أبداً..
فقائدهم إمامُ.
 
خاتمة مستعارة من ديوان غسان مطر:
" نسينا الذي كانَ.
ها نحن نكتبُ ما سيكونُ
على ضوء أرواحِنا:
أولاً
ثانياً
عاشراً
لن نموتَ،
انتهى."
 
 
شكراً وامتناناً وعرفاناً
إنني إذ أتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع هؤلاء الكتاب الذين استشهدتُ بأعمالهم، كل باسمه ولَقَبه، الذين تفضلوا بمقابلتي ووفَّروا لي نصوصهم أو نصوص زملائهم، أودُّ أن أُقدم اعتذاري إلى جميع الكتاب الآخرين ممن كتبوا نصوصاً أخرى ولم أتمكن من الحصول عليها، وأرجوهم ألا يعتبروا ذلك نوعاً من عدم الاهتمام بما كتبوه، بل بسبب عدم اطِّلاعي عليها في فترة الزيارة أو الكتابة في عام 2006 . كما أتقدم بالشكر والعرفان إلى الأساتذة: عباس بيضون الذي استقبلني في مكتبه بجريدة السفير ووفَّر لي جميع أعداد الجريدة التي صدرت خلال أيام العدوان الثلاثة والثلاثين؛ وغسان مطر وطارق ناصر الدين اللذيْن استضافاني في مقهى "سيتي كافيه" بالحمرا وزوَّداني بأشعارهما وأشعار هدى ميقاتي؛ وشريف عبد النور، الذي استقبلني في المسرح وزوَّدني بنسخة إلكترونية من مسرحيته باللغة الإنجليزية؛ والنائب اللبناني علي فياض الذي زودني بكتاب "الوعد الصادق: يوميات الحرب السادسة" لدى زيارتنا إلى مَعلَم مليتا السياحي للمقاومة؛ ومحمد دكروب، الذي لم يبخلْ عليَّ بلقائه ومشورته الحصيفة على الرغم من حالته الصحية الصعبة وقتئذٍ.
 
 
أحمد جرادات
كاتب أردني
[email protected]


[1] [1] لهذا العنوان علاقة تضاد بعملية"عناقيد الغضب" سيئة الصيت: وهو الاسم الرمزي للعملية العسكرية الوحشية التي نفذتها القوات الإسرائيلية في أبريل/نيسان 1996 في بلدة قانا، حتى بعد أن لجأ سكانها المدنيون العزَّل إلى معسكر للقوات الدولية "يونيفيل".
[2]عنوان ديوان للشاعر غسان مطر، دار الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2006. ويعتبر الشاعر قصائده بمثابة يوميات، ولذلك فهو لا يعطيها عناوين وإنما أرقاماً من 1 إلى 25.
[3]حيث يقع مقر السفارة الأمريكية في بيروت.
[4]عنوان اليوميات التي كتبتها كرستين شايد أثناء الحرب، ونُشر جزء منها في مجلة الآداب اللبنانية، العدد المجمع7، 8، 9- 2006
[5]من كتاب "الوعد الصادق: يوميات الحرب السادسة"، دار الأمير، بيروت، لبنان  2006، هذا المقتطف لجهاد بزي في جريدة السفير اللبنانية.
[6]جريدة الحياة، 10 آب/أغسطس 2006.
[7] السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله.



#أحمد_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للتاريخ: مانيفستو استنكار وبراءة
- هوامش على متن -هبَّة نيسان-
- أبو علي مصطفى Versus أخو عليا وصفي: عنوان لنهاية وَطَنيْن
- -كولاج- المطربة والرقيب: مشاهد وروايات
- عناقيد الأدب: أنثولوجيا الحرب والمقاومة
- في الدولة -الزومبي-: المهمة المستحيلة
- الأوديسة السورية: أوراق ناديا خوست
- في الحالة الرثة: عندما تصبح -شتَّى- بديلاً للهوية الوطنية
- ربيع أمريكي ضد -الترمبية-: نظرية ما بعد الحقيقة
- بطل تراجيدي إغريقي: ناهض حتر
- سنتياغو الأردني: قصة موت معلن
- أحمد جرادات - كاتب وشيوعي أردني - في حوار مفتوح مع القارئات ...
- يد إلهية و سريالية الواقع الفلسطيني
- فيلم - عُمر - ... قصة حب فلسطينية يحول من اكتمالها الاحتلال ...
- فيلسوف الربيع العربي وجيفارا الثورة المضادة
- الأممية الوهابية الثانية: -الجهاد السوري-
- لبردى ضفاف كثيرة: يومان في دمشق


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جرادات - عناقيد الأدب : يوميات الحرب والمقاومة