أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جرادات - يد إلهية و سريالية الواقع الفلسطيني














المزيد.....

يد إلهية و سريالية الواقع الفلسطيني


محمد جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 15:22
المحور: الادب والفن
    


يعد الفيلم الفلسطيني " يد إلهية " سجلاً حافلاً بالحب والألم؛ حب الإنسان الفلسطيني للحياة ومكنونات المكان, وألم يصنعه الاحتلال بحق هذا الإنسان الذي يُحرم من أبسط حقوقه الإنسانية في ظل قبضة عسكرية محكمة تحول دون لقاء أبناء الشعب الواحد ببعضهم البعض. وهو من إخراج إيليا سليمان، وإنتاج مشترك (فرنسي، فلسطيني، مغربي، ألماني) عام2001، مدته ساعة واثنتان وثلاثون دقيقة. وقد حصل على جائزتين، جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي 2002 وجائزة (سكرين) العالمية في مهرجان السينما الأوروبية لفيلم غير أوروبي.
ويحكي قصة حب بين شاب فلسطيني من سكان الأرض المحتلة عام 1948 وفتاة فلسطينية من سكان الضفة الغربية المحتلة يلتقيان في سيارة علي حاجز إسرائيلي، ويراقبان الوجع المتناثر والمعاناة علي حواجز الاحتلال الإسرائيلية .. يلتقيان وتتشابك أيديهما في علاقة حسية حميمية..تتناقض هذه المشاهد الودية بين الحبيبين مع مشاهد الألم التي تحدث علي الحاجز حين يشاهدان مشاهد إذلال وعنف للركاب الفلسطينيين الذين يرغبون بزيارة مدينة القدس .
يبدأ الفيلم بلقطات متسارعة لاهثة لبابا نويل فلسطيني مطعوناً في صدره في الناصرة الحزينة، ويصعد بابا نويل ــ كسيزيف اليوناني الذي يرمز للمعاناة التي لا تنتهي ــ حاملاً صندوق هدايا تتناثر خلفه إلي قمة الجبل، نشاهد الناصرة في فيلم ايليا سليمان، ناصرة المسيح حزينة ومعذبة وباهتة وتعاني من رتابة وكأنها تحتضر مثل سكانها الذين قتلهم الانتظار وعبث الأقدار.
لقد كان هدوء وصمت ايليا سليمان (الممثل /المخرج) في الفيلم موحياً ومعبراً، فالمشاهد كان يحتقن مع كل مشهد يطل فيه وجه الممثل ايليا الحزين والدامع عن قرب. وعندما يبكي الشاب ايليا وهو يقشر البصل تختلط دموعه ببكاء قلبه علي حبيبته ووطنه الممزق والمعذب في حضن الانتظار
يدخل المخرج / الممثل إيليا سليمان في البنية الدرامية للفيلم. ويتحول الفيلم بذلك إلي فيلم عائلي بيوغرافي في قالب روائي. يتابع فيه المخرج حكاية والده الذي مات بجلطة بسبب الظروف المحيطة به وقد جرده الاحتلال من سيارته ومنزله وآلات محددته لأنه مقصر في دفع الضرائب أو دفع أقساط مالية فيموت الوالد من الحسرة .

ويمكن وصف الفيلم على أنه كوميديا سوداء ناجمة عن المعاناة والألم، سريالي مشبع بالإشارات والرموز، صامت إيحائي يعتمد على المشاهد والوقائع على الأرض أكثر من الكلام، هذا الصمت الذي يفجر الكثير من الدلالات؛ كالصمت الذي يعتري العالم تجاه ما يتعرض له الفلسطيني المعذب في وطنه، والصمت الذي يلف أبطال الفيلم الذين توحي لغة جسدهم وقسمات وجوههم الحائرة بالمرارة والأسى والحرمان والصدمة بكم الأحداث المأساوية المتصاعدة على الأرض الفلسطينية المحتلة .
وتتشكل حبكة الفيلم إلى حد كبير من سلسلة مترابطة من السكتشات الموجزة المكثفة، ولكن الجزء الأكبر من أحداث الفيلم تسجل الحياة اليومية لفلسطيني يعيش في الناصرة بعيداً عن الحواجز ونقاط التفتيش في حارة فلسطينية تسود فيها علاقات اجتماعية مشوهة يشوبها أمراض اجتماعية عانى منها المجتمع الفلسطيني وما زال يعاني كقيم الأنانية والانعزالية والفضولية والنفعية والكره والنفاق والعنصرية، في هذه المشاهد نقداً وجلداً للذات الفلسطينية والعادات والتقاليد الاجتماعية الدميمة والثقافة السلبية السائدة في صميم هذا المجتمع الذي يعاني الأمرين من ظلم الاحتلال وظلم المجتمع لنفسه .
وفي الفيلم مجموعة من المشاهد واللقطات الموحية والمفجرة لعديد من الدلالات والقراءات ففي مشهد تسأل فيه سائحة أجنبية شرطي إسرائيلي في أحد شوارع القدس عن بعض الأماكن المقدسة والأثرية لكنه يعجز عن مساعدتها فيهرع إلى السيارة ويحضر شاب فلسطيني أسير معصوب العينين ليدلها على الطريق إلى الأمكنة التي تريدها بدقة كبيرة، وفي هذا دلالة على أن الفلسطيني هو صاحب هذه الأرض ينتمي إليها انتماءً ملتصقاً وهو أخبر بجغرافيتها وتفاصيلها من الغرباء الذين يدعون حقهم فيها فأهل مكة أدرى بشعابها !
وفي مشهد آخر تتحول الفتاة بطلة الفيلم إلى مقنـّع مكافح خارق يحطم أسطورة مجموعة من الجنود الإسرائيليين، وتصبح فدائية من الخوارق تقتل من المحتلين العديد من الأفراد وتدمر طائرة عمودية، وتتحول كافة الطلقات التي تنهال عليها كالمطر إلى هالة مقدسة تحوم حولها كطوق من الشوك حول رأسها ويظهر جسدها مصلوباً . وهذه رسالة من المخرج للعالم بأن الفلسطيني يصلب ويعذب ويذوق الألم على يد المحتل الإسرائيلي تماماً كما ذكر الكتاب المقدس ما تعرض له المسيح يسوع الفلسطيني في أورشليم من صلب وتعذيب بعدما خانه طالبه يهوذا الأسخريوطي.
وفي المشهد الذي يجلس فيه الممثل /المخرج مع أمه في المطبخ وعلى النار طنجرة ضغط تنفس الهواء مشهد رمزي دال على حالة الاحتقان لدى الشعب الفلسطيني, ولكنها لم تصل إلى درجة الانفجار, وانتهي الفيلم على هذا المشهد الذي كان بإمكانه أن يصل إلى قرع جرس الطنجرة كما هو طلب طرق الخزان عند غسان كنفاني في رجال في الشمس.
,اختار المخرج حكايات صغيرة تشكل بمجموعها بعضاً من ملامح الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد أصبحت حياتهم باهته حزينة محتضرة عابثة وسخيفة منفلتة من عقالها في البذاءة والسفالة والصراع البائس على هامش مغتصب.. هذه المشاهد بمجموعها صوّرت الفلسطيني نمطياً سلبياً وسخاً، بذيئا، تافهاً، منشغلا بسيارته ورفاهيته، طائشاً، عميلاً ساقطاً، ضجراً، صامتاً، مطواعاً، كسولاً ، بطنه إلى الأعلى..
الفيلم يد إلهية حمل هذا العنوان بشكل موفق وكأنه دعوة صريحة لـ تدخل رباني لـ يد إلهية عليا لحماية الوطن الفلسطيني من وحشية المحتل وهمجيته، ولإنقاذ الإنسان وحقه في الحياة الكريمة ومصيره وصون مشاعره وكرامته، الفيلم يطلب النجدة الربانية من السماء ويدعو لتدخل اليد الإلهية لتنهي هذا الألم والواقع المأساوي .



#محمد_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم - عُمر - ... قصة حب فلسطينية يحول من اكتمالها الاحتلال ...
- فيلسوف الربيع العربي وجيفارا الثورة المضادة
- الأممية الوهابية الثانية: -الجهاد السوري-
- لبردى ضفاف كثيرة: يومان في دمشق


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جرادات - يد إلهية و سريالية الواقع الفلسطيني