اميره صبح
دكتور
(Amira Sobh)
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 14:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1) الخلفية التاريخية والسياق السياسي
1- جذور الصراع في غزة
تعود جذور الصراع إلى عام 1948، عندما قامت دولة إسرائيل ونزح آلاف الفلسطينيين إلى غزة. ومع مرور الوقت، أصبحت غزة ساحة مركزية للمقاومة الفلسطينية.
منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، دخلت المنطقة في عزلة سياسية واقتصادية خانقة، رافقها حصار شامل من قبل إسرائيل، ما جعل الأوضاع الإنسانية تتدهور تدريجيًا.
2- مراحل المواجهة العسكرية
خاضت غزة عدة حروب كبرى:
2008–2009 (الرصاص المصبوب): خلفت دمارًا واسعًا ومقتل أكثر من 1300 فلسطيني.
2014 (الجرف الصامد): شهدت أطول حرب على القطاع (50 يومًا).
2021 (سيف القدس): تميزت بدخول وساطات عربية سريعة.
2023–2025: تصعيد مستمر غير مسبوق أدى إلى أزمة إنسانية كارثية.
هذه المواجهات أظهرت فشل الحلول العسكرية، ودفعت الأطراف نحو التفكير في حلول دبلوماسية أكثر شمولية.
3- التحولات الإقليمية والدولية
- بروز مصر وقطر كوسيطتين محوريتين.
- انشغال القوى الكبرى بأزمات عالمية أخرى، ما دفعها لتفويض الدور الإقليمي.
- تزايد الضغط الشعبي والإعلامي العالمي بسبب الكارثة الإنسانية في غزة.
4 الأوضاع الإنسانية قبل الاتفاق
- بلغت الأزمة الإنسانية ذروتها في منتصف عام 2025:
1-أكثر من 80% من السكان فقدوا منازلهم أو مصادر رزقهم.
2-المستشفيات توقفت عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء والوقود.
3-انعدام الأمن الغذائي والمائي.
-هذا الواقع جعل وقف إطلاق النار مطلبًا إنسانيًا قبل أن يكون سياسيًا.
2) اتفاق وقف إطلاق النار 2025 – البنود والمراحل
1- السياقات التي أفضت إلى الاتفاق
جاء الاتفاق بعد مفاوضات سرية طويلة برعاية مصرية وقطرية، وبضغط أمريكي مباشر. وكانت أبرز العوامل المؤدية إليه:
1. الاستنزاف العسكري المتبادل.
2. تصاعد الغضب الدولي بسبب الانتهاكات الإنسانية.
3. خشية إسرائيل من توسع الصراع إقليميًا.
4. رغبة حماس والفصائل في تخفيف الضغط الإنساني عن المدنيين.
3) البنود الرئيسية للاتفاق
1. وقف شامل ومتبادل لإطلاق النار لمدة 30 يومًا قابلة للتجديد.
2. تبادل جزئي للأسرى بإشراف الصليب الأحمر.
3. فتح معبر رفح بشكل دائم لإدخال المساعدات الإنسانية.
4. إنشاء غرفة عمليات في القاهرة لمتابعة تنفيذ الاتفاق.
5. بدء مفاوضات سياسية حول مستقبل غزة خلال أسبوعين.
4) التحليل المقارن
يتميز اتفاق 2025 عن الاتفاقات السابقة في:
- شمولية البنود الإنسانية.
- وجود ضمانات دولية متعددة.
- ربط الهدنة بمفاوضات سياسية لاحقة
5) ردود الفعل
-الفلسطينيون: اعتبروه انتصارًا سياسيًا يوقف نزيف الدم.
-إسرائيل: رأته خطوة تكتيكية مؤقتة.
-المجتمع الدولي: رحّب به باعتباره فرصة لبدء مسار سلام واقعي.
6) قمة شرم الشيخ – الدبلوماسية متعددة الأطراف
1- الدعوة للقمة
دعت مصر إلى القمة بعد أسبوع من توقيع الاتفاق، في شرم الشيخ، بحضور قادة أكثر من عشرين دولة ومنظمة. هدف القمة كان تثبيت وقف النار وتنسيق جهود الإغاثة والإعمار.
2- المشاركون
- ضمت القمة ممثلين عن:
الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة.
مصر، قطر، تركيا، السعودية، الأردن.
منظمات إنسانية مثل الصليب الأحمر والأونروا.
3- جدول الأعمال
- تثبيت وقف النار.
- وضع خطة عاجلة للإغاثة الإنسانية.
4- إطلاق مبادرة لإعادة إعمار غزة.
5- بحث الترتيبات السياسية المستقبلية
1-النتائج الرئيسية
-إعلان شرم الشيخ للسلام والإغاثة.
-تشكيل لجنة متابعة دائمة في القاهرة.
-تعهدات مالية عربية ودولية لدعم إعادة الإعمار.
-إجماع على استمرار الدور المصري كضامن.
6 الدلالات السياسية
القمة مثّلت نموذجًا جديدًا لـ الدبلوماسية التعاونية، حيث لم تقتصر على بيانات سياسية، بل تضمنت آليات تنفيذية. كما أعادت مصر تموضعها كقائد إقليمي في إدارة الأزمات.
5) التحليل السياسي والدبلوماسي
1- إعادة تموضع مصر
أثبتت مصر من خلال دورها أن الدبلوماسية الواقعية قادرة على التأثير أكثر من الضغوط العسكرية. فقد نجحت في تحقيق توازن بين علاقاتها بإسرائيل والتزاماتها تجاه القضية الفلسطينية، مما منحها مصداقية لدى جميع الأطراف.
2- الدور الأمريكي
لعبت الولايات المتحدة دورًا حاسمًا عبر الضغط على إسرائيل للقبول بالهدنة، وإرسال ضمانات أمنية.
لكن واشنطن حافظت على مقاربة “إدارة الصراع” لا “حله”، وهو ما يحد من فاعلية الاتفاق.
3- الدور القطري والتركي
- قطر: ساهمت في التمويل والدعم الإنساني.
- تركيا: دعمت الموقف الفلسطيني سياسيًا وإعلاميًا.
هذا التنوع في الأدوار جعل الدبلوماسية الإقليمية أكثر توازنًا ومرونة.
4- تقييم الأداء الدبلوماسي
يمكن القول إن الاتفاق والقمة مثّلا تحولًا بنيويًا في مفهوم الدبلوماسية الإقليمية العربية، حيث انتقلت من رد الفعل إلى صناعة القرار الجماعي.
لكن التحدي الأكبر يظل في تحويل الجهد الإغاثي إلى مسار سياسي مستدام.
6) الأبعاد القانونية والإنسانية
1- الإطار القانوني
يندرج اتفاق وقف إطلاق النار ضمن قواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصًا اتفاقية جنيف الرابعة.
تتحمل الأطراف مسؤولية احترام حماية المدنيين، وضمان إيصال المساعدات دون عوائق.
2- التزامات الأطراف
-إسرائيل: الامتناع عن استهداف المدنيين والسماح بإدخال الإغاثة.
-الفصائل الفلسطينية: وقف إطلاق النار وضمان الأمن الداخلي.
-المجتمع الدولي: مراقبة التنفيذ وضمان المساءلة القانونية.
3 - دور الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية
-أطلقت الأمم المتحدة خطة استجابة عاجلة تضمنت:
-تشغيل مراكز إيواء للنازحين.
-إيصال المساعدات الغذائية والطبية.
-إصلاح شبكات الكهرباء والمياه.
كما ساهم الصليب الأحمر في الإشراف على تبادل الأسرى والمحتجزين.
4 - الآثار الإنسانية للاتفاق
بعد الهدنة، انخفض عدد الضحايا بنسبة 70% خلال الشهر الأول. كما استؤنفت الخدمات الطبية والتعليمية جزئيًا.
إلا أن استمرار الحصار جعل التحسن هشًا، وأكد ضرورة متابعة التنفيذ دوليًا.
7) التحديات المستقبلية وآليات التنفيذ
1- التحديات الميدانية
رغم النجاح النسبي الذي حققه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لعام 2025، فإن الواقع الميداني لا يزال معقدًا ومحفوفًا بالمخاطر. إذ يواجه الاتفاق تحديات ميدانية متعددة تهدد استمراره واستقراره، أهمها:
- ضعف آلية الرقابة الميدانية
لم تُنشأ قوة فصل أو رقابة دولية فعلية على الأرض، واكتفى الاتفاق بلجنة مشتركة في القاهرة، مما جعل متابعة الخروقات عملية بيروقراطية بطيئة.
هذا الضعف في البنية الرقابية سمح بحدوث مناوشات متقطعة لم توثق رسميًا.
-استمرار الحصار الجزئي
رغم الإعلان عن إدخال المساعدات عبر معبر رفح، إلا أن القيود الإسرائيلية على حركة البضائع والأفراد بقيت قائمة.
هذا الواقع جعل الهدنة هشة، وأضعف ثقة السكان في جدوى الاتفاق.
- هشاشة الوضع الأمني الداخلي
وجود فصائل متعددة داخل غزة، وتفاوت ولاءاتها السياسية والعسكرية، يثير احتمالات تفجر صراعات داخلية تُضعف الموقف الفلسطيني الموحد وتمنح إسرائيل مبررًا لاستئناف العمليات العسكرية.
2- التحديات السياسية
- الانقسام الفلسطيني الداخلي
يُعدّ الانقسام بين حركتي فتح وحماس أكبر عائق أمام تحويل الهدنة إلى سلام دائم.
فغياب حكومة فلسطينية موحدة يجعل من الصعب تنفيذ الاتفاقات أو الدخول في مفاوضات سياسية جادة.
- الموقف الإسرائيلي
تتعامل إسرائيل مع اتفاق وقف إطلاق النار كترتيب أمني مؤقت، وليست مستعدة حتى الآن لمناقشة تسوية سياسية نهائية أو رفع الحصار الكامل عن غزة.
كما تُبقي على سياساتها الأمنية الصارمة تحت شعار “منع تعاظم القدرات العسكرية للفصائل”.
- المواقف الدولية المتباينة
رغم الإجماع الظاهري في قمة شرم الشيخ، إلا أن القوى الكبرى تختلف في رؤاها:
1-الولايات المتحدة تميل إلى إدارة الصراع.
2-الاتحاد الأوروبي يدعو إلى حل سياسي دائم.
3-بعض الدول العربية تخشى أن يؤدي تصعيد جديد إلى زعزعة أمنها الداخلي.
3- التحديات الاقتصادية والإنسانية
- الوضع الاقتصادي في غزة بعد الحرب يمثل أكبر اختبار لاستدامة الاتفاق:
- البنية التحتية المدمرة تحتاج استثمارات بمليارات الدولارات.
- نسبة البطالة تجاوزت 70%.
- الاعتماد الكامل على المساعدات الدولية يضعف استقلالية القرار الفلسطيني.
- استمرار الحصار البحري والقيود على الاستيراد يعيقان الإعمار.
4- آليات التنفيذ المقترحة
- لجنة رقابة دولية فعالة
ينبغي تشكيل بعثة مراقبة ميدانية تحت مظلة الأمم المتحدة، مزوّدة بتقنيات مراقبة حديثة، وتصدر تقارير علنية دوريه
-صندوق إعمار دولي
إقامة صندوق دولي لإعادة إعمار غزة بإدارة مشتركة بين مصر والأمم المتحدة لضمان الشفافية في التمويل والتنفيذ.
- تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية
تحويل الإعمار إلى مشروع تنموي مستدام يربط المساعدات بتحسين البنية التحتية وفرص العمل، لا مجرد إغاثة مؤقتة.
- تعزيز الوحدة الفلسطينية
ضرورة عقد مؤتمر وطني فلسطيني شامل برعاية مصرية لتوحيد المؤسسات والقيادة السياسية.
الخاتمة النهائية
يمكن القول في النهاية إن اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ 2025 قد فتحا نافذة أمل حقيقية أمام الدبلوماسية الإقليمية العربية لإعادة التوازن إلى النظام الإقليمي المضطرب.
هو لم يكون مجرد اتفاق ومؤتمر، بل بداية تحول استراتيجي في فهم إدارة الصراعات في الشرق الأوسط، يقوم على التنسيق، والتعددية، والتكامل بين المسارين الإنساني والسياسي.
#اميره_صبح (هاشتاغ)
Amira_Sobh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟