اميره صبح
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 20:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمه
في 9 سبتمبر 2025 نفذت إسرائيل ضربة جوية في حيّ القتايفية بالعاصمة القطرية الدوحة استهدفت، بحسب إسرائيل، اجتماعا لقادة حماس الموجودين في الدوحة. أسفرت الضربة عن قتلى وجرحى من عناصر تُنسَب إلى حماس، وعن استشهاد عنصر أمني قطري (وفقًا لتقارير أولية) وتسببت بصدمة دبلوماسية وإدانات واسعة. وقد أدانت حكومة قطر الحدث واعتبرته انتهاكاً لسيادتها، وردّت عليه دول ومنظمات عدة، كما تناولت تقارير غربية تباينات داخل الأجهزة الإسرائيلية حول القرار.
1) الإطار القانوني النظري المختصر
1- مبدأ الحظر العام لاستخدام القوة وسيادة الدول
ينص ميثاق الأمم المتحدة على وجوب امتناع الدول عن التهديد أو استعمال القوة ضد سلامة أراضي أو استقلال سياسي لأي دولة (المادة 2(4)). هذا المبدأ يقف في قلب منظومة حفظ السلم والأمن الدوليين ويقيد عمليات الضرب العابر للحدود إلا في حالات محددة قانونياً.
2- حق الدفاع عن النفس (المادة 51) وحدوده
تنص المادة 51 من الميثاق على أن للدول الحق في الدفاع الفردي أو الجماعي «إذا وقع عليها هجوم مسلّح» إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة. تفسير هذا الحق يتطلب ثبوت وقوع «هجوم مسلح» واعتبارات متعلقة بالاستجابة الفورية، التناسب، وضرورة اتخاذ الإجراءات وإبلاغ مجلس الأمن. لا يكفي مجرد مكافحة «الإرهاب» داخلياً دون وجود عناصر تبرر وصف الهجوم بأنه هجوم مسلّح دولي قائم.
3- القانون الدولي الإنساني (IHL) — مبادئ التمييز والتناسب والحيطة
حتى في حالة وجود نزاع مسلح، تفرض قواعد القانون الدولي الإنساني حماية المدنيين ومنع الهجمات الواسعة التي لا تفرّق بين أهداف عسكرية ومدنية، ويجب أن تكون الهجمات متناسبة ولا تفرط في الأضرار الجانبية المتوقعة بالنسبة للميزة العسكرية المحققة.
2) عرض الوقائع الواقعية
التاريخ والموقع: 9 سبتمبر 2025، حيّ الِقتايفية، الدوحة، قطر.
الهدف المزعوم: اجتماعات ومقار متعلقة بقيادات حماس.
النتائج الأولية: قتلى وجرحى من عناصر يُنسبون لحماس وأجهزة أمنية قطرية، ووقوع أضرار مادية ومدنية.
رد الفعل الدولي: إدانات من دول ومنظمات إقليمية ودولية، وبيان لمجلس الأمن يدعو إلى ضبط النفس ويدين الهجوم في صيغة مشتركة (أعرب أعضاء المجلس عن قلقهم وأكدوا على ضرورة خفض التصعيد)وتم الدعوه الي قمه عربيه اسلاميه بالعاضمه القطريه الدوحه يوم 15/9/2025
سياق أوسع: الضربة وقعت بينما كانت كلا من مصرو قطر تعملا كوسيط في مفاوضات لوقف القتال/تبادل محتجزين ، وقد أثارت أسئلة حول توقيت العملية وأثرها على جهود الوساطة.
3) التحليل القانوني
1- هل وقع «هجوم مسلح» على إسرائيل يبرر دفاعاً عن النفس عبر ضرب قطر؟
حتى يُعترف بوجود حقّ مشروع للدفاع عن النفس وفق المادة 51، يجب أن يكون هناك «هجوم مسلح» واضح أو تهديد وشيك يستهدف دولة إسرائيل. الادعاء بأن وجود قادة منظمة مسلحة على أراضي دولة أخرى يخول الدولة القتال عبر الحدود يُعدّ مسألة خلافية في فقه القانون الدولي: فوجود عناصر معادية وحده لا يساوي بالضرورة هجوماً مسلحاً دولياً يبرر ضرب دولة ذات سيادة. القواعد precedent تقارن بين العمليات المستمرة التي تنطوي على هجمات مسلّحة على أرض الدولة المُهاجمة (كتبريرٍ أقوى للدفاع عن النفس) وبين نشاطات تنظيمية/سياسية أو دعم غير مباشر. في الحالة المدعاة — وفق التقارير الأولية — لا توجد، علناً، دلائل قاطعة على أن هجومات مسلحة مباشرة ووشيكة انطلقت من قطر ضد إسرائيل تبرر الضربة كـ«دفاع عن النفس» بالتالي يواجه ادعاء الدفاع عن النفس عقبات قانونية قوية.
2- خرق لسيادة قطر وحظر استخدام القوة؟
إذا تم تنفيذ الضربة دون موافقة قطر، فتصبح تلك الضربة — من حيث المبدأ — عملاً من أعمال استخدام القوة ضد سلامة أراضي دولة أخرى، مما يُعدّ انتهاكاً صريحاً للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة ما لم يندرج ضمن استثناء مشروع (الدفاع عن النفس أو تفويض من مجلس الأمن). التقارير التي تشير إلى إدانة دولية واصطفاف أعضـاء مجلس الأمن تؤيد وصف الضربة بأنها «انتهاك للسيادة» وخرق للقانون الدولي. هذا الخرق يتطلب، من منظور القانون الدولي التقليدي، تبريراً قانونياً واضحاً أو اعترافا بالمسؤولية وتحمل نتائج قانونية ودبلوماسية.
3- تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني (تمييز وتناسب)
حتى لو قُبل فرضياً أن الهدف هو «قياديون عسكريون» من منظمة مسلحة، فالقانون الدولي الإنساني يفرض التزاماً صارماً بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وبإجراء تحليل للتناسب. لو تبيّن أن الضربة تسببت في قتل عناصر أمنية قطرية أو مدنيين أو أضرار مادية واسعة في منطقة سكنية، فقد تستوفي عناصر خرق قواعد التناسب والتمييز ما يعزز توقّع مسؤولية دولية عن أفعال تُعدّ غير قانونية. التقارير الأولية عن وقوع ضحايا في مواقع مدنية ومقتل مسؤول أمني قطري تثير المسألة بصورة جدّية.
4- اعتبارات تتعلق بمكافحة الإرهاب ومبررات الدولة المعتدية
تكرر بعض الدول والجهات أنّ مكافحة الإرهاب قد تبرّر إجراءات عابرة للحدود. لكن فقه القانون الدولي العام الحديث يميّز بين الاستهداف المشروع لعناصر مسلحة في إطار نزاع مسلح دولي وبين عمليات قنص/اغتيال في دولة ذات سيادة لا تشارك في هجوم مسلّح. كما أن وجود دور وساطة لقطر وقيامها باستضافة قادة حماس لعملية تفاوضية يجعل من استهدافهم داخلة في سياق يؤثر على قواعد الحصانة الدبلوماسية والحماية المعروفة لوساطات السلام، ما يضاعف حساسية التصرف من ناحية قانونية وسياسية.
4) الدفاعات المحتملة لإسرائيل وتقييمها
1. الدفاع عن النفس:
كما بيّنّا، لمدّ هذا الدفاع صحة قانونية يجب إثبات وقوع هجوم مسلّح أو تهديد وشيك صادر من قطر أو من عناصر انطلقت من قطر. دون إثباتات علنية واضحة سيواجه هذا الدفاع اعتراضات قوية.
2. مكافحة الإرهاب والشرعية الوطنية:
مكافحة الإرهاب لا تلغي التزامات الدولة باحترام سيادة الدول الأخرى. وجود هياكل منظمة لا يعفي الدولة من طلب إذن أو اللجوء لشرعية دولية.
3. أدلة استخباراتية سرية:
قد تدّعي إسرائيل امتلاك أدلة استخباراتية قوية لكن من منظور القانون الدولي، لا يكفي الادعاء السري: يجب إخضاع مثل هذه الادعاءات للمراجعة الدولية أو السماح لقنوات دبلوماسية/قضائية للنظر فيها (مثلاً عبر مجلس الأمن أو محكمة مختصة) إذا رغب الطرف المتضرر بذلك.
5) المسؤولية الدولية والسبل الممكنة لرد قطر والدول الأخرى
1- المسؤولية الدولية والالتزامات التعويضية
إذا ثبت انتهاك المعيار الدولي (استخدام القوة دون مبرر مشروع)، تُنشأ مسؤولية دولية تترتب عليها تعويضات وترميمات (مثل دفع التعويض، الاعتذار، واتخاذ تدابير لإعادة الوضع للسابق). قطر يحق لها تقديم مطالبة دولية، وطلب تفعيل آليات حل النزاعات (دبلوماسياً أو عبر محاكم دولية) أو إحالة المسألة لمجلس الأمن.
2- المسارات القضائية والدبلوماسية
مسارات قضائية:
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية (ICJ) إن ارتبط النزاع بتفسير معاهدات أو التزامات دولية، أو إلى آليات تحكيمية ثنائية/متعددة.
آليات الأمم المتحدة:
حالة المسألة إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة (اجتماع طارئ)، وطلب اتخاذ تدابير حفاظية أو فرض إجراءات دبلوماسية/اقتصادية. تقارير أولية تُفيد أن مجلس الأمن أصدر بيانًا يدعو للتهدئة وأعرب عن إدانة الضربة.
3- الخيارات العملية لقطر (سياسياً)
تكثيف الدبلوماسية الإقليمية والدولية، تنظيم استنكار واسع، والتحالف مع دول الخليج والدول الأعضاء في الأمم المتحدة لزيادة الضغط.
المطالبة بتعويض رسمي واعتذار علني، والاحتفاظ بخيار المسارات القضائية الدولية.
تفعيل دور الوساطة مع أطراف دولية لتقليل مخاطر تصعيد أوسع.
6) آثار استراتيجية وسياسية أوسع
الحادثة تضع تساؤلات جوهرية عن قواعد اللعب في النظام الدولي: هل سيسمح المثال بتمدد «الاستهداف العابر للحدود» كأداة منتظمة؟ كيف ستؤثر على ثقة الدول في آليات الضمان الأمني (مثل التحالفات الإقليمية والدولية)؟ التقارير الصحفية تشير إلى اهتزاز ثقة دول الخليج بالضامن الأميركي ودفعها إلى إعادة النظر في سياساتها الأمنية والدبلوماسية. مثل هذه التطورات قد تعزّز ديناميكيات إقليمية أكثر انقساماً وربما سباق تسلح أو تشكيل تحالفات جديدة.
** الخلاصة والاستنتاجات
1. في ضوءقواعد القانون الدولي العامّ، تُعدّ الضربات العسكرية التي تُنفّذ داخل أراضي دولة ذات سيادة دون موافقة تلك الدولة أو تفويض من مجلس الأمن، واِلاستناد إلى حالة دفاع عن النفس المثبَتة، انتهاكًا للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة، ما لم تُثبت إسرائيل ما يرقى إلى هجوم مسلح وشيك أو دلائل قوية تبرّر الدفاع عن النفس.
2. التقارير الأولية وبيانات قطر ومجلس الأمن والدول المتعددة التي أدانت الضربة تُقوي مظهر انتهاك السيادة والشكوك حول مشروعية الدفاع المزعوم. كما تُثير تقارير عن سقوط ضحايا قطريين ومدنيين مخاوف تتصل بانتهاك قواعد التمييز والتناسب.
3. ثمة حاجة لفتح تحقيق دولي موضوعي ومستقل، ولقنوات دبلوماسية وقضائية لمعالجة المسؤولية والتعويض، ولمنع خلق سابقة خطيرة توسيع نطاق قبول الاستهداف العابر للحدود.
11. توصيات عملية وقانونية
1. مطالبة قطر بتحقيق دولي مستقل عبر آليات أممية أو لجنة تحقيق مستقلة لتحديد الحقائق والأضرار والمسؤولية.
2. دعوة لمجلس الأمن للنظر في الأمر واتخاذ تدابير لمنع تدهور الوضع وتأمين حماية للدبلوماسيين والوسطاء.
3. إطلاق مبادرة دولية لتوضيح معايير «الاستهداف العابر للحدود» في سياق مكافحة الإرهاب، بهدف وضع ضوابط صارمة تحكم استخدام القوة عبر الحدود.
4. تشجيع المساءلة وتعويض الضحايا كشرط لإعادة بناء الثقة وتقليل احتمالات الانتقام المتبادل.
#اميره_صبح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟