أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الفكر الجهادي: فكر توسّعي عابر للحدود المكانية والزمانية















المزيد.....

الفكر الجهادي: فكر توسّعي عابر للحدود المكانية والزمانية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 17:11
المحور: قضايا ثقافية
    


‏الفكر الجهادي: فكر توسّعي عابر للحدود المكانية والزمانية

‏دراسة في الأصول التاريخية والامتدادات المعاصرة


‏---

‏المقدمة

‏يُعدّ الفكر الجهادي المعاصر أحد أبرز الظواهر الأيديولوجية التي تجاوزت حدود الزمان والمكان، إذ لم يقتصر حضوره على الجغرافيا الإسلامية أو على مرحلة محددة من التاريخ، بل تمدّد عبر القرون والقارات، متكيّفًا مع السياقات السياسية والاجتماعية المتغيرة.
‏هذا الفكر، الذي نشأ في رحم الصراعات الدينية والسياسية، تحوّل إلى مشروع توسّعي عابر للحدود، يتغذّى من مفاهيم "النصرة" و"التمكين" و"الولاء والبراء"، ويعيد إنتاج نفسه مع كل أزمة، مستثمرًا الدين أداةً للهيمنة والتجنيد والتوسع.


‏---

‏أولًا: الجذور التاريخية للفكر الجهادي

‏يرتبط الجهاد في أصله بالنصوص الإسلامية التي تناولت الدفاع عن النفس والمجتمع، لكنه سرعان ما اكتسب بعدًا سياسيًا توسّعيًا منذ العصور الأولى.
‏في القرون الوسطى، استخدم الخلفاء الأمويون والعباسيون مفهوم الجهاد لتبرير الفتوحات وتوسيع رقعة النفوذ السياسي.
‏ومع سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، أعاد مفكرون إسلاميون مثل حسن البنا وسيد قطب تعريف الجهاد كأداة لإقامة "المجتمع الإسلامي الشامل"، ما شكّل الأرضية الفكرية للحركات الجهادية الحديثة.

‏لقد انتقل الفكر الجهادي من كونه حالة عسكرية محدودة الزمان والمكان إلى عقيدة أيديولوجية دائمة، تستدعي الحرب ضد "الآخر"، وتمنح نفسها شرعية مطلقة في القتل باسم الدين.


‏---

‏ثانيًا: الفكر الجهادي كمشروع توسّعي عابر للحدود

‏يتميّز الفكر الجهادي بقدرته على تجاوز الحدود الوطنية والإثنية واللغوية.
‏فمن أفغانستان إلى البوسنة، ومن الشيشان إلى العراق وسورية، تكرّرت الظاهرة ذاتها:

‏تجنيد مقاتلين من دول متعددة،

‏استخدام الخطاب الأممي الإسلامي ("الأمة الواحدة")،

‏ربط المعركة المحلية بـ"الصراع الكوني بين الإسلام والكفر".


‏تُظهر هذه الحركات وعياً توسعيًا استراتيجياً، يرفض حدود الدولة الوطنية الحديثة، ويرى العالم ساحة مفتوحة لـ"التمكين الإلهي".
‏وقد تجلّى ذلك بوضوح في تنظيم القاعدة، الذي قدّم نفسه "نواة الأمة المجاهدة العالمية"، ثم في تنظيم داعش الذي أعلن "الخلافة" على مساحات من العراق وسورية عام 2014، ودعا المسلمين للهجرة إليها من أكثر من 80 دولة.


‏---

‏ثالثًا: الخصائص الفكرية للفكر الجهادي

‏1. المطلقية العقائدية:
‏الجهاد في نظر أتباع هذا الفكر فريضة مستمرة إلى قيام الساعة، لا تحدها معاهدات أو حدود.


‏2. إلغاء الآخر:
‏ينطلق من ثنائية حادة: مؤمن/كافر، دار الإسلام/دار الحرب، ما يبرّر العنف والإبادة.


‏3. تسييس المقدّس:
‏يتم توظيف النصوص الدينية خارج سياقها التاريخي لتبرير القتل والسيطرة السياسية.


‏4. عولمة الجهاد:
‏الإنترنت ووسائل التواصل ساعدت على تصدير الخطاب الجهادي إلى العالم، فباتت الحدود الافتراضية بديلًا عن الحدود الجغرافية.




‏---

‏رابعًا: الفكر الجهادي والزمان المفتوح

‏من أبرز خصائص الفكر الجهادي أنه عابر للزمن، أي أنه يعيش في حالة دائمة من "الاستنفار العقائدي"، معتبرًا أن معركته مع "الجاهلية" لم تنتهِ منذ عهد النبي، ولن تنتهي إلا بتحقيق "التمكين الإلهي".
‏بهذا المعنى، لا يرى الزمن خطًّا متطورًا بل دائرة مغلقة تدور حول فكرة واحدة:

‏> "إعادة الخلافة الأولى وتطهير الأرض من الكفر".



‏وقد سمح هذا المنطق الدائري بإعادة إنتاج الجهاد عبر الأجيال: من الأفغان العرب في الثمانينيات، إلى القاعدة بعد 2001، ثم داعش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.


‏---

‏خامسًا: الفكر الجهادي في الواقع العربي المعاصر

‏تجلّى الفكر الجهادي في المشرق العربي على نحوٍ خاص بعد الاحتلال الأميركي للعراق (2003)، حيث تحوّل الجهاد من مقاومة الاحتلال إلى صراع مذهبي–طائفي.
‏وفي سورية، استغلّت التنظيمات الجهادية حالة الفوضى لتأسيس "إمارات شرعية"، مستهدفة المجتمع نفسه تحت شعار "تطهير العقيدة".
‏أما في لبنان واليمن وليبيا، فقد تسلّل الخطاب الجهادي إلى الساحات المحلية مستفيدًا من هشاشة الدولة والانقسام الاجتماعي.

‏بهذا المعنى، أصبح الفكر الجهادي عابرًا للزمان والمكان والطائفة في آنٍ معًا، لكنه في جوهره فكر توسّعي شمولي يسعى لإلغاء الخصوصيات الوطنية والدينية لمصلحة كيان أممي متخيَّل.


‏---

‏سادسًا: التناقض بين الفكرة والواقع

‏رغم خطابه العالمي، يعاني الفكر الجهادي من تناقض جوهري:
‏فهو يدّعي إقامة العدل الإلهي لكنه يمارس العنف المطلق.
‏يُبشّر بالأخوة الإسلامية لكنه يغرق في الاقتتال الداخلي.
‏يتحدّث عن مقاومة الاستعمار لكنه يعيد إنتاج الاستبداد والقتل باسم الطهر.
‏وهكذا، يتحوّل من فكرة تحرّر إلى مشروع هيمنة مغلّف بالدين.


‏---

‏الخاتمة

‏إن الفكر الجهادي، في صورته التاريخية والمعاصرة، ليس مجرد تيار ديني، بل منظومة توسعية أيديولوجية تستغل الدين لتحقيق مشروع سياسي يتجاوز الدول والقرون.
‏وما دام هذا الفكر قادرًا على التكيّف مع الأزمات، سيظلّ خطره قائمًا ما لم تتم معالجة جذوره الفكرية والتربوية والاجتماعية.
‏المواجهة لا تكون بالسلاح وحده، بل عبر تفكيك بنية الخطاب الجهادي وفضح منطقه التسلّطي، وبناء بديلٍ معرفي يؤكد أن الإيمان لا يعني الإلغاء، وأن المقاومة لا تعني الإرهاب.


‏---

‏المراجع

‏1. جيل كيبل، النبي والجهاد: الإسلام السياسي في مواجهة العالم، ترجمة ناديا خير الله، بيروت: دار الساقي، 2004.


‏2. أوليفييه روا، الإسلام المعولم، ترجمة صبحي حديدي، بيروت: دار الساقي، 2006.


‏3. فواز جرجس، صعود وسقوط تنظيم الدولة الإسلامية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018.


‏4. عبد الوهاب الأفندي، الإسلاميون والديمقراطية: وهم التناقض، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2015.


‏5. Gilles Kepel, Jihad: The Trail of Political Islam, Harvard University Press, 2002.


‏6. Thomas Hegghammer, Jihad in Saudi Arabia: Violence and Pan-Islamism since 1979, Cambridge University Press, 2010.


‏7. Bruce Hoffman, Inside Terrorism, Columbia University Press, 2017.


‏8. المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، الفكر الجهادي العابر للحدود، تقرير تحليلي، برلين، 2022.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطرف في الأديان التوحيدية: اليهودية والمسيحية والإسلام
- خطف الأطفال: وصمة عار في جبين الإنسانية
- ‏الفلسفة والتكنولوجيا الحديثة: بين الوعود الإنسانية والمخاطر ...
- ‏تأثير فورر (Barnum Effect) وعلاقته بالإيمان بالأبراج الفلكي ...
- التناسخ: عرض لفلسفات الشعوب والأديان
- أين تذهب الروح بعد الوفاة
- ‏الخلود: ما له وما عليه
- رؤية لمستقبل الحياة
- ليليث في أساطير اليونان والرومان ووادي الرافدين والديانات ال ...
- بين خيبات الحياة ونور القلب
- قضايا تسلا الحرجة
- ‏مستقبل المعلمين في عصر الذكاء الصناعي: بين الأتمتة والأنسنة ...
- ‏تغيير الصورة النمطية عن العلويين: مقاربة اجتماعية وثقافية
- ‏السريالية في السياسة الحديثة ‏
- الأدب ومذاهبه في العصر الحديث
- التطرف في الأديان التوحيدية
- الوعي واللاوعي في العصر الحديث
- الوحدة العربية: حلم أم واقع ممكن؟
- الفزعة عند العرب
- ‏العصيان المدني ، تعريفه ، أسبابه، أشكاله، مظاهره،  تطوره،مع ...


المزيد.....




- -انتظرت حتى آخر أسير نزل من الحافلة، لكنني لم أرَه-: فرحة نا ...
- لافروف ينفي تعرض الأسد للتسميم في موسكو.. والشرع يتعهد بملاح ...
- جمعت بين الثروة والتأثير السياسي.. من تكون ميريام أدلسون الت ...
- ++ الوسطاء يوقعون في شرم الشيخ وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غز ...
- وافق ثم تراجع.. لماذا رفض نتنياهو حضور قمة شرم الشيخ؟
- العاهل المغربي يطلق أشغال إنجاز مركب صناعي لمحركات الطائرات ...
- شكرًا تميم.. شكرًا جنرال.. شاهد ما قاله ترامب بعد توقيع اتفا ...
- قمة غزة.. ماذا يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعه ترامب؟ ...
- -لحظة تاريخية فارقة-.. الكلمة الكاملة للسيسي بعد توقيع اتفاق ...
- هل يقف إرث العراق وصلات بلير بإبستين وراء تردد ترامب في إشرا ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الفكر الجهادي: فكر توسّعي عابر للحدود المكانية والزمانية