أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس ولد القابلة - كان حسني بنسليمان مؤهلا للانصياع لأوامر أوفقير















المزيد.....


كان حسني بنسليمان مؤهلا للانصياع لأوامر أوفقير


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 13:10
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع عبد الجليل البوصيري
عبد الجليل البوصيري، رجل أعمال ورئيس غرفة التجارة بداية سبعينيات القرن الماضي، مقاوم ورئيس فريق النادي القنيطري لسنوات، عايش عن قرب جملة من الأحداث المرتبطة بشكل أو بآخر، بالمحاولة الانقلابية لسنة 1972 وبرجالات وشخصيات حضرت أسماؤهم بقوة في هذا الإطار، وتناسلت حولهم العديد من الشكوك والتساؤلات التي ما زال بعضها ينتظر الجواب الشافي إلى حد الآن، ومن هؤلاء الجنرالات، الجنرال حسني بنسليمان والدكتور عمر الخطابي نجل شقيق أمير الريف عبد الكريم الخطابي.
حول تداعيات هذه الفترة التاريخية، أجرينا حوارا مع عبد الجليل البوصيري الذي، قبل الشروع في الإجابة على أسئلتنا، أصر على التأكيد أن مسعاه الأساسي هو دفع الشباب نحو الاهتمام بالتاريخ الحديث لوطنهم والباحثين، للمزيد من الاعتكاف على كشف القضايا المسكوت عنها، موضحا انه من الأشخاص الذين لا يؤمنون بالانقلاب العسكري لأنه وقتئذ لا وجود لأي بديل في وزن الملك الراحل الحسن الثاني، بالأحرى السماح لعملاء الاستعمار بتدبير شؤون المغرب، هؤلاء الذين كان المغاربة يكنون لهم كراهية خاصة لها مبررها التاريخي والأخلاقي والسلوكي على أرض الواقع الملموس.
- هل كانت للجنرال حسني بنسليمان علاقة بانقلاب 16 غشت 1972؟
+ أعتقد أن الحديث عن أشخاص بهذا الخصوص يجب أن يوضع في سياقه التاريخي الدقيق، لأن التطرق لأشخاص بعينهم على حدة لن يجدي نفعا إذا لم يتم تثقيف الحديث بالإطار العام والخلفيات خصوصا وأنني أفضل الحديث عن أحداث ومعطيات، وفي سياقها يمكن الإشارة إلى أشخاص، هذا هو النهج الأسلم في نظري.
قبل شهر تقريبا عن الانقلاب عمل الجنرال أوفقير على تغيير أغلب القياد ورجال السلطة والمسؤولين العسكريين، وعين رجالا موالين له، يطمئن لهم، في هذا السياق يمكن طرح سؤال، لماذا عين حسني بنسليمان عاملا على إقليم القنيطرة؟ وهل كان الجنرال محمد أوفقير مطمئنا له وراضيا عنه؟
في نظري ليس من السهل الإجابة على هذه الأسئلة، باعتبار أن الجنرال محمد أوفقير كسر التراتبية داخل مؤسسة الجيش سعيا إلى التحكم مباشرة في كل شخص، إذ كان يُلزم الجميع حتى المدنيين، الاتصال به مباشرة دون المرور عبر الوزارات، وهذا ما لاحظته بجلاء مع العامل عبد الله الشرقي قبل مجيء حسني بنسليمان إلى القنيطرة، وكذلك مع الطاهر أوعسو ومع سعيد واسو والفنيري ولوباريس وغيرهم.
خلال فترة الإعداد للانقلاب أتى الجنرال أوفقير بحسني بنسليمان إلى القنيطرة، وهذا الأخير كان عاملا لكن عسكريا، والقنيطرة كان لها دور استراتيجي وحيوي في الانقلاب، وكانت هناك صراعات بين الأمريكيين والفرنسيين بخصوص النفوذ، وعندما وصل حسني بنسليمان إلى القنيطرة وطد علاقته بأمريكيي وفرنسيي القاعدة الجوية، منهم الجنرال الفرنسي "لانجري" والكولونيل "كوردون" الذي كان على رأس مدرسة الاتصالات والكولونيل "بنيت" (رجل اتصال المخابرات الأمريكية بالقاعدة الجوية بالقنيطرة) وكان يعمل آنذاك تحت غطاء المكلف بالعلاقات العامة، ورغم أنه كان يرتدي زيا عسكريا لم تكن لديه علاقة بالجيش وإنما كان تابعا للسفارة الأمريكية، كما وطد حسني بنسليمان علاقته مع "بلير" الصديق الحميم للدكتور الخطيب، وكذلك الأمر بالنسبة للجنرال "ماي"، هذا في وقت كانت علاقة هؤلاء وطيدة بالجنرال محمد أوفقير لدرجة أنه اقترح كل من "بلير" والجنرال "ماي" كمستشارين للقصر الملكي.
هذه مؤشرات للإجابة على سؤالك.
- كيف كانت طبيعة العلاقات بين الجنرال محمد أوفقير وحسني بنسليمان؟
+ لولا أوفقير لما كان حسني بنسليمان قد وصل إلى ما وصل إليه، وربما يكون قد أتى به من طنجة إلى القنيطرة لتهيئ الأجواء، أو ليكون قريبا منه، علما أن أوفقير آنذاك كان يأتي إلى القنيطرة باستمرار ويتواجد بها أكثر مما يتواجد بالعاصمة الرباط.
- هل تعتقدون أن الجنرال محمد أوفقير فضل تقريب حسني بنسليمان منه؟
+ ما يمكن تأكيده بهذا الخصوص هو أن حسني بنسليمان عندما أتى إلى القنيطرة كعامل على إقليم الغرب كان من أقرب الأقربين للجنرال محمد أوفقير، ويعتبر ضمن دائرة الأشخاص الذين كان يلتقي بهم كلما حل بمدينة القنيطرة، وقد سبق لأكثر من مصدر أن أكد هذا المعطى.
- هل تعتقدون أنه كان من الممكن أن يكون لحسني بنسليمان أي دور فيما سمي بـ "حكومة القنيطرة"؟
+في اعتقادي الشخصي لا أظن أن الجنرال محمد أوفقير كان قد خصص دورا مهما وكبيرا له، فحسني بنسليمان كان آنذاك ضابطا عسكريا، أولا وقبل كل شيء، ممتثلا للأوامر، وكانت أهم تجربته آنذاك في المجال الرياضي أكثر من تمرسه في دائرة السلطة، إذ كان في واقع الأمر في بداية مشواره بخصوص دوائر صناعة القرار.
ربما كان شيء من هذا القبيل في ذهن الجنرال محمد أوفقير، الذي كان فعلا قد هَيَّأَ جملة من الرجالات من قبل، مثل الفنيري والجنرال بنحمو، كما عين الجنرال الفرنسي "لانجري" على رأس مدرسة الأركان وكان نائبه آنذاك لوباريس، وعين الكولونيل "كوردان" الفرنسي على رأس مدرسة الاتصالات العسكرية، وربما كان قد خصص دروا ما لحسني بنسليمان. فالمعروف على الجنرال محمد أوفقير أنه يتخذ قرارات فردية في أي وقت، دون حسيب ولا رقيب.
- هل كان الجنرال محمد أوفقير وراء مجيء حسني بنسليمان إلى القنيطرة كعسكري ورجل سلطة؟
+ أقل ما يمكن قوله في هذا الصدد إن أوفقير ربما كان يرى في حسني بنسليمان أنه سيكون سهل الانصياع وطيعا، من هذه الزاوية يمكن أن يكون قد خصص له دورا ما في مخططه. علما أنه كان يركز على أشخاص معروفين، منهم بريطل، وجميعهم حاربوا معه في الهند الصينية ضمن الجيش الفرنسي.
في اعتقادي كان حسني بنسليمان سيكون ضابطا ممتثلا للأوامر في أي موقع سيضعه فيه الجنرال محمد أوفقير، حتى ولو كان مرتبطا بمسؤولية كبيرة، علما أن تشكيلة قيادة "الثورة" كانت مقتصرة على بعض العناصر، بعضهم لم يسمع بهم قط ولم يتم التعرف عليهم من طرف الرأي العام، وبعضهم لم ينفضح أمرهم إلا بعد مرور سنوات.
وهنا وجبت الإشارة إلى أن أوفقير، قبيل الانقلاب استدعى جملة من الخونة، أكثرهم كانوا قد غادروا المغرب، وأودعهم على نفقة الدولة بفندق "باليما" بالرباط في انتظار تعيينهم في مناصب، ومنهم قواد خونة وكولونيلات وقبطانات سابقين في الجيش الفرنسي، وظلوا مقيمين بالفندق في انتظار التعليمات من أوفقير، وقد شاءت الظروف أن ألتقي بأحدهم صدفة، وهو القائد بوشعيب الحريزي وقال لي:" إن أوفقير استدعاني لمنحي قيادة القوات المساعدة"، كان على علم بهذا لكن دون أن يكون على علم بالانقلاب.
- كيف كانت علاقة حسني بنسليمان بأمقران؟
+ كانت علاقة عادية وهذا أمر طبيعي ما دام الأول عامل إقٌليم والثاني قائد القاعدة الجوية، لكن آنذاك كانت الأمور غير عادية بالقاعدة وكان المرء يشعر أن شيئا ما كان يتهيأ، وقد تحدثت في هذا الأمر مع الصحفي مصطفى العلوي بمناسبة حديث دار بيننا بخصوص محاكمة الوزراء.
عموما كان حسيني بنسليمان مؤهلا للانصياع لأوامر الجنرال محمد أوفقير بسهولة، لكن ومع ذلك يظل السؤال لماذا تعيين حسني بنسليمان آنذاك بالضبط عاملا على إقليم القنيطرة؟
- وماذا عن "حكومة القنيطرة"؟
+ "حكومة القنيطرة" أسالت الكثير من اللعاب والمداد، وعموما أعتقد أنه لفهم خبايا إعداد الجنرال محمد أوفقير لانقلاب 16 غشت 1972، لا مناص من الاهتمام بشخصية بلعالم، الكاتب العام لوزارة الداخلية، فهو الذي كان يمسك بالكثير من خيوط هذا المشروع، وعلى علم بجملة من أسرار هذه الفترة، علما أن هذه الشخصية ظلت مغيبة حتى من طرف الذين حاولوا كشف مستور هذه الفترة السوداء من تاريخ المغرب. وبلعالم هذا قد لعب دورا حيويا في استقطاب "مسؤولي" ما بعد الانقلاب، وفي هذا الصدد كان قد عمل على خلق خلايا، إذ تم تقسيم المغرب إلى 6 مناطق، وبكل منطقة أحدثت خلية أو لجنة لتهييء الأجواء، وقد أشرف بلعالم على هذه المهمة باعتبار أنه كان على علاقة بأغلب عناصر النخبة (علما أنه كان مديرا لثانوية مولاي يوسف)، لاسيما المنحدرين من العائلات التي ظلت موالية لفرنسا.
فقبل الانقلاب بمدة قصيرة اتجه الاهتمام إلى مؤسسة عمومية مهمة جدا آنذاك لاستغلالها كغطاء ربما لإعداد رجال ما بعد الانقلاب، وهذه المؤسسة هي مكتب التسويق والتصدير
(OFFICE DE COMMERCIALISATION ET DE L EXPORTATION "OCE")، تحت مظلته عمل الجنرال أوفقير على توزيع أشخاص موالين له، عبر العالم، لا علاقة لهم بالتجارة الخارجية ولا هم رجال أعمال، وذلك بغرض ربط العلاقات مع المعارضين والمخبرين لإعدادهم لما بعد الانقلاب، علما أن جملة من هؤلاء الأشخاص استغلوا الوضعية، وانتهزوا الفرصة ليصبحوا عملاء لجهات خارجية كذلك، وهناك حاليا جملة من الأشخاص الذين كانوا في مكتب التسويق والتصدير يعدون من أكبر كبار رجال الأعمال بالمغرب.
- على ذكر إعداد الأجواء للانقلاب، ما هي الإجراءات التي عاينتم القيام بها من طرف الجنرال محمد أوفقير وأعوانه آنذاك؟
+ هناك الكثير من الإجراءات لا يسع لا المقام ولا المجال لذكرها وتحليلها بعمق، لكن آنذاك شعرت شخصيا بأن شيئا ما كان يتهيأ بالقاعدة الجوية بالقنيطرة، حيث كنت ألجها يوميا وفي أي ساعة من الليل أو النهار بفعل إشراف مقاولتي على ترميم وصيانة مدرج هبوط الطائرات بها، وتأكدت شكوكي أكثر عندما قال لي الكومندار الأمريكي "ووسفوم" أنه سيرحل إلى أمريكا فجأة ودون سابق إنذار وسيتم تعويضه بضابط أمريكي آخر، وهذا ما كان وجاء الضابط الجديد ولم يسكن بالقاعدة ولا بالقنيطرة وإنما بشاطئ الأمم بضواحي مدينة سلا، وكان من أبطال حرب الفيتنام، وبعد حلوله بالمغرب بيومين حدث الهجوم على الطائرة الملكية.
واعتبارا لقربي من المقاومة وتعاملي مع الحلف الأطلسي كمقاول، علمت بجملة من الأحداث والاجتماعات والمعطيات لاحظت تغييبها في الكتابات التي عنيت بالانقلاب وتلك الفترة التاريخية، الشيء الذي ساهم، دون فكرة مسبقة، في تقديم أقزام كأنهم عمالقة.
هناك عدة مؤشرات تبين بجلاء أن الجنرال محمد أوفقير كان يعد الأجواء، فقبيل الانقلاب عمل هذا الأخير على إضعاف الأحزاب، فإذا كان مطمئنا من جهة لحزبي أحرضان والخطيب، فإنه لم يكن مطمئنا من جهة أخرى لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، لذلك حاول تنحية أطرها ومناضليها المخلصين بمختلف الوسائل، سواء بواسطة الاعتقال والاختطاف أو بواسطة بث إشاعة قرب المتابعة، الشيء الذي دفع جملة منهم لمغادرة البلاد. كما أعطى أوامره لرجال السلطة الموالين له وأعوانه لتعويض رؤساء المكاتب المحلية للحزبين واستبدالهم بأشخاص موالين، وقد تمت هذه الإجراءات بمدينة القنيطرة بسرعة فائقة، وفي هذا الصدد لعب العامل عبد الله الشرقي دورا بارزا، كمل مشوار حسني بنسليمان، إذ كانت إقامته الرسمية تحتضن اجتماعات جملة من الحزبيين والنقابيين والشخصيات، والذين في طريق عودتهم كان يزورون الدكتور عمر الخطابي في بيته الذي كان وجهة لكل الفعاليات وجميع الريفيين المتواجدين بالقنيطرة والمدن القريبة منها، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين أو رجال أمن.
وقد تمكنت يوما من معرفة ما جرى في إحدى الاجتماعات بإقامة عبد الله الشرقي ومن حضرها وذلك بواسطة شاهد عيان، وهو أحد العمال الذين كانوا يشتغلون في فندق "لامباسي" الذي كنت أملكه آنذاك، وهو الحنفي السرحالي الذى نادى عليه العامل للقيام بخدمة ضيوفه، والذي أخبرني بأن الاجتماع تضمَّن جملة من الأشخاص من بينهم بعض الاتحاديين ومنهم ولد الحاج عبد الله واليعقوبي وحسن لعرج والسيكليس وابراهيم التروس، كما أكد لي حضور بلعالم وحميد بن عبد الحميد الزموري والضابط التادلي (المكلف بالتجنيد الإجباري) وعبد المجيد العراقي (صهر الجزائري المساعدي القائم على المخابرات) وكان مدير مكتب الري آنذاك (المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي حاليا). وبعد تقدم الليل أراد بعض الحاضرين المغادرة، فقيل لهم بأن عليهم البقاء لأن الجنرال محمد أوفقير في طريقه إلى إقامة العامل ويريد التحدث إليهم. وفعلا حطت طائرة مروحية بالقاعدة الجوية وكان على متنها الجنرال..
وأكد لي الحنفي السرحالي أن أوفقير طلب مصحفا وأقسم على مرأى الحاضرين أنه يريد الخير للمغرب، وأن الأمور تسير من سيء إلى أسوء في البلاد وأنه تعب جدا ولا يمكن الاستمرار على هذا الحال... وقد حصل هذا في شهر رمضان.
أما بخصوص النقابة فقد تكلف بلعالم بالاتحاد المغربي للشغل، وقبيل الانقلاب تم حل المكتب النقابي لعمال القاعدة الجوية وتم إحداث نقابة حرة موالية، وربط أمقران علاقة معها منذ نشأتها.
وفي مجال الصحافة أصدر الجنرال أوفقير أوامره بمراقبة الصحافة عن قرب، ودفع العمال ورجال السلطة إلى ربط علاقات ود مع المراسلين، وأرسل إشارات لشركة التوزيع "شوسبريس" لتضييق الخناق على بعض الجرائد، وهذا ما دفع برادة وأصدقاءه إلى خلق شركة توزيع مستقلة (سبريس) التي تألقت في مهامها رغم الصعوبات الجمة التي صادفتها خلال تلك المرحلة العصيبة.
بخصوص القاعدة الجوية، يجب الإشارة إلى أنه قبل تلك الفترة بقليل صدر أمر التخلي عن طائرات "الميج" الروسية التي تم تكسيرها وتحطيمها وبيعها كخردة بعد تعويضها بطائرات "ف 5"، وأخذوا بعض الضباط الشباب إلى فلوريدا قصد التدريب، ومن ضمنهم أمقران ورفاقه الذين كانوا يتقنون قيادة "الميج"، ذهبوا إلى "نورفوك" بفرجينيا للتدريب، وبعد رجوعهم رافقهم طاقم من قدماء محاربي الفيتنام، وهيئت لهم كل الظروف داخل القاعدة، فأحدثوا لهم ناديا خاصا ومكنوهم من التسويق في منطقة حرة، وعين أمقران مساعدا لقائد القاعدة الجوية "ووسفور"، وبعد مدة قصيرة أصبح هو القائد..
في تلك الفترة كان بلعالم يقوم بتنظيم ليالي حمراء بالطابق العلوي لكومسارية وجدة بحضور الشيخات اللائي تجلبن من آسفي بواسطة طائرة مروحية، وكان يحضرها بعض الجزائريين مثل وزير الداخلية المدغري وقاصدي مرباح، وكان هذا في عهد الكومسير الحاج التاخني.
آنذاك عمل الجنرال محمد أوفقير على تحسين الوضعية المادية للضباط، إلا أنه ساد تذمر في صفوف ضباط الصف، الشيء الذي دفع الجنرال إلى إنجاز مشاريع سكنية لهم، وبالقنيطرة قام بانجاز مشروع سكني لفائدتهم بجانب مستشفى الإدريسي في وقت وجيز جدا بواسطة ميزانية التعاون الوطني.
وقبل هذا كان المدبوح قد كشف فضيحة شركة "بانوم" التي انفجرت على إثرها فضيحة الوزراء (المامون الطاهري والشفشاوني وبنمسعود وعمار دفيد...) وأحدثت محكمة العدل الخاصة لمحاكمتهم، آنذاك كانت علاقة الجنرال أوفقير قد توطدت أكثر مع "بلير" والكولونيل "بنيت" وآخرين من عيون المخابرات الأمريكية والفرنسية بالمغرب.
هذه بعض معالم إعداد الأجواء قبل الانقلاب.
- من الأسماء التي برزت في أحداث الانقلاب الثاني، الدكتور عمر الخطابي، هل كان فعلا مرشحا لأن يكون رئيس الجمهورية بعد نجاح المحاولة؟
+ هذا أمر لم يكن واردا في الخطة الخاصة بالجنرال أوفقير، ولا أعتقد أن هذا الأخير كان سيسمح بذلك بأي وجه من الوجوه، علما أن الطبقة الكادحة كانت فعلا تطالب بالتغيير، لكن عندما يطرح الانقلاب كسبيل لتحقيق هذا الهدف لا يظهر إلا رجال من أمثال أوفقير وبلعالم.
- ألا تعتبرون أن ترويج فكرة رئاسة عمر الخطابي، نجل شقيق الأمير عبد الكريم الخطابي، آتى من عند أوفقير لربح ود البعض اعتبارا لكراهية الجميع له؟
+ من المعروف أنه كانت للجنرال أوفقير مشاكل كبيرة جدا، لاسيما بخصوص منطقة الريف والريفيين، وقد أتى بطاقم ريفي للقاعدة الجوية بالقنيطرة، كما أتى بأبناء قواد كانوا ضد الأمير عبد الكريم الخطابي.
قد تكون رغبة أوفقير في تحسين صورته في عيون الريفيين، لكن الأكيد هو أنه كان من الصعب قبول تكليف عمر الخطابي بهذه المهمة من طرف رجل من طينة الجنرال محمد أوفقير.
- بالنظر لعلاقة بعض الاتحاديين الراديكاليين بالانقلاب، ألا يمكن اعتبار ذلك مدخل اقتراح عمر الخطابي للاضطلاع بتلك المهمة؟
+ أولا يجب التأكيد أن الدكتور عمر الخطابي كان إنسانا عاديا، في البداية كان يشغل منصب الطبيب الرئيسي لمستشفى "كانطرال" (الإدريسي حاليا)، وكان يرغب في اقتناء مصحة "روبيو"، المصحة الخاصة الوحيدة بالمدينة، بمعية الدكتور بنجلون، لكن بين عشية وضحاها تمكن من الاستفادة من قرض من البنك التجاري واقتناها لوحده، هكذا بدأ حياته في القطاع الخاص كطبيب جراح.
آنذاك كان يرأس جمعية مساندة الشعب الفلسطيني حيث أسسها بمعية الأستاذ عبابو وزوجته ثريا برادة وثلة من المناضلين الاتحاديين، وعندما أتى محمد آيت قدور إلى القنيطرة التحق بهم.
إن الدكتور عمر الخطابي كان رجل "نية" كما يقال، لم يكن من المتمرسين في السياسة إلا أنه كان يناقش ويتحدث في الأمور السياسية ومستقبل المغرب بدون حرج ولا خشية مع الجميع،وداره كانت مزارا للجميع.
كان يزوره بكثرة مناضلو الاتحاد الاشتراكي، لاسيما الراديكاليون منهم والذين دخلوا من الخارج آنذاك أمثال حسن لعرض واليعقوبي والسيكليس، وكان يزوره كذلك الدكتور الخطيب وغيره من العسكريين وحتى البوليس، فداره كانت مفتوحة للجميع.
وقد يكون في نقاشاته مع المخططين للانقلاب، من غير أوفقير وبدون علمه، قد فكروا في خطة مضادة، وقد تم التطرق إلى هذه الإشكالية.
- لكن كيف يمكن تقييم دور عمر الخطابي في الساحة السياسية بالقنيطرة آنذاك؟
+ عمر الخطابي رجل ذو تكوين شرقي بالأساس ويثق بالآخر بسهولة ولا يخشى أحدا، إذ كان جريئا جدا في أحاديثه دون أي خوف.
كنت سأسافر إلى فرنسا، وقال لي عمر الخطابي: عليك القيام بزيارة أمقران الذي ذهب قصد العلاج هناك بـ "فال دوكراس"، وفي باريس التقيت بجماعة من الاتحاديين، وكانوا في حالة يرثى لها، البؤس والفقر وأوضاع مزرية.. وسألتهم عن سبب تواجدهم بالديار الفرنسية وقالوا لي: الجزائريون ضيقوا علينا الخناق واضطررنا لمغادرة الجزائر، وكذلك الشأن بالنسبة للذين كانوا بيوغسلافيا.. أتوا بنا إلى باريس في انتظار طائرات ستنقلنا إلى المغرب.
تطرقت إلى هذه الحادثة لإظهار أن علاقة عمر الخطابي بالانقلاب، كانت بالأساس عبر خيط الاتحاديين الراديكاليين.
بباريس التقيت بسيناصر (شقيق مستشار الملك) وثريا برادة وعبد الرحمان الصياد، وقال لي هذا الأخير: لقد جمعونا بباريس وسلمنا لهم صورنا لإعداد جوازات سفر جماعية، وعندما سألته عن السبب قال لي إن الطاهري (الذي سبق وأن كان مستشارا للرئيس الجزائري) عينه أوفقير للسهر على هذه القضية.. آنذاك قلت له احذروا من الجنرال محمد أوفقير لأنه سيستدرجكم إلى المغرب لذبحكم.
- لكن ما هي طبيعة العلاقة بين عمر الخطابي وأمقران؟
+ في الواقع لم تكن علاقتهما قوية، القاسم المشترك بينهما هو أصلهما الريفي، ولم تتوطد وتتعدد اللقاءات بينهما إلا قبيل سفر أمقران إلى الخارج قصد العلاج.
- من المعروف أن أمقران ظل نظيفا، ألا تعتقدون أن التفكير في منح رئاسة الجمهورية لعمر الخطابي مصدرها أمقران، إذا سلمنا أن هذا الأخير كانت له خطة للتخلص من الجنرال أوفقير؟
+ أولا لا يجب أن يخفى عليك أن مصير أمقران ورفاقه كان محسوما في ذهن الجنرال أوفقير الذي كان ينوي تصفيتهم بمجرد نجاح المحاولة. وقد أصدر أوامره لعبد السلام عامر للتوجه بدبابته ومذرعاته إلى باب القاعدة الجوية للقنيطرة وانتظار الأوامر.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجب التوضيح أن فضل الجنرال محمد أوفقير على أمقران كبير جدا، فقد رقاه بسرعة لم تكن لتخطر على بال أحد، في سنة واحدة أو أقل من سنة بقليل، حرق خلالها أمقران المراحل، ترقى من الليوتنان إلى قبطان ثم إلى كومندار قائد القاعدة الجوية. ولازلت أذكر أنه كلما دعتني الضرورة لأغراض العمل للقائه بمكتبه بالقاعدة كان "يُشَهِّدُ"بالجنرال محمد أوفقير، في حين كانت علاقة أمقران بعمر الخطابي حديثة العهد.
وعموما أعتقد أن الجنرال أوفقير كانت له خطته وكان يعتمد في تحقيقها على "رباعتو" التي كانت تضم أشخاصا من أكثر المقربين إليه، علما أن الجزائريين كانوا حاضرين في هذه الخطة.
كما أنه وجبت الإشارة إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني كان ذكيا وداهية وسياسيا محنكا بشهادة الجميع، لكن كل هذه الصفات لم يظهر لها أثر عندما وضع ثقته الكاملة في الجنرال أوفقير.
(*) مقاوم مهتم بتاريخ المقاومة من زاوية التاريخ الشعبي، أصدر مؤلفين: رجالات حلالة والمنسي في تاريخ رجالات حلالة، وهو في طور إعداد سلسلة حول موضوع الأحداث المغيبة في تاريخ المقاومة.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمقران يستحق إقامة تذكار لإعطائه حقه في التاريخ
- المغرب العربي الاقتصادي إلى أين؟
- -باراكا من الخزعبلات-
- هل تورط حسني بنسليمان في الإطاحة بالملك؟
- الرأي والرأي الآخر
- وضعية الاقتصاد المغربي في الظرفية الراهنة 1
- يطلق على من لازال يحتضر رصاصة الرحمة
- متى ستنفجر فضيحة الفوسفاط
- تهريب السلاح بالمغرب
- حصيلة المفارقات
- الإسلام السياسي مشروع أثبت فشله بالمغرب
- - غادي نكتب للملك تا يخافوا ما يحشموا-
- لازلنا في حاجة ماسة لثقافة الشباب
- استحقاقات 2007 قادمة
- الملك محمد السادس والإشاعة
- أتمنى أن أكون مخطئا!
- الصحافة الحزبية و انتخابات 2007 بالمغرب - حوار مع إدريس ولد ...
- ثقافة قول -لا- عند اللزوم
- لا مواطنة مع الإقصاء والتهميش
- هل يصرح الملك بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين؟


المزيد.....




- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس ولد القابلة - كان حسني بنسليمان مؤهلا للانصياع لأوامر أوفقير