أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل الماركسية دين؟















المزيد.....

هل الماركسية دين؟


عبدالرحمن مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 10:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


للماركسية كنظرية جانبان ؛جانب تحليلي يقتصر على تقديم الواقع بمعطياته وتناقضاته مع تفسير للظواهر الاجتماعية وربطها جدليا ،هذا الجانب يتعامل مع الاقتصاد كمحرك رئيسي للظواهر الاجتماعية واليه ترجع كل الظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية وفقا للنظرية الماركسية ،هذا الجانب التحليلي من النظرية الماركسية ساهم في تطوير العلوم الاجتماعية فتجاوزت هذه النظرة الفلسفية التنويرية التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر في أوروبا والتي تقدم تصورا مثاليا للمجتمع والطريقة التي يتغير بها الناس ؛فالمطلوب هو تغيير قناعاتهم ومعتقداتهم بالمنطق والمجادلة الفكرية فقط وهذه الأمور كافية لتخلق لنا مجتمعا جديدا كمان كان يعتقد بذلك فولتير وجان جاك روسو ،فتطورت العلوم الاجتماعية في القرن التاسع عشر بالاستفادة من الماركسية والوضعية وحتى فلسفة هيغل ،فمن أهم هذه التطورات وما أضافته من فهم جديد للمجتمع هو أن الانسان كائن اجتماعي وليس حرا كما صورت فلسفة التنوير ذلك ،فهو يخضع لتأثير الجينات والتقاليد ،ولو قسنا الحرية بالمعيار الاجتماعي فقلة هم أولئك الناس الذين يتجاوزون سطوة التقاليد والمعتقدات.
هذا الجانب من الماركسية لا يوجد مدرسة فكرية واحدة أو في علم الاجتماع تجاوزته ،فعلم الاجتماع يرد الظواهر المختلفة الى الأسس المادية القاعدة الاقتصادية وعلاقات الناس في المصانع والمؤسسات هي التي تحدد وعيهم وليس العكس ،بهذا كانت الماركسية فاتحة العلوم الاجتماعية والتي ساهمت في تعميق الفهم الإنساني للمجتمع وحتى للإنسان وعلاقاته مع أقرانه ،فالفهم الماركسي يقتضي البحث في ما خلف الظواهر ؛بمعنى تحديد تلك العوامل التي تشكل الوعي والإرادة وبدون هذا الفهم تبقى الظواهر الاجتماعية معزولة ومجهولة للفهم الإنساني .
هكذا جميع مدارس علم الاجتماع أخذت بالنظرية الماركسية ولو جزئيا فهي نظرية لا يمكن تجاوزها في التحليل الاجتماعي والتاريخي ،لكن المشكلة في الجانب الآخر للنظرية الماركسية وهو الجانب المعياري أو نظرية الماركسية لما ينبغي أن تكون عليه الأمور ،هنا تخفق الماركسية في تقديم الحلول العملية لمشاكل الاقتصاد والمجتمع ،فربما يقبل ناقد ما التحليل الماركسي للاقتصاد والمجتمع ويعترف بوجود تناقضات في الرأسمالية لكنه يعتبر هذه التناقضات كطبيعة مجتمعية وغير قابلة للتجاوز بل على العكس هذه التناقضات هي التي تحرك الاقتصاد والمجتمع فبدون لامساواة لا يمكن أن يكون هناك إبداع وتطور تقني لكنه يبتعد عن نظرتها المعيارية لما ينبغي أن تكون عليه الأمور ويقر أخيرا بأن الرأسمالية أفضل الموجود وهذه كانت نظرة تشرشل للرأسمالية الذي اعتبرها الأقل سوءا بين النظم الاجتماعية الاقتصادية .
الاقتصادي البريطاني الروسي الأصل ألكسندر نوف الذي نشط في الكتابة عن اصلاح الاقتصادات الاشتراكية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ؛اعتبر أن الماركسية ليس لديها شيء تقدمه للاشتراكية كواقع اقتصادي واجتماعي وكذا النظرية النيوكلاسيكية (المهيمنة في الاقتصاد البرجوازي باللغة الماركسية) ،بل على العكس الماركسية بنظرتها المعيارية هي شكل من أشكال الدين فلو بحثنا عن ما تصوره ماركس للمجتمع الما بعد رأسمالي سنجد أنه قدم تصورا لا يختلف عن تصور الجنة أو النعيم في المعتقدات الدينية ،فليس هناك ندرة في الجنة الشيوعية الأرضية بمعنى أن كل شيء متوفر وبلا نهاية يمكن استهلاك القمح أو السيارات بلا نهاية وبحسب حاجة الإنسان ،فليس هناك أي حاجة للنقد أو الأسعار لتنظيم حركة السلع والخدمات فكل شيء سيكون متوفرا وستوزع السلع والخدمات بحسب حاجة الإنسان ،فكل انسان هنا يحصل على ما يريد وما يشتهي تماما كما التصورات الدينية حول الجنة أو الآخرة.
فضلا عن هذا ،نظرة ماركس للمجتمع ما بعد الرأسمالي تقدم تصورا مبسطا للحضارة الجديدة ،فهذا المجتمع هو بلا تعقيد بمعنى ليس هناك سلطات ولا تراتبية ولا تقسيم للعمل ولا تخصص ،وهذه كلها من لوازم الحضارة وليست نتاج الرأسمالية ذاتها ،فالتخصص وتقسيم العمل والبيروقراطية كانا قبل الرأسمالية بقرون طويلة ،هما نتاج للحضارة الزراعية حتى وليس الرأسمالية الصناعية !.
فتقسيم العمل هو نظام حضاري تطور مع ارتقاء الإنسان وكذا التخصص ،هذه النظم هي التي تحفظ استمرارية الحياة البشرية ،بالرغم أنها تقتل الإبداع أو تكبله ،إلا أنها هي التي تحول دون عودة الإنسان الى الحياة البربرية البدائية ،وهذه النظم هي نتاج للتطور التكنولوجي والاكتشافات ،فهذه النظم الرتيبة والتي تكبل الإبداع هما نتاج للإبداع ذاته! ولعل هذا ما جعل جوزيف شومبيتر الاقتصادي النمساوي متشائما من مستقبل الرأسمالية ،فالرأسمالية ذاتها التي تقوم على أعمال المقاول أو المبدع هي التي ستقتل الألية التي تتحرك بها وتتطور أي أن الرأسمالية ستقتل ديناميكيتها بنفسها!.
فنظرة ماركس هنا تتشابه مع رؤية روسو ،أي أن العودة الى الحياة البدائية أو كما كان عليه الأمر مع مجتمعات الصيد المشاعية هي الحل للخلاص من الاستغلال والقهر ،فكل انسان في مثل هذا المجتمع يفعل ما يشاء ويستطيع أن يغير عمله في الوقت الذي يرغب فيه ذلك ،هذه التصورات تتشابه مع رؤية الأخروية للمعتقدات الدينية فليس هناك شقاء ولا كد ولا تعب في الجنة ،وكل شيء يلبى عندما يرغب المرء ،هنا يمكن لنا أن نستخلص الرؤية الطوباوية للجنة الشيوعية على الأرض ،ففي مثل هذا المجتمع تلغى التناقضات ،والتناقض هو محرك التاريخ ، وبدون تناقض سوف لن يكون هناك أي تقدم تكنولوجي أو اجتماعي حتى ،من هنا رفض فرويد هذه النظرة الطوباوية لفكرة القضاء التام على الاستغلال التي نادى بها الماركسيون ،فالاستغلال يمكن أن يقمع أو تخفض درجته لكن لا يمكن الغاءه عمليا ،سيبقى موجودا ما وجد الإنسان هذه رؤية مؤسفة لكنها واقعية ،والتناقض لا يلغى لكن تخفف درجته .
المعتقدات الدينية هي التي تلهب حماس الجماهير لكن في نفس الوقت لا يكون لديها رؤية لتحول اليوتوبيا الى واقع ،بمعنى أن مثل هذه الدعاوي الكبيرة التي تروم الى نقل حياة الناس الى الأحسن بقلب النظام الاجتماعي رأسا على عقب عادة ما تنتهي الى شكل من أشكال مأسسة الدين أو الأيديولوجيا ،هذا ما حدث مثلا مع الزرادشتية في ظل حكم دارا الأول وكذا الإمبراطورية الرومانية التي قامت على أنقاض الجمهورية الرومانية والحرب الأهلية الطبقية -العرقية آنذاك فرغبة الطبقة الريفية بالمساواة والحصول على حقوق متساوية مع الأسياد انتهت الى نظام دولة شديد البيروقراطية والعسكرة مع أغسطس ،وكذا المسيحية مع قسطنطين والإسلام مع معاوية ،وفي العصر الحديث انتهت الشيوعية التحررية الى نظام شديد البيروقراطية يرفض النزعات الفوضوية مع ستالين ،هذا مسار عام لتطور الأيديولوجيا والمعتقدات الدينية ،فهي تبدأ بطريق تحرري يرفض الاستغلال والنظم البيروقراطية الطبقية فتنتهي الى شكل من أشكال الدولة التي قامت ضدها!.
ختاماً..
الماركسية كنظرية تحليلية تملك حظا عظيما في مقارعة واجتياز النظريات الاجتماعية الأخرى ،وهذا الجانب التحليلي لم يكن هو المؤثر على عواطف الجماهير الروسية التي نادت بالشعارات البلشفية وتبنت مبادئ الحركة البلشفية ،الجانب التحليلي في الماركسية ألهب عقول وعواطف رجال الفكر ممن لم يتأثروا بالرؤية الأخلاقية للماركسية أكثر من تأثرهم بالنظرة الحتمية لحركة التاريخ ،فرجال الفكر أخذوا بالتاريخ كحكم لصوابية الرؤية الماركسية ،فالتاريخ يسير الى الامام ولا مجال هناك الى النكوص ،بينما أخذت الجماهير بالرسالة الأخلاقية للماركسية وهذا ما يجعلها في مصاف الأديان رغم امتلاكها لرؤية تحليلية قوية لواقع المجتمعات في ظل الرأسمالية فهل يمكن فصل الجانب النظري التحليلي بالماركسية عن جانبها الرؤيوي الطوباوي كما تصور ذلك جوزيف شومبيتر ؟.



#عبدالرحمن_مصطفى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الرأسمالية سبب تخلف العرب؟
- هل الإسلام هو السبب في تخلف العرب والمسلمين كما يدعي بعض الع ...
- هل ستالين هو السبب في سقوط الاتحاد السوفيتي وفشل مشروعه؟
- هل الاشتراكية نظرية علمية؟
- كارل بوبر ودحض الماركسية
- هل لا زالت الرأسمالية تسود الاقتصاد العالمي؟
- هل الديالكتيك الماركسي مفيد في التقدم العلمي؟
- تنبؤات ماركس في ميزان التاريخ
- هل الشيوعية وهم ويوتوبيا ؟
- لماذا كان سقوط الأنظمة الملكية أمرا حتميا في العالم العربي
- كيف ستنتهي حرب غزة ؟
- هل فشلت الإشتراكية ؟ دروس التجربة السوفيتية
- هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم ...
- فكرة الاشتراكية الديمقراطية كبديل عن الشيوعية ..
- -الماركسية بلا قناع-نقد فون ميزس ممثل الليبرالية الجديدة للم ...
- المشروع السوفيتي وأسباب سقوطه
- أزمة الرأسمالية النيوليبرلية
- فالح عبدالجبار ومابعد ماركس
- التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع
- الاشتراكية والسوق ،هل يمكن التوفيق بينهما ؟


المزيد.....




- رائد فهمي: المال السياسي يخلّ بالعدالة الانتخابية ومنظومة ال ...
- ماذا طلب ممثلو الحزب الاشتراكي الفرنسي من لوكورنو؟
- قطاع المحاماة لحزب التقدم والاشتراكية ينظم ندوة تحت عنوان: “ ...
- الحزب الاشتراكي يؤكد أن لا ضمان لتعليق نظام إصلاح التقاعد بع ...
- الإكوادور: اعتقال خمسة متظاهرين بتهمة محاولة اغتيال الرئيس ن ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- تحليل إخباري - يوم حاسم في فرنسا، إما حكومة يسار أو حل البرل ...
- جيل Z 212 واحتجاجات الشباب في المغرب: من الفضاء الرقمي إلى ا ...
- بيان مشترك: في الذكرى الثانية لانطلاق طوفان الأقصى العظيم، ا ...
- الجبهة الديمقراطية تدعو لتشكيل وفد فلسطيني موحد للتفاوض مع إ ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل الماركسية دين؟