سعد شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 16:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتساءل جمهرة من المهتمين بالشأن السياسي الدولي، عن: مدى ما حققته الصين من مكانة موموقة على المستوى العسكري من خلال توفير مستلزمات القوة الخشنة ذاتياً .... فضلاًَ عن تلاقيها مع اطراف دولية اخرى كروسيا وبقية اعضاء منظمة شنغهاي.
وهنا تبدو الإجابة شاملة: نعم، الصين لم تترك أي مجال للصدفة في بناء قوتها العسكرية، ويمكننا تحليل هذا التموقع المتميز من خلال محورين:
المحور الأول: تحقيق موقع أمني ذاتي في القوة الخشنة
لقد أدركت الصين الدرس التاريخي جيداً: الاعتماد على الخارج في السلاح يجعلها عرضة للابتزاز والحصار (كما حدث لروسيا بعد ضم القرم). لذلك اتبعت استراتيجية شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي:
1. التصنيع العسكري المحلي: حولت الصين صناعتها الدفاعية من مستهلك للتكنولوجيا الروسية والسوفيتية سابقاً إلى منتج مستقل ومبتكر. اليوم، تصنع الصين:
- طائرات الجيل الخامس ،مثل J-20) ) لمنافسة الـ F-35 الأمريكية.
- حاملات طائرات محلية الصنع ( فئة Fujian) مع تقنية القاذفات الكهرومغناطيسية المتطورة.
- صواريخ باليستية فرط صوتية تجتاز أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية.
- أسطول غواصات وأسطح بحري متطور، أصبح الأكبر عدديًا في العالم.
2. الاستثمار في البحث والتطوير: تخصص الصين مبالغ طائلة للبحث في التقنيات الثورية مثل:
- الذكاء الاصطناعي للتطبيقات العسكرية.
- الأسلحة الموجهة بالطاقة (الليزر).
- الحرب الإلكترونية والفضائية.
3. دعم القطاع الخاص التكنولوجي: تستفيد الصين من ثورة قطاع التكنولوجيا المدني مثل شركة DJI في الطائرات المسيرة، وتحول هذه التقنيات لتطبيقات عسكرية، مما يخلق تكاملاً نادراً بين القطاعين المدني والعسكري.
هذا الاكتفاء الذاتي لا يحمي الصين من الحصار فحسب، بل يتحول هو نفسه إلى ورقة ضغط، حيث أصبحت الصين مصدراً رئيسياً للأسلحة المتوسطة والراقية لدول كثيرة، مما يوسع نفوذها الاستراتيجي.
المحور الثاني: التحالفات والتقاطعات الاستراتيجية (مثل منظمة شنغهاي)
هنا تكمن البراعة الصينية في بناء شبكات قوة غير تقليدية. العلاقة مع روسيا وأعضاء منظمة شنغهاي ليست تحالفاً تقليدياً (مثل حلف الناتو) بل هي "شراكة تكتيكية استراتيجية" تحقق للصين عدة أهداف:
1. تضخيم القوة دون التكاليف: تمكنت الصين من:
- استعراض القوة من خلال المناورات العسكرية المشتركة مع روسيا.
- رباك واستنزاف الغرب دون تكلفة مباشرة، حيث أن روسيا (بفضل دعم الصين الاقتصادي غير المباشر) تشكل تحدياً مستمراً لأمريكا وحلفائها في أوروبا، مما يشتت الانتباه والموارد عن الصين.
2. خلق منطقة نفوذ مشتركة: منظمة شنغهاي (التي تضم الصين، روسيا، الهند، باكستان، ودول آسيوية أخرى) هي:
- منصة للأمن الإقليمي لمكافحة ما تسميه الصين "الإرهاب والانفصالية والتطرف" (وهو مصطلح تستخدمه أحياناً لقمع أي معارضة في إقليم شينجيانغ).
- إطار للتعاون الاقتصادي يفتح الأسواق ويؤمن مصادر الطاقة (من روسيا وآسيا الوسطى) للصين.
3. تعددية الأقطاب كاستراتيجية: الصين وروسيا تتقاسمان هدفاً استراتيجياً هو تفكيك النظام العالمي أحادي القطبية الذي تقوده أمريكا وبناء نظام متعدد الأقطاب. هذا التقاطع في المصالح يجعل التعاون بينهما "مرناً" رغم وجود خلافات تاريخية بينهما.
الخلاصة:
الصين نجحت في بناء "قوة شاملة":
• داخلياً: من خلال تحقيق اكتفاء ذاتي في القوة الخشنة يجعلها منيعة أمام الحصار.
• خارجياً: من خلال نسج شبكة من التحالفات المرنة والتقاطعات المصالح التي تعظم من قوتها وتوفر لها غطاء استراتيجياً واقتصادياً.
هذا الموقع الجديد يجعل أي مواجهة عسكرية معها محفوفة بمخاطر غير مسبوقة، لأنها لن تكون مواجهة مع الصين فقط، بل مع شبكة مصالحها وتأثيرها الاقتصادي والعسكري الممتدة من بحر الصين الجنوبي إلى آسيا الوسطى وأفريقيا.
أما التلاقي الروسي الصيني ... فهل هو مرشح للبقاء والاستمرار في حالة حصول مواجهة بين الولايات المتحدة مع أي طرف منهما، وهذا سؤال بالغ الأهمية يلامس جوهر التحولات الجيوسياسية في عالمنا اليوم. فالعلاقة الروسية الصينية معقدة، ومدى استمراريتها في حال مواجهة مع الولايات المتحدة يحتاج إلى تحليل دقيق بعيداً عن التبسيط.
باختصار: التحالف مرشح للاستمرار في المدى المتوسط، لكنه ليس حلفاً مقدساً أو غير قابل للكسر. وأن استمراره يعتمد على طبيعة وشدة المواجهة. وهذا يحتم تناول العوامل التي تقوي هذا التحالف وتلك التي تضعفه:
عوامل تدعم استمرار وتعمق التحالف (لماذا يتقاربان؟)
1. العدو المشترك والهدف الاستراتيجي الموحد: كلا البلدين يعتبران الولايات المتحدة الخصم الأساسي الذي يحاول تقييد صعودهما وإضعاف نفوذهما. هدفهما المشترك هو تفكيك النظام العالمي أحادي القطبية بقيادة أمريكا وإقامة نظام متعدد الأقطاب تتصدرانه. هذا الأساس الإيديولوجي قوي.
2. التكامل الاقتصادي القسري (بسبب العقوبات):عقوبات الغرب على روسيا أجبرت الأخيرة على التوجه للصين كشريك اقتصادي وحيد تقريباً. الصين أصبحت المشتري الرئيسي للنفط والغاز الروسي بأسعار مخفضة، ومزود السلع manufactured goods التي حرمت منها روسيا. هذا الاعتماد المتبادل (حاجة روسيا للبيع، وحاجة الصين للطاقة الآمنة) يخلق رباطاً اقتصادياً قوياً.
3. التكامل العسكري والتقني: تقوم الصين بتزويد روسيا بمكونات حيوية (مثل الإلكترونيات، قطع الغيار) لدعم جهودها الحربية. كما يتقاسمان التكنولوجيا العسكرية (مثل أنظمة الدفاع الجوي، تكنولوجيا الفرط صوتية). هذا التعاون يعزز قدرات الطرفين ويجعل فك هذا الارتباط مكلفاً.
4. المنفعة الجيوسراتيجية المباشرة: وجود روسيا كقوة منشغلة للغرب ومستنزفة في أوكرانيا يخدم الصين بشكل كبير. فهو يربط جزءاً كبيراً من قدرات الناتو في أوروبا، مما يفسح المجال للصين للتحرك في المحيط الهادئ ومضيق تايوان بضغط أقل.
عوامل التصدع والضعف (لماذا قد ينهار؟)
1. العلاقة غير المتكافئة: هذه ليست شراكة بين ندين. الاقتصاد الصيني أكبر بحوالي 10 مرات من الاقتصاد الروسي. مع استمرار الحرب، تتحول روسيا إلى دولة تابعة أو شبه تابعة للصين. الصين هي الطرف الأقوى الذي يحدد شروط اللعبة، وهذا قد يزرع بذور الاستياء على المدى الطويل في موسكو.
2. التنافس التاريخي والجيوسياسي الخفي: هناك تاريخ من الخلافات وعدم الثقة. في آسيا الوسطى (التي تعتبر منطقة نفوذ تقليدية لروسيا)، توسع الصين اقتصادياً يقلق Moscow. كما أن روسيا قد تتردد في دعم الصين بشكل كامل في نزاع حول تايوان، خشية أن تدفعها لمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
3. حدود "الشراكة بلا حدود": عندما تصل التكلفة إلى مستوى حرج، قد يتراجع الطرفان. السيناريوهات الحرجة:
- إذا هاجمت الصين تايوان: هل ستقدم روسيا، المنهكة في أوكرانيا، دعمها العسكري الفعلي لأكبر خصم لأمريكا؟ الأرجح لا. قد تكتفي بتقديم دبلوماسي ومناورات لتشتيت الانتباه.
- إذا تصاعدت المواجهة مع روسيا إلى حد استخدام أسلحة غير تقليدية: هنا قد تضطر الصين إلى إعادة حسابتها، لأن دعم حرب كهذا سيعزل اقتصادها بشكل كامل ويدمر سمعتها.
4. المصالح الاقتصادية الصينية العليا: الاقتصاد الصينى مرتبط بعمق بالغرب وأسواقه. إذا فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات ثانوية على الصين بسبب دعمها لروسيا، قد تضطر بكين إلى موازنة الخسائر. مصلحتها الأولى هي بقاء اقتصادها قوياً، وليس انهيار الاقتصاد الروسي.
الخلاصة:
• في حالة مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا: ستستمر الصين في دعم روسيا اقتصادياً ولوجستياً، ولكنها ستتفادى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. دعمها سيكون "تحت الطاولة" إلى أقصى حد ممكن لتجنب العقوبات المباشرة عليها.
• في حالة مواجهة بين الولايات المتحدة والصين (مثل نزاع تايوان) : سترحب روسيا بانشغال أمريكا في جبهة أخرى وستقدم دعماً دبلوماسياً وسياسياً ولوجستياً (ربما أسلحة) للصين، ولكنها من غير المرجح أن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر إلا إذا شعرت أن انتصار الصين حتمي وأنها يمكن أن تربح دون تكلفة عالية.
الاستنتاج النهائي: التحالف الروسي الصيني هو تحالف تكتيكي ظرفي أكثر منه تحالف استراتيجي أبدي. قوته تكمن في وجود عدو مشترك. هذا التحالف مرشح للاستمرار طالما أن فوائده لكلا الطرفين أكبر من تكلفته، وأي تغيير في هذه المعادلة - خاصة إذا خسرت روسيا قدرتها على الإزعاج أو إذا قدم الغرب للصين صفقة أفضل - يمكن أن يهدد استمراريته على المدى البعيد.
#سعد_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟