سعد شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 23:24
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
تلجأ السلطات الرسمية الرئيسية في أغلب دول العالم إلى المبادئ القانونية العامة التي يتم تشريعها من قبل السلطة المختصة (التشريعية في الغالب) والتي تتعلق بخضوع أعمال الإدارات الحكومية كافة أثناء الظروف العادية لرقابة القضاء، إعمالاً لمبدأ المشروعية. أما إذا توفرت مجموعة المبررات لإعلان حالة الطوارئ التي تعني وجود خطر جسيم عام يهدد حياة أفراد الشعب، فإن تقرير هذه الحالة يرتب وضع قيود على ممارسة بعض حقوق الأفراد وحرياتهم، وفي هذع الحالة يجب إخضاع الاجراءات المتعلقة بحالة الطوارىء لرقابة القضاء من جهة ورقابة البرلمان من جهة أخرى، وبذلك تحاط الحقوق والحريات في الظروف الاستثنائية بحصن منيع يحول دون الاعتداء عليها خلافاً للمبادئ الدستورية العامة.
والظروف الاستثنائية والظروف العادية هما حالتان مختلفتان تماماً من حيث طبيعة الأحداث والآثار القانوني. فالظروف العادية هي الأوضاع الطبيعية التي تسير فيها الحياة اليومية بشكل طبيعي في البلاد، بينما الظروف الاستثنائية هي حالات طارئة أو غير عادية تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة خطر يهدد النظام العام أو الأمن العام.
وتسير الحياة اليومية في الظروف العادية بشكل طبيعي في ظل القوانين واللوائح العادية، وتخضع الإدارة لقواعد المشروعية العادية، أي أنها لا يمكنها الخروج عن القوانين واللوائح إلا في حالات استثنائية محددة، وتلتزم الإدارة بمسؤوليتها عن الأضرار التي تلحق بالأفراد بسبب قراراتها في الظروف العادية.
وفي الظروف الاستثنائية؛ التي هي حالات طارئة وغير عادية تهدد النظام العام أو الأمن العام، مثل الحروب، والكوارث الطبيعية، والاضطرابات الداخلية، والأوبئة، وغيرها. فتسمح هذه الظروف للإدارة بالخروج عن القواعد القانونية العادية لمواجهة هذه الظروف، ولكن بشروط محددة، قد تتضمن تقييداً على بعض الحقوق والحريات، مثل حرية التنقل، والتجمع، والتعبير، كما تخضع الإدارة لرقابة قضائية على تصرفاتها في هذه الظروف، للتأكد من أنها لم تتجاوز حدود الضرورة.
وتبدو هناك مجموعة من الفروق بينهما، من أهمها:
1. طبيعة الأحداث، ففي الظروف العادية هي أحداث طبيعية ومتوقعة، بينما الظروف الاستثنائية غير طبيعية وغير متوقعة.
2. الإجراءات: في الظروف العادية، تلتزم الإدارة بالقواعد القانونية العادية، بينما في الظروف الاستثنائية، قد تضطر إلى الخروج عن هذه القواعد لمواجهة الخطر.
3. المسؤولية: في الظروف العادية، تكون الإدارة مسؤولة عن الأضرار التي تلحق بالأفراد بسبب قراراتها، بينما في الظروف الاستثنائية، قد لا تكون مسؤولة إذا كان تدخلها ضرورياً .
4. الرقابة القضائية: في الظروف العادية، تخضع الإدارة لرقابة قضائية كاملة على تصرفاتها، بينما في الظروف الاستثنائية، قد تكون الرقابة القضائية مقيدة بضرورة مواجهة الخطر.
ومن أبرز الأمثلة على الظروف الاستثنائية:
أ. الحرب: قد تتطلب فرض الأحكام العرفية، وتقييد بعض الحريات، وتعبئة الموارد.
ب. الكوارث الطبيعية: قد تتطلب إخلاء المناطق المتضررة، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار.
ج. الأوبئة: قد تتطلب فرض الحجر الصحي، وتقييد الحركة، وتوفير الرعاية الصحية.
د. الاضطرابات الداخلية: قد تتطلب فرض حظر التجول، وقمع أعمال العنف، وتطبيق القانون.
ولا شك أن الحقوق والحريات في الظروف الاستثنائية تحتاج إلى ضمانات محددة كخضوع التدابير والإجراءات كافة التي تتخذها الإدارة الحكومية إعمالاً لقوانين الطوارئ، إلى جانب تنشيط أدوار الرقابة القضائية أو الرقابة البرلمانية أو إخضاعها لكليهما معاً. على أن يكون معنى الظروف الاستثنائية وجود خطر حقيقي ووشيك يهدد الأمن والنظام العام أو يهدد حياة وسلامة الأفراد والممتلكات، الأمر الذي يوجب اتخاذ الاجراءات الآتية:
أولا: صدور قرار حكومي رسمي: يتم إعلان حالة الطوارئ بقرار من رئيس الجمهورية أو الحكومة، ويجب أن يتضمن القرار تحديد المنطقة التي تشملها حالة الطوارئ وتاريخ بدء سريانها ومدتها.
ثانيا: التقيد بالإجراءات القانونية: على السلطات الالتزام بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في الدستور والقوانين ذات الصلة عند إعلان حالة الطوارئ واتخاذ الإجراءات الاستثنائية.
ثالثا: التناسب بين الإجراءات المتخذة والظرف الاستثنائي: يجب أن تكون الإجراءات المتخذة خلال فترة حالة الطوارئ متناسبة مع حجم الخطر والظرف الاستثنائي، وأن لا تتجاوز الحدود الضرورية لحماية الأمن والنظام العام.
رابعا: الرقابة القضائية: أن تخضع الإجراءات المتخذة للرقابة القضائية، لضمان عدم تجاوز السلطات صلاحياتها وعدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
خامسا:التبليغ بالتدابير المتخذة: على الدولة إخطار المنظمات الدولية والجهات المعنية بالتدابير المتخذة خلال حالة الطوارئ، وخاصة إذا كانت هذه التدابير تنطوي على عدم التقيد بالالتزامات الدولية.
أما في حالة وجود تهديدات عسكرية قد تفضي لنشوب حالة الحرب، فإن اللجوء إلى نظام الطوارئ العسكرية هو الأسلوب الأمثل لمواجهة تلك التهديدات وكذلك منع حصول أزمات داخلية عديدة ، ونظام الطوارىء العسكرية هي نظام قانوني استثنائي تفرضه الدولة عند تعرضها لخطر يهدد أمنها أو نظامها العام، ويسمح للسلطات العسكرية بالتدخل واتخاذ إجراءات استثنائية قد تتضمن تقييد بعض الحريات والحقوق .
ونجد من الملائم هنا تناول بعض المفاهيم المهمة، وهي:
• تعريف الطوارئ العسكرية: حالة الطوارئ العسكرية هي حالة استثنائية تفرضها الدولة عندما يكون هناك تهديد خطير للأمن القومي أو النظام العام، سواء كان هذا التهديد داخليًا (مثل الاضطرابات المدنية) أو خارجيًا (مثل العدوان العسكري)
• السلطات العسكرية: في حالة الطوارئ العسكرية، تمنح السلطات المدنية صلاحيات واسعة للسلطات العسكرية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة النظام والأمن.
• الإجراءات الاستثنائية: قد تشمل هذه الإجراءات فرض حظر التجول، وتقييد حرية الحركة والتنقل، والرقابة على الاتصالات، وتوقيف الأشخاص دون محاكمة، وتجنيد المدنيين للخدمة العسكرية، وغيرها .
• التبرير: يتم تبرير هذه الإجراءات الاستثنائية بضرورة حماية الدولة والمواطنين من الخطر المهدد، وغالبًا ما تكون مؤقتة وتخضع لرقابة قضائية .
• القيود على الحريات: قد تؤدي حالة الطوارئ العسكرية إلى تقييد بعض الحريات الأساسية للمواطنين، مثل حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية التنقل، وحرية الصحافة .
• الرقابة القضائية: على الرغم من صلاحيات السلطات العسكرية، إلا أنه غالبًا ما تكون هناك رقابة قضائية على الإجراءات المتخذة في حالة الطوارئ لضمان عدم تجاوزها للحدود القانونية .
• الهدف: الهدف الرئيسي من حالة الطوارئ العسكرية هو استعادة النظام والأمن في الدولة، وحماية حياة وسلامة المواطنين، والحفاظ على المؤسسات الدستورية .
ومن أبرز الأمثلة على حالات الطوارئ العسكرية: الاحتلال العسكري لدولة أخرى، الاضطرابات المدنية واسعة النطاق، التهديدات الإرهابية، الكوارث الطبيعية الكبرى، والأوبئة.
ويبقى من الضروري ملاحظة أن الخروج عن القواعد القانونية في الظروف الاستثنائية يجب أن يكون مبرراً وضرورياً، ولا يجب أن يكون تعسفياً أو مبالغاً فيه، مع التأكيد على أن الرقابة القضائية تؤدي دوراً مهماً في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم في الظروف الاستثنائية، كما أن الدساتير والقوانين عادةً ما تحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها في الظروف الاستثنائية.
#سعد_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟