سعد شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 00:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُثار الجدل حول دور الولايات المتحدة الأمريكية في إثارة الأزمات العالمية. وذلك منذ منتصف القرن العشرين، وبنهاية الحرب العالمية الثانية 1945، وحينها أصبحت قوة عالمية تتمتع بثروة وازدهار لم تعرفها دولة أخرى، ووصلت إلى أعلى مراتب القوة، ووسعت من مصالحها وتأثيرها إلى ما هو أبعد كثيراً من حدودها. فالتجارة الأمريكية بالسفن والطائرات، كانت تصل إلى أبعد المدن. والدولار الأمريكي أصبح مقياس العملات العالمية. والبنوك والاستثمارات الأمريكية أصبحت في كل مكان. والأغذية والملابس والأفلام السينمائية والآلات الأمريكية أصبحت منتشرة في العالم. والمساعدات الاقتصادية والقواعد العسكرية الأمريكية أصبحت في أماكن كثيرة من العالم وبشكل غير مسبوق من قوة عالمية أخرى.
وارتبط خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية، كقوة عظمى، باختلال توزيع القوة عالمياً أو بإعادة هيكلة توزيع القوة، فقد أصبحت أمريكا مسيطرة على القوة الآسيوية الأكبر (اليابان)، بينما كان الاتحاد السوفيتي (السابق) في مرحلة بناء القوة الاقتصادية، ودخلت الدول المُستَعمَرة (بفتح الميم الثانية) في مرحلة فراغ قوة. أي أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية ارتبطت بضعف القوى الخارجية، غير أن ذلك الضعف لا يخلق وحده قوة عظمى، فعناصر القوة الأمريكية عناصر داخلية بالأساس.
ثم جاء انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ليسمح للولايات المتحدة الأمريكية لتصبح القوة العظمى الوحيدة وآخر الامبراطوريات، ثم باتت بنهاية القرن العشرين (القرن الأمريكي) تستحوذ على قوة عسكرية واقتصادية وثقافية لا تدانيها قوة أخرى، وبصورة غير مسبوقة في التاريخ.
ويلاحظ من خلال تتبع السياسة الخارجية الأمريكية بصورة عامة بأنها سياسة تهدف إلى زعزعة استقرار العديد من دول العالم الأخرى، خاصة تلك التي لا تدور في فلكها، على الرغم من الرأي القائل بأن تدخلها في بعض الأزمات ضروري لحفظ السلام والأمن الدوليين. وعليه يمكن تأكيد تلك السياسة الخارجية من خلال مجموعة من الأبعاد، لعل من أهمها:
1. التاريخ: أدت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً مباشراً أو غير مباشر في العديد من الأزمات خلال تاريخها، مثل حرب فيتنام وحرب الخليج الأولى والثانية واحتلال الصومال وأفغانستان والعراق والأزمة الأوكرانية.
2. السياسة الخارجية: تدعي الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تتبع سياسة خارجية قائمة على مبادئ مثل "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" و"مكافحة الإرهاب".
3. العلاقات الدولية: تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات معقدة مع العديد من دول العالم، بعضها تحالفات قوية (بريطانيا/ كندا/ استراليا)، وبعضها علاقات متوترة (الصين/ روسيا).
4. المصالح الاقتصادية: تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
5. القوة العسكرية: تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أقوى جيش في العالم، مما يمنحها قدرة كبيرة على التأثير على مجرى الأحداث الدولية.
وعند تتبع الأزمات التي تسهم للولايات المتحدة الأمريكية في أداء أدوراً فاعلة فيها، أو تلك التي ما زالت نيرانها مشتعلة، فضلاً عن تأثير تداعياتها على مجرى العلاقات الدولية، لأمكن الوقوف عند:
أولا:الأزمة الأوكرانية: تدعم الولايات المتحدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين الدولتين. لذا تُعد حرب أوكرانيا من أبرز الأزمات العالمية التي واجهت العالم في العقود الأخيرة فقد أدت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً محورياً في هذه الحرب، حيث دعمت أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. وتبدو أوجه الدعم الأمريكي لأوكرانيا من خلال:
1. المساعدات العسكرية: قدمت الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا كميات هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك صواريخ جافلين ومضادات الدروع والطائرات المسيرة.
2. المساعدات الاقتصادية: قدمت الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا مساعدات اقتصادية ضخمة بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
3. العقوبات على روسيا: فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا لردعها عن الاستمرار في حربها ضد أوكرانيا.
4.الدعم السياسي: دعمت الولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا دبلوماسياً في المحافل الدولية، وساعدتها في الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي.
وتبدو أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من دعم أوكرانيا من خلال سعيها لإضعاف روسيا من خلال استنزافها في حرب أوكرانيا، إلى جانب ما يؤديه الجانب الأمريكي في تعزيز حلف الناتو، إذ أدت حرب أوكرانيا إلى تعزيز حلف الناتو، من خلال انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف، كما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن دعم أوكرانيا هو واجب أخلاقي لحماية الديمقراطية في أوروبا.
وقد سمح هذا الدور الأمريكي إلى تصعيد التوتر مع روسيا، مع زيادة خطر اندلاع حرب عالمية جديدة عبر تحول حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، لاسيما بعد تفاقم الأزمة الإنسانية في أوكرانيا، حيث نزوح الملايين من الأشخاص من بيوتهم.
ثانيا:الأزمات في الشرق الأوسط: يتسم الموقف الأمريكي من أزمات الشرق الأوسط بالتعقيد والتغير المستمر، حيث تتفاعل العديد من العوامل لتشكيله، بدءًا من المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مرورًا بالعلاقات مع الدول العربية وإسرائيل، وصولًا إلى التطورات الإقليمية والدولية. وتبدو ملامح الموقف الأمريكي الحالي من أزمات الشرق الأوسط من خلال:
1.دعم الكيان الإسرائيلي: ليس بخافياً على أحد أن الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي انطلق منذ عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان، وحينذاك تغيرت السياسة الأمريكية تجاه هذا الكيان المصنع، وفي عام 1948 كان ترومان أول رئيس في العالم يعترف بالكيان الإسرائيلي، بعد لحظات فقط من إعلانها قيامها، لتبدأ سلسلة من المساعدات الأمريكية لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة.
وقد أدت المساعدات الأمريكية خلال عهد الرئيس جوزيف بايدن للكيان الإسرائيلي دوراً كبيراً في القتل والتدمير الذي يشهده قطاع غزة، خاصة بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويأتي تزويد إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل بالمعدات العسكرية متسقاً مع تاريخ طويل من المساعدات الأمريكية لها، بدأ في عام 1948 وتضمن منحها نحو 158.6 مليار دولار، أغلبها لضمان تفوُّقها العسكري النوعي واستدامة أمنها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الكيان الإسرائيلي على أنه الحليف الاستراتيجي الرئيسي في المنطقة، وتقدم له مساعدات عسكرية واقتصادية ضخم. وتدعم نوايا إسرائيل وتدافع عنه، وتعارض أي مسعى لفرض حلول دولية في الصراع العربي الإسرائيلي.
2.السعي إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: تدعم الولايات المتحدة الأمريكية حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني مع ميل واضح للجانب الإسرائيلي بالمواقف والمشورة وتنسيق المواقف بين الطرفين، وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استئناف المفاوضات بين الطرفين. ومع ذلك، تواجه جهود السلام العديد من العقبات، بما في ذلك استمرار الاستيطان الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني.
3.التعامل مع إيران: تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران على أنها من أهم التحديات التي تواجهها في الشرق الأوسط. وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية إيران بتهديد أمن المنطقة ودعم الإرهاب والسعي إلى تطوير أسلحة نووية، لذلك فرضت عليها عقوبات اقتصادية مشددة بهدف الضغط عليها لتغيير سلوكها.
4.الحرب على الإرهاب: تُعد مكافحة تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى من أهم الأولويات المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط عبر دعم ما يعرف بالتحالف الدولي ضد داعش وتقدم المساعدة العسكرية واللوجستية للقوات المحلية التي تقاتل هذا التنظيم. وقد أدت الحرب الأمريكية على الإرهاب إلى زعزعة استقرار العديد من الدول في العالم الإسلامي.
لقد ترتب على الدور الأمريكي في الأزمات مجموعة من الآثار ظهرت واضحة في المجالات الآتية:
1.عدم الاستقرار: تؤدي الأزمات إلى زعزعة استقرار الدول وتهديد الأمن والسلم الدوليين.
2.الأزمات الإنسانية: تؤدي الأزمات إلى تفاقم الأزمات الإنسانية مثل النزوح واللاجئين.
3.التوتر الدولي: تؤدي الأزمات إلى تصعيد التوتر بين الدول وزيادة خطر الصراعات الدولية.
#سعد_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟