سعد شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 12:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتناقل وسائل الإعلام العالمية والمحطات الفضائية أخباراً وتحليلات توحي بأن العالم مقبل على مواجهة عسكرية بين أطراف عديدة ... ويكاد الموضوع يأخذ اشكالاً هلامية غير ملموسة بين الأطراف الرئيسة في تلك المواجهات، وهذه الأشكال الهلامية غير الملموسة نابعة من طبيعة التوترات الدولية الحالية والتي نجدها لا تشبه الحرب التقليدية الواضحة، بل هي خليط من:
1. الحروب بالوكالة: كما نرى في أوكرانيا والشرق الأوسط، حيث تتصارع قوى كبرى من خلال دعم أطراف محلية.
2. الصراع الاقتصادي والتكنولوجي: كالحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والعقوبات، والسباق على التقنيات الحساسة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
3. الحرب الإلكترونية والمعلوماتية: الهجمات الإلكترونية بين الدول، وحروب التضليل الإعلامي، والتي تجعل الحدود بين الحرب والسلم غير واضحة.
4. التنافس الجيوسياسي في مناطق جديدة: مثل الفضاء والقطب الشمالي والمحيطات، حيث لا توجد قواعد صراع واضحة بعد.
هذا الغموض المتعمد قد يكون جزءاً من إستراتيجية بعض الدول لتجنب المواجهة المباشرة، لأن التصادم العسكري الصريح بين القوى النووية يعني مخاطر لا يمكن تحملها.
ومن أجل استجلاء الواقع الفعلي لما يحدث أو يجري، لا بد من مناقشة كل منطقة على حدة من هذه التوترات، أو لنقل لا بد من وضع تحليل لما يجرى من لعبة القوى الخفية بين الأطراف الرئيسية، ووفق الآتي
التنافس أو الخلاف الأمريكي الصيني ذو الأبعاد الاقتصادية
يسعى كل الولايات المتحدة الأمريكية والصين لفرض هيمنته على العالم اقتصادياً .... ويبدو أن المواجهة قد تحدث بينهما لكننا لا نرشح ذلك الان .. بل نعتقد أن المواجهة قد تكون عام 2030، لا سيما أن الصين تمتلك مجموعة من اوراق اللعب القوية والمتنوعة التي تجعلها لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاهله في المعادلة الجيوسياسية العالمية. هذه الأوراق لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تشكل شبكة متكاملة من مصادر القوة، حيث يمكننا تحليل هذه الأوراق على النحو التالي:
1.الأوراق الاقتصادية (الأقوى تأثيراً)، وتشتمل على:
أ. القوة الاقتصادية الضخمة: تعد الصين "مصنع العالم" وأكبر مصدر للسلع، مما يمنحها نفوذاً هائلاً في سلاسل التوريد العالمية. أي توقف أو اضطراب يسبب صدمة للاقتصاد العالمي.
ب. مبادرة الحزام والطريق (BRI): هذه المبادرة الطموحة هي أداة جيوسياسية واقتصادية ضخمة. من خلال تمويل وبناء البنى التحتية في أكثر من 140 دولة، تخلق الصين شبكة من الاعتماد الاقتصادي والولاء السياسي، وتوسع نطاق نفوذها بشكل غير مسبوق.
ج. الاعتماد المتبادل الاقتصادي:ترتبط الاقتصادات الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بشكل عميق بالاقتصاد الصيني. هذا الاعتماد المتبادل يجعل فرض عقوبات أو الدخول في مواجهة مكلفاً للجميع، وهو ما تستغله الصين كدرع وقائي.
2. الأوراق التكنولوجية والرقمية: ولها صور عديدة ، أبرزها:
أ. الريادة التكنولوجية: لا يمكن النظر إلى الصين على أنها مجرد "مصنع" بل هي منافس رئيسي في التقنيات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي، والاتصالات من الجيل الخامس (5G) عبر شركة هواوي، والمركبات الكهربائية، وأشباه الموصلات.
ب. الحيز الرقمي المغلق (سور الصين العظيم الرقمي): سمح هذا الحيز للصين خلق اقتصاد رقمي ضخم ومعزول إلى حد ما، وبناء شركات تكنولوجية عملاقة مثل Tencent, Alibaba). ) ، كما أن الصين قامت بتصدير نموذجها في مراقبة الإنترنت وإدارة البيانات.
ج. السيادة التكنولوجية: تسعى الصين بقوة للاستقلال التكنولوجي لتجنب خنق قدراتها من خلال حظر التصدير أو العقوبات (مشكلة شركة هواوي مثالاً)، مما يقلل من فعالية هذه الأوراق في يد منافسيها.
3. الأوراق الدبلوماسية والجيوستراتيجية، وتأخذ الأشكال الآتية:
أ. الدبلوماسية الاقتصادية: تقدم الصين نفسها كشريك بديل للدول النامية، دون شروط سياسية (مبدئياً) كما تفعل الولايات المتحدة ودول الغرب، مما يجذب إليها العديد من القادة.
ب. عضوية دائمة في مجلس الأمن: تمتلك الصين حق النقض (الفيتو)، مما يمكنها من عرقلة أي قرار دولي لا يتوافق مع مصالحها، وحماية حلفائها مثل روسيا.
ج. بناء التحالفات غير الرسمية: من خلال منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون، وتقوية العلاقات مع دول مثل روسيا (التحالف غير المعلوم في مواجهة الضغوط الغربية)، وإيران، والدول الأفريقية.
4. الأوراق العسكرية والأمنية، وتبدو واضحة من خلال:
أ. تحديث وتوسيع الجيش: تمتلك الصين أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد، وتستثمر بشكل ضخم في تحديثه، خاصة في القوات البحرية للسيطرة على بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.
ب. القوة الصاروخية: تمتلك الصين واحدة من أكثر ترسانات الصواريخ تطوراً وتنوعاً في العالم، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادة للسفن تهدد حاملات الطائرات الأمريكية (ما يسمى "منطقة الإنكار").
ج. الحرب الهجينة: تتفوق الصين في استخدام أدوات غير عسكرية لتحقيق أهدافها، مثل الحرب الإلكترونية، والتجسس الاقتصادي، وحروب المعلومات، واستخدام "الذئاب المقاتلة" في الدبلوماسية.
ومن خلال ما تمتلكه الصين من أوراق متعددة، لا يمكن تجاهل أنها تواجه بذات الوقت مجموعة من التحديات والقيود، ومن المهم أن نذكر أن هذه الأوراق ليست مطلقة، لكن الصين تواجه تحديات جسيمة في المجالات:
• التباطؤ الاقتصادي والمشاكل الداخلية مثل فقاعة العقارات.
• تدهور صورتها العالمية في كثير من الدول بسبب سياساتها المتشددة.
• مخاطر الإفراط في التمدد كما يظهر في مشاريع الحزام والطريق التي قد لا تكون مستدامة مالياً.
خلاصة:
1. أوراق لعب الصين قائمة على قوة الجذب الاقتصادي أكثر من قوة الدفع العسكري.
2. الاستراتيجية الصينية تقوم على تفادي المواجهة العسكرية المباشرة، والتركيز على كسب النفوذ من خلال الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية، مع استخدام القوة العسكرية كخيار أخير أو كرادع. هذا يجعل صراعها مع القوى الأخرى معقداً ومتعدد الأبعاد، ويتجلى في تلك "الأشكال الهلامية" التي تم ذكرها سابقا.
#سعد_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟